كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ 1 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1440 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ 1 رَبِيعٍ الأَوَّلِ 1440 هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَرَ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَات، وَمُبَادَرَةِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْفَوَات، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرضِينَ السَّبْعِ وَرَبُّ السَّمَاوَاتِ, لا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتَهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَمَا لَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَات، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَوَّلُ مُبَادِرٍ إِلَى الْخَيْرَات, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْمَنَاقِبِ وَالْكَرَامَات، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا مَحَلُّ التَّزَوُّدِ لِلآخِرَة, فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمْلٌ وَلا حِسَاب وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَل, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَمَنْ أَجَلِّ الطَّاعَات , أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَغَّبَ فِيهِ وَأَثْنَى عَلَى عِبَادِهِ الْقَائِمِينَ فِي الظُّلُمَاتِ يَتْلُوْنَ كِتَابَهُ وَيَرْكَعُونَ لَهُ وَيَسْجُدُون, قَالَ اللهُ تَعَالَى (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وَقَالَ فِي وَصْفِ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
إِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّوَافِلِ إِلَى اللهِ تَعَالَى, وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ, فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ, وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى, وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ, وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ, وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) مُتَّفَقُ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْبَيْتَ الْمُوَفَّقَ هُوَ الذِي يَعْتَادُ أَهْلُهُ عَلَى الْقِيَامِ وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْه, فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ, وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَيَّا رَكْعَتَيْنِ جِمِيعاً كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ) رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ضَرَبَ أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي حُسْنِ الْقِيَامِ وَطُولِه, مَعَ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ, فَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فقَالَ لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ (يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي) قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي, قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَه, قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ, قَالَتْ : ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ, فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَبْكِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وَكُنْتُ غُلامًا شَابًّا وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ, فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ! وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ النَّارِ قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ, فَقَالَ لِي:لَمْ تُرَعْ! فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ, فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ) قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ, وَمِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا.
إِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فَمَنْ بَعْدَهُمْ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي الإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَخَاصَّةً قِيَامَ اللَّيْلِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَلَباً لِعَظِيمِ الأَجْرِ.
فَهَذَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُجْمِلُ وَصْفَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فِي ذَلِكَ, فَعَنْ أَبِي أَرَاكَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انْفَتَلَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيْهِ كَآبَةً حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى حَائِطِ الْمَسْجِدِ قِيدَ رُمْحٍ، قَلَبَ يَدَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَمَا أَرَى الْيَوْمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ صُفْرًا غُبْرًا بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ أَمْثَالُ رُكَبِ الْمِعْزَى، قَدْ بَاتُوا سُجَّدًا وَقِيَامًا يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَأَقْدَامِهِمْ، فَإِذَا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ مَادُوا كَمَا تَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَوْمِ رِيحٍ، وَهَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ ثِيَابَهُمْ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ الْقَوْمَ بَاتُوا غَافِلِينَ!
وَأَمَّا هُوَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقَدْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَ هَجْعَةِ اللَّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي, فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَوْمٌ بِالنَّهَارِ وَسَهَرٌ بِاللَّيْلِ وَتَعَبٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ! فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ صَلاتِهِ قَالَ: سَفَرُ الآخِرَةِ طَوِيلٌ فَيُحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ بِسَيْرِ اللَّيْلِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ), أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الأَخْيَارُ وَاقْتَدُوا بِالصَّالِحِينَ وَتَأَسَّوا بِالعَابِدِينَ, إِنَّ عُثمَانَ بْنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ قَالَتْ امْرَأَتُهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ, يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ يَخْتِمُ فِي رَكْعَةٍ. يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانٍ رَحِمَهُ اللهُ أَحَدُ التَّابِعِينَ: قُلْتُ لَيْلَةً: لِأَغْلِبَنَّ عَلَى الْحِجْرِ - يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ اللَّيْلَ فِيهِ, يَقُولُ: فَبَكَّرْتُ وَسَبَقْتُ إِلَيْهِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي فَإِذَا بِرَجُلٍ يَضُعُ يَدَهُ عَلَى ظَهْرِي, قَالَ: فإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي أَيَّامِ خِلافَتِهِ, كَأَنَّهُ يُنَحِّيهِ قَلِيلاً, يَقُولُ: فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ, فَقَامَ فَافْتَتَحَ الْقُرْآنَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ ركَعَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا! فَخَتَمَ الْقُرْآنَ خَلَفْ الْمَقَامِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَمَّا مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ. الثِّقَةُ الْفَقِيهُ الْعَابِدُ رَحِمَهُ اللهُ فَكَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَتَوَرَّمُ قَدَمَاهُ حَتَّى إِنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ تَبْكِي مِمَّا تَرَى مِنْ تَعَبِهِ وَمُعَانَاتِهِ! وأَمَّا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ فَيَقُولُ بَعْضُ جِيرَانِهِ: كَانَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَرَى مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ يُصَلِّي عَلَى سَطْحِهِ يَظُنُّهُ خَشْبَةً أَوْ عَامُوداً مِنْ طُولِ قِيَامِهِ, فَلَمَّا مَاتَ فُقِدَ, فَقَالَ هَذَا الصَّبِيُّ لِأَبِيهِ: أَيْنَ الْخَشَبَةُ التِي كَانَتْ فِي سَطْحِ جَارِنَا مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِر؟ قَالَ: يَا بَنِيَّ ذَاكَ مَنْصُورٌ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ. وَهَذَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ جَبَلُ الْحِفْظِ, وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِمممم, مَا رَكَعَ قَطُّ حَتَّى ظَنَّ النَّاظِرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ طُولِ الرُّكُوعِ, وَلا قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا ظَنَّ النَّاظِرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ ! وَيَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَأَى قِيَامَهُ كَانَ يَقُومُ يُصَلِّي حَتَّى تَتَوَرَّمُ أَقْدَامُهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا حَالُ سَلَفِنَا الصَّالِحُ فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُمْ؟ وَهَا هُوَ الشِّتَاءُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِطُولِ لَيَالِيهِ فَلْيَعْزِمْ كُلٌّ مِنَّا أَنْ يَرَاهُ رَبُّهُ صَافَّا قَدَمَيْهِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرْ, جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه! اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَزِدْنَا عِلْماً وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّار. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهُم يَا رَبَّ العَالـَمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُم وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّد, والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
قَلِيلًا-مِنَ-اللَّيْلِ-مَا-يَهْجَعُ
قَلِيلًا-مِنَ-اللَّيْلِ-مَا-يَهْجَعُ
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق