كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ

مبارك العشوان 1
1441/11/18 - 2020/07/09 04:17AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِأَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: ( التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا للهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الجُمْلَةُ: ( كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ ) قَالَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ وَفِيْهَا التَّأْكِيْدُ عَلَى عِنَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ وَاهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ عُمُومًا، وَبِالتَّشَهُّدِ خُصُوصًا؛ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ؛ لِيَحْفَظُوهُ بِجُمَلِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ. وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ وَمُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ؛ العِنَايَةُ بِالتَّشَهُّدِ، وَتَعْلِيْمُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، بِحِفْظِهِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ؛ فَهُوَ أدْعَى لِحُضُورِ القَلْبِ وَخُشُوعِهِ.  

وَلَعَلَّنَا نَقِفُ بَعْضَ الوَقَفَاتِ مَعَ التَّشهُّدِ وَدُعَائِهِ.

اعْلَمُوا  - وَفَّقَكُمُ اللهُ ـ أنَّ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهوِ، أمَّا التَّشَهُّدُ الأَخِيْرُ؛ فَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ؛ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ.

عِبَادَ اللهِ: فِي التَّشَهُّدِ يُعَظِّمُ المُصَلِّي رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُثْنِي عَلَيهِ؛ وَيُمَجِّدُهُ وَيَشْهَدُ شَهَادَةَ التَّوحِيْدِ؛ وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَفِي التَّشَهُّدِ يَلْجَأُ المُصَلِّي إِلَى رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ.

( التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ )

( التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ) التَّعْظِيمَاتُ بِكَافَّةِ صِيَغِهَا وَجَمِيْعِ هَيْئَاتِهَا مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذُلِّ وَخُضُوعٍ، وَخُشُوعٍ وَانْكِسَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهِيَ لَهُ سُبْحَانَهُ مُلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا.

( وَالصَّلَوَاتُ ) وَهَكَذَا الصَّلَوَاتُ فَرَائِضُهَا وَنَوَافِلُهَا وَالدُّعَاءُ؛ كُلُّ ذَلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ؛ لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى. 

وَهَكَذَا ( الطَّيِّبَاتُ ) فَلِلَّهِ تَعَالَى أَطْيَبُ الأَوْصَافِ، وَأَطْيَبُ الأَفْعَالِ، وَأَطْيَبُ الأَقْوَالِ، وَلَهُ جَلَّ وَعَلَا الطَّيِّبُ مِنْ أَعْمَالِ العِبَادِ وَأَقْوَالِهِمْ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ( إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ) أخرجه مسلم.  وَقَالَ تَعَالَى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } فاطر 10

وَبَعْدَ أَنْ يُثْنِي المُصَلِّي عَلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَيُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ  التَّحِيَّاتُ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ؛ يَقُولُ: ( السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ) وَهَذَا دُعَاءٌ لِنَبِيِّنَا مَحُمَّدٍ صِلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالسَّلَامَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالبَرَكَةِ، ثُمَّ يَدْعُو المُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَلِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ، بِالسَّلَامَةِ مِنْ جَمِيعِ الآفَـــاتِ: ( السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَـــادِ اللهِ الصَّالِحِــينَ ) وَفِي الحَـدِيثِ: ( فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) رواه البخاري.  وَالعَبْدُ الصَّالِحُ هُوَ القَائِمُ بِحُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، هُوَ مَنْ صَلُحَتْ سَرِيْرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ، هُوَ مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَابَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

يَقُولُ الشَّيْخُ الخُضْيْرُ حَفِظَهُ اللهُ: وَهَذِهِ دَعْوَةٌ فِي ظَهْرِ الغَيْبِ لِأَخِيْكَ الصَّالِحَ، وَالمَلَكُ يَدْعُو لَكَ بِمِثْلِ هَذَا، فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْرِصَ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَبِالمُقَابِلِ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَسْعَى فِي إِصْلَاحِ نَفْسِهِ لِيَكُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، لِيَنَالَهُ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَمِيْعِ المُصَلِّيْنَ، لَكِنَّ غَيْرَ الصَّالِحِ مَحْرُومٌ مِنْ مِثْلِ هَذَا، حَرَمَ نَفْسَهُ... الخ.

ثُمَّ يَشْهَدُ المُصَلِّي لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالوَحْدَانِيَّةِ، وَلِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالعُبُودِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ: ( أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ).

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ: فَإنَّهُ يُشْرَعُ  بِعْدَ التَّشَهُّدِ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَا ثَبَتَ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:( اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. )

ثُمَّ يَدْعُو المُصَلِّي بِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو. ) رواه البخاري. وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا المَوضِعِ جُمْلَةٌ مِنَ الأدْعِيَةِ؛ مِنْهَا؛ التَّعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: ( مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) أخرجه مسلم.  

وَمِنْهَا: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ.) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْهَا: ( اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) أخرجه البخاري

وَهَذَا المَوطِنُ؛ الَّذِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيْمِ؛ مَوطِنُ دُعَاءٍ؛ وَهُوَ حَرِيُّ بِالإِجَابَةِ؛ فَلْتَحْرِصُوا عَلَى الدُّعَاءِ فِيْهِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، .... حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِيْنَ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المشاهدات 862 | التعليقات 0