قصص وعبر قصة الصحابي جليبيب رضي الله عنه

يحيى جبران جباري
1440/11/08 - 2019/07/11 17:13PM

  الحمد لله ، جعل في قصص الأوائل عبرة ، أحمده سبحانه وأزيد شكره ، وأطلب عونه ، وأساله هديه ، وأرجو عفوه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا شيء قبله ولا شيء بعده ، وأشهد أن محمدا رسوله وعبده ، حمل الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة ، فصل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن التزم سنته ونهجه .

ثم أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي المقصرة بتقوى الله ، والخوف منه والإخلاص في القول والعمل له قبل لقياه ، وعدم التعلق بملذات وشهوات هذه الحياة ، فالدنيا فانية ، وطول العمر فيها كالدقيقة ، وقليله كالثانية ، فاتقوا ربكم واقصدوا جنانه العالية (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا 70 يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما 71  (الأحزاب)

  ايها المسلمون : يقول ربكم  ، مادحا رسوله وصحابة نبيكم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) (الفتح)  وقال سبحانه (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) (الأحزاب) وجاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدَكم لو أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما أدرك مدَّ أحدِهم ولا نصيفهُ )  ومن ثناء النبي صلَّ الله عليه وسلم عليهم ، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلَّ الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلَّ الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلَّ الله عليه وسلم، وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ــ ولم يصعده بعد ذلك اليوم ــ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم". كما جاء في صحيح البخاري . وقوله عليه الصلاة والسلام عمن شهد بدرا معه ( لعل الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة" أو "فقد غفرت لكم ) وكم هي الأدلة الواردة من الكتاب والسنة في فضلهم وحقهم رضي الله عنهم اجمعين .

 وها انا اليوم ، جئتكم بقصة لأحد أولئك الصحابة ، الذين قل ذكرهم ، وكادت تنسى عند جيل اليوم أسماؤهم وأفعالهم وما قدموه من تضحيات وفدائية لدين الإسلام خاصة ، ولهذه الأمة عامة ، رغم اختلاف الوانهم ، وصفاتهم و أنسابهم ، وطبقاتهم الاجتماعية ، في زمن كان الفيصل فيه ، حب الله جل وعلا وحب رسوله صل الله عليه وسلم ،  هذا جليبيب رضي الله عنه ، من فقراء الصحابة ، ذميم الخلقة ، لكنه حسن الخلق ،  وكان لا ينظر إليه ، ولا يعتبر به، عند من يعرفه ومن لا يعرفه ، إلا رسول الله صل الله عليه وسلم وكفى به ، فقد كان يجلس عند النبي صل الله عليه وسلم جل وقته ، فلا حسب ولا نسب ، ولا مال ولا جمال ، و يالعلو ورفعة من جلس بين يدي الحبيب المصطفى وفاز بقربه وحبه ، ايها الأحبة : في نظر كثير من الناس ، أن الفقير والضعيف وغير الجميل، لا يملك من مقومات السعادة شيئا؛ إذ أنهم يظنون أن السعادة في المال او والجمال،  او المنصب ، أو الحسب والنسب ، أما جليبيب فكان فقير الحال ، لكنه غني  بالإيمان ، ورفع الله نسبه بالإسلام ، وشرفه الله بالدخول في هذا الدين .

 فعن أبي برزة الأسلمي ، قال : إن جليبيب كان امرءًا يدخل على النساء يمازحهن ويلاعبهن، قال اهل العلم ، والمراد بالملاعبة هنا (الحديث معهن والدخول عليهن قبل الأمر بالحجاب ) فقلت لامرأتي : لا تدخلن عليكن جليبيب؛ فإنه إن دخل عليكن لأفعلن وأفعلن ، وقد كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيم (يعني أرملة او مطلقة )  لم يزوجها حتى يعلم ، هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، ومرة كان جليبيب يجلس عند النبي صل الله عليه وسلم ، فقال له أأزوجك يا جليبيب ؟ فاستغرب  من قول النبي صل الله عليه وسلم ، وقال من يزوجني يا رسول الله بحال المعسر وغير القادر ، ومن يعرف قدره عند الناس ، لكنه لم يكن يعرف قدره عند من هدى الله به الناس ،  فقال النبي صل الله عليه وسلم لرجل من الأنصار : «زوجني ابنتك» قال : نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال صل الله عليه وسلم : «إني لست أريدها لنفسي» قال : فلمن ؟ قال صل الله عليه وسلم : لجليبيب فقال : يا رسول الله، أشاور أمها ، فأتى أمها فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك فقالت : نعم، ونعمة عين فقال : إنه ليس يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب فقالت : أجليبيب إينه ؟ أجليبيب اينه ؟ (يعني بعدا على جليبيب ) ألا لعمر الله لا نزوجه ، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله فيخبره بما قالت أمها ، قالت الجارية :(يقصد البنت المخطوبة)  من خطبني إليكم ؟ فأخبرتها أمها؛ قالت : بحال المؤمنة الراضية بما قسم الله لها ، وطاعة لله ولرسوله ، أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ ادفعوني إليه؛ فإنه لن يضيعني ، فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقا

  أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : شأنك بها فزوجها جليبيبا، ودعا لها النبي صل الله عليه وسلم ،  وبينما الرجل في خضم فرحته ، بالزواج الذي كان يظن أنه لن يطاله ، وبين يديه امرأة حلم بضمها اليه لتكون عفافه وسكنه ، نادى منادي الجهاد في سبيل الله ، ففز جليبيب يريد ما عند الله ، قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له، وجليبيب معه ،  فلما أفاء الله عليه ،  يعني نصره الله في المعركة ، قال لأصحابه رضي الله عنهم : هل تفقدون من أحد ؟ قالوا : نفقد فلانا ونفقد فلانا قال صلى الله عليه وسلم : انظروا هل تفقدون من أحد ، قالوا : لا قال صلى الله عليه وسلم : لكنني أفقد جليبيبا ، فاطلبوه في القتلى ، يعني ابحثوا عنه بين القتلى ،  فطلبوه ، فوجدوه ، إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فقالوا : يا رسول الله، ها هو ذا قد قتلهم ثم قتلوه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال : قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه ، هذا مني وانا منه ، مرتين او ثلاثا ، ثم وضعه رسول الله على ساعديه ، وأمر بأن يحفر له ، وماله سريرٌ  إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وضعه في قبره رضي الله عنه ، فما لبثت زوجته بعده ، حتى تسابق على الزواج منها ، كبار الصحابة رضي الله عنهم ( رواه أحمد تفسير ابن كثير سورة الأحزاب 36 وأصله في صحيح مسلم ج6 ) فانظر كيف أن هذا الصحابي باع دنياه واشترى آخرته وقدم نفسه قربانا إلى الله ؛ لأنه يعلم أن السعادة في طاعة الله، وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : هو مني وأنا منه ؛ أي على هديي وسنتي وطريقتي، وهذا إيماءٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أن جليبيبا قتل شهيدًا، وهو بإذن الله من أهل الجنة؛ فهذه السعادة الحقيقية ، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) (ال عمران) بارك الله لي ولكم فيما اقول وتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولمن اسلموا ويسلمون إنه هو الغفور الرحيم .

  الحمد لله كل الخلق له عبيد ، احمده سبحانه وأشكره كما يحب ويرضى ويريد ، وأشهد ان لا إله الا الله العزيز الحميد ، وأن محمدا عبده ورسوله وصاحب الخلق الفريد ، صل الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه و لهديه مريد ، وبعد : يامن سخر الله لكم النعم ونفعكم بالحديد ، اتقوا الله فمن اتق الله حق تقاته فاز بجنته ، ثم المزيد ( يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم    (الانفال) عباد الله : إن التذكير بالرعيل الأول من الصحابة والتابعين ، له ضرورة عظمى في هذا الزمان ، وتربية النشء على قصصهم وما كانوا عليه ، له أثر عظيم جليل ، فنحن في زمان أصبح قدوة النشء فيه ، الممثلون واللاعبون ، يحفظون اسماءهم ويقلدون لباسهم وأشكالهم ، بل ويعرفون حتى تفاصيل حياتهم ، فانعكس ذلك سلبا علينا وعليهم والله المستعان ، والسبب هو جهلهم بأولئك الأعلام ، وخلو عقولهم مما كان عليه السلف الصالح ، من دين وخلق وبطولات وصفات عظام ، فأين اليوم من يجمع بنيه ويقص عليهم قصصا ، عن محمد صل الله عليه وسلم ، وعن الصحابة والتابعين ، وعن ابطال هذا الدين ومن يواليه ، وكلنا يرى جيل اليوم وما يشتكيه من جهل بأولئك الاخيار وما يعانيه ، اصلح الله احوالنا واحوال ذرارينا انه ولي ذلك والقادر عليه ، بقي ان أذكرك بأن على حدودنا اليوم ، جنود يدافعون عن الدين والأرض والعرض ، هم جليبيب هذا الزمان احسبهم والله حسيبهم ، فكم من الفضل لهم بعد الله علينا ، فأعينوهم بدعائكم واطلبوا من الله النصر لهم ، وبشروهم بقول ربكم (۞ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111  (التوبة) تقبل الله قتلاهم شهداء وحفظ المجاهدين الأحياء ونصرهم على البغاة الأشقياء .

ثم صلوا وسلموا على خير الأنبياء ، وقد امرتم بذلك في قول فاطر الارض والسماء ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ...... الاية ..

المشاهدات 1990 | التعليقات 0