كيفَ تتعاملُ مَعَ المواقعِ الاجتماعيةِ

عنان عنان
1436/02/01 - 2014/11/23 16:48PM
( الخُطبةُ الاولى )

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.

أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: إنَّ مِنْ فضلِ اللهِ علينا، ومِنْ فيضِ نِعمهِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصى هذه الالاتُ التي في أيدينا،
فكمْ قربتْ مِنْ بعيدٍ؟ وهونتْ مِنْ عسيرٍ‘ وأحدثتْ مِنْ جديدٍ، وسهلتْ مِنْ وعْرٍ، وهيَ مما سخرَهُ اللهُ تعالى لنا وجعلَهُ لِخدمَتِنا،
بعدَ أنْ كانتْ الرسالةُ تحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ ومسافاتٍ طويلةٍ حتى تصلَ، فأصبحتْ تَصِلُ في ثواني محدودةٍ، وهذهِ مِنْ نِعَمِ اللهِ علينا وواجبٌ علينا أنْ نَشكُرَ اللهَ على هذهِ النِّعمِ الوفيرةِ التي سخَّرَها لنا، قالَ تعالى: وإذْ تأذَّنَ ربَّكم لئنْ شكرتُم لأزيدنَّكم،
وقالَ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ: إنَّ النِّعمةِ موصولةٌ بالشكرِ، وإنَّ الشُكرَ متعلقٌ بالمزيدِ، فإذا أنقطعَ الشُكرُ مِنَ اللهِ، أنقطعَ المزيدُ مِنَ اللهِ."

ومِنْ تِلكمُ الالاتِ التي انتشرتْ في هذا العصرِ، ما يُعرفُ بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي، مِنْ التويترِ والواتسِ أبِ والفيسْ بوكِ واليوتيوبِ وغيرِها مِنَ المواقعِ الاجتماعيةِ، فهيَ وسائلٌ مفيدةٌ جداً ولكنْ بنفسِ الوقتِ ضارةٌ جداً، وإنَّما تكونُ مضارُها ومنافعُها بحسبِ إستخدامها، فهيَ كالسكينِ التي بأمكانِ الانسانِ أنْ يستخدِمَها في تقطيعِ اللحمِ وحزِّ الفاكهةِ وغيرِ ذلكَ مِنَ الانتفاعِ المباحِ، كما أنَّ بإمكانهِ أنْ يستخدِمها لزهقِ الارواحِ البريئةِ وقتل الناسِ وإنتشارِ الفتنةِ في المجتمعِ، وهكذا الحالُ في إستخدامِ هذه المواقعَ، فكمْ مِنْ إنسانٍ إستخدمها في الامرِ بالمعروفِ والنهيِّ عَنِ المنكر؟ كمْ مِنْ إنسانٍ إستخدمها لإقامةِ الحُججِ ولفعلِ الخير؟ كم منْ إنسانٍ إستخدمها لصلةِ الرحمِ وللتواصلِ مع الاقربينَ؟ كمْ مِنْ إنسانٍ إستخدمها لنشرِ العلمِ والدعوةِ في سبيلِ اللهِ؟ فدخلَ في قولِه تعالى: ومَنْ أحسنُ قولاً ممنْ دعا إلى اللهِ وعمِلَ صالحاً وقالَ إنني مِنَ المُسلمينَ."
وفي المقابلِ استخدمها آخرونَ فأساءوا استخدامها، وجعلوها وسيلةً لنشرِ الرذائلِ، ووسيلةً لِنشرِ بثِّ الاخبارِ الكاذبةِ، ونقلِ المعلوماتِ الخاطئةِ، وتبادلِ المواقعِ المحرمةِ، والصورِ الساقطةِ والفاضحةِ، كما استخدومها للترويجِ للشرِّ والفسادِ، وإشاعةِ الفاحشةِ بينَ النَّاسِ، والاستهزاءِ بالقبائلِ، والسُخريةِ في الاممِ والشُعوبِ،
قالَ تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)
وأنشغلَ بها أقوامٌ إلى درجةِ الادمانِ، حتى أصبحنا ندخلُ على المجالسِ فنرى النَّاسَ جُلَّهم أو كلَّهم منغمسينَ في هذهِ الاجهزةِ،
ومنكبينَ عليها بِشَغفٍ شديدٍ، بلِ الادهى والامَرُّ، أننا نجدُ بعضَ الموظفينَ مشغولينَ فيها فأصبحوا يؤخرونَ أعمالَ المراجعينَ، وانشغلوا بها عَنِ القيامِ بواجباتهمُ الوظيفي، بلِ الادهى والامَرُّ، أنَّ النساءَ إستخدموها لدرجةِ الادمانِ، فيدخلُ الرجلُ على بيتهِ فيجدُ زوجتَهُ منغمسةً في هذه المواقعِ الاجتماعيةِ، مما يؤدي هذا الفعلُ إلى عدمِ إهتمامِ المرأةِ بزوجِها وتربيةِ أولادِها ومصالحِ بيتِها، ونحنُ أصبحنا في زمنٍ جُلُّهُ فراغٌ، والنفسُ إنْ لمْ تُشغلْها بالطاعةِ شغَلَتكَ بالمعصيةِ، والفراغُ يَهلِكُ الرجلَ والمرأةَ معاً،
قالَ عُمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ: الفراغُ غفلةٌ للرجلِ، وغُلمةٌ للمرأةِ- أي تشتدُّ شهوتُها- فإذا كانَ إستخدامُنا لِهذهِ المواقعِ على هذا الشكلِ، فقدْ أفسدنا الاممَ والاخلاقَ، وضيعنا الاوقاتِ، وأمتنا قِيمَ، وثبَّطنا هِممَ، فإلى اللهِ المُشتكى."

عِبادَ اللهِ: كيفَ نستخدِمُ هذه المواقعَ؟
1- نحنُ معاشِرَ المؤمنينَ مسؤولونَ عَنْ أعضائنا وجوارِحِنا، فالعينُ مسؤولةٌ عَنِ النظرِ، والاذنُ تُسألُ عمَّا تَسمعُ، واللسانُ مسؤولٌ عَنْ كُلِّ كلمةٍ ينطِقُها، قالَ تعالى: )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( [ق:18]، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: )وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( [الإسراء:36].
فكلُّ عضوٍ مِنْ أعضاءِ جسدِكَ سوفَ يشهدُ عليكَ أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ، قالَ تعالى: ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )."
وكُلُّ عُضوٍ مِنْ جسدِكَ يزني، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ)) متفقٌ عليهِ."
الا فليستحِ العبدُ مِنْ ربِّهِ وهوَ يُقلِّبَ الروابطَ والمواقعَ المحرمةَ، وينظُرُ إلى الصورِ والافلامِ الجنسيةِ، ولِعلمْ أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عليهِ لا تخفى عليهِ خافيةٌ، لا في السرِّ ولا في النجوى ولا في وضحِ النَّهارِ ولا في الظُلمةِ، المْ تعلمْ بإنَّ اللهَ يرى ما يكونُ مِنْ نجوى ثلاثةٍ إلَّا هوَ رابِعُهم ولا خمسةٍ إلَّا هوَ سادِسُهم ولا أدنى مِنْ ذلكَ ولا أكثرَ إلَّا هو معهم أينَ ما كانوا، اللهُ مطلعٌ عليكَ، اللهُ يراقبُكَ، الله يُمهلُكَ مرةً ثُمَّ مرةً ثُمَّ مرةً ولكنْ أعلمْ أنَّهُ يُمهِلُ ولا يُهملُ، أما تستحي وانتَ تستخفِ مِنَ النَّاسِ ولا تستخفِ مِنَ اللهِ؟
قالَ سبحانه: يستخفونَ مِنَ النَّاسِ ولا يَستخفونَ مِنَ اللهِ وهوَ معهم." أما تخجلُ وأنتَ جعلتَ اللهَ أهونَ الناظرينَ إليكَ
وإذا خلوتَ في ظُلمةٍ*** والنفسُ داعيةٌ إلى العصيانِ
فقلْ لها إستحي مِنْ نَظَرِ الالهِ*** فإنَّ الذي خَلَقَ الظلامَ يراني
ولنسمعْ إلى هذا الحديثِ الخطيرِ المُرعبِ الذي جاء عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
عَنْ ثَوْبَانَ t عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابنُ ماجةٍ."
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ].

2- ومما ابتلينا بهِ في هذا الزمنِ، العِلاقاتُ المحرمةِ التي تحصُلُ بينَ الشبابِ والبناتِ عبرَ هذهِ الوسائلِ الاجتماعيةِ، فيخلو الرجلُ مع المرأةِ في المراسلةِ الخاصةِ، فيدخلُ الشيطانُ بينهم
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما خلا رجلٌ بإمراةٍ إلَّا وكانَ الشيطانُ ثالثهُما." والشيطان يكونُ مسيطراً على الانسانِ أشدِّ السيطرةِ في ثلاثةِ مواطنٍ، عند خُلوةِ الرجلِ بالمرأةِ، وللمجاهدِ في أرضِ المعركةِ، وفي وقتِ الغضبِ.
فتبدأُ مِنْ مراسلةٍ دينيةٍ حتى تنتهي إلى مراسلةٍ جنسيةٍ، وهذهِ مِن خُطواتِ الشيطانِ، قالَ تعالى: يايها الذينَ امنوا لا تتبعوا خطواتِ الشيطانِ ومنْ يتبعْ خطواتِ الشيطانِ فإنَّهُ يأمرُ بالفحشاءِ والمنكرِ."
ومما ابُتلينا به نساءٌ متزوجاتٌ يَعقِدنَ علاقاتٍ مَعَ الرجالِ، ويحصلُ بينهم تبادلاتٌ جنسيةٌ، وعلاقاتٌ خاصةً بالجنسِ، ويتحججنَ بإنَّ الزوجَ يفقدُ الرومنسيةَ والحُبَّ، فندخلُ على هذهِ المواقعِ بحثاً عَنِ الحُبِّ والرومانسيةِ، كَذبنَ واللهِ، فإنَّ المرأةَ العفيفةَ لا تفعلُ هذا الفعلَ الشنيعَ، المرأةُ العفيفةُ لا تُعصي اللهَ مِنْ أجلِ شهوةٍ زائلةٍ وحقيرةٍ، وعجبتُ مِنْ رجلٍ يغارُ على حبيبتهِ مِنْ زوجها،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ليسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ-أيْ أفسدَ إمرأةً على زوجِها. رواه ابو داود."
وجاءَ في الحديثِ عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وفي بالسندِ تكلمٌ قالَ: مَنْ زنا بإمرأةٍ متزوجةٍ كانَ عليهِ وعليها نِصفُ عذابِ هذه الامةِ."
أما تخافُ أنْ ياتيَ زوجُ هذه المرأةِ، يومَ القيامةِ ويأخذُ ما يُريدْ مِنْ حسناتِك؟
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكم هذا في بلدِكم هذا في شهرِكم هذا."

3- ومِنَ التعاملِ السليمِ عبرَ هذه الوسائلِ الاجتماعيةِ، أنْ لا نُحدِثُ بكُلِّ ما نعلمُ، قالَ الامامُ مالكٌ ليسَ كلُّ ما يُعلمْ يُقالُ
وقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
فكلُّ شخصٍ منَّا لديهِ معارفُ وأسرارٌ وعلومٌ، وليس مِنَ المناسبِ أنْ يَبوحَ أوْ يتحدَّثَ بكُلِّ ما يعلمُهُ،
ومما ابُتلينا بِهِ في هذا الزمانِ، أنَّ بعضَ الرجالِ والنساءِ وخاصةً النساءَ يفشون أسرارَهم الزوجيةَ وما يَحصلُ بينهم في الجِماعِ وهاؤلاءِ مِنْ أشرِ النَّاسِ يومَ القيامةِ،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَمَ: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا. رواه مسلمٌ."

أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ، فأستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هوَ التوابُ الرحيمُ

( الخُطبةُ الثانيةُ )

أمَّا بعدُ: عِبادَ اللهِ: ومِنَ التعاملِ السليمِ عبرَ هذه الوساِئلِ الاجتماعيةِ، التثبتُ فيتثبتُ فيما يحكيهِ، ويحتاطُ فيما يريويَهُ لأنَّ الاخبارَ تَحتمِلُ الصدقَ والكذِبَ، خاصةً في هذا الزمنِ الذي كَثُرَ فيهِ الكذبُ، وقلَّ فيهِ الصدقُ،
قالَ تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ( [الحجرات:6]
وللهِ درُّ القائلِ: لاَ يَكْذِبُ الْمَرْءُ إِلَّا مِنْ مَهَانَتِهِ أَوْ عَادَةِ السُّوءِ أَوْ مِنْ قِلَّةِ الأَدَبِ

ومِنَ التعاملِ السليمِ عبرَ هذهِ المواقعِ الاجتماعيةِ، أنْ يكونَ لربِّكَ عليكَ حقاً، فلا تُضيعْ حقَّ ربِّكَ بسببِ إدمانِك على هذه الوسائلِ وتضيعْ الصلواتِ الخمسِ، وتسهرْ بالليلِ على هذه الوسائلِ وتنامْ عنْ صلاةِ الفجرِ،
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلَمَ: إنَ لربِكَ عليك حقاً، ولِإهلكَ عليك حقاً، ولِنفسِكَ عليكَ حقاً، فأعطي كُلَّ ذي حقٍ حقَّهُ."

ومِنَ التعاملِ السليمِ عبرَ هذه الوسائلِ الاجتماعيةِ، عدمُ إيذاءِ المسلمينَ والخوضِ في أعراضِهم، وفضحِ أسرارِهِم،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ r الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ: تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ].

وأخيراً تقولُ القاعدةُ الفقهيةُ: مَنْ غلبَ شَرُّهُ على خيرِهِ، ومفسدتُهُ على منفعتهِ، وجبَ تركُهُ، لإنَّ في تركهِ السلامةَ، وفي فِعلهِ الاثمَ والنَّدامةَ،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ- لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً- يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ- لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً- يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]."
ومِنَ الاصولِ والضوابطِ، أنَّ السلامةَ لا يَعدِلُها شيءٌ، وهيَ علامةُ التوفيقِ والعلمِ والخشيةِ كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُهُ عَنِ الْعِلْمِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ: (إِنَّكَ كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ أَكْتُبَ بِهِ إِلَيْكَ، وَلَكِنْ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْقَى اللهَ كَافَّ اللِّسَانِ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ دِمَائِهِمْ، خَمِيصَ الْبَطْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لَازِماً لِجَمَاعَتِهِمْ: فَافْعَلْ) [أَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ].

فاحذرْ يا عبدَ اللهِ، أنْ تأتيَ يومَ القيامةِ بحسناتِ أمثالِ جبالٍ، أو أعمالٍ كاعمالِ الرمالِ، لكنَّها تذهبُ هباءً منثوراً أوْ تكونَ لفلانٍ ولِفلانٍ لا لكَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
المشاهدات 1942 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا