{ قصــة نبـيُّ اللِه سليمـــــان والهــدهـد } [ 2 ]

أحمد عبدالله صالح
1440/04/20 - 2018/12/27 17:08PM

خـطبــــة جمعــــــة بعنـــــــــــوان
{ قصــة نبـيُّ اللِه سليمـــــان والهــدهـد } [ 2 ]

إعـــــــداد وتنظيــــم وإلقـــاء :
الاستـــاذ/ احمــــد عبـداللَّـه صــالح
خــطيب مسجــــد بـــلال بـن ربــاح/
الجمـــهوريـه اليمنيـــه - محــافظـة إب .
ألقيت في 1 ابريل 2016 م
الموافق 23 جماد الاخر 1437 هـ

أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايهـــا الأحبــــاب الكــــــرام روّاد مـسجد بـــلال :
ويستمرُ الحديث عن النَّبِيَّ الآواب ..!
والعبدَ الشكور ..!! والملكَ العـــادل ..!!
الذي آتاهُ اللهُ من الملكِ مالم يؤتهِ احداًً من العالمين.

حيثُ وقد كّنا في الجمعةِ الماضيه في القصرِ السليماني ووقفنا فيه مع قصةِ نبيِّ اللهِ سليمان مع النملة وجنينا من هذه القصة الكثيرَ من الدروسِ والعظاتِ والعبر ..

واليوم نجددُ حديثنا وفي نفسِ القصرِ السليماني ومع قصةٍ جديدةٍ له علية السلام ومع مخلوقٍ اخر نجني من هذه القصه الإشارات الجديده والدلالاتَ المتجددة..!
ونرسلُ كماعودناكم الرسائلَ والبرقياتَ العاجله ..

فهاهو نبيُّ الَّلهِِ سُليمانَ عليه السلام يخرجُ ليتفقدَ الجيش فأخذَ ينظرُ يمنةً ويسرةً في الحاضرين أخذَ ينظرُ في الموجودين ..!
فأمعنّ نظرُةُ في فيلقِ الطيور ..!
فاكتشفَ غيابَ موظفٍ من موظفيه وجنديٍ من جنوده ...
ونظرَ للفراغِ الذي كان يملؤه ذلكمُ الجندي
فتعجبَ واستنكرَ عدم وجوده في موقعه
فقال الله على لسانه : ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ .. ..
ماذا يُغني طيراً في هذا الجمعَ العظيم ؟
وماذا يُجدي أو يَضير إذا هو حضرَ أو تخلف؟
لكنّه الانضباطُ التام، والملاحظةُ العجيبة عند سُليمانَ الملك ..!
إنّها مسؤوليةَ الراعي الجسيمة ، ومهمتهُ العظيمة في تفقدِ الرعية ، وأيّاً كانت هذه الرعية ، صغيرةٌ أو كبيرة حتى لو كان مخلوقاً ضعيفاً كالطير :
(كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته )

انّها مهمةَ المسئولَ الناجح ، والحاكمَ الامين
تُجاة رعيته أنْ يتفقدهم ، انْ ينظرَ إليهم ،
انْ ينظرَ الى حالهم ، انْ ينظرَ الى مشاكلهم ، ان يرى في احتياجاتهم ، ان يعرف ماذا يريدون وماذا يُعانون .!!
إنّها مهمةَ أولياءَ الأمورِ من الآباء والأمهات .!
تجاة أبنائهم وفلذات اكبادهم ..!
انّها مهمةَ كلُ مسئول وكلُ مدير :
مدير مكتب ، مدير مؤسسه ، مدير مصلحة ،
مدير مدرسه تُجاة موظفيه وتجاة عمّاله الذين يعملون بين يديه ويأتمرون بأمره ...!

انْ يكونَ حازماً ، انْ يتابعَ أعمالهم .!
انْ يُقيّمَ مسؤلياتهم ، أنْ يصححَ أخطائهم .!
انْ يكافأَ الناجح والكفؤ والمخلص والمتفاني والمبدع والنزيه والمثالي والعملي ومن يقوم بمهامه ومن يقومُ بمسؤولياته على اكملِ وجه..!

ويُنذر ويُعاقبْ ..! ويؤنبْ ويؤدبْ .!
المهمل والمقصر ..! المتكاسل والمضيّع ..!
المتغيب والمتلاعب ..!
المتساهل والمتقاعس عن اداءِ واجبه .!
والمتهاون عن القيامِ بمهامه الوظيفية ..

ولهذا
( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ..... فماذا قال بعد التفقد ؟؟
(فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*)
وهكذا كُلُّ من تولى مسؤليه او امانه ان يتفقدَ
ويقول ماليَ لا ارى الموظفَ الفلاني في مكتبه!!
ماليَ لا ارى فلان بن فلان في عمله .؟
اينّ فلان بن فلان تأخرَ عن دوامه ..؟
اينّ فلان بن فلان تغيبَ اليومَ عن وظيفته ؟
اينّ المحاسب ؟؟ اين موظف مكتب كذا ؟
وايّن القاضي فلان ؟ وايّن المهندس فلان ؟
وكذلك الآباء والأمهات يقولون :
مالنا لا نرى ابننا في المسجد ؟
مالنا لا نرى ولدنا في حلقاتِ القرآن ؟حلقات العلم
مالنا لا نرى ابننا مع الصالحين مع الطيبين
مع المؤمنين مع الصادقين مع الخيّرين ؟؟

( مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ*)
(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ).
المتساهلُ عن اداءِ واجبه يعاقب ويحاسب.!
المقصرُ في اداءِ مهامه يُسائل جزاء تقصيره!
المهملُ في عمله يعاقب جزاء إهماله !
( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ )
وهذا هو الكمالُ في الإنصافِ والعدل ...!
إنْ جاءَ الهدهدُ بحجةٍ قُبِلَتْ ، فإنّ لصاحبِ الحقِ مقالاً، ولصاحبِ الحجةِ سلطاناً ، وإنّ الحكمَ على الغيرِ قبل سماعِ عذرهِ وتبيُن أمره، طيشٌ وظلم .

نعم ( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ )
ترفعُ العقوبه ويرفع العقاب عمّن يأتي بحجةٍ واضحه وبرهان بيّن وظاهر يوضح ويبيّن فيه سببَ تخلفه وسبب تأخره وسبب تقصيره او سبب غيابه..
( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ )
وايّنْ كانَ الهدهدُ يا كرام؟؟
لقد خرجَ من فلسطين واتجه جنوباً وجعلَ يطيرُ ويطيرُ جنوباً حتى تعدى الأردنَ وتعدى جزيرةَ العرب وجعلَ يطيرُ ويطيرُ حتى وصلَ إلى اليمن فرأى أنهاراً وجبالاً وقصوراً وودياناً وعجائب َ
ولم يلبثْ طويلاً لأنه كان في مهمةٍ لدينِ الله!

وعندها أتى ليقفَ بين يديّ نبيِّ اللهِ سليمان وعلى مسافةٍ بعيدةٍ منه واخذَ يخاطبُهُ بلا احساسٍ بالذلِ او الخنوعِ اوالخوفِ لانه ليسَ مذنباً حتى يخاف !!
ولم يكنْ في نزهةٍ خارجَ عمله ليحُسَ بالهلعِ والرعبِ والقلق .!
وليس كما يفعلُ ذلك ملوكَ الدنيا ويريدونَ ان يرون علامات الرعبِ والهلع وارتعاشُ الأطرافِ لمن يقفون أمامهم ...

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ... فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ )
اي عندي معلومة ليست عندك ؟.
عندي من العلمِ ما ليس عندك ؟
فهلْ غضبَ سُليمانَ لهذا الكلام ؟
كلا، فقد كانَ سُليمانُ على عظيمِ علمهِ يعلمُ أنّه ما أوتيَ من العلمِ إلاّ قليلا .
نعم يانبي الله : (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ )
مع انّ الجنّ والانسَ والطيرَ والحيوانَ بين يديك ورغمَ إمكاناتكَ والقوى المسخرةَ لخدمتك؟؟
إلاّ انني جئتكّ بخبرٍ صادقٍ لم تعرفه !؟
ولم تطلعْ عليه.!!
ما قال جئتكَ بكلامٍ انا غير متأكد منه ..!
او أنا ما أدري يا نبي الله رأيتهم ينحنونَ بظهورهم !
او لا أدري هل قصدهم عبادةُ الشمسِ أو يتمرنون او لا أدري هل هي الملكةُ عليهم أو بنتُ الملك !

إنما قال ﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.
جئتكَ بخبرٍ ليس بإشاعةٍ ولايحتملُ التأليفَ
أو الظنّ أو التخمينَ أو الافتراض ..!
انّما خبري قائمٌ على التبيُّن واليقين والتحققَ العلمي الموثق؟
جئتكَ بخبرٍ من اليمنِ وتحديداً من قبيلةِ سبأ ..!
فماهو هذا الخبرُ الذي جاءَ به الهدهد ؟؟
وما خبرُ هؤلاءِ الناس ؟؟ وما خبرُ هؤلاءِ القوم ؟
وما خبرُ هذه القبيله ؟ وما حكايةُ هؤلاء البشر ؟
وحينها توجهَ الهدهدُ لإلقاءِ محاضرةٍ في التوحيدِ والعقيدةِ كلماتها أحلى من الشهدِ المصفى .!
ألقاها الهدهدُ بحرقةٍ ولوعةٍ وألم ، على أمةٍ أنكرت ربها ، وجحدتْ نعمةَ خالقها ومولاها فقال :
( إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ..
سرعةٌ في الجواب ، سرعةٌ في الرد .!
سرعةٌ في المدافعة ، سرعةٌ في سردِ الحججِ وتقديمِ الدلائلِ والبراهين ..!
يقول اهل العلم :
ماقال الهدهد هذا الكلام إلاّ بعد ان صدّع قلبه بالإيمان ..واستحق ان يُذكر في القرآن لانه اتصف بثلاث صفات :
( الوحدانية - الداعيه - صاحبُ حجه )
وفي هذا درسٌ يلُقيه الهدهد علينا ويلقيه بالذات على كل من يعرف ببرأته ونقاءِ سريرته ان يسارع بالحجةِ والبرهان لدفعِ كلِ شبةٍ عنه ...
ان يبادرَ بتوضيحِ طهارته !! وبيانِ نزاهته..!
ان يسارعَ بإزالةِ كلَ القذارات والشُبه التى ألصقها عليه الحاقدون ..!

ولذلكم /
يانبيَّ الله ( إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ..
( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) ..
لها خيّاله .! لها رجّاله .! لها طوابير .! لها جنود .!
لها حشمْ .! لها خدم .! لها مشائخ.! لها أعيان.!
لها حرس .! لها وزراء .! لها جيش.! لها اسلحه.!
لها ديوان خاص .! لها برلمان شورى ..!
كل مايحتاجةُ الملكُ موجودٌ عندها :
( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ... ( وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )
سريرٌ تجلسُ عليه مكللٌ باللؤلؤِ والزبرجدِ والياقوت
ومرصعٌ بالذهبِ واللالماسِ والجوهر .!

دقةٌ فيما رأى ، دقةٌ في الوصف ، دقةٌ في الطرح
دقةٌ في الملاحظه - دقةٌ في رسمِ الصورةِ كماهي دونَ زيادةٍ او نقصان ..
سردَ كلَ شيءٍ وطرحَ كل شيء و بشكلٍ موجزٍ ومختصر، دونَ ان ينسى شيء اويغفلْ عن شيء او يتركَ شيئا.!

وفي هذا درسٌ لمن يَرفعُ أمراً او يُدلي بشهادة
بأن لآياتي بخبرٍ دون اخر !!!
او يأتي بالتافهِ ويغفلُ عن الأساس .!
اويُقدمُ الهيّنَ وينسى الأهم .!
اويذكرُ الجزء وينسى الكل .!
انّما لابد من وضعِ الامر كماهو بتفاصيله وبفروعه واجزاءه .....
قدّم أصلَ الامر كماقدّم الهدهد أصل القضيه فقال :
( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ .)
غيرةٌ شديدةٌ على دينِ الله !!
حرقةٌ كبيرةٌ على هؤلاءِ البشرِ الذين ميّزهم اللهُ بالعقلِ فسجدوا لغيره !

ماقال : وجدتهم يتحدثون! ولا وجدتهم يجتمعون!
ولا وجدتهم يغنونَ او يرقصون .!
ولا وجدتهم يلهوونَ اويلعبونَ اويمرحون.!
ولا وجدتهم يأكلونَ او يشربون .!
انّما قدّمَأصل القضيةِ ورأسُ الامرِ وزبدةُ الموضوع:
( وهي وحدانيةُ اللهِ وعبوديته )
اتى بما خُلقَ الإنسانُ لأجله وهي عبادةُ الله سبحانه فقال :
( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ)
الله اللهَ في هذا الداعيةُ الغيور..!
الله اللّهَ يا من ادخلتَ أمةً في دينِ الاسلام.!
الله اللّهَ على هذهِ الغيرةُ وعلى هذه الحرقه.!
( يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )
أين نحنُ من هذةِ الهمةَ العالية، والنفسَ الطموحة التي أقبلت من اليمنِ إلى الشامِ ترفعُ الشكوى من الشركِ والوثنية، وتنادي بالإيمانِ والوحدانية !

اينّ أنتَ من هذا الطائرِ يا من نسيتَ اوامرَ الله !
اينّ أنتَ يا من خُلقتَ لاجلِ الله ودينه وعبادته !
يامن ترى المنكرات تنتشرُ في الارضِ فتتفرج
ولا تتكلم او تتحدث !
يامن ترى الفواحشَ فلا تأمر بالمعروفِ ولاتنه عن المنكر !
يامن تشاهدُ المخالفات الشرعية بين ظهرانيك، ومع هذا لا تُنكر ولا تغضب .!

بالله عليك حدثني عن طائرٍ يغارُ ولا تغار !!
عن طائرٍ يحملُ همّ دينِ اللهِ ولاتحملُ هذا الهم .!.

يانبي الله أتدري من هو سببُ كلَّ هذا ؟؟
أتدري من هو الذي اوصلهم الى عبادةِ غير الله
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ )
إنّه الشَّيْطَانُ الذي أملى لهم ذلك ..!
انّه الشَّيْطَانُ الذي زيّنَ لهم ذلك ..!
انه الشَّيْطَانُ الذي سولَ لهم ذلك ..!
وهو السبب لكلِ مايحدثُ اليومَ في تزيينه لكثيرٍ من الناسِ سوءِ أعمالهم ..
وهو الذي يُزيّنُ اليومَ للزاني ان يزني..!
والسارقُ ان يسرقْ والقاتلْ ان يقتل ...!
عداوته مع بني آدم بعيدةُ الجذور ..!
ولمّا التقى نبي اللهُ زكريا عليه السلام بالشيطان قال له نبي الله زكريا اخبرني عن أصناف بني ادم عندك فقال له :
هم على ثلاثه أَصَْنافِ :
أمّا الصنفُ الاول فهم مثلك معصومون ..
واما الصنف الثاني فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم ..!
ريموت كنترول !!
يُوجّهون للفاحشةِ فيتوجهوا ..!
يُوجّهون للحرامِ فلا يتراجعوا .!!
يُوجّهون للمحرماتِ والموبقات فلا يترددوا .!
اسرقوا فيسرقوا ! اجرموا فيجرموا !
اشربوا فيشربوا ! اعملوا فيعملوا !
قال : امّا الصنف الثالث فهم أشدُ الأصناف علينا وهم الذين ما إن نتمكن منهم حتى يفزعوا الى التوبه والاستغفار فيفسدوا علينا كل شيء
( والذين اذا فعلوا فاحشةً او ظلموا .....)
ولذلكم يقول الهدهد :
( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ .... )

وبعدَ انْ تكلمَ عن السجودِ سابقاً فقال :
( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
هاهو يُكررُ السجودَ مرةً اخرى فيقول :
( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..) ماقال :
الاّ يسجدوا للهِ الذي رفعَ السماء !!
ولا قال الاّ يسجدوا للهِ الذي بسطَ الارض !!
انّما ( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ )
جاءَ بشيءٍ يتعلقُ بحياته فهو يخبيءُ بيضه ويخبيءُ رزقه..!
وكأنّه أرادَ ان يقول :
كانَ الأولى بهم ان يسجدوا للواحدِ الاحد ..!
كانَ الاولى بهم ان يتوجهوا له وحده سبحانه .!

ثم اختتمَ حديثه واختتمَ تقريره بقوله :
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
في البدايةِ ذكرَ عرشَ بلقيس فقال :
( وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ )
وهنا يُكررُ ذكر العرش لكنّة عرشُ الله وذلك لهدفٍ اسمى وغايةٌ عظمى :
وهى حتى لايغتر الانسان بعرش بلقيس فقال :
( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
قال المفسرون :
أصدقُ كلمةٍ قالها الهدهد هي ( لا اله الا الله )
لقد حفظَ الهدهدُ الكلمةَ الخالده التى لأجلها ارسلَ اللهُ الرسل ولأجلها خلقَ الخلق ولأجلها
ارسلَ الكتب ولأجلها مدّ الصراط ..!
هي كلمةُ الإخلاصِ وشهادةُ الحقِّ ودعوةُ الحق
هي أصدقُ العبارات ، وأجملُ الكلمات
وافضلُ الحديث ، وافضلُ الحسنات .!

فإذا جارَ عليك الناسُ فقل : لا اله الا الله..!
واذا رأيتَ السماءَ مرفوعةً بلا عمد فقل :
لا اله الا الله ..
واذا رأيتَ البحرَ يتلاعبُ بالأمواجِ الهائجة فقل :
لا اله الا الله ..
واذا رأيتَ الجبالَ هائمةً في الخيالِ فقل :
لا اله الا الله ..
واذا اشتدّ الخطبُ وعظُمَ الكربُ فقل :
لا اله الا الله ..
احبتــــي الكــــرام :
انتهى الهدهدُ من تقديمِ تقريره الكامل الذي لم يحملْ ايَّ غموضٍ او تكهنٍ او إلتباسٍ او قصورٍ في ايِّ جزءٍ من أجزاءه !
وفي هذا درسٌ هدهديٌ لكلِ الذين لايُجيدونَ صياغةَ التقارير ..
درسٌ لهم ان يتعلموا من هذا الهدهد كيف يُجيدونَ فنّ الإلقاءِ والعرض ..!
درسٌ لهم ان يتعلموا من تقريرِ الهدهد الذي. جاء تقريره بأجزاءٍ متماسكة ، متكاملة ، موجزة ، كافية، وكلماته واضحة، ومعبرة ..!
وبعيدةٌ عن الغموضِ، أوالتخمين، أو الإيجازِ المخلّ، أو التطويلِ المملّ…
ابتدأ تقريرُهُ بمقدمةٍ مشوقةٍ ومعبرةٍ ...!
والتشويق الكامل يأتي من قوله :
﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾
فهي تُثيرُ في المستمعِ كلَ قوى الاستعدادِ والتحدي لسماعِ ماسوف يأتي بعد ذلك ما هذا الشيءُ الذي يعرفه الهدهد وأحاطَ به ولا يعرفه سليمان؟!!!

ثم اتبعَ التشويقَ بإعطاءِ المستمع أو القارئ فكرةً عن طبيعةِ الموضوع، وذلك حينما قال :
﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾
فالموضوعُ يتعلق بسبأ، وما هي سبأ؟
وعلى السامعِ أن ينتظرَ بلهفةٍ وشوقٍ للاستماعِ والتعرف ..!

ثمّ انتقلَ بإعطاءِ صورةٍ كاملة، وشاملة، وصافية، وغيرَ منقوصة، بما رأى فيما يتعلقُ بقومِ سبأ هؤلاء، فحدد :-
نظام الحكم - والقدرةَ الاقتصادية - والنظامَ الاجتماعي ووضعَ المرأةِ فيه - والنظامَ الحضاري والصناعي ومدى تقدمه - والعقيدةِ الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم ..

- فقال عن نظامِ الحكم ووضعِ المرأةِ الإجتماعي :
﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن القدرةِ الاقتصاديه :
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن الوضعِ الحضاري والصناعي والمهاري
﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾(النمل: من الآية 23)

- وقال عن الوضعِ الديني والعقدي المتمثلِ بعبادةِ الشمس :
﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَايَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: من الآية 24)

- وقال عن مدى رسوخِ هذة العقيدة الراسخة في نفوسهم :
﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ (النمل: من الآية

وفي نهايةِ تقريرة لم يقفْ الهدهد عند مجردِ النقلِ والسرد؛ انّما ختمَ التقريرَ بجملةٍ من التوصيات
ووضعَ خطةً محكمةً ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا
لتغييرِ هؤلاءِ وتحويلهم عن هذة العقيده فقال :
﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).
تقرير شامل ، وافي ، كافي ، وملخص ، وموجز ومستوى راقيٍ من جنديٍ مبادر لم يكتفِ بمجردِ تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلقِ فهمِهِ وإيمانه برسالته التى يعملُ تحت لوائها ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى في إتقانِ دوره بما ينعكسُ بأعلى درجاتِ الكفاءةِ والفعاليةِ على تحقيقِ وإنجازِ هذه الرسالة.
اقـــــــول مـا سمـعتـــم واستغفـــروا اللـَّه لـي ولــكم مـن ذنـب فيـــا فــــوز المستغفـــريـــن
ويــا نجــــــاة التـــــائبــــــين ..

الخطبــــــــــــــــــــــــــــه الثانيــــه :
أمــا بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايهـــا الأحبــــــاب الكرام :
استمعنا سوياً في الخطبةِ الاولى الى التقريرِ الكامل الذي قدمة الهدهدَ لنبيِّ الله سُليمانَ عليه السلام والذي أوضحَ من خلالهِ الأسبابَ التى جعلته يتغيبْ عن مجلسهِ واجتماعه ..!

كلُ هذهِ الرحلة الطويلة اختصرها الهدهدُ بتقريرٍ وفي ثلاثة أسطر..!
لم يفصل ؟ ولم يُطيل ؟
ولم يقل لسليمانَ ألوان الغرف !
وعددُ الحرسِ والوزاراء ؟
وعددُ الناسِ الذين شاهدهم؟
وعددُ الأنهار؟ وعددُ القصور؟
لأن الهدهد يعلمُ أنّه يتكلمُ مع إنسانٍ مشغول ليس عنده وقتٌ للتفصيلات فأعطى سليمان الزبدة فقط.

لكن هذا التقرير وكلَّ ما قاله الهدهدُ لا يزالُ بالنسبةِ إلى سليمان مجرّدَ افتراض قد يحتملُ الصوابَ أو الخطأ، ومن ثمّ لا يجِبُ أن يُبني عليه حكمًا أو قرارًا إلا بعدَ تحويله إلى حقيقة ..!

وهذا يحتاجُ إلى تبيُن وتأكد ودراسة واختبار لصحةِ الافتراضِ من عدمه.
والبعد عن العواطفِ والانفعالاتِ والنواحي الشخصية ..
وهذا بالضبطِ ما فعله سليمان عليه السلام مع الهدهد؛ حيث قال :
﴿سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ﴾
أي : سوف نتأكدْ ونتبينْ مدى صحةَ ما تدّعيه، وحينئذٍ يتمُ اتخاذَ القرارَ المناسب .والقرارَ الإستراتيجي المهم تُجاةَ هولاءِ لتحويلهم.

إنّهُ كلامُ الحكمةِ والعدل ..!
إنّهُ الردُ الرصينُ بلا طيشْ ولاتهورْ ولا اندفاعْ
ولا حِده ولا ظلمْ أو استبداد او عنجهيه..!
{ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }النمل27.
ما قال له صدقت ولا قال له كذبت لانّهُ كانَ عليه السلام يملكُ حكمةً ومقدرةً فائقةً على اسنتاجِ الحكمِ الصحيح في القضايا المعروضةِ عليه .!

وفي هذا درسٌ مهم ورائع نستلهمه من هذا الموقفَ السليماني وهو درسٌ في التأني والتمهل والتروي .
درسٌ في عدم ِِ التسرعِ والعجلةِ في إصدارِ الأحكامِ جزافاً وظلماً وبهتاناً وزوراً .!

وما اجملَ وما اروعَ يومَ يأتيكَ خبرٌ مفاجيء
او معلومةٌ غريبه ويُطلبُ منك موقف منها فتعلنها سليمانيه وتقول :
سأنظرُ في الامر !! سأنظرُ في القضيه !!
سأتحققُ من الموضوع !! سأتأكدُ من الخبر !!
سأتحرى ، سأتبين ، سأتثبت ، سأرى ..!!

بعضُ الناسِ للاسفِ الشديد اول مايسمعُ خبراً
مباشرةً وفي سرعةٍ عاجله يخرجُ للتحدث ..!
يخرجُ للنشر ... ومن قال لك :
قال التلفاز ، قال الاخبار ، قال الصحف..
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( كفى بالمرءِ كذباً أنْ يُحدثَ بكلِ ماسمع )
لاينبغي على المسلمِ الحقيقي والورع انْ يصدقَ كلَ مايُقالُ له ..
وفي سورةِ التوبه .. عندما طُعنَ بالرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا انّه يسمعُ كلَ شيءٍ ويُصدقُ
( يسمعُ الخبرَ الكاذب ويصدقه ويسمعُ الخبرَ الصادقَ ويصدقه واذا جئناه صدقنا فانزل الله :
( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) 61التوبه.
بل إنّ الرسول عليه الصلاة والسلام لمّا أرادَ أنْ يُبّين لابو ذر الشهادةَ قال له :
أترى الشمس ؟ قال : بلى ..
فقال: يا ابا ذر على مثلِ هذا فاشهدْ او دعْ )
اي : اشهد على شيءٍ تراه بعينك كما ترى هذه الشمس ..
وقال عليه الصلاة والسلام
( نظّرَ اللُه سمعَ امريءٍ سمعَ مقالةً فقالها كماسمعها )..
والله جل وعلا يقول في محكمِ آياته :
( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) 36الاسراء
ولذلكــــم
إنّ من يُصدقُ الاخبارَ وينشرها ولا يتأكدْ منها يخسرُ ثقةَ الناسِ به ، يخسرُ اقربَ المقربين منه
يخسرُ كلَ من يثقونَ به ..
فالنجاةُ لا تكونُ إلاّ بالصدقِ والتحرى من الاخبارِ والتأكدِ منها والله يقول :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) 6 الحجرات
احبتــــي الكــــرام روّاد مسـجد بـلال بن ربـاح :
كنتُ وإياكم في هذة الدقائق المعدودة بصحبةِ نبيِّ اللهِ سليمان علية السلام وقصته مع الهدهد ..!
قطفنا من هذة القصة الشيقه بعضاً من الدروس والعبر والإلماحاتِ المهمه التى نحتاجها في حياتنا!

واذا كانَ في العمرِ بقيةٌ ان شاء الله ..!
فإنّ الحديث سيستمر معكم وفي نفسِ القصر السليماني ومع حدثٍ اخر شيق وكله عظاتٌ وعبر.!

وحتى ذلكم الحين أسألُ اللّهَ جل وعلا ان يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل وان يكتب لنا القبول والتوفيق وان لا يتوفانا إلا وهو راضٍ عنا ..
مقبلين غير مدبرين ، محسنين لا مسيئين ..

اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً ، مرداً غير فاضحٍ ولا مخزيٍ يا ارحم الراحمين ..

اللهم اعصمنا من الزيغ والضلاله ، ومن الغوايه بعد الهدايه ومن الفساد بعد الصلاح.

اللهم اجعلنا هداهً مهديين غير ضالين ولا مضلين
سلماً لاوليائك حرباً على أعدائك ، نحب بحبك من احبك ونعادي بعداوتك من عاداك يا رب العالمين.

ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.
------------------------------------
اللهــــم اجعلـــها صــــدقةً جـــاريــةً لــــــي ولــوالدتي المرحــــــومه..
وأنفــــع بها عبــــادك المسلمــين اجمعـــين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
--------------------------------
والحَمْـــــــدُ للّــه رَبِّ العَـــــــالَمِــين

المشاهدات 1168 | التعليقات 0