كالمستجير من الرمضاء بالنار فيا ويلهم أين يذهبون بها ؟! (1/2)

الفريق العلمي
1435/08/12 - 2014/06/10 08:43AM
أ.أبو الخليل زياد الريسي

الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله وآله وبعد،،،

قدحت فيها شرارة الثورة كغيرها من بلدان أخرى عانت الظلم بصنوفه أعواما، وكابدت الإقصاء بكل معانيه دهرا، وقاست ظروف المعيشة الصعبة أحقابا، فانطلقت مسيراتها تجوب مدن وقرى البلاد، فهبت رياحها كاسرة من تصدى في وجها من عتاولة الظلم، ومقاومة ما يمنعها من عصابات القرصنة، تخوض عباب بحرها المتلاطم لا تردها أمواج القمع والقهر، ولا يثنيها تهديد عنيد ولا تخويف رعديد، يسابق صوتها أشعة الشمس وتشق صرخاتها ضباب السماء، لترتج لها الجبال كأنها القاذفات، وتردد لها السهول والوديان صدى كأنها الريح العاصفات، وتسمع لها قدحا في مسيراتها كأنها العاديات، تقرع سمع كل متكبر وتصك آذن كل جواض مستكبر، منذرة كل الطغاة وراغمة أنوف كل البغاة.

لقد كانت ثورة تقود مؤيديها آمالها المحتسبة وتشد جماهيرها طموحاتها المرتقبة، صارخة في وجه كل من عبث بمقدراتها وثرواتها ردحا من الزمن، وخصصها تمويلا لمن يعلن ولاءه وهدايا وجبايا لمن يحفظ كيانه، وما كفى الطامع عرشا تربع عليه فترة تزيد عن عقود ثلاثة، وهو في كل مرة يعد فيها شعبه عدلا وخيرا ويمنيهم نهوضا وتطورا ويرجِّيهم تطلعا وتحولا، وجهلوا إنما يعدهم الشيطان إلا غرورا، تاسيا واقتداء بأستاذه صاحب المكر والدجل قال الله: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) [النساء: 120]، وتمر الأيام ويتذوق الناس مره ويتحسون علقمه، لا يلمسون إلا ترسيخا منظما، وهيكلة ولائية عائلية وأسرية دوما، ورعاية حزبية مؤتمرية مقصودة، وهكذا كان الناس يفتنون به في كل مرة ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون.

وقعت الثورة وأتى قدرها (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ) [الأحزاب: 38]؛ لكن لئن كان للثورة غنم متوقع مستقبلي فلقد كان لها غرم مر حاضر ومرحلي، ولكل شيء ثمن، والغنم بالغرم، فلقد تحمل الناس كثيرا خلال شهورها، وعانوا طويلا مع استمرارها، وأيم والله لقد كان ثمن ذلك غاليا ونفيسا؛ دماء وقتلى وجرحى، ثم ما صحب ذلك من انفلات أمني مهيب، واختلالات اقتصادية كبيرة، وانقطاع كثير في معايش الناس وأرزاقهم، وقلق فكري وتوتر نفسي وتخوف مستقبلي، وظهور الحرابة وقط للطريق، وعناء وشدة ولا مبالغة إن قلنا، (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب: 10].

لكني قبل وصلي للحديث، أحببت الوقوف لحظة حتى أسبق المتكلفين وأبادر الظانين وأقطع على المتنكبين وأحجم على المنقِّبين على الثغرات، أني في سطوري هذه وغيرها لا أشرعن لثورة أو أأصل لها ولا أحكم لها أو عليها، فأنا عليم بقدر نفسي بصير بحجمها، فللنوازل أهلها وللمستجدات أصحابها فعنها فسلوا، (أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43]، فأنا أقرأ ماضيا وأعيش واقعا وأؤمل في الكريم فضلا .

أظنكم تدركون أن قبل الثورة لم يكن الجميع على قلب رجل واحد؛ فمن مخالف من منظور إسلامي لتغليبه اجتهادا جانب المفاسد على المصالح وله الحق في مخالفته، كما للحق في مؤيديها اجتهادا ممن غلبوا المصالح على المفاسد تأييدها، والله يتولى السرائر ويعلم بما تكنه الضمائر ويدرك ما هو بارز وغائر، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة: 220]، ومن مخالف من منظور مادي تعلقا بمصالحه ومنافعه التي طالما تقاضاها ولاء وقبضها ضمانا لبقاء ما كان على ما كان.

ولكن يا فرحة لم تتم بعد هذا كله !! ومن هنا أراكم تعذروني اليوم في حزني على طموحات كانت عالقة في الذهن أراها تبددت، وآمالا كانت معقودة في الفكر أجدها تبعثرت، وأهدافا للمستقبل لطالما رسمت لحظاتها أرقبها أجهضت، أسبح في تفكير طويل ويخيم عليَّ سبات عميق متسائلا في غموض ما الذي تحقق مما حلم الناس ؟! وما الذي تغير مما ألفوا ؟! لا تساؤل المتشائم ولا ترديد المتبرم؛ لكني للواقع واصفا ولأقدار الله مؤمنا ولسننه في عباده موقنا، ولمراجعة أحوالنا مع شريعته ربنا وهدي نبينا داعيا لأن؛ (اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].

وما إن تمعن بناظريك وترجع البصر كرتين أيها المنصف حتى تنظر كم حلم تمدد بدل أن يتجدد ؟! ووضع تدهور بدل أن يتطور ؟! وسير تأخر بدل أن يتقدم ؟!.

بيد أني لأولئك الذين ركبوا مياه البحر بعد أن هدأت أمواجه، وجاؤوا على إثر زلال بعد أن هدأت براكينه، واستقبلوا نسيم الريح بعد أن سكن إعصاره، واعتلوا عرش الحكم بعد أن أزيح صلبانه، وتصدروا للمستقبل بعد أن كابد صنَّاعه، وأمَّنوا على المطلوب بعد أن صيغت عباراته، واستعدوا للتغيير بعد أن صاروا أربابه؛ إلا إنه وللأسف كم حلم تبدد وسيف تجرد وفجر توسد ومسؤول توغد وجميل تشرد !!! وهؤلاء أذكرهم أن يوما قال الله عنه: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) [الصافات: 24]، وأن من غش رعيته ولم يحطها بنصح في دنياه فقد حرم نفسه جنة ربه في أخراه، وأي عقاب أكبر من هذا ؟! فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة" (مسلم).

إنها المفاجأة الكبرى، والجميع في ظني متفق على أن ما هو حاصل لم يكن في الحسبان، وما يدور كان في ذاكرة النسيان، فما هكذا تورد الإبل يا حكومة الوفاق!! والثائرون لم يخرجوا لهذا يا سادة !! والصارخون لم تبح أصواتهم من أجل هذا يا كرام!! فليس في وضع اليمن جديد إلا ما ترون؛ الحوثي بدلا أن كان متخفيا في جبال مران أصبح اليوم رسميا في مجلس البرلمان، وبدل أن كان خارجا مارقا يسكن الكهوف والقفار أصبح محاورا ومشرِّعا في مؤتمر الحوار؛ هذا بالنسبة لجناحه السلمي والفكري والحركي إن صح التعبير وأما ميليشياته فسلوا عنها دماج وأخواتها وحتى صنعاء ومداخلها، ولا يعني غيابه لغير ما ذكر؛ فتعز شاهدة وإب حاضرة وحضرموت قائمة وذمار واضحة، وهم كما قال الله عن أمثالهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) [البقرة: 11، 12].

بينما للأسف وزارة الصداع مديرة ظهرها لشمال اليمن ومقبلة بوجهها وحدها وحديدها جنوبه، ولا أدري إن كانت ميزانية هذه الوزارة واعتماداتها تأتي من واشنطن لتنفذ سياستها حتى تنبري للحرب الضروس هناك أم من الميزانية العامة للبلد ؟! والمسألة بوضوح انطراح ورضوخ لإملاءات الكافرين ومسارعة فيهم، وهذا ما سطره القرآن عن مثل هذه الشاكلة المتكررة منذ زمن النبوة وحتى يرث الله الأرض حيث قال: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) [المائدة: 52].

فيا ويلهم كيف يتآمرون على هذه البلدة الطيبة أرض الإيمان والحكمة ؟! أين يذهبون بالأرق قلوبا والألين أفئدة؟! ماذا يريدون ويحيكون لشريعتها ؟! وماذا يخططون لأهل السنة والجماعة فيها؟! وماذا يكيدون لقيمها وتراثها وأخلاقها ؟! نعم إلى أين يذهبون بها ؟! أرض العون والمدد، وديار النصرة والغوث، وصروح العلم والعلماء والدعوة، أرض كرائم الأخلاق ومحاسن الصفات وأطيب الخلال وجميل السمات.

إلى أين سيذهبون بها أولئك الذين تجردوا من الوفاء ولبسوا الخيانة، وخلعوا الصدق وتقمصوا الكذب، ودفعوا الشرف وجلبوا الخنوع، تركوا الشريعة واقترضوا الوضيعة، رغبوا عن العزة ورضوا بالذلة، نعم، إنهم يذهبون بها إلى العلمنة والعربدة، ويسوقونها إلى التشيع والتحوث، ويقدمونها إلى التفرق والتشرذم، ويهوون بها إلى شفى الفقر والجوع، وهاهي كل يوم تزاحم لا على القمم بل في مؤخرة الأمم، إنهم يقدمونها قرابين مجندلة لأسيادهم من أبناء القردة والخنازير، إنهم يجرجرونها إلى الحروب الأهلية والتي كانوا يحذرون منها؛ كبيرهم يبطش بصغيرهم وعسكرهم يقتل مدنيهم وقويهم يسطوا على ضعيفهم.

هي السنوات الخداعات التي أشار المعصوم إليها وأخبر فيها عن الروبيضة وهو السفيه يتكلم في أمر العامة قال النبي - صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل‌:‌ وما الرويبضة ‌؟‌ قال‌:‌ الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"‌ رواه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه الألباني (3650) في صحيح الجامع.


تجدون التكملة في الجزء الثاني من هذا المقال (2/2)
المشاهدات 1324 | التعليقات 0