قطرة من بحر الفاروق رضي الله عنه

هلال الهاجري
1446/06/23 - 2024/12/25 07:42AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أما بعد:

الحَدِيثُ عَنِ الرِّجَالِ العُظَمَاءِ، هُوَ حَدِيثٌ عَن نُجُومِ السَّمَاءِ، فَسِيرَتُهم الحَسَنَةُ زِينَةً فِي تَاريخِ الزَّمَانِ، وَبِهَديِّهم الصَّالحُ يَقتَدِي أَهلُ الخَيرِ والإيمَانِ، وبِأَقوَالِهم الرَّشِيدَةِ يُرجَمُ شَيَاطينُ الإنسِ والجَانِ، فَتَعَالوا مَعَنَا اليَومَ لِنَقِفَ عَلى قَطرَةٍ مِن بَحرِ عَظِيمٍ مِنَ العُظَمَاءِ، وأَنَّى لِخُطبَةٍ أَن تَستَوفيَ سِيرَتَهُ ولو اجتَمعَ البُلغَاءُ.

اسمَعُوا إلى هَذينِ المَوقِفينِ: المَوقِفُ الأَولُ: خَرَجَ صَاحِبُنَا يَومَاً ‌مُتَقَلِّدًا ‌السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تَعْمَدُ يَا فُلانُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا ... والمَوقِفُ الثَّاني: هَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ آخِذٌ بِيَدِ صَاحِبِنَا، فَقالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ‌إِلَّا ‌مِنْ ‌نَفْسِي، فَقالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ)، فَقالَ لَهُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ)، فَهَا أَنتُم عَرَفتُمُوه .. إنَّهُ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

إنَّهُ الفَاروقُ الذي فَرَقَ اللهُ تَعَالى بِهِ بينَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فَكَانَ إسلامُهُ عِزَّاً للإسلامِ والمُسلِمينَ، بِبَركةِ دَعوةِ النَّبيِّ الأَمينِ، حِينَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (‌اللَّهُمَّ ‌أَعِزَّ ‌الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ، يَقُولُ ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (‌مَا ‌زِلْنَا ‌أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ)، وَقَالَ: (مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ).    

فِي سِيرَةِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَتَعلَّمُ النَّاسُ دُرُوسَ الثَّبَاتِ، فَقَد كَانَ أَشدَّ الأُمَّةِ فِي دِينِ اللهِ لا تُؤثِرُ فِيهِ الشَّهوَاتُ والشُّبُهَاتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ ‌وَعَلَيْهِمْ ‌قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ)، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: (الدِّينَ)، حَتى أَنَّ الشَّيطَانَ حَاوَلَ أَن يُعِيدَهُ بَعَدَ إسلامِهِ إلى الكُفرِ والضَّلالِ، وَسَلَّطَ عَليهِ مَا يَستَطِيعُ مِن أَعوانٍ الشَّرِّ وَمَرَدَةِ الرِّجَالِ، وَلَمَّا عَلِمَ حَقِيقَةَ إيمَانِهِ وقُوَّتِهِ وثَبَاتِهِ، فَارَقَهُ فَلَمْ يَلقَهُ فِي طَريقٍ حَتى مَمَاتِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا ‌سَلَكَ ‌فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ).

فِي سِيرَةِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَرى غَيرةَ الرِّجَالِ فِي أَسمَى مَعَانِيهَا، ولَيتَهُ يَرى فِي زَمَانِنَا بَعضَ مَشَاكِلِ الغَيرَةِ التي نُعَانِيهَا، فَهَا هو يَغَارُ حَتَّى عَلى أُمَّهَاتِ المُؤمِنينَ، قَبلَ فَرضِ الحِجَابِ مِن رَبِّ العَالمينَ، فَيَقُولُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ ‌أَمَرْتَ ‌نِسَاءَكَ ‌أَنْ ‌يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ)، وكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ يَعلَمُ غَيرَتَهِ، يَقُولُ أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ إِذْ قالَ: (بَيْنَمَا أَنا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ، فَإِذا امْرَأَةٌ ‌تَتَوَضَّأُ ‌إلى ‌جَانِبِ ‌قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذا القَصْرُ؟ فقالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا)، فَبَكَى عُمَرُ، وَقالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟.

لَقَد استَقَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ العِلمَ مِن مِشكَاةِ النُّبوَّةِ، حَتَى أَصبَحَ كَلامُّهُ لَهُ نُورٌ وهِدَايةٌ وَسَدادٌ وقُوَّةٌ، يَقٌولُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى ‌الرِّيَّ ‌يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ). قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الْعِلْمَ)، فَشَرِبَ فَضلَةَ الأَنبياءِ، وَأَصبَحَ يَنطِقُ كَالحُكَمَاءِ، وَقَد جَاءَ في الحَديثِ: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى ‌جَعَلَ ‌الْحَقَّ ‌عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ).

تَولَّى عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ الخِلافَةَ بَعدَ أَبي بَكرٍ الصِّديقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَكَانَتْ خِلافَةً رَاشِدَةً، رَايَاتُ العَدلِ خَفَّاقَةٌ ومَظَاهرُ الإنصَافِ سَائدةٌ، واسمَعُوا لِهَذا المَوقِفِ لِتَعرِفُوا شَيئاً مِن رَحمَةِ عُمَر، يَقُولُ أَسلَمُ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَاراً، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، إِنِّي لَأَرَى هَا هُنَا رَكْبًا قَصَّرَ بِهِمُ اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ، انْطَلِقْ بِنَا، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ مَعَهَا صِبْيَانٌ صِغَارٌ وَقِدْرٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى نَارٍ وَصِبْيَانُهَا يَتَضَاغَوْنَ، فَقَالَ عُمَرُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، مَا بَالُكُمْ؟، قَالَتْ: قَصَّرَ بِنَا اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ، قَالَ: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةِ يَتَضَاغَوْنَ؟، قَالَتِ: الْجُوعُ، قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْقِدْرِ؟، قَالَتْ: مَا أُسْكِتُهُمْ بِهِ حَتَّى يَنَامُوا، وَاللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيْ رَحِمَكِ اللَّهُ، وَمَا يُدْرِي عُمَرَ بِكُمْ؟، قَالَتْ: يَتَوَلَّى عُمَرُ أَمْرَنَا ثُمَّ يَغْفُلُ عَنَّا.

قَالَ أَسلَمُ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ عُمَرُ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا، فَخَرَجْنَا نُهَرْوِلُ حَتَّى أَتَيْنَا دَارَ الدَّقِيقِ، فَأَخْرَجَ عِدْلًا مِنْ دَقِيقٍ وَكَبَّةً مِنْ شَحْمٍ، فَقَالَ: احْمِلْهُ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا أَحْمِلُهُ عَنْكَ، قَالَ: أَنْتَ تَحْمِلُ عَنِّي وِزْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا أُمَّ لَكَ؟، فَحَمَلْتُهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَيْهَا نُهَرْوِلُ، فَأَلْقَى ذَلِكَ عِنْدَهَا وَأَخْرَجَ مِنَ الدَّقِيقِ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفُخُ تَحْتَ الْقِدْرِ ثُمَّ أَنْزَلَهَا، فَقَالَ : أَبْغِينِي شَيْئًا، فَأَتَتْهُ بِصَحْفَةٍ فَأَفْرَغَهَا فِيهَا ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ لَهَا: أَطْعِمِيهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى شَبِعُوا ، وَتَرَكَ عِنْدَهَا فَضْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَجَعَلَتْ تَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، كُنْتَ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَةً عَنْهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا، وَلَا يُكَلِّمُنِي حَتَّى رَأَيْتُ الصِّبْيَةَ يَصْطَرِعُونَ ثُمَّ نَامُوا وَهَدَأُوا، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، إِنَّ الْجُوعَ أَسْهَرَهُمْ وَأَبْكَاهُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَنْصَرِفَ حَتَّى أَرَى مَا رَأَيْتُ، فَهَذا مِثَالٌ بَسيطٌ مَع امرأةٍ فَقِيرةٍ، فَكِيفَ لَو رَأيتَهُ في شئونِ الأمَّةِ الكَبيرةِ، فَرَضِيَ اللهُ عَن عُمرَ.

بَاركَ اللهُ لي وَلَكم في القُرآنِ العَظيمِ، وَنَفَعني وإياكم بما فِيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحَكيمِ، أَقولُ قَولي هَذا وَأَستغفرُ اللهَ العظيمَ الجَليلَ لي ولَكَم وَلِسَائرِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفِروه إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمدُ للهِ الذي مَنْ اعتصمَ بِهِ وَفَقَّهُ وَهَداهُ، وَمَن لجَأَ إليهِ حَفِظَهُ وَوَقَاهُ، وَمَنْ تَواضعَ لَهُ رَفَعَهُ وَحَمَاهُ، وَأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُهُ، اللهمَّ صَلِّ عَلى عَبدِكَ وَرَسولِكَ مُحمدٍ وَعَلى آلِهِ وَأَصحَابِهِ الذين عَضُّوا عَلى سُنتِهِ بِالنَّواجِذِ وَتَمسَكُّوا بِهُدَاهُ، وَسَلَّمَ تَسليماً كَثيراً، أَمَّا بَعدُ:

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ .. لَم تَكُنْ نِهَايَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَجهُولَةً، بَل هِي شَهَادةٌ فِي سَبيلِ اللهِ مَقبُولَةٌ، وَذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ جَبلَ أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ فَرَجَفَ بِهِم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: (اثبُتْ أُحُدُ فَإنَّما عَليكَ نَبيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهيدَانِ)، ولِذَلِكَ كَانَ مِن دُعَائهِ: (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً في سَبيلِكَ، واجْعَلْ مَوْتي في بَلَدِ رَسولِكَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ).

خَطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: (إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وَإنِّي قَصصتُها على أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَقَالَتْ: إنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاك، قَتَلَك رَجُلٌ مِنَ الْعَجَمِ)، فَمَا هِيَ إلا أَيَامٌ حَتَى قَتَلَهُ أَبو لؤلؤةَ المَجُوسيُّ وَهُوَ يَصلِي الفَجَرَ بِالنَّاسِ فِي مِحرَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ.

وَهُوَ فِي سِياقِ الموتِ نَادى ابنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ، وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ اليَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ السَّلاَمَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلَأُوثِرَنَّ بِهِ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ، قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَاجتَمعَ مَعَ صَاحِبيهِ بَعدَ المَماتِ، كَمَا كَانوا جَميعاً فِي الحَيَاةِ.

اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلى نَبيِّنا مُحمدٍ، وَارضَ اللهمَّ عَن خُلفَائهِ الرَّاشدِينَ أَبي بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثمَانَ، وَعَليٍّ، وَعَنْ سَائرِ الصَّحَابةِ أَجمعينَ، اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ وَالمُسلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَالمُشركينَ، وَدَمِّر أَعداءَ الدِّينِ، وَاجعَلْ هَذا البَلدَ آمِنًا مُطمئنًّا رَخَاءً وَسَائرَ بِلادِ المُسلمينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الإخلاصَ في القَولِ وَالعَملِ، اللهمَّ أَحيِنا مُسلمينَ، وَتَوفَّنا مُسلمينَ، وألحِقنَا بِالصَّالِحينَ غَيرَ خَزايا وَلا مَفتُونينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ الجَنةَ وَمَا قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عَملٍ، وَنَعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وَمَا قرَّبَ إليها مِن قَولٍ أو عَملٍ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ.

المرفقات

1735101737_قطرة من بحر الفاروق رضي الله عنه.docx

1735101747_قطرة من بحر الفاروق رضي الله عنه.pdf

المشاهدات 1211 | التعليقات 0