قطار الموت
أبوزيد السيد عبد السلام رزق الأزهري
قطار الموت
أيها الاحبة في الله : لقد فجعت مصرنا الحبيبة بحادث مؤلم راح ضحيته عشرات الموتى أطلق الصحفيون عليه قطار الموت ، حادث مفجع ومؤلم تحولت فيه الأجساد الناعمة إلى جثث متفحمه ، أذهبت النار بمحاسن الوجوه ، كان الواقفون على محطة الانتظار على موعد مع الموت رأينا شابا في ريعان شبابه التهمته النار وإذا بمن يمر من حوله متجنبا إياه يخاف من لهب النار قد نزع الله تعالى الرحمة من قلبه ، ورأينا أما تحمل الغذاء لأسرتها فعادت لهم جثة متفحمه ورأينا شابا يحمل الماء ويطفئ النار المشتعلة يغيث الملهوفين ممن تعالت صيحاتهم وذهبت محاسنهم ، ورأينا من يلتقط صورا مع القطار المنكوب والموتى يتساقطون من حوله وملك الموت يحصد الأرواح وكأن هذا المشهد لم يحرك الرحمة في قلبه ، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هل شدة الموت دليل على سخط الله تعالى أو دليل على سوء الخاتمة ؟
إن شدة الموت ليست دليلا على غضب الله تعالى
لقد شدد الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم السكرات عند الموت فقد اخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ) وأخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده: عن أبي سعيد الخدري قال: وضع يده على النبي ﷺ فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك) وفي سنن الترمذي بسند صححه الذهبي َوالألباني عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ) وفي صحيح البخاري عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ ) وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ (الخشونة والغلظة في الصوت ) يَقُولُ { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ ) إذا فشدة الموت ليست دليلا على غضب الله تعالى على العبد ، فالذين تفحموا وصاروا رفاتا وفحما محترق في قطار الموت ليست هذه الشدة في موتهم دليلا على غضب الله تعالى عليهم كما أن سهولة الموت ليست دللا على محبة الله لعبده والدليل على ذلك ما أخرجه الترمذي في سننه بسند صححه الألباني عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا أَغْبِطُ أَحَدًا بِهَوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أي ما أحسد أحداً ولا أفرح لأحد بسهولة موت أي لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفى وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات وإلا لكان - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس به فلا أكره شدة الموت لأحد ولا أغبط أحداً يموت من غير شدة ، وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من نار الدنيا
في صحيح مسلم عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَأْنِهِمْ قَالَ « إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ » ونظراً لشناعة الاحتراق كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الموت بها لا لأنه ليس له أجر شهيد بل لشناعتها في الدنيا في سنن النسائي بسند صححه الألباني عَنْ أَبِى الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ وَالتَّرَدِّي وَالْهَدْمِ وَالْغَمِّ وَالْحَرِيقِ وَالْغَرَقِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِراً وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغاً »
نسبة نار الدنيا إلى نار الآخرة
أما نسبة نار الدنيا إلى نار الآخرة، ونار الآخرة إلى نار الدنيا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن نار جهنم ليست كنار الدنيا، بل سمى الله نار الآخرة النار الكبرى، فقال عز وجل: الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [الأعلى: 12] قال الحسن: "الكبرى نار الآخرة، والصغرى نار الدنيا"[الجامع لأحكام القرآن: 20/21]. وقال تعالى( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: 81] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا [مسلم:7344]. وفي مسند أحمد وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَمْرٌو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ ) [صحيح الترغيب والترهيب: 3666] فهذه نار الدنيا نار مخففة، ضربت بالبحر مرتين، ولولا ذاك ما انتفع بها أحد.
أما نار الأخرة فمن أوصافها أنها تأتي أهلها بغتة، فتبهتهم وترعبهم وتفزعهم، كما قال تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ [الأنبياء: 39 - 40] إن أردت أن تعلم شدتها فتأمل في ما أخرجه البزار بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ، ثُمَّ تَنَفَّسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ لأَحْرَقَ الْمَسْجِدَ بِمَنْ فِيهِ ) (السلسلة الصحيحة 2509 ) ، وقال ابن الجوزيِّ رحمه الله في وصفِ نار الأخرة: "دارٌ قَدْ خُصَّ أهلُها بالبِعادِ، وحرمُوا لذةَ المني والإِسْعاد، بُدِّلَتْ وضاءةُ وجوهِهِم بالسَّواد، وضُرِبُوا بمقَامِعَ أقْوى من الأطواد، عليها ملائكةٌ غِلاظٌ شداد، لو رأيتَهم في الحميمِ يسرحون، وعلى الزمهرير يُطْرَحون، فحزنُهم دائمٌ فما يفْرَحون، مُقَامهُم محتومٌ فما يبْرَحون، أبَدَ الآباد، عليها ملائِكةٌ غلاظ شداد، يبكُون على تضييع أوقات الشباب، وكلَّما جَادَ البكاءُ زاد، عليها ملائكة غلاظٌ شِداد، يا حسرتهم لِغَضَبِ الخالق، يا محنَتهُمْ لِعظَمِ البَوَائِق، يا فضيحتَهم بين الخلائق، على رؤوس الأشْهاد، أينَ كسْبُهُم للْحُطام، أينَ سعيُهم في الآثام، كأنَّه كان أضغَاثَ أحْلام، ثم أُحْرِقَتْ تلك الأجسام، وكلما أحْرِقَتْ تُعَاد، عليها ملائكةٌ غلاظٌ شِداد".
فيها غلاظٌ شدادٌ من ملائكةٍ *** قلوُبهم شِدةٌ أقسى من الحجرِ
لهم مقامعُ للتعذيبِ مُرصدةٌ *** وكُلُ كَسرِ لديهم غَيرُ منجبرِ
من مات حرقا فهو شهيد من شهداء الأخرة
لما أخرجه أحمد والنسائي وابو داود بسند صححه الألباني في صحيح أبي داود عن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟ قَالُوا : الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ (المصاب بمرض الطاعون )، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ (وهو ورم يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، أورام في الجانب يموت بسببها الإنسان، ونرجو إن شاء الله أن يكون كل مسلم مات بالسرطان أن يكون من شهداء الآخرة ) ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ (من مات بداءٍ في بطنه (وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره)، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ (أي الذي مات بحريق النار )، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ (الذي انهدم عليه البناء )، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ) وذات الجُمع: المرأة التي تموت أثناء الولادة. تموت في ولادتها يجرها ولدها بسرره إلى الجنة، والسرة ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة، هذا هو السرر، الحبل السري، يجرها به ولدها إلى الجنة .
الموت بالحرق والإعجاز العلمي للقرآن الكريم
إن من رحمة الله تعالى بمن مات في الحريق أن شعوره بالألم ينتهى عند حرق الجلد لأن مراكز الألم والإحساس تتركز في الجلد وحده دون بقية الجسم، وهذا ما كشفت عنه الدراسات التشريحية الحديثة ، فإذا ما تجاوزت النار الجلد ووصلت اللحم والعظام فلا يشعر بالألم ، وجاء العلم الحديث ليؤكد هذه الحقيقة ويثبت إعجازاً علميا جديداً قال الله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56] كشف علم التشريح أن كل أعصاب الإحساس موجودة تحت الجلد مباشرة فلو احترق الجلد ووصل الكيّ إلى اللحم لما كان هناك شعور بالألم، لأن الأعصاب التي تشعر بالألم موجودة تحت الجلد فقط، فتجعل الإنسان يشعر بالألم وتنقله إلى مراكز الجملة العصبية المركزية (النخاع الشوكي، المُخَيخ ) وكان قديماً يعتقد أن الإحساس من صفات الجسد بكل أجزائه، لكن علم التشريح الحديث جاء بحقيقة جديدة وهي: أن مراكز الإحساس بالألم وغيره من أنماط الإحساس إنما تتركز في طبقات الجلد الخارجية بشكل أساسي دون بقية الجسد ، والألم يحصل لأن على سطح الجلد الفسيح يوجد ما يدعى بنقاط الحس وهي التي يبدأ منها صدور الشعور وتوافق نهاية الليفات العصبية. وينتقل الحس من تلك النقاط إلى الليفات فالألياف حتى مراكز الجملة العصبية المركزية حيث يكون إدراكها واستبيان دلائلها، فالجلد وحده مصدر الألم والإحساس ، لذلك فحينما يحترق جلد الكافر في النار يتوقف الألم لذا فالله تعالى يقول (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) يجدد لهم الجلود ليتجدد لهم العذاب .
كيف يُغسَّلُ ويُصَلَّى على من مات حريقًا؟
قال الإمام ابن قدامة في كتاب المُغنِي: (فَأَمَّا الشَّهِيدُ بِغَيْرِ قَتْلٍ، كَالمبْطُونِ، وَالمطْعُونِ، وَالْغَرِقِ، وَصَاحِبِ الهَدْمِ، وَالنُّفَسَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ) ، والذي مات بحريق النار إذا لم يمكن تغسيله فإنه يُصَبُّ الماءُ عليه، فإذا خيف تمزُّقُ جسدِه فإنه يُيَمَّمُ -إن أمكن-، ويكفَّن ويُصلَّى عليه. قال الإمام ابن قدامة في كتاب المغني : (وَالمجْدُورُ، وَالمحْتَرِقُ، وَالغَرِيقُ، إذَا أَمْكَنَ غُسْلُهُ غُسِّلَ، وَإِنْ خِيفَ تَقَطُّعُهُ بِالْغُسْلِ صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ صَبًّا، وَلَمْ يُمَسَّ، فَإِنْ خِيفَ تَقَطُّعُهُ بِالماءِ لَمْ يُغَسَّلْ، وَيُيَمَّمُ إنْ أَمْكَنَ، كَالحَيِّ الَّذِي يُؤْذِيه الماءُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُ الميِّتِ لِعَدَمِ الماءِ يُيَمَّمُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، غُسِّلَ مَا أَمْكَنَ غُسْلُهُ، وَيُيَمَّمُ الْبَاقِي، كَالْحَيِّ سَوَاءً) .
ونضرعُ إلى الله تعالى بقلوبٍ مخلصةٍ أن يتغمَّدَ شهداءَنا بواسعِ رحمته
يا رب فارفعهم لأعلى منزلٍ في جنةٍ من تحتها الأنهارُ
أكوابها موضوعة و قبابها مرفـوعـة حفت بها الأنـوارُ
وصحافها من فضةٍ ولباسها من سندسٍ وطعامها أطيارُ ،
كما نسأل الله تعالى أن يشفيَ مصابينا منهم، وأن يُلهِمنا وأهلَهم الصبر والسلوان، وأن يحفظ مصرَ وأهلها من كلِّ سوء. هذا وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم .