كًنَّا نعلمُ ولا نعملُ

عنان عنان
1436/01/17 - 2014/11/10 17:31PM
( كنا نعلم ولا نعمل )

الخُطبةُ الاولى

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهُ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب:70-71].

عبادَ الله: هَتَفَ العِلمُ بالعملِ، فإنْ أجابَهُ وإلَّا ارتحلَ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {الانفال:24}
تُفزِعُني كثيراً هذه الايةُ، وحينَ أعلمُ أنَّ اللهَ قرنَ سُرعةَ الاجابةِ لإمرهِ، بإحاطةِ القلبِ وتقليبهِ، وكأنَّ اللهَ يُهدِدُ عبادَهُ، مَنْ لمْ يستجبْ لإمرهِ أنَ يحولَ بينهُ وبينَ قَلبِهِ،
نعوذُ باللهِ مِنَ الضلالِ وفتنةِ الاهواءِ والافعالِ،

عِبادَ اللهِ: أيقولُ اللهُ قولاً ويقولُ رَسُولُهُ قولاً ثُمَّ يَكونُ لنا الخِيرةُ فيهِ، أينَ مُسَمَّى الايمانِ الذي أتانا اللهُ بهِ، يقولُ اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا {الاحزاب:36}
أتظنُّ أنَّ اللهَ لمَّا أنزلَ إليكَ صفوةَ كُتُبِهِ، وأنزلَ إليكَ خيرَ رُسُلِهِ، أنَّ أوامِرَهُ تكونُ إختياراً، تأخذُ منها ما اشتهيتَ، وتدَعُ منها ما اشتهيتَ، أوَ دينُ اللهِ يُؤخذُ بالتَّشهي وبالتحلي وبالتَّمنِّي؟ كم عددَ الذينَ سُجِّلتْ في هوايَتِهم دينُ الاسلامِ؟ وليسَ لهمْ مِنْها نصيبٌ، ولولا أنَّهم وجدوا أباءَهم على أُمةٍ ما كانوا مُقتدينَ ولا مهتدينَ.

العِلمُ صِنوانُ العملِ*** فإذا عَمِلتَ فلا تدعْ عَمَلاً
فالعلمُ ليسَ بنافعٍ أربَابَهُ*** ما لمْ يُتَوِجْ رَبَّهُ بِفِعالِ

يا ويلَهم الذينَ عَلِموا فكانَ حُجةً عليهم، لمْ يَكنْ معشرَ اليهودِ، أخَسَّ الاُمَمِ لا مَذهباً ولا مِلةً، وأدنى الاخلاقِ، ولمْ تكنْ لَعناتُ اللهِ وغَضبُهُ عليهم، إلَّا حينَ تركوا العملَ بالعِلمِ، فهم غيرِ المغضوبِ عليهمْ، فأنتَ كلُّ يومٍ تسألَ اللهَ أنْ يُجَنِّيبكَ سبيلَهم، ولمْ تُقبلْ لك صلاةٌ مِنْ صلواتِكَ الخمسِ، إلَّا إذا دعوتَ عليهم كُلَّ يومٍ سبعَ عشرةَ مرةٍ، أولئكَ الحُمُرُ حَملوا التوراةَ ثُمَّ لمْ يَحمِلوها.

أسَمِعتَ بالطامةِ الكبرى التي تُسمى تَركُ العملِ بالعلم؟
أسمِعتَ بالرزيةِ العُظمى حينَ يبلُغُكَ العلمُ ولا تَعملُ بهِ؟
لقدْ كانَ الاولونَ مِنَ المؤمنينَ، لا يُثنيهم العَملُ بالعلمِ، إلَّا الموتُ، ولمْ تكنْ لهم أعذارٌ كاعذارِ المعذَّرينَ مِنَ الاعرابِ،
كانَ العملُ معهم يمشي على سريرِ الموتِ، وعلى خَشبةِ الاعدامِ، وعلى سَلاسلِ الاسرِ،
ينزفُ مِنْ أحدِهِم دمُهُ، وهوَ يُكسِرُ الفناءَ أحمرَ
والروحُ تطفو مِنْ سَجى الحُلقومِ*** مَلِكُ الفناءِ على يَمينِ فؤادهِ
في رِحلةٍ للقاهرِ القيومِ.

ثُمَّ يسألُ مَنْ حولَهُ، أصَلَّى الناسُ؟ فيجيبونَ نعمْ، فيتحاملُ على نفسٍ ثقيلةٍ، وجسدٍ مُمتلئٍ بالجِراحِ،
أرواحُنا يا ربِّ فوقَ أكُفيِنَا*** نرجوا ثوابَكَ مَغنَماً وجِواراً
لمْ نخشَ طاغوتاً يُحاربُنا*** ولو نصبَ المنايا حولَنا أسواراً
ثُمَّ لا يرضى إلَّا أنْ يُصليا حتى أخرَ قَطرةٍ مِنْ دَمِهِ.

العِلمُ يَهتِفُ بالعملِ، العلمُ يهتِف بأؤلئكَ الضُعفاءِ فستجابوا أفلا تستجيبَ؟
هَتَفَ العِلمُ بالاعمى فَيُجيبهُ، حيثُ لمْ يجدْ له النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ رُخصةً لِصَّلاةِ في البيتِ، والتَخَلُفِ عَنْ صلاةِ الجماعةِ، فتحمَّلَ أنْ يَمشيا في طريقِ السِّباعِ والاهوامِ التي في طريقهِ، وليتَهُ وجدَ قائداً يُلائمُهُ، ولكنَّ الصِّعابَ كُلَّها هانتْ عليهِ حينَ استجابَ لإمرِ اللهِ العليِّ الكبيرِ.

العلمُ يَهتِفُ بزينبَ بنتِ جحشٍ رضيَ اللهُ عنها،لمَّا أمرَها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ تتزوجَ مِنْ زيدٍ بنِ حارثةٍ رضيَ اللهُ عنه، فأبتْ وقالت: أنا سيدةٌ أتزوجُ مِنْ عبدٍ، فعاتبَها اللهُ سبحانه وتعالى بقوله: وما كانَ لِمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُهُ أمراً أنْ يكونَ لهمُ الخِيرَةُ مِنْ أمرِهِم،
فاستجابتْ لإمرِ اللهِ والرسولِ، ومضتْ الايامُ فعوضها الله سبحانه وتعالى بأنْ زوجَها مِنْ خيرِ الخلقِ أجمعينَ، محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكانتْ تتباهى بازواجِ النبيَِّ، وتقولُ: أنتُنَّ زوجكنَّ أهليكُنَّ، وأنا زوجني اللهُ مِنْ فوقِ سَبعِ سمواتٍ.

العِلمُ يهتِفُ بعَمرِو بنِ الجَموحِ رضيَ اللهُ عنهُ، حينما سَمِعَ مناديَ الجهادِ يقول: حيَّ على الجهادِ، ومَنْ قالَ: حيَ على الجهادِ، تُجبْهُ صيحاتُ الدماءِ، يقولُ أولادُهُ لهُ: إنَّ اللهَ قدْ عَذَركَ، وليسَ على الاعرجِ حرجٌ، فقالَ لهم: أتَرُدُّوني بعدَ ما سَمِعتَ، واللهِ إنَّي لأرجو أنْ أطأَ بِعرجتي هذه إلى الجنةِ.

العِلمُ يهتِفُ بِعُميرٍ بنِ حُمامٍ الانصاري رضيَ اللهُ عنه، عِندما قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في غزوةِ بدرٍ، قوموا إلى جنةٍ عرضُها السمواتُ والارضُ، فقالَ عُميرٌ: جنةٌ عرضُها السمواتُ والارضُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: نعمْ قالَ بَخٍ بَخٍ وكلمةُ بَخٍ تُقال عندَ الرضا والاعجابِ بالشيءِ، فقالَ له رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما يَحملُك على قولِكَ بَخٍ بَخٍ قالَ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ إلّا رجاءةَ أنْ أكونَ مِنْ أهلها، قالَ: أنتَ مِنْ أهلِها، فأخرجَ تَمراتٍ مِنْ قُربةٍ، فجعلَ يأكلُ مِنهنَّ، ثُمَّ قال: لئنْ أنا حَييتُ حتى آكلَ تمراتي هذهِ إنَّها لَحياةٌ طويلةٌ، قالَ فَرَمى ما كانَ معهُ مِنَ التمرِ ثُمَّ قاتلَهُم حتى قُتلَ،
عَلِمَ أمراً رضيَ اللهُ عنه، فَعمِلَ بهِ.

إنَّها لَحياةٌ طويلةٌ عندَ مَنْ ثبَّطهُ اللهُ عَنِ العملِ،
يا راجياً طولِ الاملِ*** الموتُ ياتي بغتةً والقبرُ صُندُوقُ العملِ
فو الذي نفسي بيدهِ إنَّ الذي حالَ بينَ النَّاسِ وبينَ العملِ، ألا هو طولُ الاملِ، ومَنْ أطالَ الاملَ، أساءَ العملَ، قالَ تعالى: ذَرهُم يأكلوا ويتمتعوا ويلهِهمُ الاملُ فسوفَ يعلمونَ.

العِلمُ يَهتِفُ بعامرِ بنِ عبدِ اللهِ، حينَ سَمِعَ المؤذنَ يؤذنُ لِصلاةِ المغربِ، فقالَ: خُذوا بيدي فقالوا: أنتَ عليلٌ وقدْ عَذركَ اللهُ، فقالَ واللهِ إنَّي لأستحي أنْ أسمعَ مناديَ اللهِ ولا أُجيبُ، اللهُ اكبرُ كمْ هم اليومَ يَسمعونَ فلا يُجيبونَ، فدخلَ مع الامامِ في صلاةِ المغربِ، فسجدَ سجدةً فماتَ، فقلْ لي باللهِ كيفَ سوفَ يُبعثُ يومَ القيامةِ، ومَنْ ماتَ على شيءٍ بُعِثَ عليهِ.

يُحكى أنَّهُ هُلكتْ جاريةٌ في الطاعونِ، فرآها أبوها في المنامِ، فقالَ لها: يا بُنيةَ أخبيرني عَنْ أمرِ الاخرةِ، فقالتْ له: قَدِمنا على أمرٍ عظيمٍ، نَعلمُ ولا نعملُ، وأنتم تعلمونَ ولا تعملونَ. فوالله لَتسبيحةٌ أو تسبيحتانِ، أو ركعةٌ أو ركعتانِ، في صَحيفةِ أحدِنا أحبَّ إلينا مِنَ الدنيا وما فيها، فو عجباً مِنْ مضيعٍ لحظةٍ فيها، فتسبيحةٌ واحدةٌ تُغرسُ لكَ شجرةٌ في الجنةِ، أُكُلُها دائمٌ وَظِلُّها.

كُلُنا يعلمُ أنَّ القبرَ محطةُ الاخرةِ، قبلَ العرضِ على اللهِ يومَ العَرضِ الاكبرِ، ولمْ نعملْ ما يُفرجُ عنَّا ضِيقُهُ، ويُنَوِّرُ علينَا فيهِ،
كُلُنا يعلمُ أنََنَا موقوفونَ بينَ يَديِّ رَبَِّ العالمينَ، ولمْ نستعدْ لتلكَ الموقفِ،
قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا تزولُ قَدمُ عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عَنْ أربعٍ، عَنْ عُمرهِ فيما أفناهُ، وعَنْ شَبابِهِ فيما أبلاهُ، وعَنْ عِلمهِ فيما عَمِلَ بهِ، وعَنْ مالهِ مِنْ أينَ اكتسَبَهُ وبما أنفقَهُ. رواه الترمذيُّ."

كُلُنا يعلمُ إذا قُلنا سبحانَ اللهِ وبحمدهِ، غُفِرَتْ لنا ذنوبُنا وإنْ كانتْ مِثلَ زَبَدِ البَحرِ، ولكِنَّنا لمْ نعملْ.
كُلُنا يعلمُ إذا صُمنا يوماً في سبيلِ اللهِ، باعدَ اللهُ وجهنا عَنِ النَّارِ سبعينَ خريفاً ولكنَّنا لمْ نصبرْ على ظَمأِ الهواجرِ، أسنصبرُ على يومٍ كانَ مِقدارُهُ خمسينَ الفَ سنةٍ.
كُلُنا يعلمُ إنَّ الصدقةَ تَقعُ في يدِ اللهِ، قبلَ أنْ تَقعَ في يدِ الفقيرِ، ولكِنَّنا نبخلُ ونخشى الفقرَ ولم نعملْ.
كُلُنَا يعلمُ أنَّ مَنْ قرأَ حرفاً مِنْ كِتابِ اللهِ، فلهُ بهِ حسنةٌ، والحسنةُ بِعشرِ أمثالِها، ولمْ نهتمْ بقرءاةِ القرءانِ يومياً ولمْ نعملْ.
كُلُنا يعلمُ أنَّ مَنْ بنى للهِ مَسجداً بنى اللهُ له بيتاً في الجنةِ، ولكِنَّنا لمْ نُساهمْ بِبناءِ مسجدٍ ولوْ بِعشرةِ دنانيرٍ ولمْ نعمل.
كُلُنا يعلمُ أنَّ الساعيَّ على الارملةِ والمسكينِ، كالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ، وكصائمِ النهارِ الذي لا يَفطرُ، وكقائمِ الليلِ الذي لا ينامُ، ولكِنَّنَا لمْ نساهمْ بِكفالةِ أرملةٍ وأبنائها ولمْ نعملْ،
كُلُنَا يعلمُ أنَّ قيامَ الليلِ، شَرَفُ المؤمنِ، وأنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ واصحابَهُ، لمْ يَدَعوا قيامَ الليلِ، رَغمَ إنشغالِهم بِلُقمةِ عيشِهم، وجهادِهم في سبيلِ اللهِ، ولمْ نقُمْ ولمْ نعملْ.
كُلُنا يعلمُ أنَّ الدنيا زائلةٌ، وأنَّ الاخرةَ آتيةٌ وهيَ الباقيةُ، ولمْ نعملْ لها.
كُلُنا يعلمُ أنَّ اللهَ قالَ: استجيبوا لِرَبِّكم مِنْ قبلِ أنْ ياتيَ يومٌ لا مَردَّ لهُ مِنَ اللهِ مالكم مِنْ ملجأٍ يومئذٍ ومالكم مِنْ نَصيرٍ.

طالبُ عِلمٍ مُستقيمٌ، مِنْ عِشرينَ سنةً أو ثلاثينَ سنةً، ولكِنَّهُ لا يَغضُ بصرَهُ عَنْ محارمِ اللهِ، طالبُ عِلمٍ أو مستقيمٌ، يغتابُ الناسَ ويُشَذِّبُ بأخلاقِ النَّاسِ وهو يعلمُ ولكنَّهُ لا يعملُ، مستقيمونَ يستمعونَ التِلاوتِ والمحاضراتِ، ويحضرونَ اللقاءاتِ والنَّدواتِ، ويستمعون للخُطبِ، ولا تَكادُ تَمُرُ بِهم أيةٌ أوْ حديثٌ إلَّا سَمِعوا بهِ مِنْ قبلِ، ولكِنَّهم أبعدوا النَّاسِ عَنِ العملِ،
يقولُ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رحمهُ اللهُ: الواعظونَ بالعلمِ كثيرٌ، ولكنَّ العاملينَ بِهِ قليلٌ.
لقدْ آنَ الاوانُ أنْ ننزعَ الثامَ، لِثامِ الاستقامةِ الجوفاءِ، التي عَرَفَنا النَّاسُ بها، وأنْ نَخلُقَ ميلاداً جديداً لِلعملِ،
أجبْ أيها القَلبُ العصيُّ*** أكنتَ في هوى الدارِ مفتونٌ أمِ الخلدَ تأملو
إذا أرداك عِلمُكَ في مهاوٍ*** فليتكَ ثُمَّ ليتَكَ ما عَلِمتَ.
لا يراكُ اللهُ على عِلمٍ عَلِمتَهُ، ثُمَّ تخَلَّفتَ بهِ، فالعلمُ صِنوانُ العملِ، هذه الذِكرى للذينَ يسمعونَ، أمَّا الموتى فَيبعثُهُم اللهُ وإليهِ يرجعونَ.


أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرو اللهَ لي ولكمْ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ، إنَّهُ هوَ التوابُ الرحيمُ."

( الخُطبةُ الثانيةُ )

أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ: لمْ يكنْ ابو عبدِ الرحمنِ السُلَميِّ وأصحابُه يتفاخرونَ بالعلمِ الذي عَلمُوهُ، بلْ كانوا كما قالَ ابو عبدِ الرحمنِ: كُنَّا إذا تَعلمنا عشرَ أياتٍ مِنَ القرءانِ، لمْ نتعلمْ العشرَ التي بعدها حتى نعلمَ حلالَها وحرامَها، وأمرَها ونهيَها، فتعلَّمنا العلمَ والعملَ جميعاً.

إنَّ المؤمنينَ هم أهلُ الاستجابةِ حقاً، وهمُ الذينَ إذا سَمِعوا داعيَ اللهِ، يقولونَ: سَمِعنا وأطعنا، همُ الذينَ يعرفونَ الحُكمَ الشرعي، ثُمَّ يُبادرونَ بالعملِ بمقتضاهُ، مهما خالفَ أهواءَهم ورغباتِهم، إنَّ سبيلَ المؤمنينَ، هوَ العملُ، وإلَّا لمْ يكنْ لِصَّحابةِ فَضلٌ عندما سكبوا أحبَّ ما عندَهم ألا وهوَ الخَمرُ، وسِككُ المدينةِ تشهُدُ على ذلكَ،

يقولُ رسولُ الهدى عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: لإصحابهِ يوماً لو جعلنا هذا البابَ لِنِّساءِ، فيستجيبُ ابنُ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما، يقولُ نافعٌ: ما دخلَ منهُ بنُ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهُ حتى ماتَ.

يطلُبُ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ مِنْ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خادماً يَخدِمُهُ، فَيشيرُ إليهِ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالذكرِ والتسبيحِ، فيقولُ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ ما تَركتُهُنَّ منذُ سمعتُهنَّ مِنْ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قيلَ لِعليٍ ولا ليلةَ صِفِّينَ؟ قالَ: ولا ليلةَ صِفِّينَ، وليلةُ صِفِّينَ هيَ أسمُ المعركةِ التي وقعتَ بينَ الصحابةِ رضيَ اللهُ عنهم وهيَ موضعٌ بالشامِ قريبةٌ مِنَ الفُراتِ.

أخذوا الاجابةَ كابراً عَنْ كابرٍ*** فُرسانُ صِدقٍ إذا قالتْ الافواهُ شيئاً أجابتها الفِعالُ."

حَدَّثَ النُّعمانُ بنُ سالمٍ عَنْ عَمرِو بنِ أوسٍ، قالَ حدَّثني عَنبسةُ بنُ أبي سُفيانَ في مَرضهِ الذي ماتَ فيهِ، بحديثٍ يَتسارُ إليهِ، قالَ: سمعتُ أمَّ حبيبةَ رضيَ اللهُ عنها، تقولُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: مَنْ صلى ثنتيَ عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ، بنى اللهُ لهُ بيتاً في الجنَّةِ، تقولُ أمُّ حبيبةَ: ما تركتُهنَّ منذُ سمعتُهنَّ مِنْ فيِّ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَ عنبسةُ: ما تركتُهنَّ منذُ سمعتُهنَّ مِنْ أمِّ حبيبةَ، قالَ عَمرُو: ما تركتُهنَّ منذُ سمعتُهنَّ مِنْ عنبسةَ، وقالَ النُّعمانُ بنُ سالمٍ: ما تركتُهنَّ منذُ سمعتُهنَّ مِنْ عَمرِو بنِ أوسٍ.

يقولُ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ: ما كَذبتُ منذُ عَلمتُ أنَّ الكذبَ يَشينُ صاحبَهُ.
ويقولُ البخاريُّ: ما اغتبتُ مسلماً منذُ احتلمتُ وقدْ عَلمتُ أنَّ الغيبةَ حرامٌ.


روى الامامُ احمدَ بمُسندهِ عَنْ منصورٍ بنِ زاذانَ قالَ: نُبئتُ أنَّ بعضَ ما يُلقى في النَّارِ يتأذى أهلُ النَّارِ مِنْ ريحهِ، فيقولون: ويحكْ ما كنتَ تعملُ، أما يَكفينا ما نحنُ بهِ مِنَ الشَّرِ حتى ابُتلينا بكَ ونتنِ رائحتِكَ، فيقولُ: أنا عالمٌ ولمْ أنتفعْ بِعلمي.

تُفٍ على هذه الدنيا، إنْ لمْ تكنْ زاداً تتزودُ بها إلى أُخرَاكَ، واللهِ ما كانتْ تَغرُ مَنْ قبلنا أتغُرُكَ؟ كانوا يقولونَ لها: غُري غيرَنا غُري غيرَنا، وكانوا يَسخرونَ مِنَ الشيطانِ حتى في السكراتِ الاخيرةِ عندَ الموتِ،
يأتي الشيطانُ للامام أبي عبدِ اللهِ احمدَ بنِ حنبلٍ رضيَ اللهُ عنهُ، ياتيهِ في سكراتِ موتِهِ، يقولُ له: فُتَّني يا أُحَيمدَ ما ظفرتُ بكَ كما ظفرتُ بِهم، فيقولُ أحمدُ بنُ حنبلٍ: ليسَ بعدُ ليسَ بعدُ.

تَسمعُ المرأةُ قولَ اللهِ تعالى: فلا تخضعنَ بالقولِ، وتجدها تخضعُ وتغنجُ عندَ الرجالِ، وتختلطُ بهم وتزاحمُهم ولا تُبالي،
تسمع المرأة قولَ اللهِ: يايها النبيُّ قُلْ لازواجكَ وبناتِكَ ونساءِ المؤمنينَ يُدنينَ عليهنَّ مِنْ جلابيبهنَّ، فلا تَلبسُ الجلبابَ، بلْ تخرجُ كاسيةً عاريةً،
تسمعُ المرأةُ قولَ اللهِ: وقَرنَ في بيوتِكُنَّ، وتَفِرُ مِنَ البيتِ،
تَسمعُ المرأةُ قولَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُما إمراةٍ إستعطرتْ فَمرتْ على قومٍ لِيجدوا مِنْ ريحِها فهيَ زانيةٌ، ومعَ ذلك تجدُ رائحةَ العُطرِ تفوحُ منها مِنْ بُعدِ أمتارٍ
نسألُ اللهَ العفوَ والعافيةَ."

اللهمَّ وفقنا لِطاعتِكَ، وطاعةِ نبيكَ مُحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطِاعتهِ، عملاً بِقولِكَ: يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الامرِ منكم.

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدِنا محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ."










المشاهدات 3741 | التعليقات 0