كيف عظَّموهـــــــــــا !!

عبدالرزاق بن محمد النهيان
1438/05/16 - 2017/02/13 06:18AM
الخطبة الأولى[/]:(13/5/1438هــ: كيف عظَّموها!!)
أيها الناس:كم من دعوات رفعت حولها،وكم من عبرات سكبت أمامها،وكم من قلوب تقطعت تريد بلوغها والتعبد عندها،يُرخص المؤمن كل شيء من الدنيا ليصل إليها. إنها الكعبة المشرفة وسُمِّيت كعبة؛لشرفها وارتفاعها،وقيل:لتربعها وقيل: لنتوئها وبروزها فكل ناتئ بارز كعب،مستديراً كان أو غير مستدير،والبيتُ الحرام،سماها الله سبحانه بيتا;لأنها ذاتُ سقف وجدار،وهي حقيقةُ البيتية، وإن لم يكن بها ساكن;ولكنْ جعلَ لها شرفَ الإضافة بقوله:{أن طهرا بيتي للطائفين}لا تستحل فيهِ الحرمات ولا يؤذى فيهِ الإنسان ولا الطير ولا النبات ولا الحيوان،في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:"إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة."الحديث والبيتُ العتيق، وسبب تسميته بالعتيق:أنَّه أقدم بيوت الأرض، وقيل:لأنَّ الله أعتقه من الغرق،وأنَّ الله أهلك كلَّ مَن أراد تَخريبه ، وقيل:لأنَّ الله أعتقه من أن يكون ملكًا لأحد من الناس،وقيل:لأن الله يعتق من زاره من النار،إذا لم يَفْسُد شيءٌ من نِيَّتِه أو أعماله.
عباد الله: إن الكعبة ما فضلت لجمال جدرانها أو فخامة كسوتها وثمنية بابها وميزابها،وإنما فضلت الكعبة لموضعها فقد جعل الله موضعها مباركاً وفضله على غيره من البقاع وشرع فيه عبادات خاصة كالطواف وتقبيل الحجر الأسود.
إنها بيت شامخ وصرح عالي وبناء رافع البنيان ثابت الأركان في حفظ من الله وأمان رفع قواعدها خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. قال تعالى:﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
وقال عز وجل﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ يقول ابن عباس رضي الله عنهما:وَوُضِعَ البيتُ على أركانٍ قبل أن تُخلق الدنيا بألفي عام،ثم دُحيت الأرضُ من تحته. وقال مجاهد وقتادة:لم يوضع قبله بيت،وقال ابن كثير:يخبر تعالى أن أول بيت وُضع للناس أي لعموم الناس،لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به ويصلون إليه،ويعتكفون عنده،((لَلَّذِي بِبَكَّةَ))؛يعني الكعبة التي بناها الخليل عليه السلام.
الكعبة المشرفة لم تكن في أول الإسلام قبلة للمسلمين بل كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس،حتى نزل قول الله تعالى:﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فكانت الكعبة المشرفة هي قبلة المسلمين إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله تعالى.
الكعبة المشرفة ما بُني مسجد في صقع من أصقاع الأرض إلاّ كان قبلته نحوها ومحرابه متجهاً إليها،وكل من يصلي يتجه نحوها سواءٌ صلى في البنيان أم صلى في الخلاء. الكعبة المشرفة حين يسافر المسلم إلى مكان في العالم فأول سؤال يَشْغلُ باله ويبحث له عن إجابة،أين اتجاه القبلة؟
فهي قبلة المسلمين أحياءاً وأمواتا.
الكعبة المشرفة،ما دامت هذه الأمة تعظمها وتقدرها حق قدرها فهي على خير،ولا يزول الخير عنها إلاّ بزوال تعظيم هذه البناء العتيق من قلوبهم كما جاء في الحديث:(أن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا هذه الحرمة يعني الكعبة - حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا) رواه أحمد وحسنه ابن حجر.
الكعبة المشرفة باقية إلى آخر الزمان،ويرد الله تعالى عنها عدوان المعتدين ،ويردهم على أعقابهم خاسرين،كما في حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ،فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ،يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ) رواه البخاري.
في آخر الزمان سيطوف بالكعبة المشرفة عيسى بن مريم عليهما السلام،وذلك بعد نزوله وقتله المسيح الدجال،عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أُراني الليلةَ عند الكعبة فرأيت رجلاً آدمُ كأحسنِ ما أنت راءٍ من أُدْمِ الرجال،عليه لِمَّةٌ كأحسنِ ما أنت راءٍ من الِّلمم قد رجلّها وهي تقطر ماء متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين،يطوف بالبيت،فسألت من هذا؟ فقيل:المسيح ابن مريم) رواه البخاري.
وبعد أن يقبض الله تعالى المسيح إليه ويفسد الناس،يتجرأ الأشقياء على الكعبة المشرفة،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يُبايع لرجل بين الركن والمقام،ولن يستحل البيت إلاّ أهله،فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكت العرب ،ثم تجيء الحبشة،فيخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً،هم الذين يستخرجون كنزه)رواه أحمد بسند صحيح.
وفي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة)رواه البخاري. وعند أحمد من حديث عبدالله بن عمرو(يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها ولكأني أنظر أليه أُصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله).
نسأل الله تعالى أن يحرسها،وأن يدحر أعداءها،وأن يرزقنا تعظيمها وأقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الكعبة المشرفة: قبلتكم يا أمة محمد فلتفاخروا بها،ولتتوجهوا إليها بقلوبكم كما توجهت إليها أجسادكم في صلواتكم،فتحققوا العبودية في أعلى درجاتها،وأسمى معانيها. عظموها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمها ويغرس تعظيمها واحترامها ويحفاظ على قدسيتها في قلوب أصحابه رضي الله عنهم؛ففي فتح مكة اشتد فرح سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه فقال:يَا أَبَا سُفْيَانَ،اليَوْمَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ،اليَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ..فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"كَذَبَ سَعْدٌ،وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ"رواه البخاري. ومن تعظيم هذه البقعة المباركة الطاهرة،أنَّ مَن دخلها حصل على الأمان مما يهيجه،قال سبحانه:"وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا".
كان عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يقول:"لو وجدت فيه قاتل عمر ما ندهته"رواه عبدالرزاق.
من فضائل البيت الحرام:مضاعفة الصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد والبقاع،ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»وعند أحمد وابن ماجه:"وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».
وفي مقابل ذلك تعظَّم فيه السيئات والمنكرات،ففعلها فيه من أشد الخطر، وأعظم الضرر على المسلم،قال تعالى:"وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"قال ابن مسعود:" لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ وَهُوَ بِعَدَنِ أَبْيَنَ،لَأَذَاقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَذَابًا أَلِيمًا"فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض،ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه.قال عبد الله بن عمرو بن العاص:"الخطيئة فيه أعظم".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني بغير مكة أحبَ إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة".ثم صلوا...
المشاهدات 1355 | التعليقات 0