قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد والدروس المستفادة
إبراهيم بن صالح العجلان
1438/04/21 - 2017/01/19 23:31PM
قصة سليمان مع الهدهد 21/ 4/ 1438 هـ
إخوة الإيمان:
في زُبُرِ القرآن قَصصٌ وَعِظاتٌ، وَأَخبارٌ وهدايات، قصَّها علينا ربُّ العالمين لتبقى ذكرى للأممِ عبر السِّنين، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
ومن أحسن قصص القرآن ما قصه الله تعالى من أخبار أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فتعالوا لنجعلها نقلة إلى خبر نبي كريم، ابن نبي كريم، آتاه الله ملكاً عظيماً لم يؤتهِ أحداً من العالمين، فلم يغيِّره الملك ولم يُطغيه، ولم يتعالى به ولم يُلهيه.
دعا العبد الصالح الأواب: {ربِّ هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}، فسخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أراد، وخضعت له الجن والإنس، يعملون وفق إشارته وتوجيهه، بل منحه الله القدرة على فهم لغات الدواب والطيور.
قصَّ القرآن خبر سليمان في مواضع عدَّة، نقف مع حلقة واحدة منها، مُعبَّأةٍ بالدروس والدلالات, مع قصة سليمان مع الهدهد.
قصَّةُ البداية تنظيم وقررات حازمة من نبي سليمان، الذي نظم مملكته ووزع أدوار رعيته في مهام خاصة.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يدبَّرون وينظَّمون، عسكر من الأنس ظاهرون، وشرط من الجن لا يشاهدون، ومأمورون من الطير لا يُفهمون، وفي هذا إشارة إلى كثرة جنود سليمان عليه السلام الذي جمع كل هذه الأصناف.
وهو ليس جيش جمعي غير مرتب، بل كان يدار باقتدار واحتراف، والتزام تام وعدم استنكاف.
وما كان لهذا النجاح الفائق في هذا التنظيم، وتوزيع الأدوار والمهام ليتحقق لولا المتابعة الدائمة من النبي سليمان عليه السلام الذي كثيراً ما كان يتفقد رعيته، حتى إنه لم ينس الحيوانات من متابعته، قال تعالى:{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ}، فإذا تفقَّد شأن الطير فقطعاً أنه تفقَّد ما هو أعلى منه من الدواب، وإذا تابع أمر الحيوان فيقيناً أنه تفقّد ما هو أهم من الإنس والجن.
هذه التفقد وتلك المتابعة هي أساس النجاح سواء في جانب التربوي أو الاقتصادي أو الإداري، فالمحاسبة والمتابعة للأعمال والصبر على ذلك ثمرته تحقيق الأهداف والوصول إليها.
فيا كل والد وأب، ويا كل استاد ومرب، تعاهد من هو تحت يدك بالتوجيه والنصح، واعلم أنَّ هذا التفقد والمتابعة عمل صالح وسبيل مأجور.
نبي الله سليمان تفقد أمر الطير ومن كمال حرصة وتدقيقه أنه فقد صورة الهدهد
وغاب عن مكانه وعمله، فقال سليمان:{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
كيف يغيب بلا أمر من قائده ولا استئذان، هنا سلك النبي عليه السلام أمر الحزم ووضع ثلاثة خيارات لمواجهة الهدهد:
أولاً: لأُعذِّبنَّه عذاباً شديداً، ثانيأ: أو لأذبحنَّه، ثالثاً: أو ليأتينّي بسلطان مبين.
نعم استخدم النبي العادل سياسة الحزم ووضع العقوبات الصارمة، لكنه أبقى مجالاً للعذر، وهكذا القيادة الناجحة لا تبطش بالغير لأجل المخالفة، ولا تعاقب مع كل خطأ، بل تفتح نافذة للتوضيح وبيان سبب التقصير، حتى لا يقع الظلم، ويحصل الاستبداد.
نعم قد غاب الهدهد ولكنه غياب لم يطل ( فمكث غير بعيد)، فجاء وألقى على سليمان سبب غيابه وأنه ذهب في مهمة إصلاح، وهل كانت دعوة سليمان وملكه إلا لأجل الإصلاح في الأرض.
فقال الهدهد: ( أحطت بما لم تحط به)، عبارة مختصرة تبين سبب غيابه، أنه لشأن عظيم.
ومن أحسن قصص القرآن ما قصه الله تعالى من أخبار أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فتعالوا لنجعلها نقلة إلى خبر نبي كريم، ابن نبي كريم، آتاه الله ملكاً عظيماً لم يؤتهِ أحداً من العالمين، فلم يغيِّره الملك ولم يُطغيه، ولم يتعالى به ولم يُلهيه.
دعا العبد الصالح الأواب: {ربِّ هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}، فسخر الله له الريح تجري بأمره رخاء حيث أراد، وخضعت له الجن والإنس، يعملون وفق إشارته وتوجيهه، بل منحه الله القدرة على فهم لغات الدواب والطيور.
قصَّ القرآن خبر سليمان في مواضع عدَّة، نقف مع حلقة واحدة منها، مُعبَّأةٍ بالدروس والدلالات, مع قصة سليمان مع الهدهد.
قصَّةُ البداية تنظيم وقررات حازمة من نبي سليمان، الذي نظم مملكته ووزع أدوار رعيته في مهام خاصة.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يدبَّرون وينظَّمون، عسكر من الأنس ظاهرون، وشرط من الجن لا يشاهدون، ومأمورون من الطير لا يُفهمون، وفي هذا إشارة إلى كثرة جنود سليمان عليه السلام الذي جمع كل هذه الأصناف.
وهو ليس جيش جمعي غير مرتب، بل كان يدار باقتدار واحتراف، والتزام تام وعدم استنكاف.
وما كان لهذا النجاح الفائق في هذا التنظيم، وتوزيع الأدوار والمهام ليتحقق لولا المتابعة الدائمة من النبي سليمان عليه السلام الذي كثيراً ما كان يتفقد رعيته، حتى إنه لم ينس الحيوانات من متابعته، قال تعالى:{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ}، فإذا تفقَّد شأن الطير فقطعاً أنه تفقَّد ما هو أعلى منه من الدواب، وإذا تابع أمر الحيوان فيقيناً أنه تفقّد ما هو أهم من الإنس والجن.
هذه التفقد وتلك المتابعة هي أساس النجاح سواء في جانب التربوي أو الاقتصادي أو الإداري، فالمحاسبة والمتابعة للأعمال والصبر على ذلك ثمرته تحقيق الأهداف والوصول إليها.
فيا كل والد وأب، ويا كل استاد ومرب، تعاهد من هو تحت يدك بالتوجيه والنصح، واعلم أنَّ هذا التفقد والمتابعة عمل صالح وسبيل مأجور.
نبي الله سليمان تفقد أمر الطير ومن كمال حرصة وتدقيقه أنه فقد صورة الهدهد
وغاب عن مكانه وعمله، فقال سليمان:{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
كيف يغيب بلا أمر من قائده ولا استئذان، هنا سلك النبي عليه السلام أمر الحزم ووضع ثلاثة خيارات لمواجهة الهدهد:
أولاً: لأُعذِّبنَّه عذاباً شديداً، ثانيأ: أو لأذبحنَّه، ثالثاً: أو ليأتينّي بسلطان مبين.
نعم استخدم النبي العادل سياسة الحزم ووضع العقوبات الصارمة، لكنه أبقى مجالاً للعذر، وهكذا القيادة الناجحة لا تبطش بالغير لأجل المخالفة، ولا تعاقب مع كل خطأ، بل تفتح نافذة للتوضيح وبيان سبب التقصير، حتى لا يقع الظلم، ويحصل الاستبداد.
نعم قد غاب الهدهد ولكنه غياب لم يطل ( فمكث غير بعيد)، فجاء وألقى على سليمان سبب غيابه وأنه ذهب في مهمة إصلاح، وهل كانت دعوة سليمان وملكه إلا لأجل الإصلاح في الأرض.
فقال الهدهد: ( أحطت بما لم تحط به)، عبارة مختصرة تبين سبب غيابه، أنه لشأن عظيم.
نعم هي جملة مختصرة لكنها تحمل في طياتها دروس ودلالات، وهي أنَّ الحكمة والفائدة تؤخذ ممن هو أقل، فربما أخذ القوي الصواب من الضعيف، وربما أرشد العالمَ المقصرُ، وربما أخذ الكبيرَ التوجيه من الصغيرِ، فإياك إياك أن ترد أي حقَّ لأجل صغر قائله، أو تقصيره، أو التقليل من شأنه.
إن هذه العبارة ( أحطت بما لم تحط به)، تدل على أهمية نقل الأخبار لولي الأمر لأجل الإصلاح، فهذا الهدهد قطع المسافات الشاسعة، فغادر الشام وهو المكان الذي فيه سليمان عليه السلام، إلى أن وصل إلى اليمن، فرأى الانحراف هناك، فجاء ينقل هذا الأمر للنبي سليمان ليقيمه ويصلحه.
ثم عبَّر الهدهد بعد أن رأى الخبر بقوله: (وجئتك من سبأ بنبأٍ يقين)، جاء بخبر متقين، وليس مجرد سماع حكايات، ولا تداول أخبار وإشاعات، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يجوز نقل الأخبار للقيادة والتي ينبني عليها قرارات وتغييرات وعقوبات إلا بعد تأكد منها ويقين من صحتها.
نعم .. لقد غاب عن سليمان أمر شرك أهل اليمن، لأنه بشر لا يعلم الغيب، وهذه رسالة توضح عجز الإنسان وضعفه، فمهما بلغ من ملك وقوة ومتابعة وتدقيق يبقى فيه القصور البشري أمر لازم لازب.
وبعد أن قدَّم الجندي الهدهد عذر غيابه، بدأ في سرد ما رأى، فقدم مقدمة فيها تعريف بالمرأة ومكانها، وملكها ومكانتها، فقال: { إني وجدت امرأة تملكهم وأُوتيت من كل شيء} من المال والجنود، والسلاح والحصون، {ولها عرش عظيم}، أي كرسي تجلس فيه يشد الأبصار ويدعو إلى الإبهار.
ثم بعد المقدمة بدأ في ذكر المضمون والأمر الجلل الذي أدهشه فقال: { وَجَدْتُهَا
وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}.
إنه انحراف سحيق في العبودية حينما يصل العبد إلى الوثنية فيعطل توحيد الله ويعبد غيره، وما كان العبد ليصل إلى هذا الدركات المظلمة من الانحراف لولا تزيين الشيطان له، وأخطر انحراف يصل إليه العبد أن ينغمس في سوء فعله، ثم يراها حسنه، ( أفمن زيُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً).
وإذا وصل العبد إلى هذه الحال، تغطت بصيرته عن رؤية الحق، وتعطلت أحاسيسه عن اسنكار الباطل، فهو يرى المحرم حرية، والربا مكسباً، والتعري تحضراً، وإشاعة مقدمات الفواحش تقدماً، ولكنه في الحقيقة والواقع( لا يهتدون).
أما الهدهد فقد أدركت بصيرته انحراف هذا الإنسان، ثم أنهى تقريره لسليمان، بإقرار التوحيد الحق فقال :{ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }.
