قيام رمضان ( مشكلة )
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
الخطبة الأولى : قيام رمضان
الْـحَمْدُ للـهِ الَّذِي جَعَلَ صِيَامَ رَمَضَانَ محققاً لِلإِيْمَانِ والتقوى، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَبَاحَ لِعِبَادِهِ الخَيْرَاتِ وَأَكْسَبَهُمْ جَنَاهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الفَوَاحِشَ وَحَفِظَهُمْ مِنْ وَبَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ الصَّائِمِينَ القَائِمِينَ، وَمُرشِدُ التُّقَاةِ وَالمُهتَدِينَ، صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، صَلاةً وَسَلامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد: فأوصيكم ....
عن عبد الله بنِ عمرو y قال : قَالَ r : " إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِن ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللـهُ لِمَن أَطعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفشَى السَّلامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : في شَهرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ ، جَوَائِزُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ ، وَكُلُّهَا بِفَضلِ اللـهِ غَالِيَةٌ وَقَيِّمَةٌ ، وَكُلُّ لَحظَةٍ في هَذَا الشَّهرِ مُنذُ دُخُولِهِ إِلى أَن يُعلَنَ هِلالُ العِيدِ ، فَإِنَّمَا هِيَ فُرصَةٌ لِلجَادِّينَ المُشَمِّرِينَ ، إِنِ اغتَنَمُوهَا رَبِحُوا وَفَازُوا ، وَإِلاَّ فَلا عِوَضَ لَهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللـهُ رب العالمين .
أَلا وَإِنَّ مِن مَوَاهِبِ الرَّحمَنِ في شَهرِ رَمَضَانَ ، صَلاةَ القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ ، حَيثُ تُصَفُّ الأَقدَامُ مَعَ المُسلِمِينَ في بُيُوتِ اللـهِ سَاعَةً أَو تَزِيدُ قَلِيلاً ، يُصغَى فِيهَا لِكَلامِ الرَّحمَنِ، وَتُحَرَّكُ القُلُوبُ بِمَوَاعِظِ القُرآنِ، وَتُستَنزَلُ الرَّحَمَاتُ بِالإِنصَاتِ لآيَاتِهِ ، وَيَزدَادُ الإِيمَانُ وَيَعظُمُ في اللهِ الرَّجَاءُ ، وَيَكثُرُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَيُؤَمَّنُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَيُكتَبُ لِلعَبدِ قِيَامُ لَيلَةٍ كَامِلَةٍ بِصَبرِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً .
قِيَامُ اللَّيلِ وَمَا أَدرَاكَ مَا قِيَامُ اللَّيلِ ؟! وَصَلاةُ التَّرَاوِيحِ وَمَا أَدرَاكَ مَا صَلاةُ التَّرَاوِيحِ ؟!
عباد الله: إِنَّ قِيَامَ اللَّيلِ هُوَ أَفضَلُ النَّوَافِلِ بَعدَ الفَرِيضَةِ ، فِيهِ رِفعَةُ المُؤمِنِ وَشَرَفُ قَدرِهِ ، وَبِهِ تَقَرُّ عَينُهُ عِندَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، وَبِهِ يَدخُلُ الجَنَّةَ بِأَمنٍ وَسَلامٍ ، وَأَمَّا صَلاةُ التَّرَاوِيحِ في جَمَاعَةٍ ، فَهِيَ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ وَقُربَةٌ رَمَضَانِيَّةٌ ، وَبِهَا تُغفَرُ الذُّنُوبُ المُتَقَدِّمَةُ وَتُمحَى الخَطَايَا السَّالِفَةُ ، قَالَ r" أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وَأَفضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ " م.
وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ y قَالَ : جَاءَ جِبرِيلُ إِلى النَّبيِّ r فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، عِشْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ، وَاعمَلْ مَا شِئتَ فَإِنَّكَ مَجزِيٌّ بِهِ ، وَأَحبِبْ مَن شِئتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ ، وَاعلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤمِنِ قِيَامُ اللَّيلِ ، وَعِزَّهُ استِغنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ " الطَّبَرانيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ r " مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ " خ.م .
وَعَن أَبي ذَرٍّ t قَالَ : صُمنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ رَمَضَانَ ، فَلَم يَقُمْ بِنَا شَيئًا مِنَ الشَّهرِ حَتَّى بَقِيَ سَبعٌ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيلِ ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لم يَقُمْ بِنَا ، فَلَمَّا كَانَتِ الخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطرُ اللَّيلِ ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَو نَفَّلتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيلَةِ ، فَقَالَ:" إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ " فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لم يَقُمْ ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَن يَفُوتَنَا الفَلاحُ . قَالَ : قُلتُ : مَا الفَلاحُ ؟ قَالَ : السُّحُورُ . ثُمَّ لم يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهرِ . رَوَاهُ أَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَإِنَّمَا تَرَكَ r القِيَامَ بِأَصحَابِهِ بَقِيَّةَ الشَّهرِ ، خَشيَةً مِن أَن تُفرَضَ عَلَيهِم صَلاةُ اللَّيلِ في رَمَضَانَ فَيَعجَزُوا عَنهَا ، فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ r بَقِيَت إِقَامَةُ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ في جَمَاعَةٍ سُنَّةً نَبَوِيَّةً ؛ وَلِذَلِكَ أَحيَاهَا عُمَرُ t وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَيهَا ، فَلَم يَزَلِ المُسلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ طُوَالَ قُرُونِ الإِسلامِ إِلى اليَومِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : لَقَد أَوقَنَ المُوَفَّقُونَ أَنَّ الجَنَّةَ تُزَيَّنُ فَوقَهُم لِلصَّالِحِينَ ، وَأَنَّ النَّارَ تُسَعَّرُ تَحتَهُم لِلكَافِرِينَ ، فَخَافُوا لِذَلِكَ وَطَمِعُوا ، فَتَجَافَت جَنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ ، وَغَضُّوا الطَّرفَ عَنِ المَطَامِعِ ، وَمَالُوا عَنِ المَراقِدِ إِلى المَسَاجِدِ، آخِذِينَ أَنفُسَهُم بِالجِدِّ وَالعَزِيمَةِ ، وَاضِعِينَ سِلعَةَ الرَّحمَنِ نُصبَ أَعيُنِهِم ، مُتَمَثِّلِينَ بِوُقُوفِهِم مَعَ المُصَلِّينَ وُقُوفَهُم أَمَامَ رَبِّ العَالَمِينَ ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا يَرَونَهُ – تَعَالى – عِيَانًا ، فَبَاتُوا لِذَلِكَ سُجَّدًا وَقِيَامًا ، يَرجُونَ أَن يَكُونُوا بِذَلِكَ مِمَّن قَالَ – تَعَالى – فِيهِم : " إِنَّمَا يُؤمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمدِ رَبِّهِم وَهُم لا يَستَكبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
إِنَّ قِيَامَ المُسلِمِ مَعَ الإمَامِ في رَمَضَانَ نِعمَةٌ عَظِيمَةٌ ، لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ مَن عَلِمَ شَرَفَهَا وَوَعَى قَدرَهَا ، وَتَذَكَّرَ ثَوَابَهَا وَاحتَسَبَ أَجرَهَا ، وَاستَحضَرَ مَا هُوَ فِيهِ في ذَلِكَ القِيَامِ مِن أَلطَافِ رَبِّهِ وَبِرِّهِ بِهِ ، وَإِحسَانِهِ إِلَيهِ وَإِقبَالِهِ عَلَيهِ ، وَنَظَرِهِ إِلَيهِ بِعَينِ الرِّضَا وَالمَحَبَّةِ ، وَمَا يَحصُلُ لَهُ بِذَلِكَ مِن حَيَاةٍ لِرُوحِهِ وَنَعِيمٍ لِقَلبِهِ ، وَصَفَاءٍ لِنَفسِهِ وَانشِرَاحٍ لِصَدرِهِ ، وَنُورٍ وَبَهجَةٍ في وَجهِهِ ، أَجَلْ – أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ القَائِمَ وَهُوَ في صَلاتِهِ ، وَاقِفٌ بِحَضرَةِ مَلِكِ المُلُوكِ ، يُنَاجِي رَبَّهُ وَرَبُّهُ يُنَاجِيهِ ، وَيَذكُرُ خَالِقَهُ وَخَالِقُهُ يَذكُرُهُ ، فَأَيُّ نَعِيمٍ أكبَرُ مِن هَذَا النَّعِيمِ ؟! وَأَيُّ شَرَفٍ أَجَلُّ مِن هَذَا الشَّرَفِ ؟!
عَن أَبي هُرَيرَةَ r قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ :" قَالَ اللهُ - تَعَالى - : قَسَمتُ الصَّلاةَ بَيني وَبَينَ عَبدِي نِصفَينِ وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ العَبدُ : (الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) قَالَ اللهُ - تَعَالى - : حَمِدَني عَبدِي ، وَإِذَا قَالَ : (الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللهُ - تَعَالى - : أَثنَى عَلَيَّ عَبدِي . وَإِذَا قَالَ : (مَالِكِ يَومِ الدِّينِ) قَالَ : مَجَّدَني عَبدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبدِي - فَإِذَا قَالَ : (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ) قَالَ : هَذَا بَيني وَبَينَ عَبدِي وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ . فَإِذَا قَالَ : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ ) قَالَ : هَذَا لِعَبدِي وَلِعَبدِي مَا سَأَلَ " م.
وَقَالَ r :" أَقرَبُ مَا يَكُونُ العَبدُ مِن رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُوَ سَاجِدٌ ؛ فَأَكثِرُوا الدُّعَاءَ " م.
فَأَيُّ مَقَامٍ لِلقُربِ هُوَ خَيرٌ مِن هَذَا ؟! وَأَيُّ رَحمَاتٍ وَبَرَكَاتٍ تَتَنَزَّلُ عَلَى عَبدٍ هَذَا شَأنُهُ ؟!
وَأَيُّ سَعَادَةٍ وَفَرَحٍ لِمَنِ استَشعَرَ هَذَا الشُّعُورَ وَهُوَ قَائِمٌ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ ؟!
فَعَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ t قَالَ : قَامَ النَّبيُّ r حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : قَد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ : " أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا " خ.م.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : ممَّا يُرَغِّبُ في صَلاةِ التَّرَاوِيحِ أَنَّ العَبدَ مِن حِينِ دُخُولِهِ المَسجِدَ وَهُوَ في عِبَادَةٍ ، وَالمَلائِكَةُ تَستَغفِرُ لَهُ ، وَكُلُّ سَجدَةٍ يَسجُدُهَا فَهِيَ لَهُ بِدَرَجَةٍ في الجَنَّةِ ، قَالَ r: " المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُم مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لم يُحدِثْ أَو يُقَم : اللَّهُمَّ اغفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارحَمْهُ " أَحمَدُ وَهُوَ في الصَّحِيحَينِ .
وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِمَولاهُ ثَوبَانَ t: " عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ للهِ ؛ فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئَةً " م.
إِنَّ وَاحِدَةً مِمَّا سَلَفَ مِن فَضَائِلِ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَالقِيَامِ ، لَكَافِيَةٌ أَن تُثِيرَ شَوقَ المُؤمِنِ إِلى بُيُوتِ رَبِّهِ ، وَتُرَغِّبَهُ في طُولِ القِيَامِ ، فَعَجَبًا مِمَّن يَعلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ زَادُهُ لِيَومِ مَعَادِهِ ، كَيفَ يَنَامُ أَو يَتَكَاسَلُ ؟! أَو يَتَبَاطَأُ أَو يَتَوَانى ؟!
أَلا فَلْنَتَّقِ اللـهَ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – وَلْنَصبِرْ أَنَفُسَنَا مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ ، وَإِذَا دَخَلَ أَحَدُنَا المَسجِدَ فَلْيُفَرِّغْ قَلبَهُ مِنَ الدُّنيَا ، وَلْنَحضُرْ إِلى المَسَاجِدِ بِقُلُوبِنَا قَبلَ أَجَسَادِنَا ، وَلْيَستَشعِرْ أَنَّهَا لَيَالٍ مَعدُودَةٌ ، وَفِيهَا لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، فَمَا أَعَظَمَ الفَضلَ وَأَكرِمْ بِالمُتَفَضِّلَ ! وَهَنِيئًا لِلقَائِمِينَ القَانِتِينَ الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ .
" أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلَ يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ قُل يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا في هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ " بارك الله لي ولكم في القرآن....
الخطبة الثانية:
الحمد لله.......
أَمَّا بَعدُ : أَيُّهَا المُسلِمُونَ : لَقَدِ انتَصَفَ شَهرُ الخَيرِ وَمَا أَنصَفَ بَعضُ النَّاسِ مِن نَفسِهِ ، يُرِيدُ الجَنَّةَ وَهُوَ لم يَعمَلْ ، وَيَطلُبُ الفِردَوسَ وَلم يَنصَبْ ، وَيَرجُو الدَّرَجَاتِ العَالِيَةَ وَلم يَسِرْ وَيُدلِجْ ، نَسِيَ أَنَّ الرَّاحَةَ في الآخِرَةِ ، لا تُنَالُ بِالرَّاحَةِ في الدُّنيَا ، وَأَنَّ الجَنَّةَ قَد حُفَّت بِالمَكَارِهِ .
وَإِنَّهُ وَإِنْ كَثُرَ الكَسَلُ في زَمَانِنَا وَانتَشَرَ التَّوَاني ، فَإِنَّهُ لَيَنبَغِي لِلعَاقِلِ الحَصِيفِ ، أَلاَّ يَزِيدَهُ مَا يَرَاهُ إِلاَّ صَبرًا وَمُصابَرَةً ، وَمُرَابَطَةً وَمُثَابَرَةً ، وَقَد أَمَرَ اللهُ خَيرَ الخَلقِ r بِصُحبَةِ المُجِدِّينَ في السَّيرِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ المُنِيبِينَ ، وَتَركِ مُتَّبِعِي الهَوَى وَالغَافِلِينَ المُفَرِّطِينَ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : "وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا "
إِخوَةَ الإِيمَانِ: مَن وَجَدَ مَن نَفسِهِ كَسَلاً أَو تَوَانِيًا ، فَلْيُذَكِّرْهَا أَنَّ ثَمَّةَ رَمَضَانَ سَيَكُونُ هُوَ الأَخِيرَ في حِيَاتِهِ ، وَصَلاةً سَتَكُونُ هِيَ الأَخِيرَةَ ، فَلْنَصُمْ صِيَامَ مُوَدِّعِينَ، وَلْنُصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعِينَ ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّهُ " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ " ثم صلوا ...
المرفقات
1649999949_خطبة قيام رمضان.doc
1649999949_خطبة قيام رمضان.pdf