كُنْ مُحِبَّاً لِنَبِيِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً 1442/3/13هـ
خالد محمد القرعاوي
كُنْمُحِبَّاً لِنَبِيِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً 1442/3/13هـ
الحمدُ للهِ بعثَ لَنا نَبِيَّاً كَريمَاً, دَاعِيَاً إلى اللهِ بِإذنِهِ وَسِراجَاً مُنِيراً, أَشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُهُ أرْسَلُهُ اللهُ بَشِيراً وَنَذِيرَاً، صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وأتبَاعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تَسلِيماً مَزِيداً. أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ,
أيُّها المُؤمنونَ: إنَّهُ لا عِيشَةً رَضِيَّةً, إلَّا بِتَحقِيقِ المَحَبَّةِ للهِ ولِرَسُولِهِ. وَمَحَبَّتُنا لِرَسُولِ اللهِ طَرِيقُ مَحَبَّةِ اللهِ القَائِلِ:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وفي صحيح البخاري أنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ منها: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا». أيُّها المُحبِّونَ للهِ وَرَسُولِهِ: حَقِيقَةُ الأمْرِ لَمْ يَثْبُتْ لِوِلادَتِهِ تَأرِيخٌ مُعَيَّنٌ لأنَّ الصَّحَابَةَ اهتَمُّوا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ, وَحَافَظُوا عَلى شَرِيعَتِهِ! نَعَمْ لَقَدْ مَولِدُهُ نُورَاً, وَمَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً, ليسَ لأنَّهُ مِيلادٌ بَشَرِيٌّ بَل لأنَّهُ مِيلادٌ دَعَويٌّ! مِيلادُ أُمَّةٍ كَانَتْ وَثَنِّيَةً, فَجَاءَ اللهُ بِرَسُولٍ نَقَّها مِن الشَّرْكِ. وَصَدَقَ اللهُ:لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. فَالكَوْنُ أَشرَقَ والفَضَاءُ تَعَطَّرَا والأُفقُ ظَلَّلَهُ السُّرورُ فَهل تَرَى؟
إنَّهُ المَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ, وَصَفَ نَفسَهُ فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ، بِيَدِيَ لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ». رواهُ ابنُ حبَّانَ وغيرُهُ. نَبِيٌّ تَقِيٌّ, طَاهِرٌ نَقِيٌّ, زَكَّى البَارِي لِسَانَه فلا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, مَا زَاغَ بَصَرُه وَمَا طَغَى, مَعَهُ شَهَادَةٌ كُبْرَى مِنَ العَلِيِّ الأعلى:وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.بَعثَهُ اللهُ لَنَا رَحمَةً وَأَمَانَاً فَقَالَ:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.وَقَالَ: «إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهدَاةٌ» صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ. نَعم يا مُؤمِنُونَ: إنَّهُ رَحمَةٌ لا كَمَا يُصَوِّرُهُ سُفَهاءِ الأَحلامِ أنَّهُ جَاءَ بِالسَّيفِ فَقَطْ! نَعَمْ هُوَ رَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ, وسَيفٌ على الأعدَاءِ المُحارِبينَ.
عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ إنَّ مكانةَ رَسُولِ اللهِ في قُلُوبِنَا لَنْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَنَالُوها بِشيءٍ, أَلَيسَ اللهُ تَعَالى يَقُولُ:(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) و(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ). فَاطْمَئِنُّوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ مَهْمَا حَاوَلَ عِلْجٌ أَيًّا كانَ مَوقِعُهُ وَمَكَانَتُهُ وَدَولُتُهْ أَنْ يَمَسَّ رَسُولَنَا بِسُوءٍ وَأنْتُمْ تُشَاهِدُونَ الآنَ أُمَّتَهُ دُولاً وشُعوباً تَنْتَفِضُ لِنُصْرَتِهِ وَالذَّبِّ عَنْ جَنَابِهِ وَلِلهِ الْحَمْدُ وَالمِنَّةُ. فَالَّلهُمَّ انْتَصِرْ لِنَبِيِّكَ وَدِينِكِ, وَأَهْلِكْ وَأَذِلَّ كُلَّ مَنْ آذَانَا فِيهمَا, وَأَرِنَا فِيهِ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ, وَارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, وأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم وَللمسلمين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاستَغفِروهُ إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية/
الحمدُ للهِ مَنَّ علينا بِالمَكرُمَاتِ, أَشْهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ الأَرضِ والسَّمَواتِ, وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه الرَّحمَةُ المُهداةُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأِصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهجِهِم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ المَمَاتِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ لعَلَّكُم تَهتَدُونَ. أيُّها المُؤمِنُونَ: كُلُّ نِعمَةٍ بِنا فَإنَّمَا هِيَ بِفَضلِ اللهِ عَلَينَا ثُمَّ بِفَضلِ بِعثَةِ رَسُولِنَا لَنَا. وَمَحَبَّةُ رَسُولِنا عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ, فَعَنْ أَنَس بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّعَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّوَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ. عبادَ اللهِ: حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً, ومِن جِهَةٍ أُخرَى, طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ, وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ. وإذا كانَتِ المَحَبَّةُ قَلبِيَّةً! فَلابُدَّ مِن ظُهورِ ذلِكَ على الجَوَارِحِ قَولاً وَعَمَلاً ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, كَمَا كانَ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ رَضيَ اللهِ عنهم يُبَايِعُونَهُعلى إتِّبَاعِهِ في مَنْشَطِهِم وَمَكْرَهِهِم, بَاذِلِينَ أَموَالَهم وأَنفُسَهم فِي سَبِيلِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ, مَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ, مَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ المُؤمِنينَ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ, مَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. هَذا هُو الحُبُّ الصَّادِقُ الذي يَبْعَثُ اقْتِدَاءً وإِيمَانَاً وَنُورَاً, ومعَ الأسَفِ بَعضُ مَنْ يَنتَسِبُ للإسلاَمِ غَالَوا في حُبِّهم فَخَرَجُوا بِهِ عن الشَّرِيعَةِ وَوَقَعُوا في الشَّركِ, فَادَّعُوا أنَّ رَسُولَ اللهيَعلَمُ الغَيبَ! وَيَكشِفُ الضُّرَ! وَيَجلِبُ النَّفْعَ! وَذَلِكَ واللهِ شِرْكٌ عَظيمٌ وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ العالَمِينَ القائِلِ في كِتَابِهِ المُبينِ:قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.وَإنَّ مِن أَعظَمِ المُنكَرَاتِ, مَا بُلِيت بِهِ بِلادٌ إسلامِيَّةٌ, مِن إقَامَةِ لَيلَةِ المَولِدِ, وإنشادِ المَدَائِحِ والقَصَائِدِ, التي وَصِلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ عِيَاذَا باللهِ تَعَالَى. أيُّها المُؤمِنُونَ: تَحقِيقُ المَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ تكُونُ بِاتِّبَاع سُنَّةِ رَسُولِ اللهِوالأخذِ بِوصِيَّتِهِ حينَ قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». ألا فَلنَعلم: أنَّ حقيقَةَ المَحبَّةِ تكُونُ في حُسنِ الإتِّباعِ قالَ اللهُ تَعالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ..فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً, اللهم وارضَ عن صَحَابَتِهِ الكِرَامِ, والتَّابِعينَ لهم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ, وعنَّا معهم يا رحيمُ يا رَحمَانُ, اللهم إنَّا نشهدُ أنَّ مُحَمَّدَاً بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمَانَةَ ونصحَ الأمةَ وجاهدَ في الله حقَ جهادِه حتى أتاه اليقينُ, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ,رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق