كيف تحذر غضب الله؟ (2) جحود نعمة الله

محمد بن إبراهيم النعيم
1440/08/20 - 2019/04/25 16:53PM

لقد أخبرنا رسولنا  عن أعمال وأقوال تغضب الله -عز وجل-وحذرنا من الوقوع فيها والاستهانة بها، فهل سارعنا إلى التعرف عليها واتقائها؟ فمتى ما حل على العبد غضبُ الله فقد هوى، قال تعالى )ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى(.

إن غضب الله -عز وجل- ليس كغضب أحدنا، فإذا غضب الله على عبده عذّبه وانتقم منه، اقرءوا عمّا حل بدولة فرعون، فعندما أغضبوا الله تعالى بالمعاصي انتقم منهم عن بكرة أبيهم وأغرقهم في البحر، قال تعالى )فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين(، أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. 

هناك العديد من الأقوال والأعمال التي تغضب الله -عز وجل- والتي منها: جحود نعمة الله والامتناع عن الصدقة. فقد روى أبو هريرة  أنه سمع رسول الله يقول: يَقُولُ: (إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلا بَلاغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلا بَلاغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ) متفق عليه .

هذا الحديث العظيم فيه فوائد جمّة، أهمها فيما يخص موضوعنا:

أن نعلم بأن من مقتضيات التوحيد: الاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبتها إلى المنعم المتفضل جل وعلا، وأداء حق الله فيها، وبذلها فيما يجب، وهذه هي أركان الشكر الواجب لله تعالى: الاعتراف بنعمة الله، ونسبتها إلى المنعم وهو الله، وأداء حق الله فيها، وبذلها فيما يجب. وقد ورد الأمر بشكر الله على نعمه في آيات عديدة فقال تعالى )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون(.

و الفائدة الثانية: هي أن ما يحصل عليه العبد من مال أو جاه أو منصب لا يناله إلا بتوفيق من الله، فلا يجوز له أن ينسبه إلى مهارة في كسبه أو جدارة في شخصه، فإن هذا كله يتنافى مع عقيدة المؤمن، وقد كان الكفار يدَّعون هذه النعم لأنفسهم ويرون أنهم جديرون بأحسن منها في الآخرة لو كان هناك بعث وحساب، فذكر الله في شأنهم )وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى{ فلنحذر من جحود نعمة الله أو نسبتها إلى غير الله -عز وجل-، ولا تقل لولا فلان لما حصل كذا وكذا وتنسى فضل الله تعالى عليك.

وتأملوا حال الأبرصِ والأصلعِ عندما أنكرا تفضل الله عليهما ونسـبا ما هم فيه من نعيم إلى كدهما وجهدهما ونسيا شكر الله على سلامة عضويهما من العاهات بأداء الصدقة والإحسان، فجمعا كذبا وجحودا، فكان من حاليهما أن سخط الله عليهما وسلبهما ما كانا عليه من النعيم.

لقد أخبرنا الله -عز وجل- عن قارون حينما نسب ما هو فيه من الثراء إلى كده فقط فقال ) إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي(، كأنه يقول: أوتيته بعلمي، بمهارتي، بقدراتي، بأفضليتي واستحقاقي لهذا المال، فكان متطاولاً في كلامه، جافياً في رده، جريئاً في مقولته؛ نسي مصدر النعمة، وتنكر لصاحب الفضل، وكفر بمن يستحق الشكر، ولذلك جاء التهديد والإشارة بالوعيد، والرد على مقولته الآثمة، جاء ذلك قبل تمام الآية، ونهاية القصة، فقال جل وعلا: )قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ{.

و الفائدة الثالثة: هي أنه ينبغي لمن سأل بالله أن نجيبه ولا نرده تعظيما لله -عز وجل-، فقد قال الملَك للأبرص (أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي)، وقال للأصلع والأعمى مثل ذلك، وقد أمر النبي  بإجابة من سأل بالله حيث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله   قال: (مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ وَمَنْ اسْتَجَارَكُمْ فَأَجِيرُوهُ) رواه احمد وأبو داودٍ. ‌

وأما الفائدة الرابعة: فهي أن الصدقة على الفقراء - خصوصا صدقة السر- من أعظم أسباب رضا الله -عز وجل- واتقاء سخطه وهي وسيلة لدوام النعمة على العبد. قال  (عليكم باصطناع المعروف، فإنه يمنع مصارع السوء، وعليكم بصدقة السر، فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل) رواه ابن أبي الدنيا، فالحذر كل الحذر من غضب الله عز وجل، فقد قال تعالى )وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى( ، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا غضب الله عز وجل، فالحديث الذي ذكرناه في أول الخطبة عن الثلاثة الذين من بني إسرائيل فيه فوائد عظيمة أهمها:  التَّحْذِير مِنْ كُفْرَان النِّعَم وَالتَّرْغِيب فِي شُكْرهَا وَالاعْتِرَاف بِهَا وَحَمْد اللَّه عَلَيْهَا، وَفِيهِ فَضْل الصَّدَقَة وَالْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامهمْ وَتَبْلِيغهمْ مَآرِبهمْ، وَفِيهِ الزَّجْر عَنْ الْبُخْل، لأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبه عَلَى الْكَذِب، وَفيه التحدث بنعمة الله ونسبتها لله جل وعلا والحذر من جَحْدها أو نسبتها إلى غيره جل وعلا. قال  (مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ) رواه أحمد

ومن صور كفران النعم- يا عباد الله- نسيان الزوجة نعمة زوجها عليها، فقد روت أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي  قال: (إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَانَ الْمُنَعَّمِينَ)، قالت إحداهن: نعوذ بالله يا نبي الله من كفران نعم الله، قال: (لعل إحداكن تطول أَيْمَتُهَا من أبويها، ثم يرزقها الله زوجها ويرزقها منه ولدا، فتغضب الغضبة فتكفر، فتقول: ما رأيت منك خيرا قط) رواه البخاري في الأدب المفرد.

أيها الأخوة في الله

ما المطلوب منّا أن نخرج به في ختام هذه الخُطبة؟ إن المطلوب منّا وباختصار هو عدم جحود نعمة الله علينا وأن نحمد الله تعالى على جميع نعمه لأنّه يحب الحمد، وهو أهل الثناء والحمد، ومن وسائل عدم جحود نعمة الله عليك أن تنظر إلى من هو أقل منك، فقد روى أبو هريرة  أن رسول الله  قال: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ) صحيح مسلم، فبعض الناس إذا رأى غلاء المعيشة قال: ما رأينا في هذا البلد خيرا، ونسي أنه يعيش في بلد آمن يعد من أرخص دول العالم في المعيشة، وإذا أردت أن تتأكد فسافر إلى أي دولة أوروبية وسترى الفرق.

 أيها الأخوة في الله

 لا يزال هناك أعمال أخرى توقع العبد في سخط الله -عز وجل- ولعلي أكشف عنها في خطب قادمة بإذن الله.

اللَّهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا واغفر لنا ما مضى من ذنوبنا وارزقنا عملاً زاكياً ترضى به عنا وخذ إلى الخير نواصينا واختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وآمنا في أوطاننا وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان واشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبلغنا بما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق == اللهم أحينا على أحسن الأحوال ==اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.       

المشاهدات 508 | التعليقات 0