قَوْمُ عَادٌ آيَةٌ تَتَكَرَّرُ 20/10/1438ه
خالد محمد القرعاوي
قَوْمُ عَادٌ آيَةٌ تَتَكَرَّرُ 20/10/1438ه
الحمدُ للهِ رَفَعَ الإنسانَ وَكَمَّلَهُ،وأَحقَّ الْحَقَّ وَنَزَّلَهُ،وَأَمْهَلَ الظَّالِمَ ومَا أَهمَلَهُ،َخَوَّفَ عِبَادَهُ بِالْآيَاتِ ، وَذَكَّرَهُمْ المَثُلاتِ؛نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،لَا نَجَاةَ إِلَّا مِنْهُ،وَلَا مَفَرَّ مِنْ نِقْمَتِهِ إِلَّا إِلَيْهِ،ونَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛بَعَثَهُ اللهُ بَشيراً بِرَحْمَتِهِ؛وَمُنذِرَاً من بَطْشِ اللهِ وَنِقْمَتِهِ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَابَتِهِ,وَمَنْ اهتَدى بِهدْيِهِ واتَّبَعَ مِلَّتَهُ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ. أمَّا بعدُ:فيا عبادَ اللهِ،اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ،فالْخَيرُ والسَّلامةُ في طاعتِهِ،والشَّرُ والنَّدامةُ في معصيَتِهِ، فَمن أَحسَنَ فَلِنَفْسِهِ،وَمَنْ أسَاءَ فَعَليها،(وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:هَلْ حَدِيثٌ أَصْدَقُ مِنْ الْقُرَآنِ؟وَهَلْ وَعْظٌ أَبْلَغُ مِنْ الْفُرْقَانِ؟وَهَلْ قَصَصٌ أَشَدُّ أَثَرًا مِنْ قَصَصِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ لَقَدْ دَعَانَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ لِلنَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ فِي حَالِ الْأُمَمِ وَالْحَضَارَاتِ الَّتِي عَاشَتْ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ وَسَادَتْ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُسَخِّرُوها فِي عُبُودِيَّةِ اللَّهِ، فَأَصْبَحُوا أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ.(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الروم:9].دَعُونَا يَارَعَاكُمُ اللهُ:نَقِفُ مَعَ قِصَّةٍ مَلِيئَةٍ بِالدُّرُوسِ فِيهَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ،وَإِنْذَارٌ لِلْمُتَجَبِّرِينَ.(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف:176].خَبَرُ أُمَّةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي الطُّغْيَانِ وَالْعِنَادِ،وَالْبَطْشِ وَالْفَسَادِ،ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ،وَعَلَوْا فِي الْأَرْضِ،وَمَا عَلِمُوا أَنَّ الطُّغْيَانَ مَهْلَكَةٌ لِلدِّيَارِ، مَفْسَدَةٌ لِلْأَمْصَارِ،مَسْخَطَةٌ لِلْجَبَّارِ، نِهَايَتُهُ:(وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)[طه:111]. إِنَّهُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ تَزَاهَوْا بِالْمَالِ،وَتَبَاهَوْا بِالْقُوَّةِ،فَأَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا،وَعِنَادًا وَبَطَرًا: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)[الفجر:7-8].كَانُوا بِالْيَمَنِ بِالْأَحْقَافِ، وَالْأَحْقَافُ جِبَالُ الرَّمْلِ،لَقَد بَسَطَ اللَّهُ لَهُمْ قُوَّةً فِي أَجْسَادِهِمْ،وَضَخَامَةً فِي أَبْدَانِهِمْ،فَكَانُوا أَقْوَى أَهْلِ زَمَانِهِمْ عَسْكَرِيًّا وَاقْتِصَادِيًّا،وَكَانَتْ لَهُمُ الْخِلَافَةُ!كَانَ قَوْمُ عَادٍ أَصْحَابَ رُقِيٍّ وَعُمْرَانٍ، وَحَضَارَةٍ فِي الْبِنَاءِ،فَمَسَاكِنُهُمْ آيَةٌ فِي الرَّوْعَةِ وَالْفَنِّ،:(إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)أَيْ:ذَاتِ الْبِنَاءِ الرَّفِيعِ. وَزَادَهُمُ اللَّهُ بَسْطَةً فِي النَّعِيمِ،فَكَانَتْ أَرَاضِيهِمْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ،فَزَادَتْ مَوَاشِيهِمْ، وَفَاضَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَكَثُرَ أَبْنَاؤُهُمْ (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الشعراء: 133 - 134].عَاشَ قَوْمُ عَادٍ حَيَاةَ التَّرَفِ والَّلهو،فَكَانَ الْوَاحِدُ منهُمْ يَرْفَعُ بُنْيَانَهُ وَيُبَاهِي بِهِ،لَا لِحَاجَتِهِ؛بِلْ لِلْمُفَاخَرَةِ وَالتَّطَاوُلِ! فَتَنَافَسُوا فِي الْبُرُوجِ الشَّاهِقَةِ؛لِيَخْلُدَ فِي الدُّنْيَا ذِكْرُهُمْ:(وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) [الشعراء:129].وَالحَالُ أَنَّهُ لا سَبِيلَ لِخُلُودِ أيِّ مَخْلُوقٍ!فَمَا مَوقِفُ قَومٍ عَادٍ تُجَاهَ هَذِهِ النِّعَمِ؟ لَقَدْ قَابَلُوها بِالْكُفْرَانِ وَالْجُحُودِ وَالنُّكْرَانِ،فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ،وَفَشَا فِيهِمُ الظُّلْمُ والَجَبَرُوتُ كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ تَعالى:(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)[الشعراء:130]!غَرَّتْهُمْ حَضَارَتُهُمْ وَقُوَّتُهُمْ فَقَالُوا:(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15].فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمْ نَبِيَّهُ هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ,فَدَعَا وَذَكَّرَ، وَنَصَحَ وَأَشْفَقَ فَقَالَ:(يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [هود:50].ذَكَّرَهُمْ بِنِعَمَ اللَّهِ الدَّارَّةِ عَلَيْهِمْ:(فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأعراف:69].وَحَثَّهُمْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ يَزِيدُهُمْ خَيْرًا وَقُوَّةً,وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْ دَعْوَتهمِ نَفْعًا وَلا مَالًا!فَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيلٌ،وَأَكْثَرُ قَوْمِهِ اخْتَارُوا طَرِيقَ الْهَوَى وَالْعِنَادِ,والظُّلْمِ والتَّرَفِ والفَسَادِ!بَلْ احْتَقَرُوا نَبِيَّهُمْ وَرَمَوْهُ بِالسَّفَاهَةِ وَالْكَذِبِ:(إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [الأعراف: 66].وَصَارَحُوهُ بِالْكُفْر فَقَالُوا: (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [هود: 53].بَلْ بَلَغَ إِعْرَاضُهُمْ أنْ سَلَكُوا طَرِيقَ التَّحَدِّي فَقَالُوا: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[الأعراف:70].يا اللهَ مَا هَذا الصَّلَفُ والجُحُودُ كَيفَ يَقْوَوْنَ على تَحَدِّيِ اللهِ وَمُبَارَزَتِهِ بالمَعَاصِيَ؟!صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حينَ قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ؛ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ".أتَدْرُوَنَ كيفَ أدَّبَهُمُ اللهُ وَأهْلَكَهُمْ؟لَقَدْ أَمَرَ سَمَاءَهُ فَأَمْسَكَتْ،وَأَرْضَهُ فَأَجْدَبَتْ،فَعَاشَتْ عَادٌ تَتَشَوَّفُ غَيْثَ السَّمَاءِ وَتَتَحَيَّنُهُ،فَبَيْنَمَا الطُّغَاةُ والمُتْرَفُونَ والَّلاهُونَ فِي لَهْوِهِمْ سَادِرُونَ،وَفِي غِيِّهِمْ لَاهُونَ،أَذِنَ اللَّهُ تَعَالى لِلْهَوَاءِ أَنْ يَضْطَرِبَ وَيَهِيجَ،وَيَثُورَ وَيُزَمْجِرَ،فَإِذَا هُوَ يَسُوقُ السَّحَابَ سَوْقًا،فَلَمَّا رَأَوْهُ مُسْتَقْبِلًا أَوْدِيَتَهُمُ اسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا:هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا،قَالَ اللَّهُ:(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ). رِيحٌ بَارِدَةٌ عَاتِيَةٌ،مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ،رِيحٌ عَقِيمٌ (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).