قيام الليل اصطفاء (وورد+بي دي إف+ نصية)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1439/08/17 - 2018/05/03 06:31AM

18 شعبان1439هـ. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فاتقوا ربكم واشكروا له.

إنه عمل كبير وخير كثير، خص الله به بعض عباده، وبسببه زكت قلوبهم وطابت حياتهم وأنسهم ونعيمهم، أتدرون ما هو؟!

إنه قيام الليل الذي اصطفى الله له أناسًا، فتلذذوا بعباداتهم، ومناجاتهم لله في أسحارهم وخلواتهم، ونسوا الناس، بل نسوا أنفسهم، حتى إن أحدهم ليصيبه سهم العدو وهو يصلي بالليل ويحرس في سبيل الله، فلا يشعر بجرحه؛ من تلذذه بالقراءة والمناجاة.

وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، حتى لقد قال بعضهم: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب([1]).

وقال التابعي العابد ثابت البناني رحمه الله: ما شئ أجده في قلبي ألذّ عندي من قيام الليل. وقال سفيان رحمه الله: إذا جاء الليل فرحت وإذا جاء النهار حزنت([2])

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: لأهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.

أيها المؤمنون: لفضل صلاة الليل، ولقرب رمضان فليكن الحديث الآن عن بعض أحكامها.

فاعلم أن الأفضل في صلاة الليل الثلث الأخير؛ لأنه وقت نزول الرب جل وعلا. قال e: من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر بالليل مشهودة وذلك أفضل. رواه مسلم ([3])

ومن أوتر أول الليل وقام قبل الفجر فليصل اثنتين اثنتين بما شاء.

ومن جمع العشاء تقديمًا مع المغرب فالوتر يبدأ من بعد أداء صلاة العشاء.

ومن نام عن وتره أو نسيه، فله صلاته بعد طلوع الفجر، قبل صلاة الصبح. فقد قال رسول الله e: ( من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره )([4]). وأما إذا فاته الوتر حتى صلوا الصبح فيقضيه شفعاً. لقول عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله e إذا غلبه النوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) رواه مسلم([5])

وأما من ترك الوتر متعمداً حتى طلع الفجر، فالحق أنه قد فاته، وليس له حق القضاء.

وأما عدد ركعات قيام الليل فقد ثبتت السنة عن النبي e أنه لا يزيد في قيام الليل لا في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

(وقد أجمع العلماء على أنه لاشيء مقدر في صلاة الليل ..فمن شاء أطال فيها القيام وقلَّت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود)([6]).

وأما الوتر؛ فله أن يوتر بركعة. وإن صلى قبلها شفعاً فهذا أفضل. وله الوتر بثلاث ولا يتشهد تشهدين، بل يقتصر على التشهد في آخر الصلاة.

والسنة لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة سورة الأعلى وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص. ولا يداوم على قراءة هذه السور في الوتر؛ لأنّ المداومة لم تثبت.

ويستحب إذا سلم من وتره طوال السنة أن يقول: سبحان الملك القدوس ثلاثاً.

والقنوت في الوتر مستحب أحيانًا، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل، وما يفعله بعض الأئمة من المثابرة عليه فغلط مخالف للسنة.

والأفضل في دعاء القنوت أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى والثناء عليه ويُثَنّي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو فإنه أقرب للإجابة من دعاء مجرد من الحمد والثناء. لأن النبي e سمع رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي e. فقال: عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد بما شاء ([7]).

وأما رفع اليدين فيستحب؛ لأن الأصل في الدعاء رفع اليدين وقد فعله الصحابة ([8]).

وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء فلم يثبت فيه حديث، ولم يصح عن الصحابة لا في القنوت ولا في غيره، لا داخل الصلاة و لا خارجها.

______2____فمن أعظم التوفيق أن يكون المؤمن مباركاً أين ما حلّ وارتحل، يتقرب إلى الله بعبادة تناسب الوقت أو المكان أو الحال بقول أو فعل أو احتساب أو ترك أو دعوة أو أمر. وعند فتن الشهوات والأهواء ومضلات الفتن يزدادون تعبدًا وفرارًا إلى ربهم. والعبادة أوقات الفتن آكد وأحب إلى الله عز وجل، كما قال e: الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ([9]).

 (فلما كانوا يفرُّون من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله، فكذلك إذا وقعت الفتن وجب على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة)([10]).

عباد الله: هذه الفتن تتضاعف بين أيدينا تتضاعف، فلماذا عباداتنا تتضاءل؟! ماذا غيَّرتْ فيك هذه الأحداث؟ هل أحدثْتَ بعد المعصية توبة؟ وهل قررتَ بعد التفريط أوبة؟ هل أقمت الصلاة حقًا؟ هل حافظت على السنن وقد كنت فيها مفرطًا؟ هل أكثرت من الاستغفار، ورفعت يديك بالأسحار؟ هل ازداد تقواك؟ هل عظم بالله رجاك؟ لئن كنت كذلك فأبشر بتغيير الحال من الشدة إلى الرخاء، ومن الخوف إلى الأمن: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.

وأنت أيها المكروب هل زدت في عبادتك؟ وأنت أيها المريض دهرًا هل أفادك المرض على الله إقبالاً؟ وأنت أيها المكبل بالديون؟ وأنت أيها المظلوم المقهور، وأنت أيها المفتون بشهوات، بل حتى أنت أيها الطالب المتوجس من الاختبارات. بل كلنا لنتذكر قوله e: الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ.

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ.

اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وقو على الحق عزائمنا.

اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأهله يا رب العالمين، وأن تكسر أهل الكفر والصد عن سبيلك، إنك على كل شيء قدير.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

([1])الوابل الصيب ( 58 ) للإمام ابن القيم .

([2])مقدمة الجرح والتعديل [ 1 / 85 - 86 ] للإمام أبي حاتم .

([3])رقم ( 755 ) .

([4])رواه أبو داود بسند قوي والحاكم وقال صحيح. وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك، وقول للشافعي وأحمد وانظر الاستذكار(5/288) وعون المعبود(4/309) وشرح مسلم للنووي(6/24) والمبدع في شرح المقنع[2 / 4].

([5])رواه مسلم في صحيحه( 746 )

([6])الاستذكار [ 5 / 244 ] .

([7])الترمذي رقم ( 3477 ).وأبو داود رقم ( 1481 ). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

([8])قاله البيهقي رحمه الله في السنن الكبرى. ( 2 / 211 ).

([9])مسلم (2948)

([10])انظر : فيض القدير 4  / 373

المرفقات

الليل-اصطفاء

الليل-اصطفاء

الليل-اصطفاء-2

الليل-اصطفاء-2

المشاهدات 1784 | التعليقات 0