انتهى بيان الهدهد المختصر، فماذا صنع سليمان عليه السلام أمام هذا الخبر الذي يصادم رسالته ومشروعه الذي بُعث من أجله، هل أرسل جنده ليبطشوا بالملكة ومن معها؟ هل أصدر قرراً مصيرياً بعد أن سمع ما سمع؟ كلا ، وإنما سلك مبدأ التثبت فقال: { قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، وهذه هي القيادة
الناجعة، ليست متعجلة في إصدار أي قرار، إلا بعد التأكد ومعرفة دقة الأخبار.
أعطى سليمانُ الهدهد الخطاب، وأمر بأمور أربعة، أولاً الذهاب إليهم، ثانياً إلقاؤه الكتاب على الملكة، ثالثاً انصرف عنهم، رابعاً انظر ماذا يكون ردِّ فعلهم.
قرأت الملكة الخطاب، وإذا مضمونه الدعوة إلى وحدانية الله، والأمر بالدخول تحت ملك سليمان، وعدم الإباء والاستكبار{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.
جمعت الملكة مستشاريها لأخذ الآراء، ولجعلهم شركاء في المسئولية، فأشارت البطانة الفاسدة: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
وكانت المرأة قد خافت على ملكها ومستقبلها وبلدها، فقالت: { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} أي بالقتل والسلب والظلم، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} أي بالأسر والمعاملة المهينة، قال الله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، وهذا تصوير لحال الملوك الظالمين وليس العدول.
وكان من دهاء المرأة وسياستها أن قررت أن تشتري مواقف سليمان بالمال والهدايا فكان قراراها: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
إن هذه العبارة ( أحطت بما لم تحط به)، تدل على أهمية نقل الأخبار لولي الأمر لأجل الإصلاح، فهذا الهدهد قطع المسافات الشاسعة، فغادر الشام وهو المكان الذي فيه سليمان عليه السلام، إلى أن وصل إلى اليمن، فرأى الانحراف هناك، فجاء ينقل هذا الأمر للنبي سليمان ليقيمه ويصلحه.
ثم عبَّر الهدهد بعد أن رأى الخبر بقوله: (وجئتك من سبأ بنبأٍ يقين)، جاء بخبر متقين، وليس مجرد سماع حكايات، ولا تداول أخبار وإشاعات، وفي هذا إشارة إلى أنه لا يجوز نقل الأخبار للقيادة والتي ينبني عليها قرارات وتغييرات وعقوبات إلا بعد تأكد منها ويقين من صحتها.
نعم .. لقد غاب عن سليمان أمر شرك أهل اليمن، لأنه بشر لا يعلم الغيب، وهذه رسالة توضح عجز الإنسان وضعفه، فمهما بلغ من ملك وقوة ومتابعة وتدقيق يبقى فيه القصور البشري أمر لازم لازب.
وبعد أن قدَّم الجندي الهدهد عذر غيابه، بدأ في سرد ما رأى، فقدم مقدمة فيها تعريف بالمرأة ومكانها، وملكها ومكانتها، فقال: { إني وجدت امرأة تملكهم وأُوتيت من كل شيء} من المال والجنود، والسلاح والحصون، {ولها عرش عظيم}، أي كرسي تجلس فيه يشد الأبصار ويدعو إلى الإبهار.
ثم بعد المقدمة بدأ في ذكر المضمون والأمر الجلل الذي أدهشه فقال: { وَجَدْتُهَا
وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}.
إنه انحراف سحيق في العبودية حينما يصل العبد إلى الوثنية فيعطل توحيد الله ويعبد غيره، وما كان العبد ليصل إلى هذا الدركات المظلمة من الانحراف لولا تزيين الشيطان له، وأخطر انحراف يصل إليه العبد أن ينغمس في سوء فعله، ثم يراها حسنه، ( أفمن زيُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً).
وإذا وصل العبد إلى هذه الحال، تغطت بصيرته عن رؤية الحق، وتعطلت أحاسيسه عن اسنكار الباطل، فهو يرى المحرم حرية، والربا مكسباً، والتعري تحضراً، وإشاعة مقدمات الفواحش تقدماً، ولكنه في الحقيقة والواقع( لا يهتدون).
أما الهدهد فقد أدركت بصيرته انحراف هذا الإنسان، ثم أنهى تقريره لسليمان، بإقرار التوحيد الحق فقال :{ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }.
انتهى بيان الهدهد المختصر، فماذا صنع سليمان عليه السلام أمام هذا الخبر الذي يصادم رسالته ومشروعه الذي بُعث من أجله، هل أرسل جنده ليبطشوا بالملكة ومن معها؟ هل أصدر قرراً مصيرياً بعد أن سمع ما سمع؟ كلا ، وإنما سلك مبدأ التثبت فقال: { قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}، وهذه هي القيادة
الناجعة، ليست متعجلة في إصدار أي قرار، إلا بعد التأكد ومعرفة دقة الأخبار.
أعطى سليمانُ الهدهد الخطاب، وأمر بأمور أربعة، أولاً الذهاب إليهم، ثانياً إلقاؤه الكتاب على الملكة، ثالثاً انصرف عنهم، رابعاً انظر ماذا يكون ردِّ فعلهم.
قرأت الملكة الخطاب، وإذا مضمونه الدعوة إلى وحدانية الله، والأمر بالدخول تحت ملك سليمان، وعدم الإباء والاستكبار{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}.
جمعت الملكة مستشاريها لأخذ الآراء، ولجعلهم شركاء في المسئولية، فأشارت البطانة الفاسدة: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
وكانت المرأة قد خافت على ملكها ومستقبلها وبلدها، فقالت: { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} أي بالقتل والسلب والظلم، {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} أي بالأسر والمعاملة المهينة، قال الله: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، وهذا تصوير لحال الملوك الظالمين وليس العدول.
وكان من دهاء المرأة وسياستها أن قررت أن تشتري مواقف سليمان بالمال والهدايا فكان قراراها: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا إخوة الإيمان ، ووصلت هدية الملكة إلى سليمان عليه السلام، فغضب من هذا الرد في شراء الذمم، فهو إن قبل عطيتها وسكت، فقد سكت عن أمر عظيم، ولذا جاء الرفض الحازم لأي مصلحة شخصية في مقابل دين الله.
وهذه رسالة لكل مؤمن أن لا يسكت في تبليغ حق، ولا يصمت عن باطل من أجل لعاعة من الدنيا تقدَّم.
نعم ليس محرماً قبول هدايا الكفار، فخير البشر قد قبل هديا المشركين وملوك الأرض، وإنما الشأن أن تكون هذه المنحة والأعطية لأجل تقديم التنازلات أو تمييع الثوابت والمسلمات، ولهذا جاء الجواب يقطر رفضاً وغضباً من سليمان: { أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
ثم أعلن الحرب النفسية قبل العسكرية على الملكة ومن معها بقوله: { ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وصلت رسالة سليمان إلى بلقيس، وتيقنت الملكة من حديث رسلها أنها لا طاقة لها ولا قومها بالحرب والمقاومة، وأن الحل في الاستسلام والدخول في الإسلام.
وعرف بعدها سليمان عليه السلام أن المرأة ستقدم وقومها ذاعنين مسلمين، فجمع مستشاريه وعرض عليهم خطة تجعلهم يستجيبون عن قناعة وصدق لا عن استسلام فقط، فقال: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}
فجاء العرض الأول من عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك، ثم جاء العرض الأدهى ممن عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
وفي غمضة عين وسرعة مذهلة إذا عرش المرأة يُحضَّرُ من اليمن إلى الشام بين يدي سليمان قدر غمضة العين وفتحها، وهذه سرعة خارقة في التنفيذ لم تعرفها البشرية أبداً، ولن تصل إليها مطلقاً.
رأى سليمان عرش الملكة بين يديه فما زهي ولا بطر، ولا انتفش أو استكبر، وإنما تواضع وحمد وشكر، فقال: { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
بعدها أمر سليمان أن يغير معالم عرش الملكة ليختبر إدراكها وفطنتها، فقال:{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.
وصلت المرأة إلى سليمان مذعنة مسلمة، وقيل لها: {أهكذا عرشك}، فعرفته، لكنها شكت، فأجابت بجواب فطن، قالت: كأنه هو، وهذا من ذكائها، لوجود التغير الذي طرأ عليه، فهي لم تقل هو، ولم تنفه أنه هو لأنها عرفتها، فأتت بهذا اللفظ المحتمل، فقال سليمان متعجباً من ذكائها وعقلها:{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.
وهكذا انتهت فصول هذه القصة بهذه الخاتمة الجميلة الحسنة ودخول أهل سبأ في رسالة سليمان، وما كان هذا الخير العميم ليحصل لأهل سبأ إلا بفضل الله، ثم بدور من الهدهد وأمانته في نقل الأخبار، وسعيه في إصلاح هذا الانحراف.
تلك عباد الله قصص حقٌّ من الملك الحق{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية...
نعم ليس محرماً قبول هدايا الكفار، فخير البشر قد قبل هديا المشركين وملوك الأرض، وإنما الشأن أن تكون هذه المنحة والأعطية لأجل تقديم التنازلات أو تمييع الثوابت والمسلمات، ولهذا جاء الجواب يقطر رفضاً وغضباً من سليمان: { أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}
ثم أعلن الحرب النفسية قبل العسكرية على الملكة ومن معها بقوله: { ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وصلت رسالة سليمان إلى بلقيس، وتيقنت الملكة من حديث رسلها أنها لا طاقة لها ولا قومها بالحرب والمقاومة، وأن الحل في الاستسلام والدخول في الإسلام.
وعرف بعدها سليمان عليه السلام أن المرأة ستقدم وقومها ذاعنين مسلمين، فجمع مستشاريه وعرض عليهم خطة تجعلهم يستجيبون عن قناعة وصدق لا عن استسلام فقط، فقال: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}
فجاء العرض الأول من عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك، ثم جاء العرض الأدهى ممن عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
وفي غمضة عين وسرعة مذهلة إذا عرش المرأة يُحضَّرُ من اليمن إلى الشام بين يدي سليمان قدر غمضة العين وفتحها، وهذه سرعة خارقة في التنفيذ لم تعرفها البشرية أبداً، ولن تصل إليها مطلقاً.
رأى سليمان عرش الملكة بين يديه فما زهي ولا بطر، ولا انتفش أو استكبر، وإنما تواضع وحمد وشكر، فقال: { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
بعدها أمر سليمان أن يغير معالم عرش الملكة ليختبر إدراكها وفطنتها، فقال:{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.
وصلت المرأة إلى سليمان مذعنة مسلمة، وقيل لها: {أهكذا عرشك}، فعرفته، لكنها شكت، فأجابت بجواب فطن، قالت: كأنه هو، وهذا من ذكائها، لوجود التغير الذي طرأ عليه، فهي لم تقل هو، ولم تنفه أنه هو لأنها عرفتها، فأتت بهذا اللفظ المحتمل، فقال سليمان متعجباً من ذكائها وعقلها:{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.
وهكذا انتهت فصول هذه القصة بهذه الخاتمة الجميلة الحسنة ودخول أهل سبأ في رسالة سليمان، وما كان هذا الخير العميم ليحصل لأهل سبأ إلا بفضل الله، ثم بدور من الهدهد وأمانته في نقل الأخبار، وسعيه في إصلاح هذا الانحراف.
تلك عباد الله قصص حقٌّ من الملك الحق{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
صلوا بعد ذلك على خير البرية، وأزكى البشرية...
المرفقات
قصة سليمان مع الهدهد.docx
قصة سليمان مع الهدهد.docx