كن إيجابياً
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(كن إيجابياً)30/10/1442هـ
أيها المصلون: شخصيتان متناقضتان في المجتمع تراهما بجلاء وتلمس آثارهما بوضوح،ذكر الله هاتين الشخصيتين في آية من آيات كتابه الكريم،قال تعالى في سورة النحل:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.
فرق هائل في الأخلاق والسلوك وفي الصفات والتصرفات، كالفرق بين الحي والميت، وبين الظلام والنور، وبين الظل والحرور.
الأول الأبكم: العاجز عن الكلام عجزًا إراديًّا، فهو يستطيع الكلام ولكنه لا يتكلم بالحق ولا يأمر بالعدل.
لا يفعل شيئاً ينفعه أو ينفع غيره من الناس.
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ: اتكالية قاتلة، وعالة على مجتمعه في كل شؤونه.
لا يعود بشيء فيه خير لا له ولا لغيره.
أما الشخصية الثانية: فقد قال تعالى في وصفها:( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
كن إيجابيا ، ولا تكن سلبيا ،ثق بربك ثم بنفسك ،واستفد من حياتك ، وتفائل من مستقبلك.
كن إيجابيا ، ولا تكن سلبيا ، تفاءل ولا تيأس ، اجتهد ولا تكسل ، حاول مرة بعد مرة ولا تقنط ، ثق في فرج الله ورحمته وعونه وتدبيره .
قال تعالى على لسان نبيه يعقوب :(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) .
كن إيجابيا ، ولا تكن سلبيا ، تفاءل ولا تتشاءم فإن التشاؤم والتطير من الأوهام والتخيلات الرديئة التي تنشأ من قلة الفقه في الدين، وضعف الإيمان واليقين،فقد روى الإمام أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ قَالَ« أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ».
كن إيجابيا ، ولا تكن سلبيا ، فالإيجابية هي الحياة، وهي الاستجابةُ والتلبية، وهي المبادَرة إلى الخير، والمسارَعة إليه، والمسلِمون الأوائل لبُّوا النِّداء، وتجاوبوا مع وحيِ السماء؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾بارك الله لي ولكم،،،،
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: احذروا من معاول هدم الإيجابية وهي ثمان أعمدة حثنا ديننا الحنيف على الاستعاذة منها صباحاً ومساءً (
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال).
الهم والحزن، تدمير داخلي للنفس البشرية، واحباط وإقعاد، وانشغال ذاتي يجعل الانسان كلًا على غيره.
والعجز والكسل هما ركنا الفشل، ومبررات القاعدين، فمن ابتلى بهما خاب وخسر، ولن ينفع نفسه ولا غيره.
والجبن والبخل، مرضان يجعلا الإنسان في دائرته الضيقة فلا شجاعة تجعله مقداما، ولا كرم يرجى منه العطاء.
أما غلبة الدين وقهر الرجال فهما معولان بهما تهان الكرامة ولا إيجابية لمديون مقهور.
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك كله، ونسألك العافية من كل معول هدم لنفوسنا أو أعمالنا أو كرامتنا، واجعلنا اللهم ممن يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم.