كورونا وضرورة التباعد
د صالح بن مقبل العصيمي
1443/05/26 - 2021/12/30 15:41PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
عِبَادَ اللهِ؛ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ إيقَاعِ النَّفْسِ فِي مَوَاطِنِ الْهَلَاكِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
وَكُورُونَا فَيْرُوسٌ مُعْدٍ؛ وَمَرَضٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْذَلَ كُلُّ جُهْدٍ لِلْحَدِّ مِنْهَا، وَعَدَمِ انْتِشَارِهِ وَتَعَدِّيِهِ إِلَى الْغَيْرِ، مِنْ خِلَالِ عَدَمِ الْاخْتِلَاطِ بِالْمَرِيضِ الْمُصَابِ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِي. وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرِيضِ اعْتِزَالُ النَّاسِ؛ وَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَخْذُ الْحَيْطَةِ وَالْحَذَرِ بِالْتِزَامِ التَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْ جِهَاتِ الاخْتِصَاصِ بِحَذَافِيرِهَا وَعَدَمِ مَخَالَفَتِهَا؛ وَالاسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ، حَتَّى لَا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ.
وَلَقَدْ وَضَعَ الْإِسْلَامُ قَوَاعِدَ الْحَجْرِ الصِّحِّيِّ مِنْ نَحوِ ألْفٍ وَأَرْبَعِمِائةِ سَنَةٍ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ“ (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ -أَيْ: الطَّاعُونَ- رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا“ (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
وَهُنَاكَ مَنْ يَكُونُ قَدْ سَافَرَ لِبَلَدٍ، وَمُنِعَ مِنَ الْعَوْدَةِ لِبَلَدِهِ خَوْفًا مِنَ انْتِشَارِ الْوَبَاءِ عَنْ طَرِيقِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ فَإِذَا بَقِيَ فِيهَا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْتُبُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الشَّهِيدِ.
وَالْمَرِيضُ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِي مَأْمُورٌ شَرْعًا بِالْإفْصَاحِ عَنْ مَرَضِهِ لِلْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ، وَعَدَمِ خِدَاعِ النَّاسِ؛ بِحَيْثُ يُخْفِي مَرَضَهُ، بَلْ هُوَ مَلْزُومٌ بِالاِلْتِزَامِ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ وَالْإِسْلَامُ جَعَلَ مِنَ الْمُسْلِمِ مُحَاسَبًا وَرَقِيبًا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنْ يَتَّبِعَ الْأَمْرَ وَلَا يَعْصِي.
وَمَنَحَ الْإِسْلَامُ ثَوابَ ذَلِكَ لِمَنْ الْتَزَمَ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ ثَوَابَ الشَّهَادَةِ؛ إِنْ مَاتَ مُتَمَسِّكًا بِتَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ الصِّحِّيَّةِ، وَجَعَلَ عُقُوبَةَ الَّذِي يَخْرُجُ مَنْ بِلَادٍ وَقَعَ فِيهَا الْوَبَاءُ كَعُقُوبَةِ الْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “الطَّاعُونُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ“ (أخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ).
وَأَنْ يَتَعَامَلَ الْوَاحِدُ مِنَّا مَعْ هَذَا الْمَرَضِ بِتَوَسُّطٍ لَا يُهَوِّلُهُ، وَلَا يَسْتَخْفِفُ فِيهِ؛ وَأَنْ يَلْتَزِمَ بِتَوْجِيهَاتِ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ الَّتِي أَنَاطَ بِهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ؛ وَلَقَدْ وُفِّقَتْ بِلَادُنَا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- بِاتِّخَاذِهَا الْقَرَارَاتِ الْمُتَّفِقَةَ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ بِالتَّعَامُلِ مَعَ هَذَا الْمَرَضِ، فَاسْتِهَانَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالْمَرَضِ، وَعَدَمُ لَبْسِ الْكِمَامَاتِ الَّتِي تَرَكَهَا الْبَعْضُ؛ وَأَنْ تَتَجَنَّبَ مَا يُسَهِّلُ وُصُولَ مِثْلِ هَذِهِ الأَمْرَاضِ، كَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ البعض بِظَنِّهِمُ الْمَرَضَ قَدْ تَلَاشَى؛ مِنْ خِلَاِل اسْتِمَاعِهِمْ لِبَعْضِ الْجُهَلَاءِ مِنْ خِلَالِ بَعْضِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ الَّتِي تُهَوِّنُ مِنْ أَسَالِيبِ الْوِقَايَةِ، وَلَيْسَ مَنَوطًا بِهِمُ الْحَدِيثُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ فَالسَّلَامَةُ بِعَوْنِ اللهِ مُتَعَلِّقِةَ ٌبِاسْتِمَاعِ التَّوْجِيهَاتِ مِنْ وَزَارَةِ الصِّحَّةِ، وَالدَّاخِلِيَّةِ، وَبَقِيَّةِ جِهَاتِ الاخْتِصَاصِ، طَاعَةً للهِ، ثُمَّ طَاعَةً لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَفِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ أُذُنًا لِكُلِّ شَائِعَةٍ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَعْرَاضِ لَزِمَهُ اعْتِزَالُ النَّاسِ، وَعَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى الْمُخْتَصِّينَ، وَمَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ الحَجْرَ الصِّحِّيَّ فِي بَيْتِهِ لَزِمَهُ العَمَلُ بِتَعْلِيمَاتِ الطَّبِيبِ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
فعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْبَابِ الْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ. وَمِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالسَّلَاَمَةُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ: الْأَذْكَارُ، وَالتَّعَوُّذَاتُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَكُلُّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحِفْظِ وَالسَّلَاَمَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛ بِعَوْنِ اللهِ.فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَهُمَا مُطْمَئِنَّانِ، وَوَاثِقَانِ بِرَبِّهِمَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَا إلَهُ غَيْرُه، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَبِيَدِهِ التَّصَرُّفُ وَالْمَنْعُ وَالضُّرُّ وَالنَّفْعُ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ -عَزَّ وَجَلَّ-.
