قيادة المركبة بين الأجر والوزر

18 / 6 / 1438هـ
الحمد لله العليِ الكبير، الصبورِ الستير ، الوكيلِ النصير وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسله تترى، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله زاهد ما شبع من خبز الشعير و لا من النوم على الوثير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه عدد الودق الغزير أما بعد :


فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وتأمل قول الحق سبحانه {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133
معشر الكرام : نعم الله كثيرة ، قال سبحانه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18 ، قام الحسن البصري ليلة يردد هذه الآية حتى أصبح ! فقيل له في ذلك ، فقال : " إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ولا نردّه إلا وقع على نعمة وما لا نعلمه من نعم الله أكثر " .


أيه الأحبة : لقد تجدد في هذا العصر نعم كثيرة فأدرك الفقير في عصرنا ما لم يدركه هارون الرشيد الذي يحكم من المحيط إلى المحيط ! ؛ فهارون الرشيد وغيره من الخلفاء يحجون على جمال فيأخذون في ذهابهم للحج وإيابهم نحو ثلاثة أشهر وربما أكثر والفقير اليوم يأتي للحج من أقصى الدنيا في ساعات ! فيقضي أيام الحج ويرجع في ساعات وإذا كان الله سبحانه امتن على عباده ببهيمة الأنعام ذات المنافع التي منها الركوب فكيف بنعم المراكب الحديثة ؟!
عباد الله : هل نستشعر نعمة المركبة التي نستعملها في الليل والنهار متى شئنا ؟! هل شكرنا الله سبحانه وتعالى عليها ؟ هل قيادتنا للمركبة فيها مجال لكسب الأجر أو اكتساب الوِزر ؟
إن حديثنا اليوم عن القيادة وما يتعلق بها .
أخي الكريم : هل تعلم أن عدد قتلى الحروب في دول عدة مثل : حربِ الأرجنتين، حربِ الصحراء الغربية، حربِ الهند وباكستان، حربِ الخليج، حربِ النيبال الأهلية، وغيرِها 82 ألف شخص، بينهما نحن مات عندنا بسبب الحوادث خلال عقدين أكثر من ذلك ! وإليكم بعض الإحصاءات:نشر المرور السعودي في حسابه في تويتر ما يلي : "خسرنا خلال العشرين عاما الماضية حوالي 100 ألفِ فرد في وطننا بسبب حوادث الطرق " .
وتشير إحصائية للمرور نشرتها صحيفة عكاظ : أن الحوادث ازدادت خلال العشر السنوات الماضية ، ففي عام 1428هـ أكثر من 435ألف حادث مروري ، وخلال الربع الأول من هذا العام 1438هـ قاربت عدد الحوادث 128 ألفا ، وهذا كنسبة أعلى منه قبل عشر سنين ، وإن كان هذا العام أقل حوادث من عام 1437هـ بنسبة 17% ولعل هذا بسبب حملات التوعية وازدياد الوعي .
أما عدد المصابين خلال الربع الأول من هذا العام 8299 شخصا ومعدله يوميا يزيد على تسعين مصابا أما عدد الموتى من الحوادث خلال الربع الأول من هذا العام 1591 بمعدل سبعة عشر شخصا .
أيه الإخوة : مصيبة أن تنقلب النعمة إلى نقمة والمنحة إلى محنة ! فدولتنا الأولى عالميا في حوادث السير ، وهذا يكلف خسائر بشرية بالموت والإعاقات والإصابات ويكلف خسائر مادية ويسبب هموما وأحزانا فكم من طفل صار يتيما وامرأة صارت أرملة ، بل إن إصابات الحوادث زاحمت المرضى في المستشفيات إذ يقدر أنهم يشغلون 30 % من أسرّة المشافي .
معشر الكرام : وأكدت تقارير ميدانية للمرور أن أكثر أسباب الحوادث : استخدام الجوال أثناء القيادة والسرعة الزائدة وقطع الإشارة وعكس السير والتفحيط . وفي إحصائية نشرتها صحيفة المدينة ذكرت أن 78% من الحوادث المرورية في السعودية بسبب لانشغال بالهواتف الجوالة أثناء القيادة !
إخوة الإسلام : كثير من المسلمين يغيب عن ذهنه أن القيادة فيها أبواب لكسب الأجر أو الوزر !
نعم فالإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس ومنها النفس والمال ومن فرط في قيادته للمركبة أو في صيانتها اللازمة فقد ضيع الواجب ، وعرض نفسه وغيره للبلاء والضرر ومن قواعد الفقه الكلية المتفق عليها : " إزالة الضرر " . يغيب عن باله قول الله سبحانه {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} وقوله {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ }لقمان19 قال ابن كثير " أي : امش مشيا مقتصدا ليس بالبطيء المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، بل عدلا وسطا بين بين . " اهـ

نفعني الله إياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الآي والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا


الحمد لله ...

أما بعد أيه الأحبة : كم حوادث راح فيها أبرياء نتيجة سرعةٍ أو انشغالٍ بمكالمة أو بإهمال أنوار السيارة أو بقطع إشارة أو تجاوز خاطئ أو غير ذلك . و هل تظن أخي قائد المركبة أن حقوق الناس هينة ؟! إن الله أوجب كفارة مغلظة فيمن قتل خطأ فأوجب الدية وعتق رقبة فإن لم يجد فصوم شهرين متتابعين ، و لو أفطر بينهما بلا عذر لوجب إعادة الصيام من جديد ، وتتكرر الكفارة بعدد الموتى فلو مات بسببه ثلاثة لزمه ثلاث ديات وثلاث رقاب أو صوم ستة أشهر ، وهل تظن أخي حين تفرط أن الأمر سهل في الآخرة ؟!
الله أعلم بالآخرة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن العدل الإلهي حيث قال : " لتُؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلِها يومَ القيامةِ . حتَّى يُقادَ للشَّاةِ الجلْحاءِ من الشَّاةِ القرْناءِ " رواه مسلم .

أيه الكرام : وقد تدخل القيادة باب العقوق ! وذلك كمن يقود بسرعة و أمه على أعصابها منزعجة !


عبد الله : والقيادة كغيرها تؤجر على حسنِ الخلق فيها وتأثم على أذية غيرك وظلمك له ، ومن العجيب تغير أخلاق بعضهم عند القيادة ! فلو قابلته عند باب وأنتما على رجليكما لقدمك ولكنه في قيادة المركبة أناني ! ، تجده محترما أمينا لم يسرق ريالا ولكنه ربما إذا كان عند الدوار يخرج على صاحب الحق القادمِ من اليسار ! ، وقد يؤذي غيره بأصوات الغناء أو يخيفهم بتجاوز خاطئ أو غير ذلك وفي الحديث : " مَنْ آذَى المسلِمينَ في طُرُقِهمْ وجَبَتْ عليه لعنَتُهُمْ " حسن الألباني ، وفي التنزيل {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }الزلزلة8 .


عباد الله : الله سبحانه هو الحافظ ولكنا كُلفنا الأخذ بالأسباب فلنأخذ بها ولنتوكل على الله سبحانه ، وإليك أخي الفاضل وصايا :
لا تنس دعاء الخروج من المنزل ، تجنب استخدام الجوال حال القيادة و حرك لسانك بذكر الله تربح أجورا عظيمة ففي دقائق المشاوير سوف تسبح وتستغفر مئات أو ردد قصار السور أو استمع مادة صوتية مفيدة ، أخي تجنب قيادة المركبة حال النعاس والنوم ، وتجنب السرعة الزائدة ، أخي عليك بصيانة ما يلزم ومن ذلك الأنوار الأمامية والخلفية والكفرات والمكابح ، توقع أخطاء السائقين عسى أن تتمكن من تفادى الخطر حال وقوعه ، تجنب القيادة حال الغبار الكثيف ، وحين يكون الغبار خفيفا أو متوسطا استخدم الأنوار ولو كنتَ قوي البصر ففي السائقين ضعيف بصر ، احترم المسار الذي تسلكه واستخدم الإشارة عند إرادة تبديله وتأكد من مناسبة التجاوز .

ثم صلوا وسلموا ....
المرفقات

قيادة المركبة بين الأجر والوزر.docx

قيادة المركبة بين الأجر والوزر.docx

المشاهدات 1208 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا