( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا )

مبارك العشوان 1
1444/03/03 - 2022/09/29 11:51AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الأّشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ:  ( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُور وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ).

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ؛ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ، قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ قَوَاعِدِ الإسْلَامِ.   

كَلِمَاتٌ قَلِيْلَةٌ، يَعُدُّهَا العَادُّ، تَحْمِلُ مِنَ المَعَانِي أَعْظَمَهَا، وَمِنَ الوَصَايَا أنْفَعَهَا، وَمِنَ المَوَاعِظِ أَبْلَغَهَا.

رَغَّبَ النَّبِيُّ صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي جُمْلَةٍ مِنَ العِبَادَاتِ؛ وَذَكَرَ فَضَائِلَهَا؛ ثُمَّ خَتَمَ حَدِيثَهُ بعِبَارَةٍ وَجِيْزَةٍ، وَمَوْعِظَةٍ بَلِيْغَةٍ، قَلِيْلَةِ المَبْنَى، عَظِيْمَةِ المَعْنَى: ( كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ).

كُلُّ إِنْسَانٍ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ؛ يَسْعَى بِنَفْسِهِ وَيَقُودُهَا؛ إِمَّا لِمَا فَيْهِ فَوزُهَا وَنَجَاتُهَا وَفَلَاحُهَا، أَوْ لِمَا فَيْهِ خُسْرَانُهَا وَعَطَبُهَا وَهَلَاكُهَا.

قَالَ الله تَعَالَى: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّـاهَا } الشمس 7ـ  10

 يَقُولُ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ؛ فَأَصْلَحَهَا وَحَمَلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا: أَهْلَكَهَا وَأَضَلَّهَا وَحَمَلَهَا عَلَى المَعْصِيَةِ.

وَيقُولُ: ابنَ آدَمَ إِنَّكَ تَغْدُو وَتَرُوحُ فِـي طَلَبِ الأَرْبَاحِ فَلْيَكُنْ هَمُّكَ نَفْسَكَ فَإِنَّكَ لَنْ تَرْبَحَ مِثْلَهَا أَبَدًا.

وَيَقُولُ ابنُ السِّمَاكِ رَحِمَهُ اللهُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا تَغْدُوا فِي كَسْبِ الأَرْبَاحِ؛ فَاْجَعلْ نَفْسَكَ فِيْمَا تكْسِبُهُ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَكْسِبَ مِثْلَهَا، قَالَ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } الزمر 15

 عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلمَ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُـمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ) رواه البخاري ومسلم.

أَلَا فَاشْتَرُوا - عِبَادَ اللهِ - أَنْفُسَكُمْ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ وَاسْعَوا فِي نَجَاتِهَا، فُكُّوا رِقَابَكُمْ مِنَ النَّارِ؛ بِلُزُومِ التَّقْوَى؛ فَإِنَّهُ لَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنِ اتَّقَى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيـّاً }مريم 71ـ  72  

لَا يَفُوزُ بِالجِنَانِ إِلَّا مَنِ اتَّقَى: { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً }مريم 63

أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ، بِاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللهِ؛ اِحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ وَأَسْمَاعَكُمْ وَجَوَارِحَكُمْ عَمَّا يُغْضِبُ اللهَ؛ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء 36

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فِيمَا تَأْتُونَ وَمَا تَذَرُونَ؛ حَافِظُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى صَلَوَاتِكُمْ؛ يَحْفَظْكُمُ اللهُ؛ لَا تُضيِّعُوهَا فَتَضِيْعُوا، وتَهْلِكُوا، وتُعَذَّبُوا؛ فَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ مَنْ ضيَّعَهَا بِقَولِهِ: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم  59 

اِتَّقُوا اللهَ فِي بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ وَوَظَائِفِكُمْ وَجَمِيعِ مُعَامَلَاتِكُمْ، اِحْرِصُوا عَلَى الحَلَالِ وَإِنْ قَلَّ؛ فَإِنَّ فِيْهِ بَرَكَةٌ، وَذَرُوا الحَرَامَ وَإِنْ كَثُرَ؛ فَإِنَّ اللهَ يَمْحَقُهُ: { يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } البقرة 276  

أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ مِنَ النَّارِ، وَاتَّقُوا عَذَابَهَا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6

اِسْتَعِدُّوا - أَيُّهَا النَّاسُ - لِلِقَاءِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، اِسْتَعِدُّوا لِيَومٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ، اِسْتَعِدُّوا لِيَومٍ تُعْرَضُونَ فِيهِ عَلَى اللهِ: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }الحاقة 18

اُنْظُرُوا فِي أَعْمَالِكُمْ، وَتَأَهَّبُوا لِرَحِيْلِكُمْ وَانْتِقَالِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا بَقَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }الرحمن26 ، 27

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } آل عمران 185

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } الأنبياء 35

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } العنكبوت 57 – 59

جعلني الله وإياكم منهم.

 ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1664441453_وقفات مع حديث كل الناس يغدو 1444 هـ.pdf

1664441471_وقفات مع حديث كل الناس يغدو 1444 هـ.docx

المشاهدات 2430 | التعليقات 0