كَيْفَ تَسْتَفِيدُ الْعَامَّةُ مِنْ التَّفْسِيرِ 27 /5/ 1443هـ
محمد بن مبارك الشرافي
كَيْفَ تَسْتَفِيدُ الْعَامَّةُ مِنْ التَّفْسِيرِ 27 /5/ 1443هـ
الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغِفْرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَّةٌ كُبْرَى وَنِعْمَةٌ عُظْمَى؛ لِأَنَّهُ سَبِيلُ الْهِدَايَةِ، وَطَرِيقُ السَّلَامَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْغِوَايَةِ، وَلَنْ يُفْلَحَ عَبْدٌ حَتَّى يَرْتَبِطَ بِهِذَا الْقرْآنِ تَعَلُّمًا وَعَمَلًا، قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَاهَدَ هَذَا الْقُرْآنَ تَعَلُّمًا لِقَرَاءَتِهِ وَمُدَاوَمَةً عَلَى تِلَاوَتِهِ، فَيَجْعَلُ الْمُسْلِمُ لَهُ وِرْدًا يَوْمِيًّا لا يُخِلُّ بِهِ، كَمَا هِيَ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، حَيْثُ كَانَ لَهُمْ أَوْرَادٌ يُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا، وَلَوْ فَاتَ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ وِرْدُهُ لِعَارِضٍ, قَضَاهُ فِي الْيَوْمِ التَّالِي.
وَمِمَّا يَنْبَغِي لَنَا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: التَّدَبُّرُ لِمَعَانِيهِ وَالتَّفَهُّمُ لآيَاتِهِ وَالاعْتِبَارُ بِعِظَاتِهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالْفَهْمِ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ: النَّظَرَ فِيمَا كَتَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَيَّضَ لِكِتَابِهِ الْكَرِيمِ جَهَابِذَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ فَهِمُوا مُرَادَ اللهِ مِنْ كَلامِهِ، فَأَلَّفُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا بَسَطُوا فِيهَا أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ، وَأَبَانُوا مَا يَعْسُرُ فَهْمُهُ، أَوْ يُشْكلُ مَعْنَاهُ، وَاسْتَنْبَطُوا الْفَوَائِدَ الْعَقَدِيَّةَ وَالْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ أَفْضَلِ التَّفَاسِيرِ الْمَوْجُودَةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ تَفْسِيرٌ عَظِيمٌ نَافِعٌ مُفِيدٌ، وَهُوَ التَّفْسِيرُ الْمُسَمَّى [تَيْسِيرُ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِ كَلامِ الْمَنَّانِ]، وَهَذِهِ وَقَفَاتٌ مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ الْعَظِيمِ.
الْوَقْفَةُ الأُولَى: مَعَ الْمُؤَلِّفِ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْعَلَمُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَاصِرٍ بِنِ سِعْدِيٍّ, مِنْ قَبِيلَةِ تَمِيم ، وُلِدَ فِي بَلْدَةِ عُنَيْزَةَ فِي الْقَصِيمِ، وَذَلِكَ بِتَارِيخِ 12 مُحَرَّم عَامَ أَلْفٍ وَثَلاثِمَائَةٍ وَسَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةَ النَّبَوِيَّةِ، وَتُوِفِّيْتْ أُمُّهُ وَعُمْرُهُ أَرْبَعُ سِنِينَ، وَتُوِفِّيَ وَالِدُهُ وَلَهُ سَبْعُ سِنِينَ، فَتَرَبَّى يَتِيمًا وَلَكِنَّهُ نَشَأَ نَشْأَةً حَسَنَةً، وَكَانَ قَدِ اسْتَرْعَى الْأَنْظَارَ مُنْذُ حَدَاثَةِ سِنِّهِ بِذَكَائِهِ وَرَغْبَتِهِ الشَّدِيدَةِ فِي الْعُلُومِ، وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ ثُمَّ حَفِظَهُ عَنْ ظَهِرِ قَلْبٍ وَأَتْقَنَهُ وَعُمْرُهُ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً، ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي التَّعَلُّمِ عَلَى عُلَمَاءِ بَلَدِهِ وَعَلَى مَنْ قَدِمَ بَلَدَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَاجْتَهَدَ وَجَدَّ حَتَّى نَالَ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْ كُلِّ فَنٍّ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَلَمَّا بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ ثَلاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً جَلَسَ لِلتَّدْرِيسِ فَكَانَ يَتَعَلَّمُ وَيُعِلِّمُ، وَيَقْضِي جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَ التَّدْرِيسُ بِبَلَدِهِ رَاجِعًا إِلَيْهِ، وَمُعَوَّلُ جَمِيعِ الطَّلَبَةِ فِي التَّعَلُّمِ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، مُتَوَاضِعًا لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَنَفْعِ النَّاسِ طُوَالَ حَيَاتِهِ وَكَانَ يُعَلِّمُ الطُّلَّابَ وَيُفِقُّهُ الْعَامَّةَ فِي خُطَبِ الْجُمُعَةِ وَفِي الْمَجَالِسِ الْخَاصَّةِ وَفِي حَدِيثِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَانَ مِنْ دُرُوسِهِ التِي انْتَفَعَ النَّاسُ بِهَا : دُرُوسُ التَّفْسِيرِ التِي نَتَجَ مِنْهَا تَأْلِيفُهُ لِكِتَابِهِ النَّافِعِ فِي تَفسِيرِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يُفَسِّرُ لِلنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ فِي عُنَيْزَةَ ثُمَّ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ كَتَبَ مِنْ حِفْظِهِ مَا أَلْقَاهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ تَفْسِيرٍ لِلْقُرْآنِ حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ كَامِلًا، ثُمَّ طَبَعَ مِنْهُ بَعْضَ الْأَجْزَاءِ وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْهُ فَطَبَعَهُ كَامِلًا، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّأْلِيفِ ،وَمَتَّعَ اللهُ بِحَيَاتِهِ، وَبَارَكَ اللهُ فِي أَوْقَاتِهِ، وَكَانَ غَايَةُ قَصْدِهِ مِنَ التَّصْنِيفِ هُوَ نَشْرَ الْعِلْمِ وَالدَّعْوةَ إِلَى الْحَقِّ ، وَلِهَذَا يُؤَلِّفُ وَيَكْتُبُ وَيَطْبَعُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُؤَلّفَاتِهِ، لا يَنَالُ مِنْهَا عَرَضًا زَائِلًا، أَوْ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا عَرَضَ الدُّنْيَا، بَلْ يُوَزِّعُهَا مَجَّانًا لِيَعُمَّ النَّفْعُ بِهَا. وَبَعْدَ عُمْرٍ مُبَارَكٍ دَامَ قُرَابَةَ 69 عَامًا فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ انْتَقَلَ إِلَى جِوَارِ رَبِّهِ فِي عَامِ 1376هـ فِي مَدِينَةِ عُنْيَزَةَ مِنْ بِلادِ الْقَصِيمِ رَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً.
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: مَعَ كَلَامِ عَالِمٍ عَاصَرْنَاهُ وَعَرَفْنَاهُ وَوَثِقْنَا بِعِلْمِهِ, وَهُوَ قَدْ تَتَلْمَذَ عَلَى الشِّيْخِ ابْنِ سِعْدِيٍّ, وَدَرَسَ عَلَى يَدَيْهِ، وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ الْعُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ، حَيْثُ قَالَ: إِنَّ تَفْسِيرَ شَيْخِنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَاصِرِ السِّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الْمُسَمَّى (تَيْسِيرُ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ فِي تَفْسِيرِ كَلَّامِ الْمَنَّانِ) مِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مِيْزَاتٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا سُهُولَةُ الْعِبَارَةِ وَوُضُوحُهَا حَيْثْ يَفْهَمُهَا الرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ وَمَنْ دُونَهُ. وَمِنْهَا : تَجَنُّبُ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ الذِي لا فَائِدَةَ مِنْهُ إِلَّا إِضَاعَةُ وَقْتِ الْقَارِئِ وَتَبَلْبُلُ فِكْرِهِ. وَمِنْهَا : تَجَنُّبُ ذِكْرِ الْخِلَافِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ قَوِيًّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى ذِكْرِهِ, وَهَذِهِ مِيزَةٌ مُهِمَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَارِئِ حَتَّى يَثْبُتَ فَهْمُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا : السَّيْرُ عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ فَلا تَحْرِيفَ وَلا تَأْوِيلَ يُخَالِفُ مُرَادَ اللهِ بِكَلامِهِ, فَهُوَ عُمْدَةٌ فِي تَقْرِيرِ الْعَقِيدَةِ. وَمِنْهَا : دِقَّةُ الاسْتِنْبَاطِ فِيمَا تَدَلُّ عَلَيْهِ الآيَاتُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحِكَمِ, وَهَذَا يَظْهَرُ جَلِيًّا فِي بَعْضِ الآيَاتِ كَآيَةِ الْوُضُوءِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ, حَيْثُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا خَمِسينَ حُكْمًا, وَكَمَا فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي سُورَةِ ص. وَمِنْهَا : أَنَّهُ كِتَابُ تَفْسِيرٍ وَتَرْبِيَةٍ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضَلِةِ كَمَا يَتَبَيَّنُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . وَمِنْ أَجْلِ هَذَا أُشِيرُ عَلَى كُلِّ مُرِيدٍ لِاقْتِنَاءِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنْ لا تَخْلُو مَكْتَبَتُهُ مِنَ هَذَا التَّفْسِيرِ الْقَيِّمِ. وَأَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُؤَلِّفَهُ وَقَارِئَهُ إِنَّهُ كَرِيمٌ جَوَادٌ وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ, ا.هـ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ خُلاصَةَ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ مَا يَلِي: (أَوَّلًا) أَنَّ مُؤِلِّفَهُ عَالِمٌ مَوْثُوقٌ مَعْرُوفٌ، فَأَنْتَ تَقْرَأُ هَذَا التَّفْسِيرَ وَأَنْتَ مُطْمَئِنٌّ تَمَامًا. (ثَانِيًا) أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بِلُغَةٍ سَهْلَةٍ يَفْهَمُهَا الْمُتَعَلِّمُ وَغَيْرُ الْمُتَعَلِّمِ. (ثَالِثًا) أَنَّ الشَّيْخَ فَسَّرَ الْقُرْآنَ تَفْسِيرًا إِجْمَالِيًّا مُخْتَصَرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَبَاحِثِ اللُّغَوِيَّةِ أَوِ الْخِلَافَاتِ الْفِقْهِيَّةِ أَوِ الْإِشْكَالاتِ النَّحْوِيِّةِ، وَبِهَذَا لا يَكُونُ فِيهِ إِشْكَالٌ لِلْاسْتِفَادَةِ مِنْهُ. (رَابِعًا) أَنَّ الشَّيْخَ يَسْتَنْبِطُ مِنَ الآيَاتِ الْفَوَائِدَ الْعَقَدِيَّةَ وَالْمَسَائِلَ التَّرْبَوِيَّةَ وَالْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ, بِطَرِيقَةِ سَهْلَةٍ مُحَبَّبَةٍ لِلنُّفُوسِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَدَخَلَ فِي ثَنَايَا التَّفْسِيرِ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لا يُفَارِقُهُ أَبَدًا، لِمَا يَجِدُ مِنَ الْإِيمَانِيَّاتِ وَالْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ مَعَانِي الآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ إِنَّنَا فِي حَاجَةٍ عَظِيمَةٍ إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا لِنُفْلِحَ فِي دَينِنَا وَدُنْيَانَا وَنَسْعَدَ فِي حَيَاتِنَا قَبْلَ مَمَاتِنَا، وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ الْقِرَاءَةَ فِي كِتَابِ تَفْسِيرِ ابْنِ سِعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ الذِي سَمِعْتُمُ الْكَلَامَ عَنْهُ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى، وَإِنَّ مَخْبَرَ هَذَا التَّفْسِيرِ أَعْظَمُ مِنْ مَنْظَرِهِ وَمَنْ قَرَأَ فِيهِ عَرَفَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّكَ سَتَجِدُ لَذَّةً جَدِيدَةً لِلْقُرْآنِ وَتَتَمَنَّى أَنَّكَ لا تُفَارِقُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَجَرِّبْ تَجِدْ بِإِذْنِ اللهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِمَّا أَقْتَرِحُ عَلَيْكُمْ تِجَاهَ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنْ تَجْعَلَ لَكَ قِرَاءَةً يَوْمِيَّةً، سَوَاء فِي بَيْتِكَ مَعَ أَهْلِكَ أَوْ حَتَّى وَحْدَكَ، وَسَوَاء قَرَأْتَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ النَّوْمِ، ثُمَّ ابْدَأْ بِجُزْءِ النَّبَأِ مِنْ سُورَةِ عَمَّ ثُمَّ مَا بَعْدَهَا مِنْ سُورَةِ النَّازِعَاتِ حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنْ الْجُزْءِ الثَّلاثِين ثُمَّ جُزْء تَبَارَكَ ثُمَّ هَكَذَا، وَبِإِذْنِ اللهِ سَوْفَ تَنْتَفِعُ وَتَفْهَمُ مَعَانِي الْقُرْآنَ وَتَزْدَادُ عِلْمًا وَإِيمَانًا، وَتُحَقِقُّ شَيْئًا مِن قَوْلِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعالَى { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وَتَبْتَعِدُ عَنْ صِفَاتِ الذِينَ ذَمَّهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. وَمِنَ المقْتَرَحِ عَلَى أَصْحَابِ الفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ المسَاجِدِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِرَاءَةٌ فِي التَفْسِيرِ لِجَمَاعَةِ المسْجِدِ, فَيَخْتَارُ الوقتَ المنَاسِبَ, بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ أَوِ العِشَاءِ, ثُمَّ يَقْرَأُ تَفْسيرَ خمَسِ آيَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا, وَلَا يُطِيلُ عَلَى لِئَلَّا يَمَلَّ الجَمَاعَةُ, ثُمَّ ينْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَضَّرَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى النَّاسَ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ وَاضِحَةً مَفْهُومَةً, نَفَعَ اللهُ بِالجَمِيعِ.
وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ أَقْبَلَ عَلَى الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَانْتَفَعَ بِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَجَلاءَ أَحْزَانِنَا وَهُمُومِنَا وَغُمُومِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدًا لَنَا لا شَاهِدًا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ عَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَصَدَّقَ بِأَخْبَارِهِ وَقَبِلَ أَحْكَامَهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا، اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا, اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ, وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمتِك وتَحوُّلِ عَافِيتِك وفُجْأَةِ نِقمَتِك وجَميعِ سَخطِكِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
المرفقات
1640716829_كَيْفَ تَسْتَفِيدُ الْعَامَّةُ مِنْ التَّفْسِيرِ 27 جمادى الأولى 1443هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق