كيف تفوز بالفردوس؟

شايع بن محمد الغبيشي
1444/03/18 - 2022/10/14 18:39PM

كيف تفوز بالفردوس؟

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))

إخوة الإيمان تأملوا هذا الخبر، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «الجنة مائة درجة، كل درجة منها ما بين السماء والأرض، وإن أعلاها الفردوس، وإن أوسطها الفردوس، وإن العرش على الفردوس، منها تفجر أنهار الجنة، فإذا ما سألتم الله فسلوه الفردوس» رواه ابن ماجة وصححه الألباني

وفي رواية البخاري: ( فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» وروى البزار وصححه الألباني من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه : ( إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه سر الجنة) أي أفضل موضع فيها.

قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (فهو أوسط الجنة) يريد به أن الفردوس في وسط الجنان في العرض وقوله: (وهو أعلى الجنة) يريد به في الارتفاع. ومعنى: (فإنه سر الجنة) أي أفضل موضع فيها.

وعن أنس، قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا كرب أباه، فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم»، فلما مات قالت: يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه ) رواه البخاري

عن أنس: أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه غرب سهم، فقالت: يا رسول الله، قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا سوف ترى ما أصنع؟ فقال لها: «هبلت، أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى» رواه البخاري

والفردوس موطن الأنبياء في الجنة، فقد دعا ابن مسعود والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لَا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فِي أَعْلَى جَنَّةِ الْخُلْدِ" رواه أحمد وصححه ابن حبان. والفردوس نزلٌ أعده الله لصفوة خلقه، فقد سأل موسى عليه السلام ربه عن أعلى أهل الجنة منزلة، فقال الله سبحانه: "أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" رواه مسلم.

وللأحاديث السابقة هدايات ودلالات منها:

الأولى: أن تتطلع النفوس لنيل هذه المنزلة العلية وتتشوق لها القلوب وتحلم بالفوز بها وتكون الهدف الذي يسعى المسلم لتحقيقه

الثانية: أن الفردوس الأعلى هي منزل الرسول والأنبياء وصفوة خلق الله عز وجل وأهل كرامته وأعظم الفوز أن يكون المسلم في هذه المنزلة مع نبيه وحبيه صلى الله عليه وسلم.

الثالثة: أن نسال الله ونلح عليه في الطلب، ونكثر الدعاء أن يدخلنا الفردوس الأعلى من الجنة.

الرابعة: الحرص على الأعمال التي توصل إلى هذه المنزلة العلية، فما هي الأعمال التي توصل إلى الفردوس الأعلى من الجنة؟  للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتأمل في النصوص التالية:

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا }([1]) وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} ([2])

فقد بين الله في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته الأعمال التي ينال بها العبد الفردوس ومنها:

أولاً: الإيمان بالله عز وجل ويشمل ذلك توحيد الله وإفراده بالعباد ومحبته وتعظيمه والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

ثانياً: الاستكثار من الأعمال الصالحة وخاصة الصلاة والمحافظة عليها وإقامتها في أوقاتها والخشوع فيها والإكثار من نوافلها ، لما قال رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ» قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رواه مسلم

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد :
عباد الله ومن الأعمال التي ينال بها العبد الفردوس:

ثالثاً: إخراج زكاة المال الواجبة ودفعها لمستحقيها وعد التساهل في إخراجها.

ثالثاً: البعد عن اللغو وأماكنه والإعراض عنه، واللغو كل ما لا ينفع من القول والفعل ومن باب أولى ما حرمه على العبد من الفواحش والمنكرات.  

رابعاً: حفظ الفرج عما حرم الله من الزنا واللواط والبعد عن الأسباب المفضية إلى ذلك من إطلاق البصر في الحرام والخلوة بالمرأة الأجنبية وكل ما يدعو إلى الوقوع في الفواحش، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }([3]) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.

خامساً: أداء الأمة والوفاء بالعهود والعقود والمواثيق

سادساً: محبة النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي بسنته وهديه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» رواه البخاري.
سابعاً: كفالة الأيتام ورعايتهم ودعم الجمعيات التي قوم على رعايتهم والمساهمة فيها عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا رواه البخاري.

ثامناً: حسن الخلق ن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا » رواه الترمذي  وصحَّحه الألباني
تاسعاً: الإحسان إلى البنات والأخوات ن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان له أُختانِ أو ابنتانِ، فأحسنَ إليهما ما صحبتاهُ، كنتُ أنا وهو في الجنةِ كهاتينِ، وقرنَ بين إصبعيه» رواه الخطيب وصححه الألباني.

عاشراً: كثرة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً» رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني. قال المناوي رحمه الله: «إن أولى الناس بي يوم القيامة»: أقربهم مني يوم القيامة، وأولاهم بشفاعتي، وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات.



([1]) [الكهف: 107 - 109]
([2]) [المؤمنون: 1 - 11]
([3]) [الإسراء: 32]

المرفقات

1665761938_كيف تفوز بالفردوس؟.docx

المشاهدات 739 | التعليقات 1

جزاكم الله خيرا 

ونسأل الله أن يجعلنا من أهل الفردوس