(ق * والقرآن المجيد)

صالح العويد
1432/11/12 - 2011/10/10 20:42PM
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراساً للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي كان خلقه القرآن فصلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من القول والعمل، ورضي الله عن جنده وحزبه، ومن ترسم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــد
:
أيها المسلمون
! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على أن هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة القرآن المعجزة الباهرة، والآية الظاهرة، كتاب الهدى وسفر الشهادة، ولواء الريادة والسيادة، وإمام الخير والحق والفضيلة، ودستور العدل والأمان في كل زمان ومكان: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].
كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة وعظ الناس بهذا القرآن، بل كان عليه صلوات ربي وسلامه يخطب الناس به، كما أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أم هشام بنت حارثة ، قالت: [ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إلا من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ].
يا إخوة الإسلام! ويا أهل القرآن: ما
أجمل أن نعيش لحظات في ظلال هذه السورة نتدبر آياتها ونتأمل عضاتها، ونقف عند عجائبها؛ إحياءً لهذه السنة التي اندثرت أو كادت تندثر، فلم يكن عليه الصلاة والسلام ليركز عليها في اجتماع الناس ويقرأها في الفجر والجمع والأعياد إلا لما لها من الشأن والمكانة، إنها سورة عظيمة رهيبة، شديدة الوقع بأسلوبها وحقائقها، تأخذ بمجامع القلوب، تهز النفوس هزاً، وتثير فيها الخوف من الله، وتوقظها من الغفلة. تأخذ على النفوس أقطارها، وتلاحق القلوب في خطراتها وحركاتها، تبرهن على عقيدة البعث والنشور؛ من المولد والوفاة، والمحشر والحساب، والثواب والعقاب، إيضاحٌ عجيبٌ، وبسطٌ دقيقٌ لصورة المحيا والممات، وصورة البلى والقيام لرب الأرض والسماوات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم: (ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ ()بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا شَىْء عَجِيبٌ ()أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ()قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ ()بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ) .
بدأ الله تعالى هذه السورة الكريمة بالقسم بالقرآن المجيد ، ولم يصرح
الله تعالى بالأمر المقسم عليه ، بل شرع في بيان الأمر الخطير الذي انتاب كفار قريش أنهم استكبروا أن يبعث رسول من بين أظهرهم يعرفهمويعرفونه فقالوا مستكبرين كما قال الله جل وعلا : {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ق2] وهذه العلة في الرد هي العلة التي امتطتها الأمم من قبل فأكثر الأمم التي بعث إليهاالرسل كان أكبر حجتهم في الرد على رسولهم أنهم اعترضوا أن يبعث الله جل وعلا بشراًرسولاً ثم ذكرتعجبهم للقضية الثانية وهي استبعادهم للمعاد بعد الهلاك، وتلك سذاجة في التفكير، وقصور في النظر. إنهم ينكرون إعادة الخلق، وقد خلقوا أول مرة. ويأتي الرد عليهم سهلاً سريعاً يسيراً، فالله الذي خلقهم وأماتهم لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، يعلم أجزاءهم وأشلاءهم وذرَّاتهم، وكل ما تنتقصه الأرض منهم، وكل ذلك في كتاب حفيظ. قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ إن كل من كذب بالحق فهو في أمر مريج. السائر في غير درب الحق حاله مختلط، وأمره متخبِّط، تتقاذفه الأهواء، وتتخطفه الهواجس، وتمزقه الحيرة، وتقلقه الشكوك، يضطرب سعيه، وتتأرجح مواقفه ذات اليمين وذات الشمال، فقلبه في اضطراب، ونفسه في خلجات. وهذا هو حال الكثيرين من الفلاسفة المتقدمين، والماديين المتأخرين، والشيوعيين والعلمانيين؛ كل هؤلاء وأولئك في أمر مريج، وليس ثمة معالجة لهذه الشكوك، ولا طريق يوصل إلى الحق إلا طريق القرآن، إنه التدبر في خلق الإنسان ومخلوقات الأرض والسماء، والنبات والماء، وكل مبثوث من الجماد والأحياء، ينضم إلى ذلك النظر في أحوال الغابرين، وعاقبة المكذبين، ومصائر المتشككين أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍوَٱلأرْضَ مَدَدْنَـٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِىَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍتَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍوَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِوَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ [ق:6-10].
هذه السماء وما فيها من الثبات والشموخ
والجمال .. هذه الأرض ، والرواسي الثابتات، والبهجة في النبات (تبصرة وذكرى) ، تكشف الحجب ، وتنير البصيرة ، وتفتح كل قلب منيب ، يرجع إلى ربه من قريب .
(ونزلنا من السماء ماء مباركاً) .. والماء النازل من السماء آية من
آيات الله ، يفرح به الكبار قبل أن يلهو به الصغار ، وتحيا به النفوس قبل أن تحيا به الأرض اليبوس .
يخرج الله به الفواكه والبساتين ، والحب المحصود ، والرطب
المنضود في النخل الباسق الطويل .
كل هذا (رزقاً للعباد
) ، فأين الشاكرين؟ .وأحيينا به بلدة ميتاً) فكيف نعجز عن إحياء الموتى وهو أهون علينا .كذلك الخروج
ثم تنتقل الآيات من صفحات كتاب الكون إلى صفحات كتاب التاريخ البشري ، التي تنطق بأحوال الغابرين، وعاقبة المكذبين .
()كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ وَثَمُودُ ()وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوٰنُ لُوطٍ ()وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ()أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)
(أفعيينا بالقلب الأول) .. يا أهل العقول أين
عقولكم : كيف تكذبون بالإعادة وأنتم ترون كل هذا الكون وكل هذه المخلوقات شاهدة على الإنشاء والخلق الأول؟
ثم تنتقل الآيات لتثبت قضية البعث بدليلٍ معروف ، ومشهدٍ
مألوف ، لكن النفوس كثيراً ما تغفل عنه ، بل ولا ترغب في ذكره، لأنه يفسد عليها شهواتها ، ويقطع عليها لذاتها .. إنه مشهدُ الموت وسكراتِه .. يذكر الله تعالى هذا المشهد مقروناً بمشهد الرقابة الإلهية والإحاطة الربانية التي تحيط بالإنسان من بداية حياته حتى موته (وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ()إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ ()مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ()وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)
أين المفر في الحياة؟
وأنت في قبضة مولاك .. النَّفَس معدود، والهاجس معلوم، واللفظ مكتوب، واللحظ محسوب. رقابة رهيبة مضروبة على وساوس القلب كما هي مضروبة على حركات الجوارح . فلا يفوت فيها ظن ، ولا يفلت منها وسواس .
هذه الرقابة وإن كانت كافية لوحدها
، لكن الله تعالى جعل رقابة أخرى ، فإذا الإنسان يعيش ويتحرك ويأكل ويشرب ويتكلم بين ملكين عن اليمين وعن الشمال ، كلاهما موصوف بأنه رقيب أي: حفيظ، وعتيد: أي حاضر . يسجلان كل كلمة وحركة فور وقوعها .
روي عن الإمام أحمد أنه كان يئن في سكرات
الموت ، فقيل له : إن الأنين يكتب ، فلم يسمع له أنين حتى مات رحمه الله. فكيف بمن ترك لسانه يفري في أعراض المسلمين ، (وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون) .
(وجاءت سكرة الموت بالحق
) .
أين المفر عند الموت؟
وسكرة الموت ، وهي شدته وغشيته لم يسلم منها أحب الخلق إلى الله محمد (عليه الصلاة والسلام ) ، فقد ثبت عنه أنه لما نزل به الموت كان يمسح وجهه بالماء من ركوة أو علبة بين يديه ، ويقول: ((لا إله إلا الله, إن للموت لسكرات)) .
اللهم ارحم ضعفنا
، وأعنا على سكرات الموت .
(ذلك ما كنت منه تحيد) ، والموت هو أشد ما يحاول
الإنسان أن يهرب منه ، أو يروغ عنه ، وأنى له ذلك فالموت طالب مدرك، لا يبطئ ولا يخطئ ولا يتخلف له موعد، وها هي سكرات الموت قد جاءت بالحق الذي كان ينكره المنكرون، ولكن لا ينفع الاعتراف بعد فوات الأوان.
وبعد الموت وسكراته يأتي هول المحشر، ورهبة الحساب وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ % وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:20-21]. إنه تصوير حي، وشاهد قائم، يقول فيه الرسول: ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له)). قالوا: يا رسول الله، كيف نقول؟ قال:((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل))[2]. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وجاءت كل نفس) .. فالنفس هنا هي التي تحاسب وتحاكم بين يدي
الجبار جل جلاله ، ومعها ملكان : سائق يسوقها إلى أرض المحشر ، وشهيد يشهد عليها بما عملت من خير أو شر .
لقد كنت في غفلة من هذا) .. كنت في الدنيا غافلاً عن القيامة والوقوف بين يدي الله ، فكشفنا عنك اليوم حجاب الغفلة ، فبصرك اليوم قوي ، فأبصرت الحق وأيقنت ، ولكن هيهات هيهات ، فهذا الملك قد تقدم ليشهد عليك .
( (وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ ()أَلْقِيَا فِى
جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ()مَّنَّـٰعٍ لّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ ()ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ فَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ()قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ ()قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ()مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ ()يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ()
القرين في الآية الأولى على الأرجح هو الملك الموكل
لعمل الإنسان في الدنيا يشهد عليه بما فعل ، فهو يقدم ما لديه من شهادة حاضرة . وبعد هذه الشهادة يصدر الحكم الإلهي (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب ) من كانت هذه أعماله وصفاته في الدنيا ، فهو مستحق للعذاب الشديد .
عند
ذلك يقول القرين : (ربنا ما أطغيته) وهو هنا على الأرجح الشيطان الموكل بملازمة الإنسان وإغوائه ، يقول : ما كان لي عليه سلطان ، بل هو الذي ضل وطغا بنفسه .
فيقول الله قوله الحق الذي ينهي كل قول : (لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم
بالوعيد ، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) ، فالمقام ليس مقام اختصام .
ثم ينتهي المشهد بوصف رهيب لجهنم وهي تحترق تفور ، وتضطرب وتمور ، (يَوْمَ
نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) .
إنها جهنم .. حرها شديد .. وقعرها بعيد .. يلقى فيها كل جبار عنيد
.. وهي تنادي هل من مزيد ، هل من مزيد .. المزيد من الكفرة والمنافقين .. المزيد من العصاة والمجرمين .. لا تزال تنادي حتى يضع الجبار جل جلاله قدمه فيها ، فتقول : حسبي حسبي .
ثم ينتقل سياق الآيات مباشرة من مشهد العذاب والجحيم إلى مشهد
السرور والنعيم .
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
()هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ()مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ()ٱدْخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ ()لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) .
الله
أكبر .. فالجنة تزلف وتقرّب لهم غير بعيد ، فلا يتكلفون مشقة الوصول إليها .
الله يعلم أنكم كنتم أوابين ، حفيظين ، تخشون بكم بالغيب ، وتنيبون إليه
. ولهذا ، ادخلوا الجنة بسلام ، سلام من العذاب ، وسلام من الموت و المرض والهرم والأسقام .
لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم ، ولهم فيها ما هو فوق ذلك
وهو التمتع برؤية وجه الله الكريم هذه هي عاقبة الفريقين في السعادة من رزق القلب المنيب، وخشي ربه بالغيب.
فاتقوا الله، وآمنوا بلقاء ربكم، يصلح لكم أمر دينكم ودنياكم
وآخرتكم، حياة طيبة، وطمأنينة إيمانية، وعاقبة خيرة، فما عند الله خير وأبقى، وأغلى وأنقى.


اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب .... النار وما قرب .
اللهم إنا نسألك لذة النظر .... إنك على كل شيء
قدير.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.......

















الحمد لله الذي خلق فسوى، وأعاد فأبدى، وأمت وأحيا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد .. فقد جاءت
خواتم هذه السورة العظيمة؛ لتوجز ما سبق من طرق إثبات البعث، ومراحل الخلق، ومصير الخلائق، ومصارع الغابرين، وأهوال المحشر .
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن
قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ()إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ()وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ()فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ ()وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ
انظر يا محمد
في مصارع الأمم التي خلت ، قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط كما ذكر في أول السورة ، وغيرهم من الأمم ، هل نفعتهم قوتهم ، وتنقيبهم في البلاد ، ونحتهم الجبال ، وشقهم الأرض؟ .. (هل من محيص) هل كان لهم ملجأٌ ومهربٌ من قضائنا وعقوبتنا؟ .إن في مصارع الغابرين ذكرى ، لمن كان له قلب أي كان حي القلب ، لأن من لم تحركه هذه الآيات فقلبه ميت وإن كان يمشي بين الأحياء .
(أو
ألقى السمع) ، أي تدبر هذه الآيات بإنصات ووعي ، فيتأثر قلبه .
(وَلَقَدْ
خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ، فاصبر على ما يقولون)
يا محمد لا تأس على هؤلاء الذين
ينكرون البعث .. فنحن خلقنا هذه المخلوقات العظيمة التي هي أكبر من خلقهم ولم يصبنا تعبٌ ولا إعياءٌ ولا نصب ، فاصبر وسبح واسجد وصل لربك ، والله يكفيك ويتولاك .
ثم تختم هذه السورة العظيمة بتقرير مشاهد البعث والنشور ، وتثبيت
النبي (عليه الصلاة والسلام ) وتسليته تجاه منكري البعث .
( وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ
يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ()يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ ()إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ ()يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلاْرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ()نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ).
إنه مشهد البعث ، حينما
يُنفَخ في الصور ، وهو المراد بالصيحة ، وأما المنادي فإن الله تعالى يأمر ملكاً أن ينادي على صخرة بيت المقدس : يا أيتها العظامُ البالية ، والأوصالُ المتقطعة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء . فتشقق الأرض ويخرج الناس قبورهم ، كل الأمم من آدم إلى قيام الساعة ، يخرجون سراعاً مبادرين إلى أمر الله .
أما هؤلاء المكذبون
يا محمد فـ (نحن أعلم بما يقولون) .
وتأمل الآيتين : هناك قال له : (فَٱصْبِرْ
عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ)، وهنا قال سبحانه: ( نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ) .
اصبر على ما يقولون ، فالهداية بيد الله غير خاضعة لقوة برهان، أو
بلاغة بيان، ، فما عليك إلا البلاغ، وليس عليك هداهم .
أيها المسلم ، أيها
العالم ، أيها الداعية : اصبر على ما يقولون
.. اصبر على أذى الكفار والمنافقين
، وتمادي المفسدين، اصبر على التهم الملفقة ، والألفاظ المعلبة المستوردة ، اصبر على اتهام النوايا والتصنيف الغاشم .
(نحن أعلم بما يقولون) فدعهم يقولون ما
يقولون ، والله أعلم بما يوعون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أما أنت
أيها النبي ، أيها المسلم ، أيها الداعية ، فإنما أنت مذكر ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد .. ذكّر بالقرآن .. فهو يهز القلوب ، ويزلزل النفوس .
واعلم أنه لا
يتذكر بالقرآن إلا من يخاف وعيد الله ويرجو وعده .
ومن لم يؤثر فيه القرآن ، فهو
حري بأن لا تؤثر فيه أي موعظة .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا
وجلاء أحزاننا وذهاب غمومنا . وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدّين، وانصر عبادَك المؤمنين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفّق ولىّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم ورحمة على من وليتهم عليهم اللهم ربنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك سبحانك وبحمدك .. اللهم انصر جندك في كل مكان اللهمَّ عجِّل بالفَرَج والنَّصر والتَّمكين، لإخواننا المستضعفين، في كل مكانٍ يا ربَّ العالمين. اللهمَّ رُدَّ كَيْدَ الكائدين، ومكر الماكرين، وإفساد المفسدين وطغيان الطاغين اللهم عليك بكل من طغى وبغى على عبادك المؤمنين اللهم أرنافيهم يوماأسوداكيوم فرعون وهامان وقارون إنك قريب مجيب ربناتقبل مناإنك أنت السميع العليم وتب عليناإنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتناوزوجاتنا ولجميع المسلمين الأحياءمنهم والميتين رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون


المشاهدات 2952 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا يا شيخ صالح على هذه الخطبة القيمة



(تحديث مستمر)

ستنزل بقية سور القرآن تباعا بإذن الله ..
فتابعونا باستمرار ..


مازن النجاشي;8388 wrote:
جزاك الله خيرا يا شيخ صالح على هذه الخطبة القيمة




(تحديث مستمر)
ستنزل بقية سور القرآن تباعا بإذن الله ..

فتابعونا باستمرار ..



وإياك وبارك فيك أبوأحمد