كيف نتعامل مع الأزمات الاقتصادية؟

د مراد باخريصة
1436/01/27 - 2014/11/20 15:07PM
[font="]كيف نتعامل مع الأزمات الاقتصادية؟[/font]
[font="]تمر البلاد بين الفينة والأخرى بأوضاع اقتصادية حرجة وتعاني في بعض الفترات من انعدام أمر من الأمور الضرورية وتأتي عليها أزمات في شيء من الأشياء فقبل أشهر كانت أزمة " الديزل " وقبلها أزمة البترول واليوم أزمة الغاز ونخشى في يوم من الأيام أن تأتي علينا أزمة في شيء من المواد الاستهلاكية الضرورية التي يأكلها الناس ويقتاتون منها.[/font]
[font="]{إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء : 30].[/font]
[font="]إننا نريد اليوم أن نتحدث عن كيفية التعامل مع هذه الأزمات من منظور إسلامي وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم عند حدوث أزمة اقتصادية خانقة أو مرور ظروف حادة وصعبة.[/font]
[font="]فما هو المطلوب منا؟ وكيف نتصرف عند حدوث مثل هذه الأزمات التي تصيبنا وتحل بنا وتنزل علينا في واقعنا؟[/font]
[font="]يجب أن نعلم قبل كل شيء أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا وما نزل بنا هو من ذواتنا ومن كسبنا ومن ابتلاء الله سبحانه وتعالى لنا حتى ننظر في أنفسنا ونراجع حساباتنا فهل استشعرنا هذه اللفتة وأحسسنا أن هذه البلايا التي تنزل علينا هي بسبب ذنوبنا ومعاصينا حتى نتوب وننوب ونستغفر الله جل وعلا منها.[/font]
[font="] {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} ويقول جل وعلا: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} ويقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.[/font]
[font="]إن مشكلتنا هي أننا لا نستشعر أن هذه المحن والشدائد هي بسبب أنفسنا وذنوبنا وفي كل مرة تأتي علينا أزمة من الأزمات في شيء من الأشياء فلا ندرك ولا نستغفر ثم تأتي الأزمة الأخرى وهكذا دواليك ونحن لا نزال في غفلتنا ساهون وفي لهونا غارقون ولهذا نخنق خنقاً بمثل هذه الأزمات المتتابعة مرة في البترول ومرة في الديزل ومرة في الغاز وهكذا لأننا كما قال الله: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.[/font]
[font="]لقد ابتلانا الله سبحانه وتعالى بحكام ظلمة وحكومات عاجزة فاجرة همها أكل خيرات البلد ونهب ثرواتها وسرقة أموالها واصطناع مثل هذه الأزمات واختلاق مثل هذه المشاكل وإحياء مثل هذا المنغصات حتى يعرف الناس أن الأمر لهم وأن حاجة الناس بأيديهم وتحت تصرفهم وليدرك الجميع أنهم هم المسيرون والمتحكمون في شئون البلاد وهم الذين يتصرفون فيها كما يشاءون وكما يظنون ونسوا أن الله سبحانه وتعالى يمكنهم ليستدرجهم ويمكر بهم والله خير الماكرين يقول الله سبحانه وتعالى: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} ويقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.[/font]
[font="]فأين يريدون من عذاب الله؟ وأين سيذهبون من مكر الله؟ وكيف سيفلتون إذا حلّ بهم غضب الله ونزل عليهم عقابه وأصابتهم دعوات المظلومين وأنات المحرومين وآهات المكلومين الذين طالما أصابهم الحرمان وهدّهم الفقر ونزلت بهم الحوائج والجوانح.[/font]
[font="]يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[/font][font="] «اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» ويقول: " وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ " ويقول عليه الصلاة والسلام: " وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ".[/font]
[font="]عباد الله: إن الواجب علينا عند حدوث مثل هذه الحوادث والأزمات أن نكون يداً واحدة وأن نتكاتف ونتعاون ويشعر كل فرد منا أن له إخواناً لن ينسوه ولن يفرطوا فيه ولن يُسلموه أو يخذلوه لأن الرابط الذي بينه وبينهم هو رابط الإيمان والصلة هي صلة أمر بها الرحمن فقال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".[/font]
[font="]فهل عقلنا هذا وفهمناه؟ وهل أدركنا هذا الأمر واستشعرناه؟ والله لو استشعرنا هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لما وجدت بيننا الأنانية وحب الذات وكثرة الطمع والاستحواذ والرغبة في التفرد بالأملاك والأموال والاستئثار بها من دون الآخرين.[/font]
[font="]غابت وللأسف عن كثير منا مثل هذه النصوص الشرعية الشريفة ودخل الجشع في قلوبنا وتمكن التسلط من أنفسنا وقلّ فينا التوكل على الله فصار الواحد منا همه أن يحيا ويموت الآخرون ويعيش لوحده والباقون في ستين داهية يذهبون وأن يحصل هو على كل شيء ولو أن يبقى الآخرون بلا شيء.[/font]
[font="]ماذا نقول لأولئك المحتكرين الذين يحتكرون الأشياء ويقومون بتخزينها في محلاتهم ومستودعاتهم فإذا انعدمت من الأسواق أو شحت أو قلت أخرجوها للناس بأسعار باهضة وتكاليف عالية يعجز أكثر الناس عن أخذها ولا يستطيعون شرائها إلا من اضطر اضطراراً إلى شرائها حتى وصلت سعر اسطوانة الغاز عند بعضهم اليوم إلى بيعها بثلاثة الآف ريال أو ألفين ريال.[/font]
[font="]ألم يعلموا أن فعلهم هذا محرم ومنهي عنه بالنصوص الشرعية والأدلة القطعية يقول الإمام مسلم رحمة الله عليه في صحيحه ( بَابُ تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ فِي الْأَقْوَاتِ ) وذكر فيه حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» والحديث الآخر الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».[/font]
[font="]فتأملوا في فقه الإمام مسلم عندما أختار لهذين الحديثين باباً سماه بهذا الاسم " بَابُ تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ فِي الْأَقْوَاتِ ".[/font]
[font="]إن نصوص الكتاب والسنة قد أمرت حدوث الأزمات والمجاعات والظروف الاقتصادية الخانقة او غلاء الأسعار بعكس ذلك حيث أمرت بالتسهيل على الناس والتخفيف عنهم والحث على إعانتهم ومساعدتهم كما قال الله عزّ وجل: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ).[/font]
[font="]اليوم بعض الناس تتقاتل وتتضارب في طوابير الغاز فهذا يريد تعبئة اسطواناته كلها التي لو أعطيت له كلها لم يتبقى للناس شيء وربما يكون بعد ذلك يذهب ليبيعها على الناس بأسعار خيالية وفي كلا الحالتين لا يجوز له ذلك فإن كانت كلها تابعة له فإن الأولى به أن يُفسح المجال للآخرين ويكتفي هو بتعبئة واحدة أو اثنتين وإن كان هدفه المتاجرة بها بالاحتكار فالمصيبة أعظم.[/font]
[font="]وبعضهم يحتال وينصب ويقدم اسطوانته على اسطوانات الآخرين ويترقب غفلة الناس وابتعادهم ويقتنص الفرص ليتقدم عليهم في الطابور إذا رأى منهم غفلة أو انشغالاً ثم تحصل من وراء ذلك المشاكل العظيمة والخلافات الكبيرة التي قد تصل إلى حد القتل.[/font]
[font="]وقد سمعتم في أزمة المشتقات النفطية التي وقعت قبل أشهر عن حوادث قتل وقُتل عدد من الأشخاص في بعض المناطق بسبب تقدم هذا على ذاك أو إبعاد جالون هذا وتقديم جالون أو اسطوانة ذاك وكل هذا محرم ولا يجوز أبداً.[/font]
[font="]والواجب على كل فرد أن يلتزم بسبقه وينضبط في طابوره وصفه فإنْ كتب الله له شيئاً فإنه سيناله ويصل إليه وإن لم يصله شيء فعليه أن يستشعر قول الله {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} ويعمل بالأسباب {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.[/font]
[font="]بارك الله لي ولكم في القرآن ..[/font]
[font="]الخطبة الثانية:[/font]
[font="]روى البخاري ومسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ»[/font]
[font="]مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المدح العظيم وأثنى عليهم بهذا الثناء العاطر لأنهم كانوا يتعاونون ويتكاتفون ويعين بعضهم بعضاً ويرحم أحدهم الآخر.[/font]
[font="]حتى بلغ بهم روح التعاون والتكاتف إلى حد أن يأتي كل واحد منهم بما عنده فيأتي صاحب القليل بالقليل ويأتي صاحب الكثير بالكثير ثم يقتسموه بينهم بالسوية.[/font]
[font="]فأين نحن من هؤلاء الأشعريين الذين هم قبيلة من القبائل اليمنية أصحاب أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه.[/font]
[font="]اليوم نحن وللأسف الشديد نصنع لأنفسنا الأزمات ونقوم باختلاقها ولا أدل على ذلك مما يراه الجميع ويشاهده من مظاهر كثيرة وصور مختلفة.[/font]
[font="]خذ مثالاً على ذلك ما يراه الجميع ويشاهده في الشوارع والطرقات من تعبط بعض الأشخاص وقيامهم بسد الطريق صدادة وعباطة والتسبب في إيقاف حركة السيارات ومرور الناس ..[/font]
[font="]وكل واحد منهم مصر على عدم التحرك وعدم التنازل ويخبر الآخرين أنه لن يتقدم ولن يتأخر وعلى الآخرين أن يصنعوا الحل فيتقدموا أو يتأخروا ويبقى الجميع مصراً على تصويب نفسه وتخطئة الآخرين فيبقى الخط واقفاً والحركة متوقفة حتى يأتي أحد العقلاء فيوفق بينهم أو يحاول مراضاتهم أو يتنازل أحدهم في النهاية بعد اليأس من إصرار الجميع وعنادهم والتوقف الممل في الخط.[/font]
[font="]فعلينا أن نتقي الله وأن نكون إخوة لبعض يشد بعضنا أزر بعض ويخدم أحدنا الآخر وإذا اضطر الأمر بأحدنا إلى التنازل فليتنازل ولا يوحي الشيطان إليه أن ذلك نقص في حقه أو خدش في مقامه بل يجب أن يعلم أن ذلك رفعة له ومعزة عند الله ثم عند الناس ..[/font]
[font="]يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما في صحيح مسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ».[/font]
[font="]صلوا وسلموا ..[/font]
المشاهدات 1791 | التعليقات 0