كيف تنعم في قبرك

كيف تنعم في قبرك

عِبَادَ اللهِ، نَحنُ اليَومَ في الدُّورِ وَالقُصُورِ، وَغَدًا سَنَكُونُ مِن سُكَّانِ اللُّحُودِ وَالقُبُورِ، وَوَاللهِ لَيَبِيتَنَّ أَحَدُنَا في القَبرِ وَحدَهُ، وَلَيُبَاشِرَنَّ التُّرَابُ خَدَّهُ، وَلَيَبقَيَنَّ رَهِينَ عَمَلِهِ، فَاعتَبِرُوا بِمَن مَاتَ قَبلَكُم، فكَم مِن مَغرُورٍ خَرَجَ مِن دُنيَاهُ بِالكَفَنِ، فَذُهِبَ بِهِ إِلى بَيتِ البِلَى وَالدُّودِ وَالعَفَنِ، فَآهٍ لَو رَأَيتَهُ قَد حَلَّت بِهِ المِحَنُ، وَتَغَيَّرَ ذَلِكَ الوَجهُ الحَسَنُ، لَيتَ شِعرِي بَعدَ المَوتِ أَينَ تَذهَبُ؟! رَحِمَ اللهُ مَنِ اعتَبَرَ وَتَأَهَّبَ، أَينَ كَثِيرُ المَالِ وَطَوِيلُ الأَمَلِ؟! أَمَا خَلا كُلٌّ في لَحدِهِ مَعَ العَمَلِ؟! أَينَ مَن تَنَعَّمَ في قَصرِهِ؟! أَلَيسَ قَد نَزَلَ في قَبرِهِ؟! آهٍ لَو تَعلَمُ كَيفَ غَدَا وَصَارَ؟! لَقَد سَالَ في اللَّحدِ صَدِيدُهُ، وَبَلَى في القَبرِ جَدِيدُهُ، وَهَجَرَهُ حَبِيبُهُ وَوَدِيدُهُ، أَينَ تِلكَ المَجَالِسُ العَالِيَةُ؟! أَينَ تِلكَ العِيشَةُ الصَّافِيَةُ؟! خَلا وَاللهِ بما صَنَعَ، وَمَا أَنقَذَهُ النَّدَمُ وَمَا نَفَعَ، فَانتَبِهُوا مِن رُقَادِكُم قَبلَ الرَّدَى ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36] إِنَّمَا هِيَ جَنَّةٌ أَو نَارٌ ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2] أَينَ النُّفُوسُ المُستَعِدَّةُ؟! أَينَ المُتَأَهِّبُونَ قَبلَ الشِّدَّةِ؟! أَينَ المُتَيَقِّظُونَ قَبلَ انقِضَاءِ المُدَّةِ؟ تَذَكَّرُوا أَقرَانَكُمُ الَّذِينَ مَضَوا قَبلَكُم، كَيفَ تَرَمَّلَت نِسَاؤُهُم، وَتَيَتَّمَ أَولادُهُم، وَقُسِّمَت أَموَالُهُم، وَخَلَت مِنهُم مَسَاجِدُهُم وَمَجَالِسُهُم، وَانقَطَعَت آثَارُهُم، وَأَنتُم عَلَى الطَّرِيقِ تَسِيرُون، وَيُوشِكُ أَن تَصِلُوا، وَاللهِ لَن تَخرُجَ الأَروَاحُ مِنَ الدُّنيَا حَتى تَسمَعَ إِحدَى البُشرَيَينِ: إِمَّا بالجَنَّةِ أَو بِالنَّارِ ، فَإِن أَرَدتُم حُسنَ الخِتَامِ، فَإِيَّاكُم وَالتَّسوِيفَ وَطُولَ الأَمَلِ، وَالزَمُوا الاستِقَامَةَ وَأَحسِنُوا العَمَل واعملوا لهذه الحفرة الضيقة الموحشة المظلمة عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَ فَيُقَالُ لَهُ : تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا قَالَ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ». قَالَ وَقَالَ عُثْمَانُ : مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ  ) ( [1] )

واعلموا أن للقبر ضمة لا ينجو منها أحد كبيراً كان أو صغيراً، صالحاً أو طالحاً، فقد جاء في الأحاديث أن القبر ضم سعد بن معاذ، وهو الذي تحرك لموته العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ المَلاَئِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ)) ( [2] ) .

وللقبور ظلمه لا ينورها إلا صالحات الأعمال فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ – أي تجمع القمامة - فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا مَاتَت. قَالَ « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي ». قَالَ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا فَقَالَ « دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِا ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاَتِي عَلَيْهِمْ » ( [3] ) .

إن من أجمل الأحاديث أثرا في القلوب هذا الحديث الذي بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم النعيم البرزخي لرجل من الأنصار وقد جلس النبي على شفير القبر يأمر الحافر أن يوسع للميت من قبل رأسه ومن قبل رجليه لأن له عذق في قبره من الجنة فعَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَنَا غُلَامٌ مَعَ أَبِي فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُفْرَةِ الْقَبْرِ فَجَعَلَ يُوصِي الْحَافِرَ وَيَقُولُ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ وَأَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ لَرُبَّ عَذْقٍ لَهُ فِي الْجَنَّةِ ) ( [4] ) ، ومن أسباب النعيم في القبور

الإيمان بالله تعالى سبيل للنعيم في القبر      

ثبت في صحيح بن حبان أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ( إنَّ المؤمنَ في قبرِه لفي روضةٍ خضراءَ ويُرحَبُ له قبرُه سبعونَ ذراعًا ويُنوَّرُ له كالقمرِ ليلةَ البدرِ أتدرون فيما أنزِلَت هذه الآيةُ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] أتدرون ما المعيشةُ الضَّنكةُ ؟ ) قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال: ( عذابُ الكافرِ في قبرِه والَّذي نفسي بيدِه إنَّه يُسلَّطُ عليه تسعةٌ وتسعونَ تِنِّينًا أتدرون ما التِّنِّينُ سبعونَ حيَّةً لكلِّ حيَّةٍ سبعُ رؤوسٍ يلسَعونَه ويخدِشونَه إلى يومِ القيامةِ ) ( [5] ) .

الثبات عند سؤال الملكين من أسباب النعيم في القبور

قال الله تعالى ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) [إبراهيم: 27] يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ..فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الإِسْلامُ فَيَقُولانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا الآيَةُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ...) ( [6] ) .  

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَ القبرِ فقال عمرَ أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقَولُنا يَا رسولَ اللهِ فقال رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمْ اليومَ فقالَ عمرُ بفِيهِ الحجرُ ) ( [7] )  ، وهذا القولُ مِن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه كِنايةٌ عن أنَّه إذا رُدَّتْ عليه رُوحُه يستطيعُ أن يُدافِعَ عن إيمانِه بالجوابِ الذي يُسكِتُ الفتَّانَ ويُقنِعُه؛ فكأنَّما ألْقَمَه حَجَرًا لرسوخ الإيمان في قلبه رضي الله عته .

الأعمال الصالحة سبيل للنعيم في القبور

قال الله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ  كَلَّا  إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا  وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( المؤمنون : 99 / 100 ) ،و صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ ( .. وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي . . . الحديث ) ( [8] ) . ومرَّ الحسنُ البصري - رحمه الله - بجنازة، وكان معه رجل مُسرفٌ على نفسِه، فقال الحسن: "ترى ما أمنية هذا الميت؟ فقال الرجل: أن يعود إلى الدنيا ليتوبَ ويُصلحَ الزاد، فقال الحسن: فكن هذا الرجل".

الصلاة والصيام وفعل الخيرات سبيل للنعيم في القبور

ثبت في صحيح بن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (  إنَّ الميِّتَ إذا وُضِع في قبرِه إنَّه يسمَعُ خَفْقَ نعالِهم حينَ يولُّونَ عنه فإنْ كان مؤمنًا كانتِ الصَّلاةُ عندَ رأسِه وكان الصِّيامُ عن يمينِه وكانتِ الزَّكاةُ عن شِمالِه وكان فعلُ الخيراتِ مِن الصَّدقةِ والصِّلةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ عندَ رِجْلَيْهِ فيؤتى مِن قِبَلِ رأسِه فتقولُ الصَّلاةُ: ما قِبَلي مدخلٌ ثمَّ يؤتى عن يمينِه فيقولُ الصِّيامُ: ما قِبَلي مدخلٌ ثمَّ يؤتى عن يسارِه فتقولُ الزَّكاةُ: ما قِبَلي مدخلٌ ثمَّ يؤتى مِن قِبَل رِجْليهِ فتقولُ فعلُ الخيراتِ مِن الصَّدقةِ والصِّلةِ والمعروفِ والإحسانِ إلى النَّاسِ: ما قِبَلي مدخلٌ فيُقالُ له: اجلِسْ فيجلِسُ وقد مُثِّلَتْ له الشَّمسُ وقد أُدنِيَت للغروبِ فيُقالُ له: أرأَيْتَك هذا الرَّجلَ الَّذي كان فيكم ما تقولُ فيه وماذا تشهَدُ به عليه ؟ فيقولُ: دعوني حتَّى أُصلِّيَ فيقولونَ: إنَّك ستفعَلُ أخبِرْني عمَّا نسأَلُك عنه أرأَيْتَك هذا الرَّجلَ الَّذي كان فيكم ما تقولُ فيه وماذا تشهَدُ عليه ؟ قال: فيقولُ: محمَّدٌ أشهَدُ أنَّه رسولُ اللهِ وأنَّه جاء بالحقِّ مِن عندِ اللهِ فيُقالُ له: على ذلك حَيِيتَ وعلى ذلك مِتَّ وعلى ذلك تُبعَثُ إنْ شاء اللهُ ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ الجنَّةِ فيُقالُ له: هذا مقعَدُك منها وما أعَدَّ اللهُ لك فيها فيزدادُ غِبطةً وسرورًا ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ مِن أبوابِ النَّارِ فيُقالُ له: هذا مقعَدُك منها وما أعَدَّ اللهُ لك فيها لو عصَيْتَه فيزدادُ غِبطةً وسرورًا ثمَّ يُفسَحُ له في قبرِه سبعونَ ذراعًا ويُنوَّرُ له فيه ويُعادُ الجسدُ لِما بدَأ منه فتُجعَلُ نسَمتُه في النَّسمِ الطَّيِّبِ وهي طيرٌ يعلُقُ في شجرِ الجنَّةِ قال: فذلك قولُه تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] ... ) ( [9] ) .

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن غاية أمنيات الأموات أن يعودوا إلى الدنيا ليصلوا لله ركعتين خفيفتين فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبر دُفِن حديثًا، فقال: ((ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتَنَفَّلُون، يزيدهما هذا في عمله أحبُّ إليه من بقية دنياكم)) ( [10]  ) .

الصدقات سبيل للنعيم في القبور 

قال الله تعالى { وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاَللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المنافقون: 10-11] ، وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إنَّ الصَّدقةَ لتطفئ عَن أهلِها حرَّ القبورِ ، وإنَّما يَستَظلُّ المؤمِنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صدقتِهِ ) ( [11] ) .

فلو إذن للميت أن يتكلم لحث على الصدقة فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ ) ( [12] )  ، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى  ( لَيْسَ فِي الصَّدَقَة اِخْتِلافٌ فمَنْ أَرَادَ بِرَّ وَالِدَيْهِ فَلْيَتَصَدَّقْ عَنْهُمَا فَإِنَّ الصَّدَقَة تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْتَفِع بِهَا بِلا خِلَافٍ بَيْن الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الصدقة عن الموتى ونحوها : تصل إليهم باتفاق المسلمين ) ( [13] ) .

 

الخطبة الثانية

قراءة سورة الملك من أسباب النعيم في القبور

 فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه قال يُؤتَى الرَّجلُ في قبرِه فيُؤتَى رجلاه فتقولُ ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ كان يقرأُ سورةَ المُلكِ ثم يُؤتَى من قِبَلِ صدرِه أو قال بطنِه فيقولُ ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ كان يقرأُ سورةَ المُلكِ ثمَّ يُؤتَى من قِبَلِ رأسِه فيقولُ ليس لكم على ما قِبَلي سبيلٌ كان يقرأُ في سورةِ المُلكِ فهي المانعةُ تمنعُ عذابَ القبرِ وهي في التَّوراةِ سورةُ المُلكِ من قرأها في ليلةٍ فقد أكثر وأطيب ) ( [14] ) .

الشهادة في سبيل الله سبيل للنعيم في القبر

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أن الشهيد يجار من عذاب القبر ويأمن فتنة القبر  فعن راشد بن سعد بن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن رجلاً قال: يا رسول الله ! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة)) [15]

من مات مرابطا في سبيل الله نال النعيم في قبره وأمن الفتان

فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) ( [16] ) .

الموت في يوم الجمعة أو في ليلتها من أسباب النعيم في القبر

 فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ) ( [17] )  .

الموت بداء البطن من أسباب النعيم في القبور

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم  في حديث يرويه عبد الله بن يسار، قال: : "كنتُ جالسًا وسليمان بن صُرَد وخالد بن عُرْفُطَة، فذكروا أن رجلًا تُوفِّي مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقُل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن يقتله بطنُه فلن يُعذَّب في قبره))، فقال الآخَر: بلى ) وفي رواية: ((صدقت)) ) ( [18] ) .

فالبَدارَ البَدارَ قبل مجيء هادم اللذات، والحَذارَ الحَذارَ من يوم الحسرات ، قبل أن يقول المذنب: "رب ارجعون" فيقال له: فات.

هذا وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير 

[1] ـ حسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (5623 ) و المشكاة ( 132) .

[2]  ـ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (الصحيحة 1695 ) وفي صحيح الجامع ( 2 / 6988 ) .

[3] ـ صحيح مسلم ( 3 / 2259 ) .

[4] ـ صححه الألباني في "أحكام الجنائز رقم الصفحة (182) .

[5] ـ أخرجه بن حبان في صحيحه  حديث(3122 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 3 / 3552 ) .

[6]  ـ صححه الألباني في "أحكام الجنائز" ( ص 156 ) .

[7]  ـ قال  الهيثمي في مجمع الزوائد : ( 3/50 )  رجال أحمد رجال الصحيح‏‏ .

[8]  ـ رواه أحمد (17803) وأبو داود (4753) وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" ( ص 156 ) .

[9]  ـ أخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم (  3113 ) .

[10] ـ صححه الألباني في السلسلة (الصحيحة:1388)، (صحيح الجامع:3518).

[11]  ـ صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " رقم :( 3484 ) ، وحسنه في صحيح الترغيب ( 873 ) .

[12] ـ أخرجه البخاري برقم ( 1388 )، ومسلم برقم ( 1004 ).

[13]  ـ جامع المسائل" (4/270) .

[14] ـ حسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم ( 1475 ) .

[15] ـ رواه النسائي (4/99). وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)).

[16] ـ رواه مسلم (1913) .

[17]  ـ رواه الترمذي (1074) . وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 49 ، 50) .

[18]  ـ رواه النسائي (4/98)، وأحمد (4/262) (18336)، والطبراني (4/190) (4104). وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي حديث رقم ( 1064 ) .

المشاهدات 2188 | التعليقات 0