كيف تحافظ على مكتسبات رمضان؟

راكان المغربي
1446/09/26 - 2025/03/26 18:28PM

كيف تحافظ على مكتسبات رمضان؟

الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، أما بعد:

اقتربَ الوداعُ، وأَزِفَ الرحيلُ، وما هي إلا ليلةٌ أو ليلتان وينقضي الشهرُ الكريمُ.

ذلكم الشهرُ الذي يحقّقُّ فيه المؤمنُ الكثيرَ من المكتسباتِ، ويرتقي عالياً في سلَّمِ الدرجاتِ.

ثلاثون يوماً كأنها دورةٌ تدريبيةٌ مكثفةٌ تعلّمنا فيها، وتمّرنّا فيها، واكتسبْنا فيها.

مارسنا في رمضان تدريباً عملياً على التقوى، فكنا حذِرينَ أشدَّ الحذرِ من كلِّ معصيةٍ تفسدُ علينا صيامَنا، وما التقوى إلا التوقِّي من أشواكِ المعاصي.

تعلمْنَا فيها الصبرَ، فصبرنا عن الجوعِ في النهارِ، وصبرنا على طولِ القيامِ في الليلِ.

ذقنا فيها لذّةَ العبادة، وعرفنا أن طريقَ الطاعةِ هو سبيلُ السعادةِ القلبيةِ، والمتعةِ الروحيةِ، ورأينا صدقَ وعدِ اللهِ حين قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).

في مدرسةِ رمضانَ تضاعفت لياقتُنا الإيمانية، فسابقنا سريعاً في أعمال البر، وارتقينا عاليا في سلِّم العباداتِ، بأن امتلأَ يومُنا بتلاوةِ القرآن، وعُمِرَ ليلُنا بالتهجّدِ والقيامِ، وبُذِلَتْ أموالُنا في أبوابِ الإحسانِ والصدقاتِ.

والسؤالُ الذي ينبغي أن نبحثَ عن إجابتِه هو: كيف نحافظُ على مكتسباتِ رمضان؟

في هذه الخطبةِ سنحاولُ الإجابةَ عن هذا السؤالِ بما يسّر الله.

الأمر الأول: هو شكرُ النعمةِ، فالتوفيقُ للطاعاتِ أعظمُ النعمِ، والنعمُ تدومُ بالشكرِ. فإن أردتَّ أن تحافظَ على مكتسباتِك الرمضانيةِ، فليلهج لسانُك بالشكرِ، وليُعمرْ قلبُك بالعرفانِ، ولتسابقْ أركانُك إلى الله شكراً له على توفيقِه ومعونتِه لك في رمضان.

وأولُ ما تفعلُه في هذا الجانبِ بعدَ رمضان، بأن تشرع في التكبيرِ مع غروب شمسِ آخر ليلةٍ من رمضان، وليكنِ التكبيرُ بلسانِك وبقلبِك، مستحضراً هداية الله لك وإتمامه نعمتَه عليك بأن وفقكَ للصيامِ والقيامِ وصالحِ الأعمالِ، كما قال سبحانه: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

الأمرُ الثاني الذي به تحافظُ على مكتسباتِ رمضانَ: هو المداومةُ على العملِ الصالحِ، فلا تنقطعْ عما بدأتَ به في رمضانَ، وتمرّستَ عليه. وليس شرطاً أن يكونَ بنفسِ المستوى الذي كان في رمضانَ، لكن المهم ألا تتوقف عنه بالكليةِ.

فالصيامُ الذي اعتدتَّ عليه، وصارَ سهلاً عليك، استمرَّ عليه ولو بالقليلِ، وقد شُرع لنا أن نصومَ ستاً من شوال، وفي ذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ). ثم بعد ذلك لِيَكُنْ لك وردٌ ثابتٌ من الصيامِ في كلِّ شهر لا تتركُه أبداً، كما كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةٍ لَا أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَبَدًا: (أَوْصَانِي بِصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِالْوَتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَبِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ).

والقيامُ الذي صارَ من عاداتِك الليليةِ في رمضانَ، اثبتْ عليه ولا تتنازل ليلةً واحدةً عن القيامِ، وأولُ اختبارٍ تواجهُه سيكون في ليلةِ العيدِ، فلا تفرطْ في قيامِها ولا قيامِ ما بعدها لتكون محافظاً على مكتسباتِك الرمضانيةِ، مداوماً على عادةِ الصالحين ودأبِهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دَأْبُ الصالحينَ قبلَكم، وهو قُرْبةٌ إلى ربِّكم، ومَكْفَرةٌ للسِّيِّئاتِ، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ).

إن أحبَّ العمل إلى اللهِ، ليس هو المسارعةُ والمسابقةُ في الخيراتِ ثم الانقطاعُ، وإنما كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ ما دَامَ وإنْ قَلَّ).

الأمرُ الثالث الذي به تحافظُ على مكتسباتِ رمضانَ هو: تركُ الذنوبِ، فالمعصيةُ هي التي تحرمُك التوفيقَ، وتثقّلُ عليك الطاعةَ. فإن أردتَّ أن يديمَ اللهُ عليكَ نعيمَ الطاعةِ، ولذَّةَ العبادةِ، فحافظْ على ما بنيتَه في رمضانَ من سدودٍ منيعةٍ بينَك وبينَ المعاصي، فإن تجرّأتَ على هدمِها، فأنتَ السببُ في سلبِ النعمةِ -ما لم تتدارك الأمرَ بتوبةٍ عاجلةٍ تستجلبُ بها رحمةَ الله- (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

جاء رجل إلى إبراهيمَ بنِ أدهمَ رحمه الله، فقال: "يا أبا إسحاق، إني لا أقدر على قيام الليل، فصِفْ لي دواءً. فقال له: لا تَعْصِهِ بالنهار وهو يُقيمُك بين يديه في الليل؛ فإنَّ وقوفَك بين يديه في الليلِ من أعظمِ الشرفِ، والعاصي لا يستحقُّ ذلك الشرفَ".

وقال سفيانُ الثوريُّ رحمه الله: "حُرمتُ قيامَ الليلِ خمسةَ أشهرِ بذنبٍ أذنبتَه".

وقال مكحول رحمه الله : "رأيتُ رجلاً يبكي في صلاتِه فاتهمتُه بالرياء، فحرمتُ البكاءَ سنةً".

فاحترسْ لنفسِك، وحافِظْ على مكتسباتِك، ولا تفرطْ في جواهرِ طاعتِك من أجلِ لذةٍ فانيةٍ زائلةٍ.

الأمرُ الرابعُ الذي سيعينك على المحافظةِ على المكتسباتِ الرمضانيّةِ هو: الدعاءُ وسؤالُ الله الثباتَ والعونَ على مرضاتِه. فلولا الله ما اهتديتَ، ولا صمتَ ولا تصدقتَ ولا صليتَ. فالهدايةُ من عندِه، والتثبيتُ بيدِه، والقلوبُ بين إصبعينِ من أصابعِه.

ومن أعظمِ الأدعيةِ التي تحافظُ بها على كنوزِك وتنميها، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لصاحبه شدادِ بن أوس: (يا شدَّادُ بنُ أوسٍ ! إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ : اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ ، والعزيمةَ على الرُّشدِ ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مغفرتِك ، وأسألُك شُكرَ نعمتِك، وحُسنَ عبادتِك، وأسألُك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ، وأستغفرُك لما تعلَمُ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ).

ولك أن تدعوَ كذلك بأكثرِ دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك) وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ).

معاشر الصائمين

تلكم هي الوسيلةُ الفعالةُ -بإذن الله- للمحافظةِ مكتسباتِك الرمضانيةِ: تشكرُ النعمةَ، وتداومُ على الطاعةِ، وتهجرُ المعصيةَ، وتسألُ اللهَ الثباتَ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

معاشر الصائمين

اعلموا أنه "قَد شُرِعَ لَكُم في خِتَامِ هَذَا الشَّهرِ زَكَاةُ الفِطرِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ لَهُ فَضلٌ عَن قَوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لَيلَةَ العِيدِ، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ : "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ، صَاعًا مِن تَمر، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى العَبدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاةِ".

وَالأَفضَلُ إِخرَاجُهَا قَبلَ الصَّلاةِ مِن يَومِ العِيدِ، وَلا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا إِلى مَا بَعدَ الصَّلاةِ، وَمَن أَخَّرَها بِغَيرِ عُذرٍ فَهُوَ آثِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيهِ إِخرَاجُهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، فَمَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

وَيَجُوزُ أَن تُخرَجَ قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ، وَفي البُخَارِيِّ: كَانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- يُعطِيهَا لِلَّذِينَ يَقبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعطَونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ.

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا صَلاةُ العِيدِ، شعيرةً عظيمةً من شعائر المسلمين، وقد أُمرنا بأن نخرجَ إليها جميعاً رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ففي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: "أُمِرْنَا أَن نُخرِجَ الحُيَّضَ يَومَ العِيدَينِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَيَشهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَدَعوَتَهُم، وَتَعتَزِلُ الحُيَّضُ عَن مُصَلاَّهُنَّ".

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا َالتَّكبِيرُ مِن غُرُوبِ الشَّمسِ لَيلَةَ العِيدِ حَتَّى انقِضَاءِ صلاة العيد تطبيقًا لأمر الله وشكرًا لنعمته، كما قال -سبحانه-: (وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ)[البقرة:185].

اللهم وفقنا بتوفيقك، ومن علينا بكرمك، وزدنا من فضلك العظيم

اللهم اجعلنا في رمضان من الفائزين المقبولين. ولا تجعلنا من المحرومين المخذولين.

اللهم ثبتنا على دينك، وصرف قلوبنا على طاعتك.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

 

المرفقات

1743002900_كيف تحافظ على مكتسبات رمضان؟.docx

1743002900_كيف تحافظ على مكتسبات رمضان؟.pdf

المشاهدات 420 | التعليقات 0