قصته عن المسح دروس وهدايات
شايع بن محمد الغبيشي
قصته عن المسح دروس وهدايات:
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد:
عباد الله نقف اليوم مع قصة عجيبة في طياتها من الدروس العبر الكثير والكثير فعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قال: أتَيتُ صَفْوانَ بن عَسَّالٍ المُراديَّ أسْألهُ عن المَسْحِ على الخُفَّينِ، فقال: ما جَاءَ بِكَ يا زِرُّ؟ فَقُلْتُ: ابْتِغاءَ العلمِ، فقال: إنَّ الملائكةَ لتَضعُ أجْنِحتَها لِطالبِ العلمِ رِضًا بِما يَطْلُبُ. فَقُلْت: إنَّه حَكَّ في صَدْرِي المَسْحُ على الخُفَّيْنِ بَعْدَ الغَائطِ وَالبَوْلِ، وَكُنْتَ امْرأً من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجئْتُ أسْألُكَ هَلْ سَمِعتَهُ يَذْكُرُ في ذلكَ شَيْئًا، قال: نَعَمْ، كَانَ يأمُرنا إذا كُنَّا سَفْرًا - أوْ مُسافِرينَ - أنْ لا نَنْزِعَ خِفَافنا ثَلاثةَ أيَّامٍ وَلَيالِيَهُنَّ إلَّا من جنابةٍ، لكنْ من غَائطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ. قال: فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعتَهُ يَذْكُرُ في الهَوَى شَيْئًا؟ قال: نَعَمْ، كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَبيْنا نَحْنُ عِنْدهُ، إذْ ناداهُ أعْرابيٌّ بِصَوْتٍ لهُ جَهْوَرِيٍّ: يا محمدُ، فَأجابهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على نَحوٍ من صَوْتهِ: "هاؤُمُ" وَقُلْنا لهُ: وَيْحكَ اغْضُضْ من صَوْتكَ، فإنَّكَ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد نُهيتَ عن هذا. فقال: واللهِ لا أغْضُضُ. قال الأعْرابيُّ: المَرْءُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهمْ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "المَرْءُ مَعَ من أحبَّ يَوْمَ القِيامةِ". فما زَالَ يُحدِّثُنا حتَّى ذَكَرَ بابًا من قِبلِ المَغْربِ مَسِيرةُ عَرْضهِ، أوْ يَسيرُ الرَّاكبُ في عَرْضهِ أرْبَعينَ، أوْ سَبْعينَ عَامًا - قال سُفيانُ: قِبلَ الشَّامِ - خَلقهُ اللهُ يَوْمَ خَلقَ السَّماواتِ والأرْضَ مَفْتُوحًا - يَعْني لِلتَّوْبةِ - لا يُغْلَقُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
عباد الله وفي هذه القصة دروس وهدايات منها:
أولاً: الحث على طلب العلم وعلو منزلة طالب العلم فملائكة السماء تضع أجنحتها له تواضعاً له وتوقيراً، وإكراماً لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه، وهذا يدل على المحبة والتعظيم، فمن محبة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها له. فما أعظم العلم وما أعظم منزلة طالبه اللهم إنا نسأل علماً نافعاً يا حي يا قيوم.
ثانياً: مشروعية المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بليليهن، لهذا الحديث ولما رواه المغيرة بن شعبة قال: «كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما» متفق عليه. ولحديث جرير: «أنه بال، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه» متفق عليه.
عباد الله وللمسح على الخفَّيْن أربعة شروط.
الأول: أنْ يكون لابساً لهما على طهارة لقوله صلَّى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة: (دعْهما فإنِّي أدخَلتُهما طاهرتَيْن (.
الثاني: أنْ يكون الخُفَّان أو الجوربان طاهرتان فإنْ كانت نجستان فإنَّه لا يجوز المسح عليهما، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلان فخلعهما في أثناء صلاته وأَخبَر أنَّ جبريل أخبره بأنَّ فيهما أذىً أو قذَراً " رواه أحمد، وهذا يدل على أنَّه لا تَجوز الصلاة فيما فيه نَجاسة.
الثالث: أنْ يكون مسحهما في الحَدَث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغُسل، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال رضي الله عنه قال: أَمَرَنا رسولُ الله إذا كنَّا سَفرا أنْ لا نَنْـزِع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليَهُنَّ إلاَّ مِن جَنابة ولكنْ مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ رواه أحمد، فيُشترَطُ أنْ يكون المسح في الحَدَث الأصغر ولا يجوز في الحَدَث الأكبر .
الرابع: أنْ يكون المسح في الوقت المحدَّد شرعاً وهو يومٌ وليلةٌ للمُقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر لحديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للمُقيم يوماً وليلةً وللمسافر ثلاثة أيام ولياليَهن، يعني في المسح على الخُفَّين. رواه مسلم، وهذه المدة تبتدئ مِن أول مرَّة مَسَح بعد الحَدَث وتنتهي بأربعٍ وعشرين ساعةً للمُقيم واثنتين وسبعين ساعةً للمُسافر.
فنعرف عباد الله هذه الأحكام لنعبد الله علم اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً يا حي ياقيوم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ، مِلْءَ السَّمواتِ، ومِلْءَ الأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ أهلَ الثَّناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ، اللهمَّ لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِما منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أما بعد:
عباد الله ومن دروس القصة وهدايتها:
ثالثاً: عظمة دين الإسلام وسماحته ويسره فقد شرح المسح على الخفين رحمة بعبادة وتخفيفاً عليهم ورفعاً لحرج ومشقة نزع الخفين او الجوربين لغسل الرجلين عند كل وضوء. فما أعظمه من دين وما أيسر أحكامه وشرائعه!
رابعاً: عظم منزلة المحبة في الله عز وجل فمحبة الصالحين تجعلك معهم يوم القيامة فإن المرء مع من أحب يوم القيامة، ولذلك قال أنَسٌ رضي الله عنه: فَما فَرِحْنَا بشيءٍ، فَرَحَنَا بقَوْلِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ قَالَ أنَسٌ: فأنَا أُحِبُّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبَا بَكْرٍ، وعُمَرَ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ معهُمْ بحُبِّي إيَّاهُمْ، وإنْ لَمْ أعْمَلْ بمِثْلِ أعْمَالِهِمْ" رواه البخاري. فلنفرح عباد الله بهذه البشارة النبوية ولنعمر قلوبنا بحب النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم والتابعين والسلف الصالح رحمهم الله ولنحب لعلماء وأهل الخير والصلاح رجاء أن نكون معهم يوم القيامة، اللهم ادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
خامساً: سعة رحمة الله ولطفه بعباده بأن فتح لهم باب التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ليتوبوا إليه سبحانه فإنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم ليخفف عن عباده حمل الذنوب والخطايا قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}([1]) وهي دعوة لنا عباد الله أن نبادر إلى الله عز وجل ونقلع عن الذنوب والمعاصي وكلما وقعنا في الذنب عدنا إليه سبحانه تائبين مستغفرين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاسِطٌ يَدَهُ لِمُسِيءِ اللَّيْلِ لِيَتُوبَ بِالنَّهَارِ، وَلِمُسِيءِ النَّهَارِ لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» رواه مسلم، فما أرحم الله بنا!
([1]) [النساء: 27، 28]
المرفقات
1721335757_قصته عن المسح دروس وهدايات.pdf
1721335762_قصته عن المسح دروس وهدايات.docx