كيف تستجلب رحمة الله؟َّ
عنان عنان
1436/04/28 - 2015/02/17 21:20PM
( الخطُبةُ الاولى )
في هذهِ الخُطبةِ نقفُ معَ أجملَ وأحلى شيءٍ في الحياةِ، شيءٌ لوْ دخلَ في بيوتِنا وأمورِنا صلُحتْ أمورُنا كُلُّها، وعشنا أسعدَ حياةٍ وأحلى حياةٍ، فما هو هذا الشيءُ؟ إنَّها رحمةُ اللهِ القائلِ في كتابِهِ " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "[يونس:58]
ما المخرجُ مما نحنُ فيه؟ ما النجاةُ من الهمومِ والمصائبِ والأزماتِ؟ إنَّها رحمةُ اللهِ، لا ملجأ ولا منجا منهُ إلا إليهِ.
دخولُ الجنَّةِ التي عرضُها السمواتُ والأرضُ، ليسَ بسببِ طاعتِنا وصلواتِنا وقرباتِنا، إنَّما يُدخلُ اللهُ عبادَهُ السُعداءَ جنَّتَهُ برحمتهِ،
وبمحضِ فضلِهِ وإحسانِهِ وجودِهِ وكرمِهِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: سددوا وقاربوا وأبشروا فإنَّهُ لا يَدخلُ أحداً الجنَّةَ عملُهُ"قالوا ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ "ولا أنا إلا أن يتغمدنيَ اللهُ بمغفرةٍ ورحمةٍ " [رواهُ البخاريُّ ومُسلمٌ].
إنَّ رحمةَ لوْ فتحها سبحانهُ لأحدٍ من خلقِهِ، فسيجدُها في كُلِّ شيءٍ، وفي كُلِّ موضعٍ، وفي كُلِّ حالٍ، وفي كُلِّ مكانٍ، وفي كُلِّ زمانٍ،
فإنَّهُ لا مُمسكَ لها، قالَ سبحانهُ: " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "[فاطر:2] .
ما من نعمةٍ من نعمِ اللهِ، يُمسكُ اللهُ معها رحمتَهُ، حتى تتقلبَ هيَ بذاتها نقمةً، وما من محنةٍ تحفُّها رحمةُ اللهِ، حتى تكونَ هيَ بذاتها نعمةً، ينامُ الإنسانُ على الشوكِ معِ رحمةِ اللهِ فإذا هو مِهادٌ وحريرٌ، وينامُ على الحريرِ وقدْ أُمسِكتْ عنهُ رحمةُ اللهِ فإذا هو شوكٌ وعذابٌ.
إنَّ المالَ والولدَ والقوةَ والجاهَ والسلطانَ تُصبحُ مصادرَ قلقٍ وتعبٍ ونكدٍ إذا أُمسكتْ عنها رحمةُ اللهِ، فإذا فتحَ اللهُ أبوابَ رحمتِهِ، كانَ فيها السَكَنُ والراحةُ والسعادةُ والإطمئنانُ، يبسُطُ اللهُ الرزقَ معَ رحمتِهِ، فإذا هو متاعٌ طيبٌ ورخاءٌ، ويَمسِكُ رحمتَهُ عنْ هذا الرزقِ، فإذا هو مَثارُ قلقٍ وخوفٍ، وإذا هو مَثارُ حسدٍ وبُغْضٍ.
عبادَ اللهِ، إنَّ رحمةَ اللهِ من طلبها وجدها، ومن أخذَ بمفاتيحِها نالها في أيِّ مكانٍ وفي أيِّ حالٍ، وجدها إبراهيمُ-عليهِ السلامُ- في النَّارِ، ووجدها يوسُفُ-عليهِ السلامُ- في الجُبِّ، كما وجدها في السجنِ، ووجدها يونُسُ-عليهِ السلامُ-في بطنِ الحوتِ في ظُلماتٍ ثلاثٍ، ووجدها موسى عليهِ السلامُ في اليمِّ وهو طِفلٌ رضيعٌ مُجرَّدٌ من كُلِّ قوةٍ ومن كُلِّ حراسةٍ، ووجدها أصحابُ الكهفِ في الكهفِ حينَ إفتقدوها في القصورِ والدُّورِ، فقالَ بعضُهم لِبعضٍ: "فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً[الكهف:16
ووجدها رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-هو وصاحبُهُ في الغارِ، والقومُ يتعقبونهم قائلاً: "
لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنا"ووجدها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمه اللهُ- عندما أُدخِلَ السجنُ، فالتفتَ إلى السجانِ وتثملَ قولَ اللهِ تعالى
" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13ٍٍٍٍٍ]
وسيجدُها كلُّ أحدٍ أخلصَ للهِ قاصداً بابَ اللهِ دونَ الأبوابِ كُلِّها.
عبادَ اللهِ، كيفَ نستجلبُ رحمةَ اللهِ؟
أولا: الايمانُ إنَّ رحمةَ اللهِ لا تحصلُ إلا لمن آمنَ ، الإيمانَ الحقيقيَ بجميعِ أركانهِ الستةِ : الإيمانِ باللهِ ، بملائكتهِ ، وبكتبهِ ، ورسلهِ ، وباليومِ الآخرِ ، وبالقدرِ خيرهِ وشرهِ ، ، وقالَ جلَّ وعلا : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية:30] .
ثانياً: طاعةُ اللهِ وطاعةُ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- إنَّ ما عندَ اللهِ لا ينالُ إلا بطاعةِ اللهِ ، ودخولِ الجنةِ مُعّلقٌ بطاعةِ الحبيبِ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم - القائلِ: «كُل أمتي يدخلونَ الجنةَ إلا من أبى، فقالوا: يا رسولَ اللهِ من يأبى؟ قالَ: من أطاعني دخلَ الجنةَ ومن عصاني فقد أبى» [صحيح البخاري (6737)].، وقالَ جلَّ وعلا : ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[آل عمران:132] .
ثالثا: إتباعُ الكتابِ والسنةِ، إنَّ إتباعَ كتابِ اللهِ هو الخيرُ كلُّ الخيرِ ، والسنةُ لا يصحُ إتباعُ الكتابِ إلا بإتباعها ؛ لأنها شارحةٌ ومبينةٌ للكتابِ . قال تعالى : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام:155] .أما إتباع السنة قال تعالى :﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ.....الاية﴾[الأعراف:157].
رابعا: رحمةُ الخلقِ، كيف تُريدُ رحمةَ اللهِ وأنتَ لا ترحمُ عبادَه ،قالَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - : « الراحمونَ يرحمُهم الرحمنُ ، ارحموا من في الأرضِ يرحمُكم من في السماءِ » [صحيح ، سنن أبي داود ح (4941) ، سنن الترمذي ح (1924) وقال : حسن صحيح].
إنَّ المؤمنَ لا يكونُ مصدرَ إيذاءٍ أبداً، وإلا ففي إيمانهِ نظرٌ، قيلَ لرسولِ اللهِ ^: فلانةٌ تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ ولكنها تؤذي جيرانَها؟ قال -صلى الله عليه وسلم - : «دعوها إنها من أهلِ النارِ» [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/169): رواه أحمد والبزار ، ورجاله ثقات]. من ادعى الإيمانَ وهو يؤذي الخلقَ ويُفزعُهم فهو كاذبٌ «من لا يرحمُ لا يُرحمُ»وأولى الناسِ برحمتك ولينك وعطفك اقربُ الناسِ منك اهلكَ وأولادكَ .
إذا ترحلّتْ الرحمةُ من المجتمعِ، انقلبَ المجتمعُ إلى مجتمعِ غابٍ، يأكلُ القويُ فيه الضعيفَ، وتُداسُ فيه الحقوقُ، ويشكو الوالدُ ولدَه، وتشكو الزوجةُ زوجَها، والقضايا المتراكمةُ في المحاكمِ تشهدُ بذهابِ خُلقِ الرحمةِ بينَ الناسِ. بل لقدْ أخبرنا الصادقُ المصدوقُ: «أنَّ امرأةً بغياً رأت كلباً في يومٍ حارٍ يطوفُ ببئرٍ، قدْ أدلعَ لسانَه من العطشِ، فنزعتْ له بموقِها (أي أنها استقت له من البئرِ، والموقُ هنا هو الخفُّ فغُفِرَ لها» [أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2619)، من حديث أبي هريرة].
إذا كانتِ الرحمةُ بالكلابِ تغفر الخطايا للبغايا فكيفَ تصنعُ الرحمةُ بمن وحّدَ ربَّ البرايا؟!
خامساً: التصالحُ بينَ الأخوةِ، قالَ تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الحجرات:10] لا صلاحَ لأحوالِنا ولاقتصادِنا إلا بالأخوةِ والتصالحِ .
سفينةُ المجتمعِ إذا تمَّ خرقَها سنغرقُ جميعاً فلنوحدْ صفوفَنا ولا نسمحْ لأحدٍ يشقُ صفنا واُلفتَنا .
قلتُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فأستغفروه وتوبوا إليهِ إنه هو التوابُ الرحيمُ.
( الخُطبةُ الثانيةُ )
سادساً: زيارةُ المريضِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " «من عاد مريضًا لم يزلْ يخوضُ في الرحمةِ حتى يجلسَ، فإذا جلسَ اغتمسَ فيها»[صحيح، موطأ مالك: كتاب العين (1694)، مسند أحمد (3/304] وغيرهم]
إنها رسالةٌ أن نتواصى على الخيرِ ،رسالةٌ أن نتآخى، رسالةٌ أن نتراحمَ ،رسالةٌ أن لا نتفرقَ وهذا هو الإسلامُ، يقول عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: «ما مِنْ مُسلمٍ يعودُ مُسلِمًا ـ أي: يزورُ مريضًا أو أخًا لهُ في الله ـ غُدوةً في أوَّلِ النَّهار إلاَّ صلَّى عليهِ سبعُونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُمسي، وإن عادَهُ عَشيِّةً ـ أي: في المساء كذلك » [صحيح البخاري].
سابعاً: التقوى، إن التقوى شرطٌ لحصولِ الرحمةِ من اللهِ ، ولا يمكنُ أن تحصلَ الرحمةُ والفضلُ والخيرُ للفاجرِ العاصي ، قالَ سبحانه : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
ثامناً: الإنصاتُ إلى القرءانِ الكريمِ والإستماعِ له وتعلمِهِ، القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ هو كلُّهُ بركةٌ ورحمةٌ وفضلٌ ،وكلما اقتربَ منه العبدُ كلما حصل َله الفضلُ والبرُ والرحمةُ ، قال عز من قائل : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « . . وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ يتلونَ كتابَ اللهِ ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينةُ ، وغشيتهم الرحمةُ ، وحفتهم الملائكةُ وذكرهم اللهُ فيمن عنده»[ أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (4867)].
تاسعا: الإستغفارُ والتوبةُ، الإنسانُ محلُ الخطأِ فهو ينسى وينامُ ويضعفُ ويكسلُ ويظلمُ ويجهلُ ، لكنَّ اللهَ بلطفهِ ورحمتهِ وإحسانهِ وتكرمهِ شرع َالاستغفارَ والتوبةَ من جميعِ الذنوبِ كبيرِها وصغيرِها ، جليلِها وحقيرِها فكان فضلُه وبرُه ورحمتُه واسعاً عظيماً ، قال سبحانه : ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
عاشراً: الصبرُ على المصائبِ، فالدنيا جُبلت على كدرٍ وتعبٍ وهمومٍ ومن ثم فأحلى حياةٍ وأسعدَ حياةٍ يعيشُها المسلمُ بالصبرِ،و نتيجةَ الصبرِ محمودةٌ ، بل الصابرونَ هم الذينَ تنالُهم رحمةُ اللهِ ، قال تعالى : ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:157].
الحاديَ عشرَ: قيامُ الليلِ، وإيقاظُ الزوجينِ لبعضِهم، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « رحمَ اللّهُ رجلاً قامَ من اللّيلِ فصلّى، ثمّ أيقظَ امرأتَه فصلّت، فإن أبت نضحَ في وجهها الماءَ، ورحمَ اللّهُ امرأةً قامت من اللّيلِ فصلّت، ثمّ أيقظت زوجَها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجههِ الماءَ» [ سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب: قيام الليل (1113)، وأخرجه أيضًا أحمد (2/250)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1287)]
ثانيَ عشرَ: صلاةٌ قبلَ العصرِ أربعاً، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «رحم اللّه امرأ صلّى قبل العصرِ أربعا» [أخرجه الإمام أحمد (5944)، وأبو داود في الصلاة، باب: الصلاة قبل العصر (1271)].
ثالثَ عشرَ: إنتظارُ الصلاةِ، :قال صلى الله عليه وسلم :«لا يزالالعبدُ في صلاةٍ ما كان في مصلاه ينتظرُ الصلاةَ، وتقولُ الملائكةُ: اللهم اغفر لهاللهم أرحمه حتى ينصرفَ أو يُحدِث»[ صحيح مسلم]
رابعَ عشرَ: الهجرةُ والجهادُ، تركُ الأوطانِ ومفارقةُ الأحبةِ ، والتعرضُ للموتِ في سبيلِ اللهِ من أشقِّ العباداتِ على النفوسِ ، والتي بسببها يحصل العبدُ على الدرجاتِ العلا والمغفرةِ والرحمةِ والرضوانِ ، قالَ سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة:218].
خامسَ عشرَ: الإحسانُ، الإحسانُ مع اللهِ بمراقبتهِ وخشيتهِ ، ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾[القصص:77] ،الإحسانُ مع الوالدينِ، ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ ،الإحسانُ في القولِ، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة:83] ، ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء:53].قال تعالى : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[الأعراف:56] .
سادسَ عشرَ: الخشيةُ من اللهِ، إنَّ الخوفَ من اللهِ مع الرجاءِ في اللهِ يورثانِ فضلَ اللهِ ورحمةَ اللهِ وغفرانَه ، قالَ عز وجل : ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾[الأعراف:154] ، وأخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنَّ رجلاً كان قبلكم رغسه اللهُ مالا - أي رزقه - فقال لبنيه لما حُضِر : أي أب كنتم لكم ؟ قالوا : خيرُ أبٍ . قال فإني لم أعملْ خيراً قطُّ ، فإذا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني ، ثم ذروني في يومٍ عاصفٍ ، ففعلوا ، فجمعه اللهُ عز وجل فقال : ما حملُك ؟ قالَ : مخافتُك ، فتلقاه برحمتهِ »[البخاري ومسلم ].
سابعَ عشرَ: الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ، إنَّ الإنسانَ جُبلَ على الإمساكِ ، لكنَّ المؤمنَ الذي يرجو ما عندَ اللهِ ينفقُ ولا يخشى الفقرَ ؛ لأنه يرجو ما وعد اللهُ به عبادَه من فضلٍ ورحمةٍ ، قالَ سبحانه : ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:99].
ثامنَ عشرَ: الأمرُ بالمعروفِ والنهيِّ عن المنكرِ، الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ هو القطبُ الأعظمُ في الدينِ، والهمُّ الذي إبتعث الله به النبينَ أجمعين فلو طوي بساطُه وأُهمل علمُه وعملُه لتفشّت الضلالةُ وعمّت الجهالةُ وخربت البلادُ، وهلكَ العبادُ، وكثُر الفسادُ، فهو سبيلُ الفلاحِ في الدنيا والآخرةِ،الأمرُ بالمعروفِ والنهيُّ عن المنكرِ من خصائصَ هذه الأمةِ ، بل هو من مهامِ الأنبياءِ والرسلِ بل وقدّمهُ اللهُ تعالى على الصلاةِ والزكاةِ ولذلك استحقَ من يفعلُه الرحمةَ ، قالَ تباركَ اسمُه : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة:71].
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
للأمانة ملخص من مقالٍ وقمت به على هيئةِ خطبةِ جمعةٍ.
في هذهِ الخُطبةِ نقفُ معَ أجملَ وأحلى شيءٍ في الحياةِ، شيءٌ لوْ دخلَ في بيوتِنا وأمورِنا صلُحتْ أمورُنا كُلُّها، وعشنا أسعدَ حياةٍ وأحلى حياةٍ، فما هو هذا الشيءُ؟ إنَّها رحمةُ اللهِ القائلِ في كتابِهِ " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "[يونس:58]
ما المخرجُ مما نحنُ فيه؟ ما النجاةُ من الهمومِ والمصائبِ والأزماتِ؟ إنَّها رحمةُ اللهِ، لا ملجأ ولا منجا منهُ إلا إليهِ.
دخولُ الجنَّةِ التي عرضُها السمواتُ والأرضُ، ليسَ بسببِ طاعتِنا وصلواتِنا وقرباتِنا، إنَّما يُدخلُ اللهُ عبادَهُ السُعداءَ جنَّتَهُ برحمتهِ،
وبمحضِ فضلِهِ وإحسانِهِ وجودِهِ وكرمِهِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: سددوا وقاربوا وأبشروا فإنَّهُ لا يَدخلُ أحداً الجنَّةَ عملُهُ"قالوا ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ "ولا أنا إلا أن يتغمدنيَ اللهُ بمغفرةٍ ورحمةٍ " [رواهُ البخاريُّ ومُسلمٌ].
إنَّ رحمةَ لوْ فتحها سبحانهُ لأحدٍ من خلقِهِ، فسيجدُها في كُلِّ شيءٍ، وفي كُلِّ موضعٍ، وفي كُلِّ حالٍ، وفي كُلِّ مكانٍ، وفي كُلِّ زمانٍ،
فإنَّهُ لا مُمسكَ لها، قالَ سبحانهُ: " مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "[فاطر:2] .
ما من نعمةٍ من نعمِ اللهِ، يُمسكُ اللهُ معها رحمتَهُ، حتى تتقلبَ هيَ بذاتها نقمةً، وما من محنةٍ تحفُّها رحمةُ اللهِ، حتى تكونَ هيَ بذاتها نعمةً، ينامُ الإنسانُ على الشوكِ معِ رحمةِ اللهِ فإذا هو مِهادٌ وحريرٌ، وينامُ على الحريرِ وقدْ أُمسِكتْ عنهُ رحمةُ اللهِ فإذا هو شوكٌ وعذابٌ.
إنَّ المالَ والولدَ والقوةَ والجاهَ والسلطانَ تُصبحُ مصادرَ قلقٍ وتعبٍ ونكدٍ إذا أُمسكتْ عنها رحمةُ اللهِ، فإذا فتحَ اللهُ أبوابَ رحمتِهِ، كانَ فيها السَكَنُ والراحةُ والسعادةُ والإطمئنانُ، يبسُطُ اللهُ الرزقَ معَ رحمتِهِ، فإذا هو متاعٌ طيبٌ ورخاءٌ، ويَمسِكُ رحمتَهُ عنْ هذا الرزقِ، فإذا هو مَثارُ قلقٍ وخوفٍ، وإذا هو مَثارُ حسدٍ وبُغْضٍ.
عبادَ اللهِ، إنَّ رحمةَ اللهِ من طلبها وجدها، ومن أخذَ بمفاتيحِها نالها في أيِّ مكانٍ وفي أيِّ حالٍ، وجدها إبراهيمُ-عليهِ السلامُ- في النَّارِ، ووجدها يوسُفُ-عليهِ السلامُ- في الجُبِّ، كما وجدها في السجنِ، ووجدها يونُسُ-عليهِ السلامُ-في بطنِ الحوتِ في ظُلماتٍ ثلاثٍ، ووجدها موسى عليهِ السلامُ في اليمِّ وهو طِفلٌ رضيعٌ مُجرَّدٌ من كُلِّ قوةٍ ومن كُلِّ حراسةٍ، ووجدها أصحابُ الكهفِ في الكهفِ حينَ إفتقدوها في القصورِ والدُّورِ، فقالَ بعضُهم لِبعضٍ: "فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً[الكهف:16
ووجدها رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-هو وصاحبُهُ في الغارِ، والقومُ يتعقبونهم قائلاً: "
لا تحزنْ إنَّ اللهَ معنا"ووجدها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمه اللهُ- عندما أُدخِلَ السجنُ، فالتفتَ إلى السجانِ وتثملَ قولَ اللهِ تعالى
" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13ٍٍٍٍٍ]
وسيجدُها كلُّ أحدٍ أخلصَ للهِ قاصداً بابَ اللهِ دونَ الأبوابِ كُلِّها.
