كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه
احمد ابوبكر
1438/02/14 - 2016/11/14 06:47AM
[align=justify]عندما نشير إلى صلابة سد منيع فلابد حينها أن ندرك صلابة المكوّن الأساس لهذا السد وهي تلك الخرسانات المتراصة والتي تم صنعها بمكونات قوية وبأساليب حاذقة لتتمكن من مقاومة الأحمال العالية ..
وما هذا إلا تشبيه يسير للمجتمع الذي وحدة بنائه الأسرة ، فمتى كانت الأسرة قوية متماسكة أكسبت المجتمع القوة والتماسك والعكس تماماً إن أصابها التخلخل فهذا نذير بالوهن ، وإعلان عن خطر الطوفان الذي يوشك أن يكون سيل العرم الذي أهلك ديار سبأ .. حيث انقلب نعيمهم إلى شقاء ورفاهيتهم إلى تعب.
ولأهمية شأن الأسرة فقد أحاطها الإسلام بالعناية الدقيقة ، ومن أبرز ما يمكن إيراده في هذا الصدد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه ، الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه ، والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ ، والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها ، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه . قال : وَحَسِبْتُ أنْ قدْ قال : والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه ، وكُلُّكُم راعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه" صحيح البخاري
يشير هذا التوجيه الكريم لعدة معاني مهمة متعلقة بالألفاظ التالية : الرعْي و الراعي والمسؤولية ، فالرَعْي هو حفظ الشيء وحسن التعهُّدِ له، والرَّاعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، والمسؤولية تفيد أن كل من كان تحت نظره شيء فَهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه و متعلّقاتِه، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفَر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعَيتِه بِحَقِّهِ.
وفي هذا الحديث تسلسل من الأكبر مسؤولية إلى الأقل .. فبدأ بالإمام وهو الوالي أو الحاكم على البلد وذلك لأن مسؤولياته أشمل والحمل عليه أعظم ، ثم انتقل إلى الرجل ورعايته أهل بيته فيدخل في ذلك كل من يعولهم من زوجة وأبناء وإخوة وأخوات، ثم انتقل إلى المرأة، ثم إلى الخادم.
ويلاحظ هنا التقاطع بين مسؤولية الرجل والمرأة فطالما الرجل مسؤول عن أهله ورعايتهم ومن ضمن الأهل الأبناء فما هو دور المرأة ؟ ودون شك أنه ليس ثمة تعارض فالمرأة مناط بها المسؤولية المباشرة، والرجل مناط به المسؤولية العامة حيث يعمل على توفير ما من شأنه إعانة المرأة على متطلبات مسؤوليتها مما يصلح به شأن بيت زوجها وأبنائه، وهذا نص رواية عبدالله بن عمر في صحيح البخاري " والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه ، وهي مسؤولةٌ عنهم ".
ولذا عندما يقصّر الرجل في تدبير شأن بيته فإن هذا مبتدأ خلخلة الأسرة حيث تضطر الزوجة للقيام بدورها ودور الأب أيضاً مما يكون سببا في تقصيرها في الدور الأساس المناط بها.
ولفهم أكثر لضوابط هذا التسلسل المنطقي الجميل في هذا الحديث العظيم الذي يرتب المسؤوليات ويسلط الضوء عليها فإنه لابد من النظر إلى ضوابط التعامل مع كل راع من هؤلاء الرعاة، فمسؤولية الإمام تجاه رعيته تظافرت وتوافرت فيها النصوص على وجوب طاعة الإمام في غير معصية ، وتم التشديد والغلظة على كل من يخالف أمره أو يعصيه أو يخرج عليه، حتى وإن كان أقل حسباً ونسباً، بل وأمرنا بالصبر حتى إن رأينا منه ظلماً أو حيفاً طالما هو في شأن الدنيا وليس في شأن الدين.
وما ذلك إلا لاهتمام هذا الدين العظيم باجتماع الكلمة ووحدة الصف، وأن الصبر على مضض هو لأجل تحصيل منفعة وتفويت مضار عظيمة لا يعلم بها إلا الله، من أبرزها الفتن التي تؤدي لزعزعة الصفوف وانهدام الكيان وشواهد التاريخ والواقع واضحة بينة.
فعلى الرعية التزام الطاعة، وعلى الراعي مراقبة الله فيهم حيث يعدل في الرعية ويقسم بالسوية ويقوم على إصلاح شؤونهم بما يعينهم على أداء واجباتهم، فإن قصر أو خالف أو ظلم وجبت المناصحة "الدين النصيحة" بضوابطها الشرعية ووجب الصبر عليه رغبة في صلاح حاله، وحرم إسقاط ولايته مالم تتوافر شروط إسقاطها وانتفاء موانعها.
ومسؤولية الرجل في أهل بيته هي كذلك محاطة بسياج من التعامل الرفيع الواجب على من يعولهم الرجل حيث يلتزمون طاعته ويصدرون عن رأيه، فعلى الزوجة احترام قيادة الرجل كونها هبة من الله له يستخدمها في حدود الشرع دون تجاوز أو ظلم لقوله تعالى : "الرجال قوامون على النساء"، كما أن عليها طاعته وتعظيم مراده، دخل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حائطًا مِن حوائطِ الأنصارِ فإذا فيه جملانِ يضرِبانِ ويرعُدانِ فاقتَرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهما فوضَعا جِرانَهما بالأرضِ فقال مَن معه: سجَد له، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( ما ينبغي لأحدٍ أنْ يسجُدَ لأحدٍ ولو كان أحدٌ ينبغي أنْ يسجُدَ لأحدٍ لَأمَرْتُ المرأةَ أنْ تسجُدَ لزوجِها لِمَا عظَّم اللهُ عليها مِن حقِّه)، وهذا يبين بجلاء صفة التعامل التي ينبغي بذلها وعدم المساس بها، حتى وإن كان رب الأسرة أقل حسبا ونسبا أو غيرها من المفاضلات التي من شأنها ازدرائه ورفض أمره أو مخالفته، وما ذلك إلا لحصول مطلوب أعلى وهو تماسك الأسرة والمحافظة على صلاح شأنها.
فإن قيل أن البلاء يأتي أحيانا من فساد الراعي ، فنقول إن تقدير ذلك في الإمام لأهل الحل والعقد من العلماء والأمراء، وفي حال الرجل فتقدير ذلك ومحله عند القضاء، وليس ذلك مطلقا للمراهقين أو الغوغاء.
فكما لا يسوغ الخروج في تظاهرات لإسقاط والي عن ولايته لما في ذلك من زعزعة البلد، فإنه لا يصح الانتظام في حملات لإسقاط ولاية الرجل على من يعول من أهله، لما في ذلك من خلخلة المجتمع عن طريق تفكيك الأسرة.
والمشاهد التي يستدل بها المنادون بإسقاط ولاية الرجل على أهل بيته مشاهد فردية بالنسبة لمجتمع يتكون من الآلاف من الأسر المستقرة، ومع ذلك لا يعني إهمال هذه المشاهد وإن كانت قليلة بل الشريعة أتت بما يكفل للمرأة كرامتها وأخذها لحقها فكل قضية تقدر بقدرها وتعالج حسب مقتضياتها، ومحاولاتهم بإسقاط ولاية الرجل على أهله باتت بائسة يائسة تارة بالتلبيس وتارة بالكذب الصراح، ويكفي اتهما لهذه الحملة الغوغائية أنها جاءت مدعومة بمنظمة خارجية ترى العود ولا ترى الجذعة في عينها حيث تزعم انتصارها للمظلومين وإذا بها تغض الطرف عن الظلم الواقع للمرأة المسلمة في مناطق كثيرة يصعب تفصيلها، ومن دواعي التشكيك بأهداف هذه الحملة أن ترى إحداهن ممن تزعم ريادتها لهذه الحملة في لقاء تلفزيوني وقد ظهرت بشكل يدل على مسخ الهوية العربية فضلا عن الإسلامية وتتكلم بكل صفاقة عن ما ستره الله عليها.
ختاماً .. من أبجديات علم الإدارة أنه لا تستقيم المنشأة لمسؤول دون تفويضه بصلاحيات، فكيف بالأسرة التي هي لبنة المجتمع وواحدته التي يتكون منها كيانه!!
[/align]
وما هذا إلا تشبيه يسير للمجتمع الذي وحدة بنائه الأسرة ، فمتى كانت الأسرة قوية متماسكة أكسبت المجتمع القوة والتماسك والعكس تماماً إن أصابها التخلخل فهذا نذير بالوهن ، وإعلان عن خطر الطوفان الذي يوشك أن يكون سيل العرم الذي أهلك ديار سبأ .. حيث انقلب نعيمهم إلى شقاء ورفاهيتهم إلى تعب.
ولأهمية شأن الأسرة فقد أحاطها الإسلام بالعناية الدقيقة ، ومن أبرز ما يمكن إيراده في هذا الصدد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه ، الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه ، والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ ، والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها ، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه . قال : وَحَسِبْتُ أنْ قدْ قال : والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه ، وكُلُّكُم راعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه" صحيح البخاري
يشير هذا التوجيه الكريم لعدة معاني مهمة متعلقة بالألفاظ التالية : الرعْي و الراعي والمسؤولية ، فالرَعْي هو حفظ الشيء وحسن التعهُّدِ له، والرَّاعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، والمسؤولية تفيد أن كل من كان تحت نظره شيء فَهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه و متعلّقاتِه، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفَر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعَيتِه بِحَقِّهِ.
وفي هذا الحديث تسلسل من الأكبر مسؤولية إلى الأقل .. فبدأ بالإمام وهو الوالي أو الحاكم على البلد وذلك لأن مسؤولياته أشمل والحمل عليه أعظم ، ثم انتقل إلى الرجل ورعايته أهل بيته فيدخل في ذلك كل من يعولهم من زوجة وأبناء وإخوة وأخوات، ثم انتقل إلى المرأة، ثم إلى الخادم.
ويلاحظ هنا التقاطع بين مسؤولية الرجل والمرأة فطالما الرجل مسؤول عن أهله ورعايتهم ومن ضمن الأهل الأبناء فما هو دور المرأة ؟ ودون شك أنه ليس ثمة تعارض فالمرأة مناط بها المسؤولية المباشرة، والرجل مناط به المسؤولية العامة حيث يعمل على توفير ما من شأنه إعانة المرأة على متطلبات مسؤوليتها مما يصلح به شأن بيت زوجها وأبنائه، وهذا نص رواية عبدالله بن عمر في صحيح البخاري " والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه ، وهي مسؤولةٌ عنهم ".
ولذا عندما يقصّر الرجل في تدبير شأن بيته فإن هذا مبتدأ خلخلة الأسرة حيث تضطر الزوجة للقيام بدورها ودور الأب أيضاً مما يكون سببا في تقصيرها في الدور الأساس المناط بها.
ولفهم أكثر لضوابط هذا التسلسل المنطقي الجميل في هذا الحديث العظيم الذي يرتب المسؤوليات ويسلط الضوء عليها فإنه لابد من النظر إلى ضوابط التعامل مع كل راع من هؤلاء الرعاة، فمسؤولية الإمام تجاه رعيته تظافرت وتوافرت فيها النصوص على وجوب طاعة الإمام في غير معصية ، وتم التشديد والغلظة على كل من يخالف أمره أو يعصيه أو يخرج عليه، حتى وإن كان أقل حسباً ونسباً، بل وأمرنا بالصبر حتى إن رأينا منه ظلماً أو حيفاً طالما هو في شأن الدنيا وليس في شأن الدين.
وما ذلك إلا لاهتمام هذا الدين العظيم باجتماع الكلمة ووحدة الصف، وأن الصبر على مضض هو لأجل تحصيل منفعة وتفويت مضار عظيمة لا يعلم بها إلا الله، من أبرزها الفتن التي تؤدي لزعزعة الصفوف وانهدام الكيان وشواهد التاريخ والواقع واضحة بينة.
فعلى الرعية التزام الطاعة، وعلى الراعي مراقبة الله فيهم حيث يعدل في الرعية ويقسم بالسوية ويقوم على إصلاح شؤونهم بما يعينهم على أداء واجباتهم، فإن قصر أو خالف أو ظلم وجبت المناصحة "الدين النصيحة" بضوابطها الشرعية ووجب الصبر عليه رغبة في صلاح حاله، وحرم إسقاط ولايته مالم تتوافر شروط إسقاطها وانتفاء موانعها.
ومسؤولية الرجل في أهل بيته هي كذلك محاطة بسياج من التعامل الرفيع الواجب على من يعولهم الرجل حيث يلتزمون طاعته ويصدرون عن رأيه، فعلى الزوجة احترام قيادة الرجل كونها هبة من الله له يستخدمها في حدود الشرع دون تجاوز أو ظلم لقوله تعالى : "الرجال قوامون على النساء"، كما أن عليها طاعته وتعظيم مراده، دخل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حائطًا مِن حوائطِ الأنصارِ فإذا فيه جملانِ يضرِبانِ ويرعُدانِ فاقتَرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهما فوضَعا جِرانَهما بالأرضِ فقال مَن معه: سجَد له، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( ما ينبغي لأحدٍ أنْ يسجُدَ لأحدٍ ولو كان أحدٌ ينبغي أنْ يسجُدَ لأحدٍ لَأمَرْتُ المرأةَ أنْ تسجُدَ لزوجِها لِمَا عظَّم اللهُ عليها مِن حقِّه)، وهذا يبين بجلاء صفة التعامل التي ينبغي بذلها وعدم المساس بها، حتى وإن كان رب الأسرة أقل حسبا ونسبا أو غيرها من المفاضلات التي من شأنها ازدرائه ورفض أمره أو مخالفته، وما ذلك إلا لحصول مطلوب أعلى وهو تماسك الأسرة والمحافظة على صلاح شأنها.
فإن قيل أن البلاء يأتي أحيانا من فساد الراعي ، فنقول إن تقدير ذلك في الإمام لأهل الحل والعقد من العلماء والأمراء، وفي حال الرجل فتقدير ذلك ومحله عند القضاء، وليس ذلك مطلقا للمراهقين أو الغوغاء.
فكما لا يسوغ الخروج في تظاهرات لإسقاط والي عن ولايته لما في ذلك من زعزعة البلد، فإنه لا يصح الانتظام في حملات لإسقاط ولاية الرجل على من يعول من أهله، لما في ذلك من خلخلة المجتمع عن طريق تفكيك الأسرة.
والمشاهد التي يستدل بها المنادون بإسقاط ولاية الرجل على أهل بيته مشاهد فردية بالنسبة لمجتمع يتكون من الآلاف من الأسر المستقرة، ومع ذلك لا يعني إهمال هذه المشاهد وإن كانت قليلة بل الشريعة أتت بما يكفل للمرأة كرامتها وأخذها لحقها فكل قضية تقدر بقدرها وتعالج حسب مقتضياتها، ومحاولاتهم بإسقاط ولاية الرجل على أهله باتت بائسة يائسة تارة بالتلبيس وتارة بالكذب الصراح، ويكفي اتهما لهذه الحملة الغوغائية أنها جاءت مدعومة بمنظمة خارجية ترى العود ولا ترى الجذعة في عينها حيث تزعم انتصارها للمظلومين وإذا بها تغض الطرف عن الظلم الواقع للمرأة المسلمة في مناطق كثيرة يصعب تفصيلها، ومن دواعي التشكيك بأهداف هذه الحملة أن ترى إحداهن ممن تزعم ريادتها لهذه الحملة في لقاء تلفزيوني وقد ظهرت بشكل يدل على مسخ الهوية العربية فضلا عن الإسلامية وتتكلم بكل صفاقة عن ما ستره الله عليها.
ختاماً .. من أبجديات علم الإدارة أنه لا تستقيم المنشأة لمسؤول دون تفويضه بصلاحيات، فكيف بالأسرة التي هي لبنة المجتمع وواحدته التي يتكون منها كيانه!!
[/align]
المرفقات
1193.pdf