كثرة الطلاق، الأسباب والعلاج (خطبة مختصرة)

صالح الخليفة
1444/04/23 - 2022/11/17 22:06PM

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاتِه، ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون).

(يا أيها الناس اتقوا ربَّكمُ الذي خلقكمْ من نفس واحدة، وخَلَقَ منها زوجَها، وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءَلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا).

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يصلحْ لكمْ أعمالَكم، ويغفرْ لكمْ ذنوبَكم، ومن يطعِ الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا).

أما بعد: فنِسَبُ الطلاق في مجتمعنا مرتفعة، والأعدادُ متزايدة، وخصوصًا بين حديثيْ الزواج، فلَزِمَ التذكيرُ والبيانُ حول هذا الموضوع المهم.

معشر المؤمنين: إن أسبابَ الطلاق كثيرة، إلا أن من أهم الأسباب أمورٌ خمسة:

الأول: التساهلُ في اختيار الزوجة.

والثاني: الغضب.

والثالثُ: الاستعجال.

والرابعُ: استشارةُ من لا يوثق به.

والخامسُ: عدمُ المعرفة بطرق حل المشاكل.

تعالوا يا عباد الله ننظرُ في هذه الأسباب الخمسة، ونشيرُ إلى العلاج في ضمن ذلك.

أولُ أسبابِ كثرةِ الطلاق: التساهلُ في اختيار الزوجة.

فالمرأة تُنكح لأربع كما أخبرنا نبيُّنا ﷺ، لدينِها وحسَبِها وجمالِها ومالِها، فكلُّ هذه الخصالِ مطلوبةٌ في المرأة، إلا أن أهمَّها وآكدَها هو الدِّين، فاسأل عن دينِ المرأة، وطاعتِها لربها، وسترِها وحجابِها، وحسنِ خلقها مع أهلها ومن حولها.

بل إن من الأمور المهمة أيضًا أن تسألَ عن والديها، والبيتِ الذي نشأتْ فيه.

وثاني أسبابِ كثرةِ الطلاقِ هو الغضب.

فكم هُدمت من بيوتٍ بسبب لحظةِ غضب؟ وكم ندم المطلِّقُ بعد سكون الغضب؟

فاحرصْ على ضبطِ انفعالاتك وغضبِك، اكظمْ غيظك ما استطعتْ، فهذه هي القوةُ الحقةُ، نعم، إن القوةَ الحقيقية في ضبط النفس، والإمساكِ عما لا يحلُّ من القول والفعل أثناءَ الغضب، قال النبي ﷺ للصحابة: (ما تعدُّون الصُّرَعَة فيكم؟)، قالوا: الذي لا يصرعُه الرجال. فقال النبي ﷺ: (ليس ذلك، ولكنه الذي يملك نفسَه عند الغضب).

وإياك ثم إياك أن توقع الطلاقَ في لحظة الغضب، اصبرْ حتى يسكنَ غضبُك، وتفكَّر في الأمر، ثم قرِّر، وستجدُ أن التفكيرَ بالطلاق نزغةٌ شيطانية، وليس رغبةً حقيقية.

ثالثُ الأسباب يا عباد الله: الاستعجال.

فكثيرٌ من المشاكل التي يعقُبُها الطلاق، كان بالإمكان حلُّها ودوامُ الزواج، إلا أن الاستعجال في إيقاع الطلاق حالَ دون ذلك.

ولذا لا بد من تعويد النفس وتمرينها على التأني والتروِّي، وزَمِّها بالصبرِ والتصبُّر، قبل أي قولٌ أو فعل، والتأنِّي من الله، والعجلةُ من الشيطان، كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ.

وقد شُرع لنا الاستخارةُ والاستشارةُ، من أجل اتقاءِ شرِّ الاستعجالِ في اتخاذ القرارات، هينةً كانت أو عظيمة، وما ندمَ من استخار، ولا خابَ من استشار.

أيها المؤمنون: استشارةُ من لا يُوثقُ به هو رابعُ أسبابِ كثرةِ الطلاق.

فعند حصولِ المشاكل والتفكيرِ بالطلاق، يستشيرُ الرجلُ زميلَه في العمل أو الاستراحة، أو يقرأُ لمجهولين في وسائل التواصل، ثم يطلِّق.

وهذا خطأٌ ولا شك، فالاستشارةُ مطلوبةٌ لحلِّ المشاكل، لكنها لا تُطلب إلا من عاقلٍ مجرِّبٍ ثقة.

وخامسُ الأسباب أيها المؤمنون: عدمُ المعرفة بكيفية حل المشاكل.

فالمشاكلُ لا يسلم منها بيت، ولا تسلم منها علاقة بين شخصين، وبيتُ رسول الله ﷺ - وهو خير البيوت - لم يسلمْ من ذلك، فوطِّن نفسك أنه لا بد من حصول المشاكل وسوءِ التفاهم بينكم.

وليست المشكلةُ في حصول ذلك، بل المشكلةُ تحصل في الخطأ في حل المشاكل بين الزوجين، فلا بد من المعرفة بطرق حل هذه المشاكل، والكلام في هذا يطول، إلا أننا نذكِّر بأمور:

المشاكلُ الزوجية تُحل بين الزوجين داخلَ بيتهما، ومن الخطأ خروجُ المشاكل إلى غيرهما، إلا عند تعذُّر حل المشاكل بينهما.

والمشاكلُ الزوجية تحلُّ بالتفاهم بين الزوجين، وقد تُحلُّ بالتغافلِ والتجاهلِ وعدمِ التدقيق، وقد تُحلُّ بأن يتنازل الإنسان عن شيء من حقِّه مراعاةً للطرف الآخر.

المهمُّ أن يعرف الزوجان أن كلَّ مشكلة لها حل، وأنه لا توجد مشكلة لا حلَّ لها، وأن آخرَ الحلول لمشاكل الزوجين هو الطلاق، ومن الخطأ: أن يكون أولَ الحلول التي تخطر في ذهن الزوج عند حصول المشاكل.

اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد:

فاتقوا الله عز وجل، واشكروه على نعمه، واذكروه ذكرًا كثيرًا لعلكم تفلحون.

عباد الله: الشيطانُ الرجيمُ - أعاذنا الله منه - حريصٌ غاية الحرص على التفريق بين الزوجين، قال رسول الله ﷺ: (إنَّ إبليسَ يضعُ عَرْشَهُ على الماء، ثم يبْعَثُ سراياه، فأدْناهُمْ منه منزلةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَة، يجِيءُ أحدُهُمْ فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجِيءُ أحدُهُمْ فيقول: ما تركْتُهُ حتى فرَّقْتُ بينَهُ وبينَ امرأتِه، فيُدْنِيهِ منه ويقول: نِعْمَ أنت).

والطلاقُ وإن كان من الدِّين، إلا أنه مكروهٌ لغير حاجة، فينبغي التروِّي في اتخاذه، وألا يكون قرارًا مستعجلًا في لحظةِ غضب، بل يكونُ بعد صبرٍ وتفكيرٍ واستشارة.

وهنا أذكِّر الوالدين والإخوان، وكلَّ من يستشارون في المشاكل الزوجية: بضرورة الحرص على الجمع بين الزوجين والإصلاحِ بينهم، وإياكم ثم إياكم أن تكونوا سببًا في إيقاع الطلاق.

ولا بد من تذكير الوالدين بضرورة تربية الأبناء والبنات، وتذكيرِهم بمسؤولية الزواج، وأنه لا بد من الصبر على الطرف الآخر، والتغاضيْ عن هفواته، وبذلك تدوم العشرة وتبقى المحبة.

ثم صلُّوا وسلِّموا على رسول الله، فمن صلى عليه صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا.

 

المشاهدات 928 | التعليقات 0