عبادَ اللهِ، كيفَ نستجلبُ رحمةَ اللهِ؟
أولا: الايمانُ إنَّ رحمةَ اللهِ لا تحصلُ إلا لمن آمنَ ، الإيمانَ الحقيقيَ بجميعِ أركانهِ الستةِ : الإيمانِ باللهِ ، بملائكتهِ ، وبكتبهِ ، ورسلهِ ، وباليومِ الآخرِ ، وبالقدرِ خيرهِ وشرهِ ، ، وقالَ جلَّ وعلا : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية:30] .
ثانياً: طاعةُ اللهِ وطاعةُ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- إنَّ ما عندَ اللهِ لا ينالُ إلا بطاعةِ اللهِ ، ودخولِ الجنةِ مُعّلقٌ بطاعةِ الحبيبِ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم - القائلِ: «كُل أمتي يدخلونَ الجنةَ إلا من أبى، فقالوا: يا رسولَ اللهِ من يأبى؟ قالَ: من أطاعني دخلَ الجنةَ ومن عصاني فقد أبى» [صحيح البخاري (6737)].، وقالَ جلَّ وعلا : ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[آل عمران:132] .
ثالثا: إتباعُ الكتابِ والسنةِ، إنَّ إتباعَ كتابِ اللهِ هو الخيرُ كلُّ الخيرِ ، والسنةُ لا يصحُ إتباعُ الكتابِ إلا بإتباعها ؛ لأنها شارحةٌ ومبينةٌ للكتابِ . قال تعالى : ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام:155] .أما إتباع السنة قال تعالى :﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ.....الاية﴾[الأعراف:157].
رابعا: رحمةُ الخلقِ، كيف تُريدُ رحمةَ اللهِ وأنتَ لا ترحمُ عبادَه ،قالَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - : « الراحمونَ يرحمُهم الرحمنُ ، ارحموا من في الأرضِ يرحمُكم من في السماءِ » [صحيح ، سنن أبي داود ح (4941) ، سنن الترمذي ح (1924) وقال : حسن صحيح].
إنَّ المؤمنَ لا يكونُ مصدرَ إيذاءٍ أبداً، وإلا ففي إيمانهِ نظرٌ، قيلَ لرسولِ اللهِ ^: فلانةٌ تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ ولكنها تؤذي جيرانَها؟ قال -صلى الله عليه وسلم - : «دعوها إنها من أهلِ النارِ» [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/169): رواه أحمد والبزار ، ورجاله ثقات]. من ادعى الإيمانَ وهو يؤذي الخلقَ ويُفزعُهم فهو كاذبٌ «من لا يرحمُ لا يُرحمُ»وأولى الناسِ برحمتك ولينك وعطفك اقربُ الناسِ منك اهلكَ وأولادكَ .
إذا ترحلّتْ الرحمةُ من المجتمعِ، انقلبَ المجتمعُ إلى مجتمعِ غابٍ، يأكلُ القويُ فيه الضعيفَ، وتُداسُ فيه الحقوقُ، ويشكو الوالدُ ولدَه، وتشكو الزوجةُ زوجَها، والقضايا المتراكمةُ في المحاكمِ تشهدُ بذهابِ خُلقِ الرحمةِ بينَ الناسِ. بل لقدْ أخبرنا الصادقُ المصدوقُ: «أنَّ امرأةً بغياً رأت كلباً في يومٍ حارٍ يطوفُ ببئرٍ، قدْ أدلعَ لسانَه من العطشِ، فنزعتْ له بموقِها (أي أنها استقت له من البئرِ، والموقُ هنا هو الخفُّ فغُفِرَ لها» [أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2619)، من حديث أبي هريرة].
إذا كانتِ الرحمةُ بالكلابِ تغفر الخطايا للبغايا فكيفَ تصنعُ الرحمةُ بمن وحّدَ ربَّ البرايا؟!
خامساً: التصالحُ بينَ الأخوةِ، قالَ تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الحجرات:10] لا صلاحَ لأحوالِنا ولاقتصادِنا إلا بالأخوةِ والتصالحِ .
سفينةُ المجتمعِ إذا تمَّ خرقَها سنغرقُ جميعاً فلنوحدْ صفوفَنا ولا نسمحْ لأحدٍ يشقُ صفنا واُلفتَنا .
قلتُ ما سمعتم، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فأستغفروه وتوبوا إليهِ إنه هو التوابُ الرحيمُ.
( الخُطبةُ الثانيةُ )
سادساً: زيارةُ المريضِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " «من عاد مريضًا لم يزلْ يخوضُ في الرحمةِ حتى يجلسَ، فإذا جلسَ اغتمسَ فيها»[صحيح، موطأ مالك: كتاب العين (1694)، مسند أحمد (3/304] وغيرهم]
إنها رسالةٌ أن نتواصى على الخيرِ ،رسالةٌ أن نتآخى، رسالةٌ أن نتراحمَ ،رسالةٌ أن لا نتفرقَ وهذا هو الإسلامُ، يقول عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: «ما مِنْ مُسلمٍ يعودُ مُسلِمًا ـ أي: يزورُ مريضًا أو أخًا لهُ في الله ـ غُدوةً في أوَّلِ النَّهار إلاَّ صلَّى عليهِ سبعُونَ ألفَ ملَكٍ حتَّى يُمسي، وإن عادَهُ عَشيِّةً ـ أي: في المساء كذلك » [صحيح البخاري].
سابعاً: التقوى، إن التقوى شرطٌ لحصولِ الرحمةِ من اللهِ ، ولا يمكنُ أن تحصلَ الرحمةُ والفضلُ والخيرُ للفاجرِ العاصي ، قالَ سبحانه : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
ثامناً: الإنصاتُ إلى القرءانِ الكريمِ والإستماعِ له وتعلمِهِ، القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ هو كلُّهُ بركةٌ ورحمةٌ وفضلٌ ،وكلما اقتربَ منه العبدُ كلما حصل َله الفضلُ والبرُ والرحمةُ ، قال عز من قائل : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « . . وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللهِ يتلونَ كتابَ اللهِ ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينةُ ، وغشيتهم الرحمةُ ، وحفتهم الملائكةُ وذكرهم اللهُ فيمن عنده»[ أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (4867)].
تاسعا: الإستغفارُ والتوبةُ، الإنسانُ محلُ الخطأِ فهو ينسى وينامُ ويضعفُ ويكسلُ ويظلمُ ويجهلُ ، لكنَّ اللهَ بلطفهِ ورحمتهِ وإحسانهِ وتكرمهِ شرع َالاستغفارَ والتوبةَ من جميعِ الذنوبِ كبيرِها وصغيرِها ، جليلِها وحقيرِها فكان فضلُه وبرُه ورحمتُه واسعاً عظيماً ، قال سبحانه : ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
عاشراً: الصبرُ على المصائبِ، فالدنيا جُبلت على كدرٍ وتعبٍ وهمومٍ ومن ثم فأحلى حياةٍ وأسعدَ حياةٍ يعيشُها المسلمُ بالصبرِ،و نتيجةَ الصبرِ محمودةٌ ، بل الصابرونَ هم الذينَ تنالُهم رحمةُ اللهِ ، قال تعالى : ﴿وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:157].
