قصة طريفة يرويها المقداد رضي الله عنه- والحديث عن تدخل إيران في اليمن 23/8/1438

أحمد بن ناصر الطيار
1438/08/21 - 2017/05/17 08:02AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).

إخوة الإيمان: سنعيش في هذه الدقائق مع قصة من قصص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه, فيها العبر والدروسُ الكثيرة.
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنِ الْمِقْدَادِ بن الأسود رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا.

وذلك من شدة الجوع الذي أصابهم, والجَهْدِ الذي ألَمَّ بهم, رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بنا إِلَى أَهْلِهِ، وإذا عنده ثلاثُ أعْنُزٍ - والعَنْزُ: هي الأُنْثَى من الْمَعَزِ - ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا»، فقسَّموه بينهم أثلاثًا.
قَالَ: فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبَهُ.
فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ نصيبه.
فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ -أي: يُهدون إليه ما يشتهي من الطعام والشراب-, وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ, ومَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ.
فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي، - أَيْ دَخَلَتْ وَتَمَكَّنَتْ مِنْهُ- وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، مَا صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ, فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ.
وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ, إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَتْ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ، وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا, وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ.
وذلك لشدة الخوف والهمّ الذي أصابه رضي الهَ عنه.

قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ، فَقَالَ: «اللهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي».

انظروا وتأملوا إلى هذا الأدبِ والخلقِ الرفيع, والْحِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْمَحَاسِنِ الْمُرْضِيَةِ, وَكَرَمِ النَّفْسِ وَالصَّبْرِ وَالْإِغْضَاءِ عَنْ حُقُوقِهِ, فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ نصيبه من اللبن, بل علم أنّ نصيبه قد شُرب بغير إذنه, ومع ذلك لم يَلُمْهُم ولم يُعَاتبهم, ولم يبحث عن الذي شرب حقَّ بدون إذنه, بل تغافل ودعا لهم وطيَّب خواطرهم.

ولَمَّا سمع المقداد هذا الدعاءَ سَكَنَتْ نفسُه, وانْشَرَحَ صدرُه, فأَخَذَ سكينًا وانْطَلَقْ إِلَى الْأَعْنُزِ أَيُّهَا أَسْمَنُ، لِيَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحينما أتى إليهن رأى العجب, فقد وجد العنز حَافِلَةً - أي: مُمتلِئًا ضرعها لبنًا- وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ.
مع أنه قد حلبهن قبل وقت يسير, ولكنّ هَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ, وَآثَارِ بَرَكَتِهِ ودُعائِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال المقداد: فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ, - وذلك لِسَعَتِه وكِبَرِه, بحيث لا يُمكن لحليب هذه الأَعْنُز أنْ يملأه-.
قال: فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ, فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ»؟
فكره أن يُجيبه لئلا يُصاب بالحرج, فبادره بإسقائِه اللبن, فقال: يَا رَسُولَ اللهِ اشْرَبْ، فَشَرِبَ ما في الإناءِ كلّه, ثُمَّ ملأه ونَاوَلَه مرةً ثانيةً وقال: يَا رَسُولَ اللهِ اشْرَبْ، فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَه.
قال: فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ.
- أي: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ حُزْنٌ وهمٌّ شَدِيدٌ؛ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِكَوْنِهِ شرِبَ نَصِيبَه وَتَعَرَّضَ لِأَذَاهُ, فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ, وَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ, فَرِحَ وَضَحِكَ حَتَّى سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ كَثْرَةِ ضَحِكِهِ, لِذَهَابِ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الْحُزْنِ, وفرَحِهِ بِشُرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلِتَعَجُّبِهِ مِنْ قُبْحِ فِعْلِهِ أَوَّلًا, وَحُسْنِهِ آخِرًا.
وبعدما شرب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشبع: قَالَ للمقداد مُمَازحًا: «إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ».
- أَيْ أنَّ إِحْدَاثَ هَذَا اللَّبَنِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ, وَخِلَافِ عَادَتِهِ, هو من رحمة الهَ بنا.

وفي القصة من الفوائد: أنّ الشيطان حسّن للمقداد أنْ يشرب نصيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لأنه سيجد عند الأنصار ما يُغنيه عن هذا الحليب.
ثم نَدَّمَه على عمَلِه.
فمن أعظم مقاصد الشيطان: أنْ يقذف في قلب المؤمنِ الحزن والألم واليأس, فكلّ ما تجده في قلبك من همٍّ وحزنٍ وقلقل, إنما جلُّه من الشيطان, لِيُقعدك عن العمل, ويُلْجِئك إلى الفتور والكسل, فحارب ذلك بالفأل وكثرة التوبة, فهما من أضر ما يكون على الشيطان.
والشيطان قد يُزيّن لك المعصيةَ حتى تقعَ بها, ثم يقذف في قلبك الحزن والندم على ما فعلتَ, وإنما مقصده من تنديمِك على عصيانِ ربك: أنْ يُصيبك بالقنوط والفتور, فتقول: أنا ضعيف الهمة والإرادة والإيمان, ولا يصلح مثلي لعمل الخير, ولا لطلب العلم, ولا لحفظ القرآن, بل هذا نفاق, فأنا أعمل عند الناس الخير, ويظنون فيّ خيرًا, وإذا كان في السر عصيت الله تعالى, فأنا ممن إذا خلا بمحارم الله انتهكها!!
وهذا هو مراد الشيطان وأكثرُ أمنياتِه, فإياك أنْ تُحققها له, وأنْ تنجر وراء حبائِلِه ومكايدِه.
بل اجتهد في العمل الصالح كلما أذنبت؛ لأن الحسنات يُذهبن السيئات, وتُب إلى اللهّ كلما أذنبت وقصرت, ولا تدع أيّ عمل صالح لأجل ذنبٍ ارتكبتَه.

وفيه أنّ المؤمن ينبغي له أنْ يجتنب عتاب أصدقائه وأقاربه, في الأمور التي اجتهدوا فيها وجانبوا الصواب, ولْيتغافل عن الزلات, فإن لزم الأمر: فلْينصح المخطئَ بلين ورفق.
فالعتابُ واللومُ ضرَرُه أكبرُ مِنْ نَفْعِهِ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون: لقد أوجب الإسلام على أتباعه أنْ يشدّ بعضُهم بعضًا, وينصُرَ بعضُهم بعضًا, قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

فهذا الحديث الصحيح يُوجب على المسلمين أن يتناصروا, ويذبوا عن المظلوم, ويقفوا في وجه الظالم المعتدي.

وإنّ مما يسر الصديق, ويُغيض العدو: ما قامت به هذه البلاد المباركة, بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله, من الوقوف بجانب أشقائنا في اليمن, مادّيًا وعسكريًّا وعسكريًّا, في وجه الإرهاب الحوثي والإيرانيّ, ووقفت سدًّا منيعًا تجاه تدخلاتِ إيران في شؤون اليمن.

إنّ الأطماع الإيرانيّةَ ليس لها حدود, ولقد وصلت بهم الجرأة أن صرحوا, بأنهم سيحتلون مكة والمدينة, وبعض دول الخليج وغيرها, وهذا ليس تصريحًا غيرَ مسؤول, بل هم يعملون على ذلك في أرض الواقع, فهاهي جيوشهم تعيث فسادًا في أرض الشام عاصمةِ الأمويين, وأرضِ الرافدين عاصمةِ العباسيين, وحركت أتباعهم في لبنان واليمن والبحرين, ولولا لطف الله تعالى, وحزم بلاد الحرمين المباركة, لدفعت هذه البلاد الجزية للإيرانيين, ولَحَوَّلت أرضنا إلى خراب ودمار, كما في العراق والشام, ولَوَصَلَتْ صواريخُهم إلى قلب هذه البلاد حماها الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يرد كيدهم في نحورهم, وأنْ يُعجل في سقوطهم وذلِّهم, إنه سميعٌ قريب مُجيب.
المشاهدات 1703 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا