كيف تُمضي يومك كله في طاعة ؟
محمد بن إبراهيم النعيم
كيف يُمضي المسلم يومه كله في طاعة ؟
سؤال مهم وضروري وجوابه ليس بالأمر اليسير، ويحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط دقيق، وإن كان من السهل الإجابة عليه إجابة عامة ومختصرة وهي: أن تؤدي الواجبات وتبتعد عن المنهيات ولا تضيع وقتك في الملهيات. فهذا هو مختصر الكلام وموجز البيان، ولكن أود في هذه الخطبة وفي هذه العجالة تسليط الضوء على بعض الأمور المهمة والسهلة في نفس الوقت التي تساعد المسلم على صرف وقته في طاعة الله -عز وجل-. ولا تتوقع أخي المسلم أن أضع لك جدولا أو برنامج يوم كامل منذ الاستيقاظ حتى المنام، لأن هذا لا يلائم كافة الناس، وما سأعرضه إنما هي بعض أعمال وأقوال نبوية إن قمت بها أعانتك بإذن الله تعالى على صرف وقتك كله في طاعة الله -عز وجل-. فإن المسلم مطالب أن يمضي وقته فيما ينفعه في أمر دينه ودنياه لأن الحكمة من وجودنا في الدنيا هي عبادة الله -عز وجل-، وبمفهوم تجاري فإن هدف وجودك في هذه الحياة أن تجمع لنفسك أكبر قدر ممكن من الحسنات لتتحدد درجتك ومنزلتك في الجنة.
ومن عرف هذا الأمر لا أظنه يرضى أن تفوت عليه دقيقة واحدة في غير طاعة. فمن الأعمال المعينة على إمضاء وقتك في طاعة الله -عز وجل- الأعمال التالية:
العمل الأول: أن تؤدي شكر يومك.
فقد روى عبد الله بن غنام-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر على ذلك فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته" رواه أبو داود.
فعلى المسلم أن يؤدي يوميا شكر يومه وليلته وذلك بأن تقدم اعترافك بالمنعم عز وجل وأن تعتقد وتنطق بلسانك أن كل النعم التي عندك أو عند غيرك هي منه جلا وعلا.
فلا يكفي للمسلم أن يعتقد ذلك فقط بالقلب وإنما حثنا رسول الله r أن ننطق به ونعلنه يوميا في الصباح وفي المساء وبالعبارة النبوية التي ذكرتها آنفا.
قال أهل العلم: الشكر هو الاعتراف بالمنعم الحقيقي ورؤية كل النعم دقيقها وجليلها منه جلا وعلا وأن يقوم العبد بحق هذه النعم وصرفها في مرضاة المنعم تبارك وتعالى.
(الفتوحات الربانية بتصرف 3/108).
أيها الأخوة في الله
ومن قال ذلك كل يوم ونطق به وعلم مدلوله ومعناه لا أظنه سيحسد أحدا على نعمة أعطاها الله إياه، لأنه قد قال منذ أن أصبح مقررا ومعترفا: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
فهذا الدعاء من أنجع الوسائل المعينة على القضاء على داء الحسد الذي دب بين بعض مرضى النفوس.
فهل أديت شكر يومك أو شكر أمسك؟ فمن لم يقل هذا الدعاء بالأمس ضاعت عليه فرصة شكر ذلك اليوم إلى الأبد، وكان أقرب إلى جحود نعمة هذا اليوم عليه.
العمل الثاني أن تؤدي كل يوم صدقة مفاصلك: فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» متفق عليه.
وكم عدد مفاصل جسمك لتقدم بعددها صدقات؟ اسمع ما قاله لنا رسولنا r. فقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ابْنُ آدَمَ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ مَفْصِلٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ يَتَكَلَّمُ بِهَا الرَّجُلُ صَدَقَةٌ، وَعَوْنُ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الشَّيْءِ صَدَقَةٌ، وَالشربةُ مِنَ الْمَاءِ يَسْقِيهَا صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه الطبراني.
إن المسلم لا يوجد لديه إجازة عن العمل الصالح. فمن أراد في الإجازة أن ((يغير جو)) كما يقولون لا يعني أن يجعل يومه كله في سياحة ولهو وغفلة عن طاعة الله. فالمسلم كما نرى مطالب أن يؤدي حقوقا وواجبات تجاه ربه -عز وجل- والتي منها ستون وثلاثمائة صدقة. ولا شك أن هذا العدد من الصدقات يتطلب من العبد جهدا ووقتا يمضيه في العمل الصالح سائر يومه، ومن فعل ذلك فقد زحزح نفسه عن النار.
وكما نلاحظ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحصر الصدقات في انفاق المال، وإنما وسّع مجال الصدقات ونوعها لتشمل كل خير من قول وفعل: فقال رسول الله «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ» رواه الإمام مسلم.
فمن أدى زكاة مفاصله وهي دين يومي عليه لا تقبل التقسيط فقد زحزح نفسه عن النار وأمسي _كما يقولون- (لا له ولا عليه).
فلذلك من أراد أن يستبقي له هذه الصدقات لتكون زيادة له في رصيده وليس سدادا لدينه فعليه بأداء صلاة الضحى حيث روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال: "على كل سلامى من ابن آدم صدقة، ويجزئ عن ذلك كله ركعتا الضحى" رواه الطبراني.
العمل الثالث أن تعتق نفسك من النار: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قال حين يصبح أو حين يمسي: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلَائِكَتَكَ، وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ، وَمَنْ قَالَهَا ثَلَاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ " رواه أبو داود.
وقد ذكر ابن العماد -رحمه الله تعالى- في كتابه كشف الأسرار عما خفي من الأذكار: أن السر والحكمة في تكرير هذه الكلمات أربع مرات هو أن عدد حروف هذا الذكر النبوي وجدوه تسعين حرفا فتكرارها أربع مرات يبلغ عددها ثلاثمائة وستين حرفا، ومعلوم أن ابن آدم مركب من ثلاثمائة وستين عضوا، فَعَتقَ الله منه بكل حرف منها عضوا من أعضائه، فإذا قال المسلم هذا الذكر مرة واحدة أعتق الله ربعه أي تسعين عضوا منه وإذا قاله أربع مرات أعتقه الله كله من النار. (الفتوحات الربانية بتصرف 3/106).
فتأملوا رحمكم الله في أقوال رسول الهدى r فاعملوا بها فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الهدى والحكمة أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم وأكرمنا وهدانا إلى دينه القويم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحمن الرحيم وولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة إلى الناس أجمعين، أرشدنا إلى طريق الهدى، وحذرنا من دروب الردى، وجعلنا على المحجة البيضاء ليلِها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته الغر الميامين وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أننا في هذه الحياة لم تخلق عبثا ولن نترك سدى. وإنما أوجدنا الله عز وجل لطاعته وأداء شكره، فمن جعل حياته في خدمة هذا الهدف فقد فاز وأفلح ومن تشتت به دروب الحياة فقد هوى وهلك.
أيها الأخوة في الله
ومن الأعمال والأقوال التي تعين العبد على أن يمضي وقته في طاعة الله -عز وجل- هو أن تحرص كل الحرص على أن تحفظ نفسك من الشيطان سائر يومك ومن فعل ذلك فقد أفلح وأعانه الله -عز وجل-على إمضاء وقته في طاعة الله وجنبه المعاصي. فمن الوسائل المعينة على حماية نفسك من كيد الشيطان، وهو العمل الرابع: هو أن تحرص على الأدعية التي تحرزك من الشيطان طوال اليوم. ومنها دعاء الخروج من المنزل الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا خرج الرجلُ من بيته فقال بسم الله تَوَكَّلْتُ على الله ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله فيقال له: حسبُك قد هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فيتنحى له الشيطانُ فيقولُ له شيطانٌ آخر:ُ كيف لك برجل قد هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ ؟" رواه أبو داود والنسائي.
ومنها دعاء الدخول إلى المسجد حيث روى عبد بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان إذا دخل المسجد قال: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ" رواه أبو داود.
ومتى ما حفظ العبد من الشيطان سائر يومه أعانه الله على أن يمضي وقته في طاعة الله.
أرأيت كيف أن المسلم يسهل عليه عمل الطاعة في رمضان؟ لأن الشياطين ومردة الجن كلها مسلسلة فلا تقوى على اضلال المسلمين أو أن تأثيرهم يضعف على المسلمين، وكذلك الأعمال والأقوال التي إذا فعلها العبد حفظ من الشيطان سائر يومه سيكون لها الأثر الإيجابي في حفظك وإعانتك على أن تمضي وقتك في طاعة الله.
ومنها قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة، فقد روى أبو هريرة t أن رسول الله r قال: " مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " رواه البخاري ومسلم.
أسأل الله تعالى أن يوقظنا من غفلتنا ويبصرنا بعيوبنا . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
25/5/1424هـ