الحاديَ عشرَ: قيامُ الليلِ، وإيقاظُ الزوجينِ لبعضِهم، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « رحمَ اللّهُ رجلاً قامَ من اللّيلِ فصلّى، ثمّ أيقظَ امرأتَه فصلّت، فإن أبت نضحَ في وجهها الماءَ، ورحمَ اللّهُ امرأةً قامت من اللّيلِ فصلّت، ثمّ أيقظت زوجَها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجههِ الماءَ» [ سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب: قيام الليل (1113)، وأخرجه أيضًا أحمد (2/250)، وهو في صحيح سنن أبي داود (1287)]
ثانيَ عشرَ: صلاةٌ قبلَ العصرِ أربعاً، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «رحم اللّه امرأ صلّى قبل العصرِ أربعا» [أخرجه الإمام أحمد (5944)، وأبو داود في الصلاة، باب: الصلاة قبل العصر (1271)].
ثالثَ عشرَ: إنتظارُ الصلاةِ، :قال صلى الله عليه وسلم :«لا يزالالعبدُ في صلاةٍ ما كان في مصلاه ينتظرُ الصلاةَ، وتقولُ الملائكةُ: اللهم اغفر لهاللهم أرحمه حتى ينصرفَ أو يُحدِث»[ صحيح مسلم]
رابعَ عشرَ: الهجرةُ والجهادُ، تركُ الأوطانِ ومفارقةُ الأحبةِ ، والتعرضُ للموتِ في سبيلِ اللهِ من أشقِّ العباداتِ على النفوسِ ، والتي بسببها يحصل العبدُ على الدرجاتِ العلا والمغفرةِ والرحمةِ والرضوانِ ، قالَ سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة:218].
خامسَ عشرَ: الإحسانُ، الإحسانُ مع اللهِ بمراقبتهِ وخشيتهِ ، ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾[القصص:77] ،الإحسانُ مع الوالدينِ، ﴿وبالوالدين إحسانا﴾ ،الإحسانُ في القولِ، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة:83] ، ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[الإسراء:53].قال تعالى : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[الأعراف:56] .
سادسَ عشرَ: الخشيةُ من اللهِ، إنَّ الخوفَ من اللهِ مع الرجاءِ في اللهِ يورثانِ فضلَ اللهِ ورحمةَ اللهِ وغفرانَه ، قالَ عز وجل : ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾[الأعراف:154] ، وأخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أنَّ رجلاً كان قبلكم رغسه اللهُ مالا - أي رزقه - فقال لبنيه لما حُضِر : أي أب كنتم لكم ؟ قالوا : خيرُ أبٍ . قال فإني لم أعملْ خيراً قطُّ ، فإذا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني ، ثم ذروني في يومٍ عاصفٍ ، ففعلوا ، فجمعه اللهُ عز وجل فقال : ما حملُك ؟ قالَ : مخافتُك ، فتلقاه برحمتهِ »[البخاري ومسلم ].
سابعَ عشرَ: الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ، إنَّ الإنسانَ جُبلَ على الإمساكِ ، لكنَّ المؤمنَ الذي يرجو ما عندَ اللهِ ينفقُ ولا يخشى الفقرَ ؛ لأنه يرجو ما وعد اللهُ به عبادَه من فضلٍ ورحمةٍ ، قالَ سبحانه : ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة:99].
ثامنَ عشرَ: الأمرُ بالمعروفِ والنهيِّ عن المنكرِ، الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ هو القطبُ الأعظمُ في الدينِ، والهمُّ الذي إبتعث الله به النبينَ أجمعين فلو طوي بساطُه وأُهمل علمُه وعملُه لتفشّت الضلالةُ وعمّت الجهالةُ وخربت البلادُ، وهلكَ العبادُ، وكثُر الفسادُ، فهو سبيلُ الفلاحِ في الدنيا والآخرةِ،الأمرُ بالمعروفِ والنهيُّ عن المنكرِ من خصائصَ هذه الأمةِ ، بل هو من مهامِ الأنبياءِ والرسلِ بل وقدّمهُ اللهُ تعالى على الصلاةِ والزكاةِ ولذلك استحقَ من يفعلُه الرحمةَ ، قالَ تباركَ اسمُه : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة:71].
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
للأمانة ملخص من مقالٍ وقمت به على هيئةِ خطبةِ جمعةٍ.