قصة عجوز بني اسرائيل

طلال شنيف الصبحي
1440/10/23 - 2019/06/26 01:54AM

                قصة عجوز بني إسرائيل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.{ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }.أما بعد
عباد الله.. حديثنا اليوم بإذن الله تعالى عن قصة عجوز, نعم عجوز, عجوز من بني إسرائيل, فاقت هذه العجوزُ بهمتها همم الرجال, بل فاقت همم الشباب, وقد قص رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها على الصحابة وأمرهم أن يكونوا مثلها, فمن هي هذه العجوز؟ وما خبرُها؟
أخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعرابيًّا فأكرَمه فقال له: ( ائتِنا ) فأتاه فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( سَلْ حاجتَكَ ) فما الذي سأله هذا الأعرابي؟ هذه فرصة العمر كما يقال, هل سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة؟ أو سأله أن يطلب من الله تعالى أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه؟
قال الأعرابي بعد أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (سل حاجتك) قال: ناقةٌ نركَبُها وأعنُزٌ يحلُبُها أهلي, فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أعجَزْتُم أنْ تكونوا مِثْلَ عجوزِ بني إسرائيلَ)؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ وما عجوزُ بني إسرائيلَ؟ قال: ( إنَّ موسى عليه السَّلامُ لَمَّا سار ببني إسرائيلَ مِن مِصرَ ضلُّوا الطَّريقَ فقال: ما هذا؟ فقال علماؤُهم: إنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ لَمَّا حضَره الموتُ أخَذ علينا مَوثقًا مِن اللهِ ألَّا نَخرُجَ مِن مِصْرَ حتَّى ننقُلَ عِظامَه معنا قال: فمَن يعلَمُ موضِعَ قبرِه؟ قالوا: عجوزٌ مِن بني إسرائيلَ. فبعَث إليها فأتَتْه فقال: دُلِّيني على قبرِ يوسُفَ قالت: حتَّى تُعطيَني حُكْمي, قال: وما حُكْمُكِ؟ قالت: أكونُ معكَ في الجنَّةِ. فكرِه أنْ يُعطيَها ذلكَ, فأوحى اللهُ إليه: أنْ أعطِها حُكْمَها. فانطلَقَتْ بهم إلى بُحيرةٍ.. موضِعِ مُستنقَعِ ماءٍ فقالت: أنضِبوا هذا الماءَ فأنضَبوه فقالتِ: احتَفِروا فاحتَفَروا فاستخرَجوا عِظامَ يوسُفَ, فلمَّا أقلُّوها إلى الأرضِ وإذا الطَّريقُ مِثْلُ ضوءِ النَّهارِ". أي بان لهم الطريق.
هذه القصة العظيمة التي قصها رسول الله صلى الله عليه وسلم على صحابته الكرام, لهذه العجوز صاحبة الهمة العالية ينبغي أن نستمد منها الدروس والعبر, فمن فوائد هذه القصة:
الهمة العالية لهذه العجوز, فعندما سألها نبي الله موسى عليه السلام عن مكان قبر يوسف عليه السلام, وجدتها فرصةً لا تقدر بثمن, واشترطت لإخباره عليه السلام أن تكون معه في الجنة لأنها تعلم أن الأنبياء في أعلى منازل الجنة.
فلم تطلب مالاً ولا دنيا, وإنما سمت إلى الأخرى, فطلبت أعظم ما تسموا إليه النفوس وهو دخول الجنة وبرفقة رسول من أولي العزم من الرسل نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.
وتأمل كيف فَقِه الصحابة هذا الدرس من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد جاء في الصحيحين من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي:«سَلْ». فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ».
ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تسمو همة الإنسان وتعلو, وأن لا يرضى من أمور الآخرة بالقليل, روى البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة3 ... بارك الله لي ولكم

الخطبة الثانية
عباد الله: عن رجاء بن حيوة ــ وزير عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قال: كنت مع عمر بن عبدالعزيز لما كان واليًا على المدينة، فأرسلني لأشتري له ثوباً، فاشتريته له بخمسمائة درهم، فلما نظر فيه قال: هو جيد لولا أنه رخيص الثمن!, فلما صار خليفة للمسلمين، بعثني لأشتري له ثوبًا فاشتريته له بخمسة دراهم! فلما نظر فيه قال: هو جيد لولا أنه غالي الثمن!
قال رجاء: فلما سمعت كلامه بكيت؛ فقال لي عمر: ما يبكيك يا رجاء؟ قلت: تذكرت ثوبك قبل سنوات وما قلت عنه - فكشف عمر لرجاء سر هذا الموقف - وقال: (يا رجاء .. إن لي نفس تواقة، وما حقَّقَتْ شيئا إلا تاقت لما هو أعلى منه, تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتُها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوَلَيتُها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنِلتُها، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة، فأرجو أن أكون من أهلها). هذه هي الهمة العالية.. هذه هي الهمة الحقيقية التي تعانق السماء, وترجو ما عند الله تعالى. فإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الأجسام
ومن فوائد الحديث: ما قد يحدث من تعارض أورده الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بقوله: " كنت استشكلت قديمًا قوَله في هذا الحديث "عظام يوسف عليه السلام" لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بَدُن، قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى. فاتخذ له منبراً مرقاتين".
فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون "العظام "، و يريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله تعالى: {وقرآن الفجر} أي: صلاة الفجر, فزال الإشكال والحمد لله".

المرفقات

عجوز-بني-إسرائيل

عجوز-بني-إسرائيل

المشاهدات 2693 | التعليقات 0