كيف تضاعف حسناتك (كيف تطيل عمرك)؟

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/01/15 - 2017/10/05 17:13PM

الخطبة الأولى

إن هدفنا من الحياة ليس الأكل والشرب؛ لأننا حين نعيش لهذا الهدف نشترك مع البهائم والكفار الذين قال الله عنهم }والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم{.

إن الهدف من وجودنا هو عبادة الرحمن وعصيان الهوى والشيطان، (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)، وبمفهوم تجاري فإن هدفنا في هذه الحياة: أن نجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات قبل حلول الأجل؛ كي نثقل موازيننا ونرفع في الجنان من درجاتنا، فالمسلم يحرص على حياته لا لذاتها؛ ولكن ليكسب أكبر قدر ممكن من الحسنات؛ لذلك إذا رأى المسلم أن حياته يزداد فيها حسنات وقربا من الله دعا الله أن يطيل عمره وأن يحسن عمله، فقد قال –صلى الله عليه وسلم- لرجل سأله : أي الناس خير ؟ فقال –صلى الله عليه وسلم- ( من طال عمره وحسن عمله).

وأما إذا رأى أن بقاءه في الحياة سيعرضه للفتن وزيادة السيئات دعا الله أن يقبضه إليه غير فاتن ولا مفتون؛ ولذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم-  يدعو قائلا (اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون)؛ لذلك فإن هدفنا في الحياة ليس أن نعيش لنستمتع فقط كما يعيش الكفار، وإنما هو أسمى من ذلك، وهو أن نحقق عبادة الله تعالى وأن نجمع لأنفسنا أكبر قدر من الحسنات قبل الممات.

إن اكبر مشكلة تواجه المسلم بل كل إنسان؛ أن حياته محدودة، لا يستطيع أن يزيد فيها ولو لحظة واحدة، وإن متوسط الزمن الإنتاجي للإنسان قد لا يتجاوز عشرين سنة من عمره الكلي وليس الستين سنة كلها، لأن متوسط أعمار أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ما بين ستين إلى سبعين سنة، فلو كان متوسط عمر الإنسان ستين سنة فثلثها سيكون نوما على افتراض أنه ينام يوميا ثمان ساعات، أي ثلث يومه يذهب في النوم، وخمس عشرة سنة من عمره تكون فترة طفولة ومراهقة وهي قبل سن التكليف، فلا يبقى من عمره إلا حوالي خمس وعشرين سنة وهي التي ينبغي أن يستغلها في جمع الحسنات وتثقيل الميزان.

أرأيتم كيف أن أعمارنا قصيرة جدا، مما يحتم علينا استغلالها وأن لا نضيع منها شيئا؟ ولذلك كان هناك ضرورة للبحث عن طرق لمضاعفة حسناتنا نظرا لقصر أعمارنا؛ خاصة إذا قارنا أعمار هذه الأمة التي هي بين الستين والسبعين بأعمار الأمم السابقة التي كانت بمئات السنين.

هناك طرق غير مباشرة لإطالة الأعمار يكسب سالكها أكبر قدر ممكن من الحسنات في أقصر الأوقات ليصبح عمره الإنتاجي يفوق عمره الزمني، وهذا لا يتأتى إلا بأعمال ذات ثواب مضاعف، وهنا يكون السؤال كيف يمكن أن تكسب ثواب أعمال يفترض أن يستغرق أداؤها زمنا يفوق عمرك المحدود؟

فلو حضر عاملان من بلد ما ليعملا في بلادنا براتب شهري متعارف عليه مقداره ألف ريال، على أن يقيما مدة سنتين ثم يعودا إلى بلدهما، ثم قرر أحد العاملين عند بدء عمله تغيير وظيفته طمعا في راتب مضاعف، فوجد مراده وأعطي ألفي ريال شهريا، فبعد مضي السنتين، رجعا إلى بلدهما فأخبر الأول ذويه بأنه حصل على دخل مقداره أربعة وعشرين ألف ريال مدة مكثه في العمل، بينما أخبر الأخر أنه حصل على ثمانية وأربعين ألفا ريال، فاستغرب الحضور من قول الثاني، فقالوا: هل أمضيت أربع سنوات في العمل؟ فقال: كلا، وإنما بحثت عن عمل يعطي راتبا مضاعفا.

فانظروا كيف أن كلا العاملين قد أمضيا المدة نفسها وهي سنتان في العمل، ولكن العامل الثاني حصل على ضعف دخل الأول، فكأنه أمضى أربع سنوات في العمل، فالعامل الثاني ليس هدفه أن يطول بقاؤه في السعودية للعمل، وإنما هدفه الحصول على دخل أعلى. 

فكيف يمكن أن تكسب ثواب أعمال يفترض أن يستغرق أداؤها زمنا يفوق عمرك المحدود؟ يكون ذلك بالحرص على الأعمال الصالحة ذات الأجور المضاعفة والتي منها:

(1) الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين:

فقد قال–صلى الله عليه وسلم-: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه) رواه الإمام احمد.

 فركعتان في الحرم المكي لا تستغرق دقائق معدودة ثوابها مئتي ألف ركعة، فإذا أردت أن تصل إلى هذا العدد بأداء السنن الرواتب فستحتاج إلى ست وأربعين سنة تقريبا.

ولو صليت الجمعة في الحرم المكي، كُتب لك ثواب مئة ألف جمعة فيما سواه، بينما لو أردت الحصول على ثواب مئة ألف جمعة في غير مكة فستحتاج إلى ألفي سنة.

 أرأيتم كيف تضاعف ثوابك؟

عمل آخر لتضاعف حسناتك وهو بالمحافظة على صلاة الجماعة في المسجد.

إن معظم الناس يعلمون فضل صلاة الجماعة وأنها تفضل على صلاة الفرد بخمس وعشرين أو سبع وعشرين صلاة، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  قال : (صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده) رواه مسلم. فلو توفي رجلان في عمر واحد أحدهما تعود أن يصلي الفرائض في البيت بمفرده طوال حياته، والآخر يصليها في المسجد، لكان مجموع ثواب صلاة الثاني أكثر من ثواب نظيره الأول بخمس وعشرين مرة، ومعنى ذلك أن ما يحصل عليه الفرد من ثواب الصلاة المكتوبة منفردا خلال خمس وعشرين سنة، يمكن أن تكسبه أنت في سنة واحدة، إذا صليت كل الصلوات المفروضة في المسجد مع الجماعة بينما هو صلاها لوحده.

أرأيتم عظم ثواب صلاة الجماعة؟

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والفوز والفلاح لِلْمُتَّقِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، واحرصوا على الأعمال ذات الأجور المضاعفة التي تزيد من حسناتكم، وقد ذكرت لكم عملين وهما: الصلاة في الحرم وأداء الصلاة في الجماعة، وهناك عمل آخر يمكن أن نضاعف فيه حسناتنا وهو بالحرص على أداء صلاة النافلة في البيت، أو في المكان الذي لا يراك فيها أحد، فقد روى صهيب الرومي –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال :(صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين مرة) رواه أبو يعلى صححه الألباني.

 وهذا يعني أن مجموع الحسنات التي يحصل عليها من صلى النوافل في المسجد خلال خمس وعشرين سنه يمكن أن تكسبها أنت خلال سنة واحدة إذا صليتها في البيت أو في المكان الذي لا يراك فيه أحد.

هل ترضى أن تفوت هذا الأجر العظيم؟

 لندرك أنه كلما كان العمل خالصا لله تضاعف ثوابه، لذلك قال –صلى الله عليه وسلم-  (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسا وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة، فأتم وضوئها وركوعها وسجودها، بلغت صلاته خمسين درجة) رواه أبو داود.

لماذا هذا الثواب؟ لأنه لم يصل خوفا من أحد ولم يذكره بالصلاة أحد، وليس عنده صديق يرائي عنده؛ ولكنه الخوف من الله والاستشعار بمراقبة الله له وهو في صحراء خالية من البشر مما جعله يقوم يصلي فريضة لله دخل وقتها، فكان ذلك الثواب المضاعف.

فعود نفسك على الإخلاص؛ بأن تجعل للبيت نصيبا من صلاة النافلة فإن لك في ذلك خيرا عظيما.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا.....

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت....

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا....

اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا...

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...

6/6/1433هـ

المشاهدات 1146 | التعليقات 0