عِبَادَ اللهِ؛ يَنْبَغِي التَّأَكُّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّبَاعُدِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّاتِ، كَمَا هُوَ حَادِثٌ فِي الْمَسَاجِدِ الْآنَ؛ فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اجْتِنَابِ الاجْتِمَاعَاتِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، وَعَدَمِ حُضُورِ غَيْرَ الْضَّرُورِيِّ مِنْهَا، مَعْ مُرَاعَاة التَّوْجِيهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ حَولَهَا، حَيْثُّ لُوحِظَ اسْتِهَانَةُ فِئَةٍ مِنَ الْمُجْتَمَعِ بِذَلِك؛ خَاصَّةً فِي الْمُنَاسَبَاتِ الْأُسَرِيَّةِ، وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ لَا يَخْفَى.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
عِبَادَ اللهِ؛ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ إيقَاعِ النَّفْسِ فِي مَوَاطِنِ الْهَلَاكِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
وَكُورُونَا فَيْرُوسٌ مُعْدٍ؛ وَمَرَضٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُبْذَلَ كُلُّ جُهْدٍ لِلْحَدِّ مِنْهَا، وَعَدَمِ انْتِشَارِهِ وَتَعَدِّيِهِ إِلَى الْغَيْرِ، مِنْ خِلَالِ عَدَمِ الْاخْتِلَاطِ بِالْمَرِيضِ الْمُصَابِ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِي. وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرِيضِ اعْتِزَالُ النَّاسِ؛ وَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَخْذُ الْحَيْطَةِ وَالْحَذَرِ بِالْتِزَامِ التَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْ جِهَاتِ الاخْتِصَاصِ بِحَذَافِيرِهَا وَعَدَمِ مَخَالَفَتِهَا؛ وَالاسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ، حَتَّى لَا يَضُرَّ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ.
وَلَقَدْ وَضَعَ الْإِسْلَامُ قَوَاعِدَ الْحَجْرِ الصِّحِّيِّ مِنْ نَحوِ ألْفٍ وَأَرْبَعِمِائةِ سَنَةٍ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ“ (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ -أَيْ: الطَّاعُونَ- رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أَوْ بَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا“ (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
وَهُنَاكَ مَنْ يَكُونُ قَدْ سَافَرَ لِبَلَدٍ، وَمُنِعَ مِنَ الْعَوْدَةِ لِبَلَدِهِ خَوْفًا مِنَ انْتِشَارِ الْوَبَاءِ عَنْ طَرِيقِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ فَإِذَا بَقِيَ فِيهَا صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْتُبُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الشَّهِيدِ.
وَالْمَرِيضُ بِالْمَرَضِ الْمُعْدِي مَأْمُورٌ شَرْعًا بِالْإفْصَاحِ عَنْ مَرَضِهِ لِلْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ، وَعَدَمِ خِدَاعِ النَّاسِ؛ بِحَيْثُ يُخْفِي مَرَضَهُ، بَلْ هُوَ مَلْزُومٌ بِالاِلْتِزَامِ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ؛ وَالْإِسْلَامُ جَعَلَ مِنَ الْمُسْلِمِ مُحَاسَبًا وَرَقِيبًا عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنْ يَتَّبِعَ الْأَمْرَ وَلَا يَعْصِي.
وَمَنَحَ الْإِسْلَامُ ثَوابَ ذَلِكَ لِمَنْ الْتَزَمَ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ ثَوَابَ الشَّهَادَةِ؛ إِنْ مَاتَ مُتَمَسِّكًا بِتَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ الصِّحِّيَّةِ، وَجَعَلَ عُقُوبَةَ الَّذِي يَخْرُجُ مَنْ بِلَادٍ وَقَعَ فِيهَا الْوَبَاءُ كَعُقُوبَةِ الْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “الطَّاعُونُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ“ (أخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ).
وَأَنْ يَتَعَامَلَ الْوَاحِدُ مِنَّا مَعْ هَذَا الْمَرَضِ بِتَوَسُّطٍ لَا يُهَوِّلُهُ، وَلَا يَسْتَخْفِفُ فِيهِ؛ وَأَنْ يَلْتَزِمَ بِتَوْجِيهَاتِ الْجِهَاتِ الْمَسْؤُولَةِ الَّتِي أَنَاطَ بِهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ؛ وَلَقَدْ وُفِّقَتْ بِلَادُنَا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- بِاتِّخَاذِهَا الْقَرَارَاتِ الْمُتَّفِقَةَ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ بِالتَّعَامُلِ مَعَ هَذَا الْمَرَضِ، فَاسْتِهَانَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالْمَرَضِ، وَعَدَمُ لَبْسِ الْكِمَامَاتِ الَّتِي تَرَكَهَا الْبَعْضُ؛ وَأَنْ تَتَجَنَّبَ مَا يُسَهِّلُ وُصُولَ مِثْلِ هَذِهِ الأَمْرَاضِ، كَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ البعض بِظَنِّهِمُ الْمَرَضَ قَدْ تَلَاشَى؛ مِنْ خِلَاِل اسْتِمَاعِهِمْ لِبَعْضِ الْجُهَلَاءِ مِنْ خِلَالِ بَعْضِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ الَّتِي تُهَوِّنُ مِنْ أَسَالِيبِ الْوِقَايَةِ، وَلَيْسَ مَنَوطًا بِهِمُ الْحَدِيثُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ فَالسَّلَامَةُ بِعَوْنِ اللهِ مُتَعَلِّقِةَ ٌبِاسْتِمَاعِ التَّوْجِيهَاتِ مِنْ وَزَارَةِ الصِّحَّةِ، وَالدَّاخِلِيَّةِ، وَبَقِيَّةِ جِهَاتِ الاخْتِصَاصِ، طَاعَةً للهِ، ثُمَّ طَاعَةً لِوَلِيِّ الْأَمْرِ، وَفِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ أُذُنًا لِكُلِّ شَائِعَةٍ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَعْرَاضِ لَزِمَهُ اعْتِزَالُ النَّاسِ، وَعَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى الْمُخْتَصِّينَ، وَمَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ الطَّبِيبُ الحَجْرَ الصِّحِّيَّ فِي بَيْتِهِ لَزِمَهُ العَمَلُ بِتَعْلِيمَاتِ الطَّبِيبِ؛ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
فعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْبَابِ الْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ. وَمِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالسَّلَاَمَةُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ: الْأَذْكَارُ، وَالتَّعَوُّذَاتُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَكُلُّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحِفْظِ وَالسَّلَاَمَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ؛ بِعَوْنِ اللهِ.فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَهُمَا مُطْمَئِنَّانِ، وَوَاثِقَانِ بِرَبِّهِمَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَا إلَهُ غَيْرُه، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَبِيَدِهِ التَّصَرُّفُ وَالْمَنْعُ وَالضُّرُّ وَالنَّفْعُ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْءٍ -عَزَّ وَجَلَّ-.
عِبَادَ اللهِ؛ يَنْبَغِي التَّأَكُّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّبَاعُدِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّاتِ، كَمَا هُوَ حَادِثٌ فِي الْمَسَاجِدِ الْآنَ؛ فَالْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اجْتِنَابِ الاجْتِمَاعَاتِ قَدْرَ الإِمْكَانِ، وَعَدَمِ حُضُورِ غَيْرَ الْضَّرُورِيِّ مِنْهَا، مَعْ مُرَاعَاة التَّوْجِيهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ حَولَهَا، حَيْثُّ لُوحِظَ اسْتِهَانَةُ فِئَةٍ مِنَ الْمُجْتَمَعِ بِذَلِك؛ خَاصَّةً فِي الْمُنَاسَبَاتِ الْأُسَرِيَّةِ، وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ لَا يَخْفَى.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
المرفقات
1640878871_خطبة الجمعة بعنوان كورونا وضرورة التباعد.docx
1640878879_خطبة الجمعة بعنوان كورونا وضرورة التباعد.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق