قِصَّةُ نَبِيِّ اللهِ مُوسى عَليهِ السَّلامُ 16/1/1442هـ
خالد محمد القرعاوي
قِصَّةُ نَبِيِّ اللهِ مُوسى عَليهِ السَّلامُ 16/1/1442هـ
الحمدُ لله قصَّ علينا مَا فِيهِ عِبرَةٌ لِلمؤمنينَ، أعزَّ اللهُ أولِيَاءَهُ وَنَصَرَ المُتَّقينَ، أَشْهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ ربُّ العالَمينَ، وَأَشهدُ أنَّ نبيَّنا محمَّدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ القَوِيُّ الأَمِينُ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بعدُ. فَاتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ تقواهُ, عبادَ اللهِ: فِي شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ الذي وَقَعتْ وَقعَةٌ امْتَلَئَ القُرَآنُ بِهَا تِكْرَارَا وإظْهارَا, طُولاً واخْتِصَاراَ! فَمَا سِرُّ تِكْرَارِها؟ قَطْعَاً أنَّهَا لِتَسلِيَةِ قَلْبِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِهِ بِما سَيَحِلُّ بِهم بَعدَ إسْلامِهِمْ وَدَعْوةِ النَّاسِ إليهِ, وَفِيها وإرشادٌ لَهُمْ في كَيفِيَّةِ بِناءِ دَولَةِ الإسلامِ وتَنظِيمِ شُئونِها! لَعلَّكُم أدرَكُتُمُ القِصَّةَ؟ نَعَم إنَّها قِصَّةُ مُوسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعَ فِرعَونَ الطَّاغِيَةَ! وهيَ قِصةُ صِراعٍ طَويلٍ بين الحقِّ والباطلِ, فقد ابْتَلى اللهُ بَنِي إِسرَائِيلَ بِفرعَونَ. وَبَنُوا إسرَائِيلَ هُمْ مَنْ فَضَّلَهُمُ الله على العَالَمِينَ، فَكَانَ حَقُّهُمْ أنْ يُكرِمَهُم! وَلَكِنَّهُ اسْتَضْعَفَهُمْ وَلَمْ يُبَالِي بِهم، وَبَلَغَ بِهِ أَنَّهُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ خَوْفَا مِن كَثْرِتِهِمْ، فَيَصِيرُ لَهُم المُلْكُ! وَصَار يَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أي يَسْتَبْقِيهِنَّ لِلخِدْمَةِ! حَقَّاً إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الذينَ لا قَصْدَ لَهم فِي إِصْلاحِ دِينٍ، ولا دُنْيَا. فَأَرَادَ اللهُ أنْ يُنقِذَ هذهِ الفِئَةَ المُؤمِنَةَ بموسى ابن ِعمران َ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ وفي الطَّريقِ اشتدَّ البَردُ، وَفَقَدَ النَّارَ، وَضَلَّ الطَّرِيقَ، وبينما هو في هذه الظروفِ القَاسِيَةِ ( إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى).فَأَتاها فإذا هي نُورٌ عَظيمٌ يَتَلأَلأُ: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).وهنا نُبِّئَ مُوسى وأُرسلَ، وَيأتِيهِ أمرُ اللهِ بالدَّعوة! اذهبْ إلى رَأسِ الكُفرِ والطُّغيانِ إِنَّهُ طَغَىٰ وموسى يَعرِفُ مَنْ هو فِرعونُ! فَيسألُ اللهَ العونَ وتَيسيرَ الأمرِ وَشرحَ الصَّدرِ, ويأخذُ أخاهُ هارونَ وَيتَوجَّهَانِ إلى فِرعونَ، وفي أوَّلِ لِقاءِ بَعدَ الرِّسالَةِ يَبْدَأُ دَعوَتَهُ بِقَولِهِ: (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ) لِيُشعِرَهُ أنَّهُ لَيس ربَّاً ولا إِلَهاً، فيتعجَّبُ فِرْعَونُ لِمَا يَرَى ويَسمَعُ! فَآخِرُ العهدِ بهِ أنَّه كانَ رَبِيبَاً في قَصرِهِ، وأنَّه هَرَبَ من القَتلِ! (أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ). بل وَطَلَبَ من فرعونَ بكلِّ صَرَاحَةٍ ووضوحٍ: (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى).أَتَيَنَاكَ بِأَمْرَينِ، دَعَوتُكَ إلى الإسلامِ، وَتَخْلِيصُ شَعْبِنَا مِنْ عُبُودِيَتِكَ! فَيسألُهُ فِرْعَونُ أوَلَكَ ربٌّ غَيرِي: (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى). أيُّها المسلمونَ: وحين نَتَجَاوزُ كَثِيراً من المَشاهدِ وَنَصِلُ إلى نِهايةِ القصَّة, بعد انتصارِ مُوسى عَليهِ السَّلامُ على السَّحَرَةِ فَيلجَأُ فِرْعَونُ إلى التَّهدِيدِ بالسَّجَنِ والعَذَابِ الأليمِ، وهذه لُغةُ المُجرِمِينَ في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ (لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ)! واللهُ تَعَالى هُوَ الحَافِظُ والمُعِينُ, فَاسْتَغْفِرُواَ اللهَ يَا مُؤمِنُونَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إنِّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلَّا على الظَّالِمينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ, وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدً عَبْدُ وَرَسُولُهُ إمامُ المُرسَلينَ, اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ وإيمَانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أمَّا بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). عِبَادَ اللهِ: موسى عَليهِ السَّلامُ والمؤمنونَ معهُ يَفرِّونَ بِدينِهم بأمرِ اللهِ، ويُصرُّ فِرعُونُ بِجَبَرُوتِهِ وجُنُودِهِ على الَّلحاق بهم، ثم ها هيَ المعرَكَةُ تَصِلُ ذِروتَها، فَمُوسى وقومُهُ صاروا أمامَ بَحْرٍ مُتلاطِمٍ! لا يَملِكُونَ خَوضَهُ، وما هُم بِمُسَلَّحِينَ، وَفِرعونُ وجنْدُه يَطلُبونَهم وهم لا يَرحَمُونَ، فَيَبلُغُ الكَربُ مَداهُ، وَقَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ إلاَّ أنَّ مُوسى بِكُلِّ جَزْمٍ وَثَبَاتٍ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ! فالبحرُ والبَشَرُ, كلُّهم مُلكٌ للهِ رَبِّ العالَمينَ يُصرِّفُهم كَيفَ يَشاءُ وهو أحكمُ الحاكِمينَ، ثمَّ ها هو طريقُ النَّجَاةِ يَنفَتِحُ من حيثُ لا يَحتَسِبُون (فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَسَاً) فَيَنْشَقُّ طَرِيقٌ يَابِسٌ كأنَّه لَمْ تُصبْهُ قَطْرَةُ مَاءٍ من قبلُ! فَتَسيرُ الطَّائِفَةُ المًؤمِنَةُ واللهُ يَرقبُها, فلمَّا تَكاملَ قومُ موسى خَارِجِينَ, وَقومُ فِرعونَ دَاخِلِينَ, جَاءَهم المَوجُ من كلِّ مَكَانٍ، فَكَانُوا مُهلَكِينَ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). وَكانَ ذلِكَ يَومَ عَاشُورَاءَ فَصَامَهُ مُوسى ومُحمدٌ والمُؤمِنُونَ شُكراً للهِ تَعالى.
إخوة الإيمانِ: وبينَ البدايةِ والنِّهايةِ, عددٌ من الدُّروسِ والعبرِ. أعظَمُهَا: أنَّ نورَ اللهِ غَالِبٌ وَظَاهِرٌ مَهْما حَاوَلَ المُجرِمُونَ طَمسَهُ،
وَتَأَمَّلُوا فِي سَحَرَةِ فِرعَونَ، فِي أوَّلِ النَّهارِ سَحَرَةٌ، وفِي آخرِهِ شُهدَاءُ بَرَرةٌ. فأينَ مِنحُ فِرعونَ وأعطياتُهُ! فَهذا دَرْسٌ عَمَلِيٌّ بانْتِصَارِ العَقِيدةِ على الحَيَاةِ, والحَقِّ عَلى البَاطِلِ!
عبادَ اللهِ: فِي حَالِ الشِّدَّةِ أنْفَعُ عِلاجٍ الصَّبْرُ والصَّلاةُ: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا). إخوة الإسلامِ: مِنْ أعْظَمِ دُروسِ القِصَّةِ تَكشُّفُ الخِدَاعِ الذي يُمارِسُهُ المُجرِمُونَ على عامَّةِ النَّاس! (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ). قَالَ ابنُ كثيرٍ: وَفِرْعَونُ يَعلَمُ أنَّ الذي قَالَهُ من أبطَلِ البَاطِلِ، وإنَّما قالَهُ تَدلِيساً على رَعَاعِ دَولَتِهِ وَجَهَلَتِهِم.
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمينَ وأذلَّ الكُفرَ والكافِرينَ ودمِّر أعداءَ الدينَ واجعل هذا البلد آمنا مُطمئنَّاً وسائِر بلادِ المسلمين, وَوفِّقْ ولاتَنَا وولاةَ المسلمينَ لِما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ ياربَّ العالمينَ. عباد الله: أذكروا الله يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق