كُنا في رمضان

ابو صالح الحربي
1438/10/05 - 2017/06/29 22:56PM
خطبة الجمعة 1438/10/6 هـ

أما بعد أيها الناس اتقوا الله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
عباد الله : ها نَحن قد ودعنا شهر رمضانَ ، ودعنا شَهْرَ القرآن والتَّقْوى والصَّبْر والرحمة والمغفرة والعتق من النار ، نودعه ونقول: السلام عليك يا شهر رمضان، السلام عليك يا شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن . السلام عليك يا شهرَ التَّجاوز والغُفْران، كنت للعاصين حبسًا، وللمتقين أنسًا، السلام عليك يا شهر التراويح، السلام عليك يا شهر الأنوار والمصابيح، فيا أسفًا على رحيلك يا رمضان، فيا شهرَنا، غير مُودَّع ودَّعناك، وغير مقلي فارقناك، كان نَهارك صدقة وصيامًا، وليلك قِراءَةً وقيامًا، فعليك منا تَحيةً وسلامًا، أتراك تعود بعدها علينا، أم يدركنا المنون فلا تؤول إلينا؟ مصابيحنا فيك مشهورة، ومساجدنا منك معمورة، فالآن تُطْفأ المصابيحُ، وتنقطع التراويح، ونرجع إلى العادة، ونفارق شهر العبادة... يا شهر رمضان ترفق .. دموع المحبين تدفق..قلوبهم من ألم الفراق تشقق ..
أيها المسلمون : لقد رحل رمضان ولكنه استخرجَ ما فينا من الخيرِ، وأثْبَتَ لنا أننا قادرونَ على فعلِ الكثيرِ من الصَّالحاتِ، وأننا نستطيعُ الاستزادةَ من وافرِ الحسناتِ، وأوضحَ لنا بما لا يقبلُ الشَّكَ، كيفَ أن عندنا من القوَّةِ على العملِ الصَّالحِ ما نستطيعُ أن نُنافسَ فيه أهلَ العبادةِ والصَّلاحِ على أعلى منازلِ الجنَّاتِ امتثالاً لقولِه تعالى(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) فها نحنُ صُمنا رمضان في هذه الأيامَ الطَّويلةَ الحارَّةَ لأننا نعلمُ أنَّ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )، وتحمَّلنا ما فيها من الجوعِ والعطشِ وتركنا فيه لذيذَ الشَّهواتِ ابتغاءَ عظيمِ الأجرِ من ربِّ الأرضِ والسماواتِ،فأبشروا يا أهلَ الصَّومِ! فقد أعدَّ اللهُ تعالى لكم ثواباً لا يعلمُه إلا هو، فهو القائل في الحديث القدسي (إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ).
عباد الله : من صامَ رمضانَ، يستطيع أن يصومَ ستةَ أيامٍ بعدَه، لحديثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) بل إن المُحافظةَ على الصَّومِ لا نظيرَ له في العباداتِ، كما جاءَ عن عَنْ أَبِي أمامةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ دُلَّنِي عَلى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ)، فَكَانَ أَبُو أُمامَةَ لا يُرَى في بَيْتِهِ الدُّخَانُ نهاراً إِلَّا إِذَا نَزَلَ بهمْ ضَيْفٌ، من كثرةِ صيامِه رضيَ اللهُ عنه امتثالاً لوصيَّةِ حبيبِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
أيها المسلمون : في رمضان حافظنا على قيامِ اللَّيلِ ابتغاءَ أجرِ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ذلكَ القيامُ الذي قالَ عنه رسولُنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ) فلا تحرمُ نفسَك يا عبدَ اللهِ من هذا الفضلِ. واجعلْ لك في كلِّ ليلةٍ بعدَ رمضانَ ركعاتٍ، فيها استغفارٌ وتسبيحٌ وتحميدٌ ووِترٌ ودعواتٌ تُكتبُ فيها من القانتينَ للهِ...
عباد الله : نقول شكراً رمضانَ .. فلقدْ ختمنا فيكَ القرآنَ مرةً أو مرَّاتٍ،ومَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْه فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لاَ أقولُ: (ألم) حَرفٌ، وَلكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ .. فما أكرمَ اللهِ تعالى على عبادِه .. فقد كانتْ حروفاً كثيرةً .. فمن يستطيعُ أن يُحصيَ معها الحسناتِ ،فيا أيُّها الحبيبُ لا تتركْ يوماً إلا وقد ضممتَ المُصحفَ بينَ يديكَ ،وتحرَّكتْ ببعضِ الآياتِ شَفتيكَ ،تكنْ لك بركةٌ في السَّماءِ ومن تحتَ رِجليكَ ،،
باركَ اللهُ لي ولكم ،،،

الخطبة الثانية : معاشر المؤمنين :في رمضان كنا نُحافظُ على الصَّلاةِ في بيوتِ اللهِ تعالى .. فصَلَّيْنَا الفريضةَ فيه والنَّافلةَ .. ومشينا إليه خُطُواتٍ كثيرةً .. مُستشعرينَ قولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هذِهِ الْمَسَاجِدِ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً) فكم من حسنةٍ كُتبتْ، وكم من درجةٍ رُفعتْ، وكم من سيئةٍ حُطَّتْ ، فما أعظمَك من ربٍّ تُعينُ على الطَّاعةِ من تشاءُ من عبادك ،وتَجزيهم عليها ما لا يتخيَّلونَ من واسعِ عطاءِكَ ، وعندما كُنا نمشي للمسجدِ في صلاةِ الفجرِ .. فنشعرُ بسعادةٍ غامرةٍ لا نعلمُ سببَها .. ولكننا نستبشرُ ببُشرى نبيِّنا وحبيبِنا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ حينَ قالَ: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَم إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أيها المسلمون : في رمضان تعلَّمتنا أن نتقلَّبَ في أنواعِ الطَّاعاتِ وأن نجنيَ جميلَ أعمالِ البِرِّ ما ينفعنا في يومِ القيامة الَّذي لا ينفعُ العبدَ فيه إِلاّ ما قدَّمَ من الحسناتِ ،حينها ستعلمُ أهميَّةَ هذه الأعمالِ الصَّالحةِ وكيفَ أنها حِصنٌ لك في قبرِكَ ودرعٌ لك من عذابِ القبرِ.
عباد الله : نستودعُ اللهَ تعالى ما قدَّمنا في رمضان من الأعمالِ، ونسألُه تعالى أن يجعلَنا ممن صامَ رمضانَ وقامَه إيماناً واحتساباً وأن يتقبلَ ما قدَّمنا فيه من الأعمالِ الصَّالحةِ وأن يُعيدَه علينا أعواماً عديدةً ونحنُ في صحةٍ وخيرٍ وهُدى والأمَّةُ الإسلاميَّةُ في عِزٍّ وتمكينٍ ..
الا وصلوا وسلموا على رسول الله ،،،
المرفقات

كنا في رمضان.doc

كنا في رمضان.doc

المشاهدات 961 | التعليقات 0