قِصَّةُ قَومٍ ظَنُّوا أَنَّهُمْ احْتَالُوا على رَبِّهِمْ 13/8/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1442/08/11 - 2021/03/24 18:20PM

قِصَّةُ قَومٍ ظَنُّوا أَنَّهُمْ احْتَالُوا على رَبِّهِمْ 13/8/1442ه
الحمدُ للهِ قَصَّ عَلينا ما فِيهِ عِبرةٌ لِأُولي الأَلبَابِ، أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ بِلا ارْتِيَابٍ, وَأَشهَدُ أَنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَليهِ، وعلى جَمِيعِ الآلِ والأَصحَابِ, والتَّابِعِينَ لَهمْ بِإحسَانٍ وإيمَانٍ إلى يَومِ المآبِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ حَقَّ التَّقوى، وَتَأَمَّلُوا قَصَصَ القُرآنِ فَهِيَ أَحْسَنُ القَصَصِ وَأَنْفَعُها لِلعِبَادِ والبِلادِ! وَبَينَ يَدَيَّ قِصَّةُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانُوا يَسْكُنُونَ عَلى سَاحِلِ بَحْرٍ مَليءٍ بِالأَسْمَاكِ والنِّعَمِ، هُمْ مِنْ اليَهُودِ وَيَعبُدُونَ اللهَ تَعَالَى عَلى شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ, يَتَكَسَّبُونَ مِنْ صَيدُ الحِيتَانِ، وَيَخْرُجُونَ لِلصَّيدِ كُلَّ يَومٍ إلاَّ يَومَ السَّبْتِ! لأنَّهُ مُعَظَّمٌ وَشَرِيعَتُهُم تُحَرِّمُ عَلَيهمُ العَمَلَ فِيهِ!فَكَانُوا بِدَايَةَ الأَمْرِ مُلْتَزِمُونَ بِشَرِيعَتِهِم وَتَعَالِيمِهِمْ!فَمُجْتَمَعُهُمْ آنَذَاكَ خَلِيطٌ مِنْ العُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ, وَالفَاسِدِينَ وَالمُفْسِدِينَ! أَتَدْرُونَ: أَتْرُكُكُمْ مَعَ الآياتِ وَهِيَ تَحْكِيْ خَبَرَهُم, قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ). هَكَذَا ابتَلاهُمُ اللهُ فيَومُ السَّبْتِ الذي يَتَفَرَّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ, يَومٌ حُرِّمَ عَلَيهمُ الصَّيدُ فِيهْ! فَتَأتِي الحِيتَانُ فَتَكْثُرُ وَتَقْرُبُ حَتَّى يَرَونَهَا طَافِيَةً عَلى المَاءِ قَرِيبَةً مِنْ السَّاحِلِ، وَفِي مُتَنَاوَلِ أيْدِيهِمْ, وَلَكِنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ! فَإِذَا انْقَضَى يَومُ السَّبْتِ اخْتَفَتِ الحِيتَانُ والأسْمَاكُ تَمَامَاً، إِلى السَّبْتِ الآخَرِ! سُبْحَانَ اللهِ لِمَ كُلُّ هَذا الابْتِلاءِ والامْتِحَانِ؟ قَالَ اللهُ: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ). بِسَبَبِ خُرُوجِهِمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَاعْتِدَائِهِمْ حُدُودَ شَرْعِهِ. وَهَكَذا بَعضُ المُجْتَمَعاتِ تَجَرُّ عَلى نَفْسِهَا البَلاءَ جَرَّاً بِبُعْدِها عَنْ شَرْعِ رَبِّهَا, أو العَبَثِ بِتَعَالِيمِهِ! فَيَحصُلُ لَهُمُ النَّكَدُ الأَوبِئَةُ وَنَقْصٌ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ. وَلَو أَنَّهُم آمَنُوا بِرَبِّهِم وَاتَّقَوْهُ، لَسَاقَ لَهُمُ الرِّزْقَ سَوقًا، وَكَفَاهُمْ الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). ظَلَّتِ القَرْيَةُ أَيَّامًا عَلى هَذَا الحَالِ، لا يَجِدُونَ صَيدْا! حَتَّى وَسْوَسَ الشَّيطَانُ لِأَحَدِهِمْ بِحِيلَةٍ مَاكِرَةٍ، فَمَا هِي تِلْكَ الحِيلَةُ يَا تُرى؟ نَعْرِفُهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ. فاستَغْفِرُوا اللهَ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدُ للهِ جَعَلَ كِتَابَهُ لِكُلِّ خَيرٍ هَادِيًا، أَشهدُ ألاَّ إِلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَه, وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ، والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الحِسَابِ. أمَّا بعدُ.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَسْوَسَ الشَّيطَانُ لِأَحَدِهِمْ فَكَانَ يَأتِي يَومَ الجُمُعَةِ فَيحَفِرُ بِجَانِبِ الشَّاطِئِ حُفْرَةً عَمِيقَةً، وَيَضَعُ شِبَاكَهُ فَتَمْسِكُ الأَسْمَاكَ يَومَ السَّبْتِ! فَيَأتِي يَومَ الأَحَدِ وَيَأْخُذُ حَصِيلَةَ السَّبْتِ! وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيئًا! تَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ فُلانًا قَدْ صَارَ يَأْكُلُ سَمَكًا! فَصَاروا يَسْأَلُونَهُ كَيفَ حَصَلْتَ عَلَيهِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فَعَلَ، تَصَوَّرا يَا كِرامُ: بَدَلَ أَنْ يَنْصَحُوهُ, وَيَعِظُوهُ وَيَزْجُرُوهُ، إِذَا هُمْ يَستَحْسِنُونَ فِعْلَهُ وَيُشَجِّعُوا حِيلَتَهُ, وَيَسيرِونَ عَلى طَرِيقَتِهِ، كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِرًّا بَادِئَ الأَمْرِ، حَتَّى كَثُرَ صَيدُهُم، وَبَاعُوهَا فِي الأَسْوَاقِ، وَجَاهُروا بِالصَّيدِ بِمِثْلِ تِلْكَ الحِيَلِ! وَكَانَتْ هَذِهِ بِدَايَةُ الكَارِثَةِ. فَصَارَ تَعَاوُنٌ جَمَاعِيٌّ مُحَرَّمٌ، وَمَعْصِيَةٌ لِلخَالِقِ جَهَارًا نَهَارًا! حَمَانَا اللهُ وإيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ. هَلَ تَصَوَّرْتُم يَا مُؤمِنُونَ: شَخْصٌ وَاحِدٌ سَنَّ سُنَّةً سَيئَةً وَخَرَقَ فِي مُجْتَمَعِهِ خَرْقًا وَاسِعَاً! فَتَتَابَعَ أُنَاسٌ لِرَأيِهِ وَأُعْجِبُوا بِصَنِيعِهِ، فَأَدَّى بِهَلاكِ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ لَقَدْ صَدَقَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ كَمَا في الصَّحيحِ: «وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ, مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ». حَقَّاً أيُّها المُؤمِنُونَ: هَذا وَاقِعٌ مُؤلِمٌ فِي كَثِيرٍ مِن المُجْتَمَعاتِ اليومَ! فإلى اللهِ المُشْتَكَى وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ.
عبادَ اللهِ: وَلِسَائِلٍ أنْ يَقَولَ: مَا أَحوَالُ بَقِيَّةِ النَّاسِ تُجَاهَ عِصْيَانَ بَنِي قَومِهِمْ لِأَوَامِرِ اللهِ تَعالى؟ فَالجَوابُ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعالى بَعْدَ الآيَةِ مُبَاشَرَةً وَهِيَ حَدِيثُنَا فِي الجُمُعَةِ القَادِمَةِ بِإذْنِ اللهَ تَعَالى. فاللهم أصلح لنا نيَّاتِنا وذُريَّاتِنَا. وارزقنا وإيَّاهم البِرَّ والتَّقوى, وَاكفنا وإيَّاهم الفواحشَ والفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ. اللهم أبرم لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر ياربَّ العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّرك والمشركينَ، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدِّينِ. اللهم وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تُحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. رَبَّنَا اغفر لنا ولِوالِدينا والمُسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. وَاذكروا اللهَ يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

 

 

المشاهدات 1472 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا