كُسُوفُ الشَّمْسِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ 3/4/1444هـ

خالد محمد القرعاوي
1444/04/01 - 2022/10/26 17:22PM
كُسُوفُ الشَّمْسِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ 3/4/1444هـ
الحَمدُ للهِ أَوْجَدَ الكَائِنَاتِ وَأَحْكَمَهَا خَلْقَاً، نَحمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، لَمْ يَزَلْ لِلشُّكْرِ مُسْتَحِقَّاً، وَأَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، تَعَبُّداً لَهُ وَرِقَّاً، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَبْلَغُ الخَلْقِ بَيَانَاً وَأَصْدَقُهُمْ نُصْحَاً، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ والتَّابعينَ وَمَنْ تَبعَهم حَقَّاً وَصِدْقَاً،
أَمَّا بعد: أَيُّها النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَتَفَكَّروا فِي السَّمَاءِ فَفِيهَا آيَاتٌ لِقَومٍ يَعْقِلُونَ، جَعَلَ اللهُ فِيهَا سِرَاجَاً وَقَمَراً مُنِيرَاً؟ يَسيرَانِ بِإذْنِهِ, فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ, لا يَنْقُصَانِ عن سَيْرِهِمَا وَلا يَزِيدَانِ! ولا يَرْتَفِعَانِ وَيَحِيدَانِ! فَسُبْحَانَ مَنْ سَيَّرَهُمَا بِقُدْرَتِهِ, وَرَتَّبَ نِظَامَهُمَا بِحِكْمَتِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَنْ يُرْسِلَ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، لِيَثُوبَ النَّاسُ إلى رَبِّهِم بَعْدَ طُولِ قُصُورٍ وَفُتُورٍ، وَلِيَخَافَهُ الْمُذنِبُونَ بَعْدَ غَفْلَةٍ وَغُرُورٍ، وَلِيُقْلِعَ أَهْلُ الفَسَادِ عن الآثامِ وَالشُّرُورِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا . وَقَالَ اللهُ تَعالَى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . وَقَالَ تَعَالى: وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَرَانَا اللهُ تَعَالَى آيَةَ كُسُوفِ الشَّمْسِ قَبْلَ أَيَّامٍ, فَكَانَتْ بِحَقٍّ آيَةً وَعِبْرَةً, فَزِعَ أُنَاسٌ إلى الصَّلاةِ وَخَافَوا رَبَّهُمْ واسْتَغْفَرُوهُ, وَأَنَابُوا إليهِ وَكَبَّرُوهُ! وَحَضَر الرِّجَالُ والنِّسَاءُ.
حَتَّى أنَّ عَدَدَاً مِن المَدَارِسِ مَشْكُورَةً عَجَّلَتْ بِالخُرُوجِ وَحَثَّتْ على الصَّلاةِ وَهَذِهِ بادِرَةٌ طَيِّبَةٌ.
عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالى أَنَّ الآيَاتِ لِلصَّالِحِينَ رَحْمَةٌ يَزْدَادُونَ بِهَا إيمَانًا وَيَقِينًا، وَتَمْلَؤ قُلُوبَهُم خَوْفَاً وَدِينَاً! بَيْنَمَا لِأَهْلِ الغَفْلَةِ إِقَامَةٌ لِلْحُجَّةِ وَقَطْعٌ لِلمَحَجَّةِ, وَإمْهَالٌ لِلظَّلَمَةِ. سَمِعَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِخَسْفٍ، فَقَالَ:(كنَّا أَصْحَابَ مُحمَّدٍ نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَها تَخْوِيفًا)! ذَلِكَ أنَّ الاتِّعَاظَ: يَكُونُ بِالتَّمسُكِ بِدينِ اللهِ تَعالى! وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِلسَّائِلِ:(وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا). إي واللهِ مَاذا أعْدَدْنا لها!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ الدَّنْيا لَفَانِيَةٌ، وَإنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ, فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟! أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ . فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ قُلُوبُهُم لا تَخْشَعُ؟ وَإلى الصَّلاةِ لا تَفْزَعُ؟ فَنَبِيُّ اللهِ أَخْشَى النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ لَهُ: يَفْزَعُ عِنْدَ الكُسُوفِ، ويَخْرُجُ إلى مَسْجِدِهِ يَجُرُّ رِدَائَهُ! بَلْ دِرْعَ زَوجَتِهِ يَظُنُّ أنَّ مَعَهُ رِدَائَهُ مِنْ شِدَّةِ فَزَعِهِ وَرَهْبَتِهِ. قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما:( كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ). ثُمَّ أمَرَ مُنادِيَاً فَنَادَى: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمِعُ النَّاسُ مَذْهُولِينَ مَدْهُوشِينَ! وَصَلَّى بِهُمُ النَّبِيُّ الأكْرَمُ صَلاةً غَيرَ مَعْهُودَةٍ لَهُمْ! صَلَّى رَكْعَتَينِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ، صَلاةً طَويلَةً جِدَّا حَتَّى جَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَخِرُّونَ أرْضَاً, قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَامَ جِدًّا، حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، قَرِيبَاً مِن الإغْمَاءِ, قَالتْ فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي، أَوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:(إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللهِ لا يَنْخَسِفَانِ لِمَوتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأَيتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلى الصَّلاةِ، فَافْزَعُوا إلى ذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ, فَإذَا رَأَيتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ وَكبِّرُوا وَصُلُّوا وَتَصَدَّقُوا, يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغيرُ مِن اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبدُهُ أَو تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَليلا وَلَبَكَيتُمْ كَثِيرَاً، مَا مِنْ شَيءٍ تُوعَدُونَهُ إلاَّ قَدْ رَأَيتُهُ فِي صَلاتِي هَذِهِ، وَأُوُحيَ إليَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكمْ قَرِيبَاً أَو مِثْلَ فِتْنَةِ الدَّجَالِ، قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَينَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيئَاً فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَينَاكَ كَعْكَعْتَ! فَقَالَ: إنِّي رَأَيتُ الجَنَّةَ, فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ, فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودَاً، ولَوَ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُم مِنْهُ مَا بَقِيتِ الدُّنْيا، وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرَاً كَاليومِ قَطُ أَفْظعَ مِنْهَا، وَرأيتُ أَكثرَ أهلِها النِّسَاءُ, قالوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: يَكْفُرنَ بِاللهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيْرَ، وَيَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لَو أَحْسَنْتَ إلى إحْدَاهِنَّ الدَّهرَ كُلَّهَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيئَاً قَالَتْ: مَا رَأَيتُ مِنْكَ خَيرَا قَطُّ, وَلَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، يَحطِمُ بعضُها بَعْضَاً وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، حَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَهِيَ إذَا أَقْبَلَتْ تَنْهَشُهَا, وَإذَا أَدْبَرَتْ تَنْهَشُهَا! وَبَعْدَ مَوعِظَتِهِمْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ, عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ ذَلِكَ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ. وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية /
الحَمدُ للهِ الذي خَشَعَتْ لَهُ القُلُوبُ وَخَضَعَتْ، وَعَنَتْ لَهُ الوُجُوهُ وَذَلَّتْ، أَشهَدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ولا شَبِيهَ, شَهَادَةَ مَنْ يَخَافُ رَبَّهُ وَيَتَّقِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ اللهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسلامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلَهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
عِبَادَ اللهِ: الخُسُوفُ إنْذَارٌ لَنَا وَتَخْوِيفٌ؛ لَيسَتْ ظَاهِرَةً كَونِيَّةً, أو حَرَكَةً طَبِيعِيَّةً, كَمَا يَحْلُوا لِبَعْضِ النَّاسِ وَصْفُهَا! إنَّمَا إنْذَارٌ لَنَا كَي نَتُوبَ إلى اللهِ وَنَرْجِعَ عَمَّا بَدَرَ مِنَّا مِنْ مَعْصِيَةٍ وَتَقْصِيرٍ، بَلْ هِيَ أَقْوَى بَاعِثٍ لِمُحَاسَبَةِ أنْفُسِنَا, وَتَصْحِيحِ مَسَارِنا, وَإقَامَةِ فَرَائِضِ اللهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ. كَمْ هُوَ مُؤسِفٌ أَنْ يَحْصُلَ كُسُوفٌ نُشَاهِدُهُ وَنَحْنُ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ, وَفِي مَلَذَّاتِنَا غَارِقُونَ! وَفِي تَرَفِنَا وَتَرْفِيهِ أنْفُسِنَا مُنْشَغِلُونَ: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ . وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ, والسِّتْرَ فِي الدُّنيا والآخِرَةَ.
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ: شُؤْمُ المَعْصِيَةِ يَكُونُ على الأَنْفُسِ وَالأَهْلِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَيَكُونُ كَذَلِكَ عَلى الكَوْنِ كُلِّهِ. فَالخُسُوفُ والكُسُوفُ, والزَّلازِلُ, والأَوبِئَةُ وَغَيْرُهَا, نَوعُ َإنْذَارٍ وَتَخْوِيفٍ! ألا وَإنَّ مِنْ أعْظَمِ أخْطَارِ الْمَعَاصِي, أَنْ يَهُونَ العَبْدُ على الرَبِّ، قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ .قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "هَانُوا عَلَيهِ فَعَصَوهُ، وَلَو عَزُّوا عَلَيهِ لَعَصَمَهُم".
عِبَادَ اللهِ: وَأَمَّا شُؤْمُ الذُّنُوبِ على الأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ فَأَمرٌ عَظِيمٌ! وَخَطَرٌ جَسِيمٌ! ألَمْ تَتَفَكَّرُوا بِمَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالى عَنْ قَومِ فِرْعَونَ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ . فَبِالذُّنُوبِ حَصَلَ لَهُمُ النَّقْصُ وَالبَلاءُ, وَتَوَالَتْ عَلَيهِمُ الْمِحَنُ واللأَواءُ، وَتَدَاعَتْ عَلَيهِمُ الفِتَنُ والضَّرَّاءُ، وَارْتَفَعَتِ الأَسْعَارُ وَحَصَلَ الغَلاءُ! وَانْتَشَرَ الْوَبَاءُ وَصَدَقَ اللهُ: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ . إنَّها الْمعَاصِي أَجَارَنَا اللهُ جَمِيعَاً مِنْها: مَا ظَهَرَتْ فِي دِيَارٍ إلاَّ أَهلَكَتْها، وَلا تَمَكَّنَتْ مِنْ قُلُوبٍ إلاَّ أَعْمَتْهَا، وَلا فَشَت في دُولٍ إلاَّ أَسْقَطَتْهَا. لَقَدْ حذَّرَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ فِي خُطْبةِ الكُسُوفِ مِن الزِّنَا! وَلَقَد فَشَا فِي وَقْتِنَا الحَاضِرِ، عِنْدَ مَنْ ضَعُفَ إيمَانُهُمْ, وَقَلَّ حَيَاؤُهُمْ! عَبْرَ سَفَرِيَّاتٍ مَشْبُوهَةٍ, لِبِلادٍ مَأْفُونَةٍ, تُتَاجِرُ بِالرَّذِيلَةِ, وَلَقَدْ أُعلِنَ الرِّبَا، وشُربَتِ الْخُمُورُ، وأُدمِنَتِ الْمُخَدِّراتُ، وَكَثُرَ أَكْلُ الْحَرامِ وتَنَوَّعَتِ الْحِيَلُ فِي البَيعِ والشِّرَاءِ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْمَعَازِفِ, وَعُلِّقتْ صُوُرُ السَّاقِطِينَ, مِن الْمُغَنِينَ والتَّافِهينَ! أتَظُنُّونَ يا مُؤمِنُون أنَّ مُجْتَمَعَاً مُسْلِمَاً يُعْلِي مَكَانَةَ السَّاقِطِينَ, مِن الْمُغَنِينَ والتَّافِهِينَ, وَيُغْرِقُ نَفْسَهُ بالتَّرَفِ واللَّهْوِ, أنْ يَسْلَمَ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَعِقَابِهِ؟!
لا واللهِ: فَلَقَدْ قَضَتْ سُنَّةُ اللهِ وَحُكْمُهُ وَحِكْمَتُهُ أنَّهُ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ! ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّهُ واللهِ لا تَفْسُدُ الأَحْوَالُ, إلاَّ إذَا ضُيِّعَ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُصِدَتْ أبْوَابُهُ! قَالَ نَبِيُّنا (وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ). رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد الْمسلمين. اللهمَّ أَصْلِحْ أَحوَالَ المُسلمينَ, واجْمَعْهُم على الهُدَى والدِّينِ. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقه لهداك، وهيئ له البطانة الصالحة. اللهم ادفع عنا الغلا والوبأ، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم انصُرْ جُنُودَنا واحفظ حدودنا،.ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
 
 
 
المشاهدات 665 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا