كَيْفَ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
فهد موفي الودعاني
1433/12/01 - 2012/10/17 09:35AM
كَيْفَ حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم 3 ذِيْ الحِجَّةِ 1433هـ
للشيخ محمد الشرافي
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَعَلَّمُ كَيْفَ حَجَّ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَصَفَ ذَلِكَ جَابِرُ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , لَعَلَّنَا نَقْتَدِي بِهِ فَيَرْضَى عَنَّا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ! فَنَنْقُلُ كَلامَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّوْضِيح !
قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ , ثُمَّ أُذِّنَ فِى النَّاسِ فِى الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ , فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ , كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رضي الله عنها ! فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ قَالَ (اغْتَسِلِى وَاسْتَذْفِرِى بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِى) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِحْرَامِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَأَنَّهَا تَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ غَيْرَ أَنَّهَا لا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُر !
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَسْجِدِ , يَعْنِي : بَعْدَ أَنِ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ)
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا , وَالرَّمَلُ : إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الْخُطَى , ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا بِـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَبِـ(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) يَعْنِي : بَعْدَ الْفَاتِحَة !
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وَقَالَ (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) فَبَدَأَ بِالصَّفَا , فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ , وَقَالَ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِى وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ , لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ , أَنْجَزَ وَعْدَهُ , وَنَصَرَ عَبْدَهُ , وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ)
ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ , وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ !
ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ , حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِى بَطْنِ الْوَادِى , أَيْ : سَعَى سَعْيَاً شَدِيدَاً ! حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى ! حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَنَع عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا , حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ (إِنِّى لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً , فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ ! وَمَعْنَى حَلَّوا : أَيْ جَعَلُوا إِحْرَامَهُمْ عُمْرَةً وَتَحَلَّلُوا حِينَ طَافُوا وَسَعَوْا وَقَصَّرُوا رُؤُوسَهُمْ , فَصَارُوا بِذَلِكَ حَلالاً لَيْسُوا مُحْرِمِين !
وَقَدِمَ عَلِىٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَ (فَإِنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحْلِلْ)
قَالَ : وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِى قَدِمَ بِهِ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِى أَتَى بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً !
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى , أَهَلُّوا بِالْحَجِّ , أَيْ : أَحْرَمُوا بَعْدَ أَنِ اغْتَسَلُوا وَتَطَيَّبُوا وَلَبِسُوا لِبَاسَ الإِحْرَام !
فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ , ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ , وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ , فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا , حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ , فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِى فَخَطَبَ النَّاسَ , فَقَالَ (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا ! أَلاَ إِنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ ...وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ , ... فاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ , وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ , فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ! وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ! وَإِنِّى قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ : كِتَابَ اللَّهِ ! وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟) قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ! ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ (اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! )
ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ , وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ , فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ , وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ أَيْ : كَثِيبَ رَمْلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حِينَ غَابَ الْقُرْصُ !
وَفِي هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبُّدِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ , وَقَفَ مُسْتَقْبِلاً الْقِبْلَةَ رَافِعَاً يَدَيْهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ! فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ وَالذِّكْرَ فِي عَرَفَةَ وَخَاصَّةً قَوْلَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير !
وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ , وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ , السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ ! ) وَكُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ , فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ !
ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ , فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِنِدَاءٍ وَإِقَامَةٍ , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ , وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ كَانَ فِي مُزْدَلِفَةَ وَقَدْ أُزِيلَ الآنَ , فَرَقِىَ عَلَيْهِ , فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ , فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ , حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلاً , ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّذِى يُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى , حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِى عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ , يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا , بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ , فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِى , ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ , وَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَنَحَرَ مَا غَبَرَ – أي : مَا بَقِىَ - وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ! ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ! (1)
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ .
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَافَ بِالْبَيْتِ عَادَ إِلَى مِنَى وَبَاتَ فِيهَا لَيْلَةَ الْحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَر , وَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ يَرْمِي الْجِمَارِ الثَّلاثِ , يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الصُّغْرَى وَيَجْعَلُهَا بَيْنَ يَدِيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ , يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ , ثُمَّ يَتَقَدَّمُ وَيَنْصَرِفُ إِلَى الْيَمِينِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو دُعَاءً طَوِيلاً , ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِلْوُسْطَى مِثْلَهَا لَكِنِ انْصَرَفَ يَسَارَهَا ثُمَّ يَدْعُو كَذَلِكَ , ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِلْكُبْرَى وَيَجْعَلُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنىَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَرْمِيهَا وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا , يَفْعَلُ هَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ! وَبِذَلِكَ انْتَهَى الْحَجُّ ! ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْ مِنَى وَمَعَهُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , وَنَفَرَ إِلَى الْمُحَصَّبِ وَهُوَ مَكَانٌ قُرْبَ الأَبْطَحِ – مَا يُسَمَّى بِالْعَدْلِ الْيَوْمَ - وَصَلَّى الْظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ , ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ , ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَطَافَ لِلْوَدَاعِ , ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ , وَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ نَظْرَةٍ أَلْقَاهَا عَلَى بَيْتِ اللهِ الْكَعْبَة , لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحِقَ بِرَبِّهِ بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنَ الْحَجِّ بِأَشْهُرٍ قَلِيلَةٍ ! فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيم , وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين !
(1) إلى هنا انتهى حديث جابر رضي الله عنه الذي رواه مسلم وأبو داوود والسياق له , مع بعض الإضافة من مسلم , وما تحته خط شرح لبعض مشكل الحديث !
للشيخ محمد الشرافي
الْحَمْدُ للهِ الذِي فَرَضَ الْحَجَّ عَلَى عِبَادِهِ إِلَى بَيْتِهِ الْحَرَام , وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الأَجْرِ وَوَافِرَ الإِنْعَام , فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ نَقِيَّاً مِنَ الآثَام , وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا جَنَّةُ الْمَلِكِ العَلَّام ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَام , وَخَيْرُ مَنْ أَحْرَمَ وَلَبَّى وَطَافَ بِالْبَيْتِ الحَرَام , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ البَرَرَةِ الكِرَام , وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً مُتَتَابِعاً إِلَى يَوْمِ يُدْعَى النَّاسُ لِلْقِيَام !
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا عِبَادَ اللهِ وَتَعَلَّمُوا كَيْفَ كَانَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي عِبَادَاتِه , فَإِنَّ الْفَلاحَ وَالنَّجَاحَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ هُوَ بِاتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ ( لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ نَتَعَلَّمُ كَيْفَ حَجَّ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَصَفَ ذَلِكَ جَابِرُ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , لَعَلَّنَا نَقْتَدِي بِهِ فَيَرْضَى عَنَّا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ! فَنَنْقُلُ كَلامَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّوْضِيح !
قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ , ثُمَّ أُذِّنَ فِى النَّاسِ فِى الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ , فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ , كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ , فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ رضي الله عنها ! فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ قَالَ (اغْتَسِلِى وَاسْتَذْفِرِى بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِى) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِحْرَامِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَأَنَّهَا تَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ غَيْرَ أَنَّهَا لا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُر !
فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَسْجِدِ , يَعْنِي : بَعْدَ أَنِ اغْتَسَلَ وَتَطَيَّبَ , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ)
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا , وَالرَّمَلُ : إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الْخُطَى , ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا بِـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَبِـ(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) يَعْنِي : بَعْدَ الْفَاتِحَة !
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) وَقَالَ (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) فَبَدَأَ بِالصَّفَا , فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ , وَقَالَ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِى وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ , لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ , أَنْجَزَ وَعْدَهُ , وَنَصَرَ عَبْدَهُ , وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ)
ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ , وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ !
ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ , حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِى بَطْنِ الْوَادِى , أَيْ : سَعَى سَعْيَاً شَدِيدَاً ! حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى ! حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَنَع عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا , حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ (إِنِّى لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً , فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً) فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ ! وَمَعْنَى حَلَّوا : أَيْ جَعَلُوا إِحْرَامَهُمْ عُمْرَةً وَتَحَلَّلُوا حِينَ طَافُوا وَسَعَوْا وَقَصَّرُوا رُؤُوسَهُمْ , فَصَارُوا بِذَلِكَ حَلالاً لَيْسُوا مُحْرِمِين !
وَقَدِمَ عَلِىٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنِّى أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَ (فَإِنَّ مَعِىَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحْلِلْ)
قَالَ : وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِى قَدِمَ بِهِ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِى أَتَى بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً !
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى , أَهَلُّوا بِالْحَجِّ , أَيْ : أَحْرَمُوا بَعْدَ أَنِ اغْتَسَلُوا وَتَطَيَّبُوا وَلَبِسُوا لِبَاسَ الإِحْرَام !
فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ , ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ , وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ , فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا , حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ , فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِى فَخَطَبَ النَّاسَ , فَقَالَ (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا ! أَلاَ إِنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ ...وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ , ... فاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ , وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ , فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ! وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ! وَإِنِّى قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ : كِتَابَ اللَّهِ ! وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟) قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ! ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ (اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! اللَّهُمَّ اشْهَدْ ! )
ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ , ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ , وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ , فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ , وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ أَيْ : كَثِيبَ رَمْلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حِينَ غَابَ الْقُرْصُ !
وَفِي هَذَا بَيَانٌ جَلِيٌّ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبُّدِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ , وَقَفَ مُسْتَقْبِلاً الْقِبْلَةَ رَافِعَاً يَدَيْهِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ ! فَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ نَقْتَدِيَ بِرَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ وَالذِّكْرَ فِي عَرَفَةَ وَخَاصَّةً قَوْلَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير !
وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ , وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ , السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ ! ) وَكُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ , فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ !
ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ , فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِنِدَاءٍ وَإِقَامَةٍ , ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ , وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ كَانَ فِي مُزْدَلِفَةَ وَقَدْ أُزِيلَ الآنَ , فَرَقِىَ عَلَيْهِ , فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ , فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ , حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلاً , ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّذِى يُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى , حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِى عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ , يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا , بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ , فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِى , ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ , وَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَنَحَرَ مَا غَبَرَ – أي : مَا بَقِىَ - وَأَشْرَكَهُ فِى هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِى قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ! ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ! (1)
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخطبة الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرفقات
كَيْفَ حَ...doc
كَيْفَ حَ...doc
المشاهدات 3072 | التعليقات 3
خطبة رائعة ومميزة جدا... وسرد موفق للشيخ محمد الشرافي
جزيت خيرا اخينا الودعاني
جزاك الله خير
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاكما الله خير الجزاء وبارك فيكما
تعديل التعليق