كل بدعة ضلالة

محمد ابراهيم السبر
1444/03/13 - 2022/10/09 18:41PM

" كل بدعة ضلالة "

الحمد لله، الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك لهرضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله، أمر بالتمسك بالسنة، وحذر من البدعة والضلالة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيداً إلى يوم القيامة.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ففي تقواه عز وجل الخير كله، والشر كل الشر في معصيته.

عباد الله، إن نِعَم الله على العبادِ كثيرة وأعظمها نعمة الإسلام؛ ذلكم الدين الحق الذي يفرِّق بين الحقِّ والباطل، والحلال والحرام، والخير والشر، قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيتًا فَأَحيَينَاهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُورًا يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظٌّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ مِّنهَا﴾.

وإنَّ أعظم ما يهدم الدين ويهدد كيانه ظهور البِدَع المضِلَّة والمحدثات التي يرى صاحبها أنّه مصيبٌ وهو على ضلال.

وقد كان النبي ﷺ يحذِّر من البدع والفتن فعن العِرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وَعَظنا رسول الله ﷺ موعظةً وجلَت منها القلوب وذرَفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعِظَة مودِّع فأوصنا، قال: " أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاء الراشِدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة" رواه الترمذي وأبو داود.

والبدعة طريقة مخترعة في الدين ليس لها دليل من كتاب أو سنة، ولم ترد في الشرع، يقصد مخترعها التقرب بها إلى الله عز وجل.

وكل البدع مردودة، فقد قال ﷺ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وقال ﷺ: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".

وقد حكم ﷺ على البدع كلها بأنها ضلالة، فقد كان يقول في خُطبه: "إن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد ﷺ، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة "رواه مسلم.

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:" اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل بدعة ضلالة ".

وقال الإمام أحمد رحمه الله: " أصولُ السُّنة عندنا: التمسُّكُ بما كان عليه أصحابُ رسول الله ﷺ، والاقتداءُ بهم، وتركُ البدع، وكل بدعةٍ فهي ضلالةٌ".

" فكلّ مَن أحدث شيئًا ونسبَه إلى الدين ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجِع إليه فهو ضلالة والدين بريءٌ منه، وسواء في ذلك مسائِلِ الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة". (شرح الأربعين لابن رجب)

وقال الإمام مالك رحمه الله: "من ابتدَع في الإسلام بدعةً يراها حسنة فقد زعم أن محمّدًا خان الرسالة؛ لأنّ الله يقول ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾. فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا".

والبدع المحدثة لها أضرار وأخطار، فالبدع أمرها عظيمٌ، وهي بريدُ الكفر؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنَّ أبغض الأمورِ إلى الله البدع. وقال سفيانُ الثوريُّ رحمه الله: البدعةُ أحبُّ إلى إبليس من المعصيةِ، المعصيةُ يُتاب منها والبدعةُ لا يُتابُ منها.

ومن مفاسد البدع أنها تمحو السنة، قال بعض السلف:" ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها"، فكلما أحدثت بدعة تركت سنة، وهكذا حتى تكثر البدع، وتضمحل السنن، ويتلاشى الدين شيئاً فشيئاً.

وأصحاب البدع يزهدون في السنن، ويستثقلون العمل بها، بينما ينشطون في البدع، وتنبعث هممهم للقيام بها، فينفقون فيها أموالهم، ويتعبون أبدانهم، ويضيعون أوقاتهم في إحياء البدع، وقد يكون بعضهم مقصراً في أداء الواجبات، وإقامة الصلوات، مع ما يحتف بهذه البدع من المنكرات والمخالفات ونحو ذلك، وذلك من كيد الشيطان بهم، وتزيينه الباطل في أعينهم، والإمام مالك كثيراً ما يتمثل قول الشاعر:

وخيرُ الأمور السالفاتُ على الهدى*** وشرُ الأمور المحدثاتُ البدائعُ

فالبدع ومضلات الفتن ظلماتٌ بعضُها فوق بعض وكبائر كثيرةٌ، لو تدبَّرها المتدبِّر لكَفته واحدة منها في النّفور عنها. ولكنه الجهل وقلة العلم ﴿وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم يَجهَلُونَ﴾. واتباع الهوى وإعجاب المرءِ بنفسِه ورأيِه ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلٌّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ فَلاَ تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَاتٍ﴾.

لقد حدَثت البدع في أواخر عصرِ الصحابة رضي الله عنهم تصديقًا لقول النبي ﷺ: " فإنّه مَن يعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا "، فتصدّى لها الصحابة، ودفَعوا في نحورها بالبيان وقوَّة السلطان، حتى ولَّت مدبِرة وانكشَفَت ظلُماتها، وحذّروا أمةَ الإسلام منها.

ظهرت بدعةُ الخوارج، وبدعةُ القدريّة، ثم تتابعت البدَعُ، وفي كلِّ زمنٍ يهيِّئ الله للأمّةِ الإسلاميّة مِن الولاةِ والعلماء من يطفِئ نارَ الفتَنِ ويقمَع البدع، فالولاةُ يقمعون البدعَ ويطفِئون الفتنَ بقوّة السلطان، والعلماءُ بقوّة البيان، فينشرون السنَنَ، ويبلِّغون الأحكامَ.

ولقد حدثت البدع بعد القرون المفضلة وعلى حين فترة من ضعف الأمة وتفرقها، فأول من أحدث الموالد هم العبيديون الفاطميون في القرن الرابع فابتدعوا ستة موالد؛ المولد النبوي، ومولد على، وفاطمة، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم والخليفة الحاضر، وهدفهم من ذلك نشر مذهبهم الباطني الخبيث؛ فأقاموا الموائد والموالد، لاستمالة قلوب العوام ونشر المنكرات والبدع.

إن من البدع الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من موالد الأنبياء والأولياء وما يسمى عيد الميلاد، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وكل هذا إحداث في الدين لم يشرعه الله ﷻ ولا رسوله ﷺ ولا عمله أزواجه وأصحابه ولا خلفاؤه وأهل القرون المفضلة.

فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من الذين قال الله فيهم ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد؛ فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، فإنَّ طاعته أقوم وأقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، والزموا جماعةَ المسلمين وإمامَهم، فإنَّ يدَ الله على الجماعة، وإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصيةَ، ﴿وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا﴾.

إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾؛ اللهم صَلِّ وسَلِّم على النبي المصطفى المختار، وعلى المهاجرين والأنصار وعلى جميع الآل والصحب الأخيار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم وَفِّق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى.

اللهم انصر جنودنا المرابطين وردهم سالمين ظافرين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 465 | التعليقات 0