سَخَّرَهَا عَلَيْهِمُ الْجَبَّارُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومَاً،تُفْنِيهِمْ وَتُذْهِبُهُمْ,فَمِنْ قُوَّتِهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُهُمْ إِلَى أَعْلَى، فَتَتَصَاعَدُ أَجْسَادُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ تُنَكِّسُهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، فَتَنْدَقُّ أَعْنَاقُهُمْ، وَهَذَا جَزَاءُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي الدُّنْيَا، تَرَاهُمْ صَرْعَى (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ).يَا الَلَّهُ!تَصَوَّرْ هَذَا الْإِنْسَانَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمُنَكَّسَةِ قَدْ كَانَ بِالْأَمْسِ يُنَادِي:مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟!.فَأُفٍّ لإِنْسَانٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خُلِقَ لِيَتَعَالَى عَلَى خَلْقِ اللَّهِ!أُفٍّ لِحَضَارَاتٍ وَدُوَلٍ تَسْتَرْخِصُ الدِّمَاءَ،وَتَتَسَلَّطُ عَلَى الضَّعَفَةِ وَالْأَبْرِيَاءِ،وَتَدُوسُ على كَرَامَاتِهِمْ!وَلِسَانُ حَالِهَا:مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟!نَعَمْ؛ هَذِهِ نِهَايَةُ الطُّغْيَانِ،وَخَاتِمَةُ التَّعَالِي وَالنُّكْرَانِ، وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.يَقُولُ نَبِيُّ الهُدَى والمَرْحَمَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:«الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ،ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».فاللهمَّ أغْنِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ, وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍّ فااسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ إلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ،نَشْهَدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ خَالِقُ النَّاسِ أجْمَعِينَ،وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأمِينُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَك عَليهِ،وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ تَقْوَاهُ,وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ وَسُوءَ عُقْبَاهُ،فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ لِمَنْ تَغَشَّاهُ!حَرَّمَهُ اللهُ على نَفْسِهِ فَقَالَ:وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.وَقَالَ اللهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ:«يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا».إِخْوَةَ الْإِيمَانِ،مَا أَحْوَجَنَا فِي عَصْرٍ سَادَ فِيهِ الصِّرَاعُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ،وَالْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ،وَالْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ أَنْ نُورِدَ قُلُوبَنَا قَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ،فَهُمْ مَنَارَاتُ هُدًى لِمَنْ بَعْدَهُمْ.فَمَعْرِفَةُ أَخْبَارِهِمْ،وَسُنَنِ اللَّهِ فِيمَنْ خَالَفَهُمْ،تَزْرَعُ فِي الْقُلُوبِ الْإِيمَانَ،وَتَشْحَنُهَا بِالْيَقِينِ،وَتُعِيدُ لِلْمُؤْمِنِ تَوَازُنَهُ فِي رُؤْيَتِهِ وَتَفْكِيرِهِ،وَتَفْسِيرِهِ لِلْأَحْدَاثِ، خَاصَّةً فِي وَقْتِ الْمُشَتِّتَاتِ،وَالتَّفْسِيرَاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ نُورِ الهِدَايَةِ وَالْقُرْآنِ. عِبَادَ اللَّهِ:فِي خَبَرِ قَوْمِ عَادٍ عِبَرٌ وَعِظَاتٌ،وَفَوَائِدُ وَإِشَارَاتٌ. مِنْهَا: أَنَّ الْإِصْلَاحَ يَبْدَأُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَغَرْسِهِ،وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ، فَقَدْ اسْتَهَلَّ هُودٌ دَعْوَتَهُ بِـ: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [هود:50].
وَمِنْهَا:أَنَّ التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى،وَالتَّعَصُّبَ لِلْآبَاءِ،وَالْإِعْرَاضَ عَنْ هِدَايَاتِ الرُّسُلِ؛سَبَبٌ لِطَمْسِ الْقُلُوبِ وَقَسْوَتِهَا،فَلَا تَرَى نُورَ الْحَقِّ،وَلَا تَقْبَلُ دَعْوَةَ النَّاصِحِينَ.وَفِي خَبَرِ هُودٍ مَعَ قَوْمِهِ رِسَالَةٌ لِلدُّعَاةِ وَالْمُصْلِحِينَ وَالْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ أَنْ يَسْلُكُوا مَسَالِكَ التَّرَفُّقِ وَالْحِلْمِ وَاللِّينِ، فَهُودٌ عليهِ السَّلامُ مَعَ كُلِّ مَا وَصَفُوهُ,نَادَاهُمْ بِعِبَارَةِ(يَا قَوْمِ)الْمُشْعِرَةِ بِاللِّينِ وَالشَّفَقَةِ،وَلَمْ يَقُلْ:يَا كَفَرَةُ!يَا عُصَاةُ!يَا فَجَرَةُ! وَمِنَ الْفَوَائِدِ:أَنَّ إِيذَاءَ الْمُصْلِحِينَ وَنَبْزَهُمْ بِأَلْقَابٍ مُنَفِّرَةٍ هِيَ سِيَاسَةُ الْمُفْسِدِينَ قَدِيمًا،وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ اللَّهَ قَالَ:مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ"فَياوَيلَ مَنْ يُؤذُونَ المؤمِنينَ النَّاصِحِينَ!وَمِنْ دُرُوسِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَطُلَّابِ الْعِلْمِ الْعُزُوفُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ،مِنْ حُكَّامٍ وَمَحْكُومِينَ فَهُوَ أَدْعَى لِقَبُولِ دَعْوَتِهِمْ،وَثِقَةِ النَّاسِ بِهِمْ،(وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ).أيُّها المُؤمِنُونَ:مِنْ أَنْجَحِ الْأَسَالِيبِ حِينَ تَحِلُّ الْغَفْلَةُ بالنَّاسِ,التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللَّهِ الدَّائِمَةِ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَالِ,وَالْأَمْنِ وَالْمَسَكَنِ،حَتَّى لَا تَزُولَ بِسَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ.(يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).تُبَيِّنُ لَنَا قِصَّةَ قَومِ عَادٍ أَنَّ كُلَّ مُعْرِضٍ عن الْحَقِّ,يَرَى أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ،وَهَذَا مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ،فَيَرَى صَوَابَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ،وَالْخَطَأَ فِيمَا عَارَضَهُ، يَامُؤمِنُونَ:فِي خَبَرِ عَادٍ قَانُونٌ سَمَاوِيٌّ لَا يَتَغَيَّرُ،فَكُلُّ دَوْلَةٍ سَادَتْ ثُمَّ ظَلَمَتْ وَبَطَشَتْ وَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَمَآلُهَا إِلَى زَوَالٍ،وَأَمْرُهَا إِلَى بَوَارٍ(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَأَبْعَدَ عَنَّا مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ، وَجَمِيعَ سَخَطِهِ.للخلقِ أُرسِلَ رَحْمَةً وَرَحِيمًا *صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا,فاللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى جَمِيعِ الآلِ والأصحَابِ.اللهمَّ لا تَجعل الدُّنيا أَكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنَا،ولا تَجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا،اللهمَّ أَصلِح لَنا دِينَنا الذي هو عِصمَةُ أَمرِنا,وَدُنيانا التي فيها مَعَاشُنا،وَآخِرَتَنا التي إِليها مَعَادُنا،اللَّهُمَّ اعصِمْنَا من الزَّلَلِ,اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَنا,واجمع كَلِمَتَنَا على الحقِّ والهدى, اللَّهُمَّ هيئ للمُسْلِمِينَ قادةً صالحينَ مُصلِحينَ.اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ,وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم.اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. واغفر لنا ولِوالدينا والمسلمينَ أجمعينَ.ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المشاهدات 1188 | التعليقات 2
جزاك الله خير
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق