كنوز نبوية

كنوزٌ نبوية

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للـهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالـهُدَى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ علَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفَى بِاللـهِ شَهِيداً، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَاراً بِحَمْدِهِ وتَوْحِيداً، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ مُبَشِّراً ونَذِيراً ودَاعِياً إِلَى اللـهِ بِإِذْنِهِ وسِرَاجاً مُنِيراً، صَلَّى اللهُ علَيْهِ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.                                                              أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ ... (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

عنْ عُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t قال : قال النبيُّ r: «ما علَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللـهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللـهُ إِيَّاها أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ما لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فقالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قالَ: اللـهُ أَكْثَرُ» التِّرْمِذِيُّ

عباد الله: إِنَّ أَعْظَمَ ما يَرْفَعُهُ الْـمُسْلِمُ في دُعَائِهِ لِـمَوْلاهُ هُوَ الدَّعَواتُ الخالِصَةُ . وأَنْفَعُ الدُّعَاءِ وأَجْمَعُهُ هو دُعاءُ النَّبِيِّ r الَّذي حَوَى مَعانِيَ عَظِيمَةً جامِعَةً، بِكَلِماتٍ قَلِيلَةٍ نافِعَةٍ .

عَن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r قالَ: «يَا شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ، إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ في الْأَمْرِ، والْعَزِيمَةَ علَى الرُّشْدِ، وأَسْأَلُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ،

وأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وحُسْنَ عِبادَتِكَ، وأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً، ولِسَاناً صَادِقاً، وَأَسْأَلُكَ مِن خَيْرِ ما تَعْلَمُ، وأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما تَعْلَمُ، وأَسْتَغْفِرُكَ لِـما تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ والبُخارِيُّ في الأَدَبِ الـمُفْرَدِ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

ولِعِظَمِ هذه الدَّعَواتِ، وحاجَةِ الـمُسْلِمِ لَها قَبْلَ الـمَمَاتِ، كانَ النَّبِيُّ r يَدْعُو بِها رَبَّهُ في صَلاتِهِ؛ فعنْ شَدَّادٍ «أَنَّ النَّبِيَّ rكانَ يَقُولُ هذا الدُّعاءَ في صَلاتِهِ» ابْنُ حِبَّانَ وصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَهَذِهِ الكَلِماتُ ثَمِينَةٌ، والْفَوْزُ بِثَمَراتِها رِبْحٌ وغَنِيمَةٌ، اكْتِنَازُها أَفْضَلُ مِنْ جَمْعِ الذَّهَبِ إِذا انْشَغَلَ بِهِ الغافِلُ وَذَهَبَ، وأَجْوَدُ مِنَ الفِضَّةِ إِذا رَأَيْتَ النَّاسَ عَنْهَا مُنْفَضَّةً،

يقولُ r: «إِذا رَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اكْتَنَزُوا الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ فَاكْنِزْ هَؤُلاءِ الكَلِماتِ» حَيْثُ إِنَّها كُنُوزٌ نافِعاتٌ، وَكُنُوزُ النَّاسِ أَمْوالٌ فَانِيَاتٌ، وما يَنْفَعُ في الدَّارَيْنِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْفَعُ في دارٍ واحِدَةٍ (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)، أَمَّا ما جَمَعَهُ النَّاسُ مِنَ الـمَالِ وَالذَّهَبِ مِن كُلِّ صَوْبٍ وَحَدَبٍ فَهُوَ يَنْفَدُ وإِنْ طالَ الأَمَدُ(مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّـهِ بَاقٍ). وعلَى هذا كانَ مِيزانُ نَبِيِّنا rحَيْثُ يقولُ: «رَكْعَتا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فِيهَا» م. فَطُوبَى لِـمَنْ أَكْثَرَ الدَّعَوَاتِ، وتَزَوَّدَ مِنَ الباقِيَاتِ الصَّالِحاتِ.

عباد الله: الكَلِماتُ الَّتي أَمَرَ النَّبِيُّ rبِاكْتِنازِها فَهِيَ دَعْوَتُهُ r«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّباتَ في الأَمْرِ»،

 وَالْـمَقْصُودُ بِالأَمْرِ هُنَا عَامٌّ يَشْمَلُ أُمُورَ الـمُسْلِمِ الَّتي تَنْفَعُهُ وتَرْفَعُهُ، وَأَمَّا الثَّباتُ فَهُوَ هَمٌّ يَجِبُ العِنايَةُ بِهِ:

هَمُّ الثَّباتِ في الدُّنْيَا كَيْلَا يَزِلَّ ولا يَزِيغَ، وهُوَ أَكْثَرُ ما كانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللـهِ r، تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كانَ أَكْثَرُ دُعاءِ رَسُولِ اللـهِ r أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي علَى دِينِكَ» فَسَأَلْتُهُ عنْ هذا، فقالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ: إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصابِعِ اللـهِ، فَمَنْ شاءَ أَقَامَ ومنْ شاءَ أَزاغَ» التِّرْمِذِيُّ

وَأَعْظَمُ الثَّباتِ علَى الأَمْرِ هُوَ الثَّباتُ علَى الهُدَى، بِتَوْحِيدِ الـمَوْلَى جَلَّ وعَلَا، وَالثَّباتُ أَمامَ حِيَلِ الشَّيْطانِ وَتَقَلُّباتِ الزَّمانِ، فَإِنَّ مَن يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً .

وَهُناكَ هَمٌّ آخَرُ لِلثَّباتِ، حِينَ الِارْتِحالِ مِنَ البُيُوتِ والدُّورِ إِلى الـحُفَرِ والْقُبُورِ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) .

وَفي القَبْرِ يُطْلَبُ الثَّباتُ عِنْدَ السُّؤَالِ وَتَشْتَدُّ الحاجَةُ لِلثَّباتِ يَوْمَ النُّشُورِ، عِنْدَ تَزَاحُمِ الأُمَمِ لِلْعُبُورِ، وَوُرُودِهِمُ الصِّراطَ لِلْمُرُورِ، وَالنَّاجِي هُنَا مَنْ سَلَّمَهُ اللهُ(يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ)

أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ: وكَنْزٌ آخَرُ يَدْعُو بِهِ النَّبِيُّ r فَيَقُولُ: «وَالْعَزِيمَةَ علَى الرُّشْدِ" والْعَزِيمَةُ: هِيَ العَزْمُ علَى فِعْلِ الشَّيْءِ جازِماً، وقَيَّدَ الْعَزِيمَةَ علَى الرُّشْدِ فَقَطْ لَا غَيْرَهُ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ يَبْلُغُهُ الخَيْرُ والرُّشْدُ فلا يَعْزِمُ ولا يَحْرِصُ علَيْهِ!!

وَكَمْ مِن مُبْتَلًى بِذَنْبٍ فَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهُ ولَمْ يَقْوَ علَيْهِ!! وَالسَّبَبُ في هذا أَنَّ عَزِيمَتَهُ ضَعِيفَةٌ، وَهِمَّتَهُ فاتِرَةٌ، وَأَمَّا أَسْمَى الرُّشْدِ فَهُوَ أَنْ تَعْرِفَ الحَقَّ وتَلْزَمَهُ، وتَعْرِفَ الباطِلَ فَتَنْبِذَهُ، قَالَ تَعالَى: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).

وَمِن دُعائِهِ r قَوْلُهُ: «وَأَسْأَلُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ» أَيْ: أَسْأَلُكَ مِن كُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ يُوجِبُ لِيَ الرَّحَماتِ، الَّتي تَرْفَعُ صاحِبَها أَعَالِيَ الجَنَّاتِ، كَقَوْلِهِ r: «وَجَبَتْ رَحْمَتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ» ابْنُ حِبَّانَ أَيْ: حَقَّتْ وَأَصْبَحَتْ وَاجِبَةً لَهُمْ.

وَفِي دُعائِهِ r: «وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكِ» أَيْ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَهَبَ لِي عَزْماً علَى الخَيْرِ وَجَزْماً علَى تَرْكِ الشَّرِّ، فَيَكُونَ هذا العَزْمُ جالِباً لِـمَغْفِرَتِكَ، حائِزاً علَى مَرْضاتِكَ.

وَبَعْدَ السُّؤَالِ وَالدُّعاءِ لَابُدَّ مِنَ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ، قالَ النَّبِيُّ r: «وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ» لِأَنَّ بِالشُّكْرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتُدْفَعُ الكُرُوبُ وَالنِّقَمُ، وَكُلَّمَا شُكِرَتِ النِّعَمُ قَرَّتْ، ومَتَى مَا كُفِرَتْ فَرَّتْ، فَاشْكُرُوا اللـهَ بِقُلُوبِكُمْ بِدَوامِ ذِكْرِهِ، وَبِلِسانِكُمْ بِالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِهِ، وَبِأَعْمالِكُمْ بِاسْتِعْمالِـها بِطاعَتِهِ، وَأَبْشِرُوا بِالْـمَزِيدِ كَما قالَ الحَمِيدُ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )

عِبادَ اللهِ: وَأَمَّا دُعاؤُهُ r بقوله: «وحُسْنَ عِبادَتِكَ» فَهذا اهْتِمامٌ بِتَحْسِينِ العَمَلِ وَالْعِبادَةِ بِشَرْطَيْنِ اثْنَيْنِ: أَوَّلُهُـما إِخْلاصُ العِبادَةِ فلا يُقْصَدُ إِلَّا وَجْهُ اللـهِ تَعالَى، وَالثَّانِي طاعَةُ النَّبِيِّ r بِحُسْنِ الِاتِّباعِ وَالحَذَرِ مِنَ الِابْتِداعِ؛ وعلَى مِقْدارِ حُسْنِ العَمَلِ يَكُونُ القَبُولُ عِنْدَ اللـهِ (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

 وقَدْ كانَ مِن دُعاءِ النَّبِيِّ rفي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي علَى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ» أَبُو دَاوُدَ

وَالعِبادَةُ الحَسَنَةُ لا تَصْدُرُ إِلَّا مِن قُلُوبٍ تَقِيَّةٍ نَقِيَّةٍ لا خادِعَةٍ ولا شَقِيَّةٍ، ولِأَجْلِ ذَلِكَ دَعا النَّبِيُّ r فَقالَ: «وَأَسْأَلُكَ قَلْباً سَلِيماً» أَيِ: الْقَلْبَ الَّذي سَلِمَ مِنَ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ، وهَجَرَ الـمَعاصِيَ والسَّيِّئَاتِ، فَكُلَّما سَلِمَ القَلْبُ صَلَحَتِ الجَوَارِحُ، قالَ النَّبيُّr:«أَلَا وَإِنَّ في الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»خ

وَالقُلُوبُ التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ هِيَ النَّاجِيَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

وفي قَوْلِهِ r: «وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقاً» أَيْ: لِسَاناً  صَادِقاً في أَقْوَالِهِ، عَدْلاً في أَحَادِيثِهِ وَأَخْبَارِهِ لِأَنَّ اللِّسَانَ هُوَ الَّذِي يُكْرِمُ صَاحِبَهُ أَوْ يُوبِقُهُ، قالَ النَّبِيُّ r «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللـهَ فِينَا فَإِنَّما نَحْنُ بِكَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا» التِّرْمِذِيُّ

فَاصْدُقُوا إِذا حَدَّثْتُمْ، وأَوْفُوا إِذا عَاهَدْتُمْ، فَجَزَاءُ الصَّادِقِينَ عِندَ اللـهِ عَظِيمٌ، ونُزُلُـهُمْ عِندَ اللهِ كَرِيمٌ، قالَ النَّبِيُّ r: «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا» مُسْلِمٌ          بَارَكَ اللهُ لِي ...

 

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للـهِ ... أَمَّا بَعْدُ:   فَيا أَيُّها الـمُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ جَمَعَ نَبِيُّكُمْ r الخَيْرَ كُلَّهُ في دَعْوَةٍ واحِدَةٍ، بِقَوْلِهِ: «وأَسْأَلُكَ مِن خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعْلَمُ» تَأَمَّلْ تَعْلِيقَ الخَيْرِيَّةِ كُلِّها للهِ سُبْحانَهُ وتَعالَى في قَوْلِهِr «مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ» أَيْ: مِن خَيْرِ مَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ لا ما أَعْلَمُهُ أَنا، فَفِيهِ إِظْهَارُ عَجْزِ العَبْدِ وافْتِقَارِهِ وأَنَّهُ لا يَعْرِفُ أَيْنَ الخَيْرُ الَّذِي يَنْفَعُهُ فَيُرْشِدُهُ؟ أَوْ يُطْغِيهِ فَيُهْلِكُهُ؟

وقَدْ كانَ مِن دُعاءِ النَّبِيِّ r«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَما لَمْ أَعْلَمْ،

 وَأَعُوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وما لَمْ أَعْلَمْ» ابْنُ ماجَهْ. فَاخْتِيَارُ اللهِ لَكَ خَيْرٌ مِنِ اخْتِيَارِكَ لِنَفْسِكَ.

وأَمَّا قَوْلُهُ r«وأَسْتَغْفِرُكَ لِـما تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ" أَيْ: مَا تَعْلَمُهُ مِنْ كُلِّ زَلَلِي وذَنْبِي، وخَطَئِي وعَمْدِي، فَكَمْ مِن ذُنُوبٍ مَضَتْ يَنْسَاهَا العَبْدُ عِندَ اسْتِغْفَارِهِ! ولَكِنَّها لا تَخْفَى علَى الخَبِيرِ سُبْحَانَهُ وتعالَى، قالَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّـهُ وَنَسُوهُ)

 وكَمْ أحَاطَتِ الذُّنُوبُ علَى القُلُوبِ والعَبْدُ لا يَدْرِي! قالَ النَّبِيُّ r لِأَبِي بَكْرٍ t: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ» البُخارِيُّ في الأَدَبِ الـمُفْرَدِ، وأَحْمَدُ .

فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ، وادْعُوا اللـهَ وأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وطَيِّبُوا الـمَأْكَلَ والـمَلْبَسَ يُستَجَبْ لَكُمْ، وإِيَّاكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالإِثْمِ والقَطِيعَةِ أَوِ الظُّلْمِ والْعُدْوَانِ؛ واعلمُوا أنَّ اللـهَ لا يَقْبَلُ دُعاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ،  وتذكروُا أَنَّ آفَةَ الدُّعَاءِ هُوَ اسْتِعْجَالُ الإِجَابَةِ، فَعَلَّقُوا القُلُوبَ بالحيِّ القيومِ   فَما يُقَدِّمُ ولا يُؤَخِّرُ إِلَّا بِحِكْمَةٍ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وكَفَى بِاللـهِ وَكِيلاً. 

ثم صلوا ...

 

المرفقات

1702449754_كنوز نبوية.docx

1702451188_كنوز نبوية.pdf

1702451189_كنوز نبوية.docx

المشاهدات 985 | التعليقات 1

https://youtu.be/Ke8ngqn3voI?si=vv2OvMDBlbu11WpU

الخطبة فيديوا