قصة الليث ابن أنيس

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/02/25 - 2024/08/29 09:33AM


قصة الليث عبد الله بن أُنيس ( راشد البداح – الزلفي ) 26 صفر 1446 هـ


حَمْداً للهِ الذي وسِعَ كلَ شيءٍ رحمةً وعِلمًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُوحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، المنعوتُ بأشرفِالصفاتِ حِكمةً وحُكماً. وعلى آلِهِ وأزواجهِ وصحبهِ الحائزينَ نِعَماً جمّاً، أما بعدُ:

يا عبدَ اللهِ: أتعرِفُ قصةَ الصحابيِ البطلِ اللَّيْثِ عبدِ الله بنِ أُنيسٍ –رضيَ اللهُ عنهُ-؟! إنها قصةُ طاعةٍ وشجاعةٍ، وذكاءٍ وزكاءٍ. وليتَ المجالسَتُعمَرُ بمثلِ هذهِ البطولاتِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: مَنْ لِي بِخَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ. إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّه يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي؟! المهمةُصعبةٌ، والعدوُ يَتوقدُ ذكاءً وفتكًا، ولكنَّ عبدَ اللهِ أذكَى وأشجعُ،  والدفاعُعن الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- أوجَبُ، لكنَّ الشُقَّةَ بعيدةٌ، والطريقُمَخُوفةٌ، مِنَ المدينةِ إلى مكةَ أربعُمائةٍ وثلاثونَ كيلوًا، وتُقْطَعُ بالإبلِ في أربعةِ أيامٍ.

لكنَّ البطلَ المِغْوَارَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ لمْ يترَدَّدْ. فَقالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ[وَالَّذِي أَكْرَمَكَ]() قَالَ: هُوَ بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ.

أواحِدٌ يَقتلُ رئيسَ جيشٍ بين حُراسِهِ؟! واحدٌ لا مُصاحِبَ ولا نَصيرَ له، لكنَّ اللهَ عَضُدُه ونَصيرُه، بِه يحُولُ، وبِه يصُولُ. ولكنَّ عبدَ اللهِ عندَهُمشكلةٌ، أنه سيَلقَى عَدُوًا لا يَعرفُ وجهُهُ!

قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْعَتْهُ لِيَ حَتَّى أَعْرِفَهُ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ هِبْتَهُ [و]وَجَدْتَ لَهُ إِقْشَعْرِيَرَةً. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا هِبْتُ شَيْئًا قَطُّ.

للهِ أنتَ يا ابنَ أُنيسٍ ما أَشجعَكَ، وأَجْسرَ قلبَكَ، لكنْ برغمِ شجاعتِك فإن الذي لا يَنطِقُ عن الهَوَى أخبرَكَ برَهبةٍ ستقَعُ منكَ لا محالةَ.

خَرجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ، يدَّرِعُ سوادَ الليلِ، ويُقطِّعُ الفِجاجَ، ويَنتهِزُالإدْلاجَ، يَصعَدُ جَبَلاً، ويَنحدِرُ مِن جَبَلٍ، يَريدُ أن يَنْهَبَ الدقائقَنَهبًا. حتى وَصَلَ مَشارِفَ مكةَ.

قَالَ: حَتَّى وَقَعْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ [يَوْمَئِذٍ قِبَلَ عَرَفَةَ]()، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ [رُعِبْتُ مِنْهُ حِينَ رَأَيْتُهُ، فَعَرَفْتُ حِينَ قَرُبْتُ مِنْهُ أَنَّهُ كمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ]() ووَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِيَ مِنَ الْإِقْشَعْرِيرَةِ. اللهُ أكبرُ! إنها آيةٌ عجيبةٌ!.

قَالَ: فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ [قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ]()وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِئُ بِرَأْسِي الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ، [فَصَلَّيْتُ الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَشْفَقْتُ أَنْ يَرَانِيَ]().

أرأيتَ كيفَ أن الصلاةَ شُغْلُهمْ الشاغلُ، حتى في حالِ الحربِ والخوفِ، فأينَ الذي ينامُ عن صلاةِ الظهرِ والعصرِ لا يبالي؟!

قَالَ الصِّنْديدُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ: فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ، وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجَاءَكَ لِهَذَا، قَالَ: أَجَلْ أَنَا فِي ذَلِكَ.

إنها رَبَاطَةُ جأشٍ، وخَدْعَةُ حَرْبٍ. قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ السَّيْفَ، حَتَّى قَتَلْتُهُ. لقَدْ تَمَّتْ المهمةُ بكلِّ بَسالةٍودِقةٍ وسُرعةٍ.

قَالَ الضِّرغامُ ابْنُ أُنَيْسٍ: ثُمَّ خَرَجْتُ، وَتَرَكْتُ نساءَهُ مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ، [حَتَّى غَشِيتُ الْجَبَلَ، فَمَكَثْتُ فِيهِ، حَتَّى إِذَا هَدَأَ النَّاسُ عَنِّي خَرَجْتُ]() فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فَرَآنِي فَقَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ.

إي والله! أفلحَ الوجهُ الذيْ يُنفِّذ أمرَ رسولِ اللهِ، ويُدافِعُ عن عِرْضِرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-

قُلْتُ: قَتَلْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: صَدَقْتَ. يُصدِّقُه؛ لأنَّ الوحيَ سَبَقَهُيُبشِّرُهُ.

لكنْ ما الجائزةُ التي يَستحقُّها هذا البطلُ المؤمنُ. أتدرِيْ ما الجائزةُ؟!

قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَامَ مَعِي صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فَدَخَلَ بِي بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ يَوْمَئِذٍ. فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللهِ بِسَيْفِهِ،فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ [وُضِعَتْ عَلَى بَطْنِهِ، وَكُفِّنَ، وَدُفِنَ، وَدُفِنَتْ مَعَهُ]()().

(إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، مَا شَاءَ اللهُ جَعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمَا شَاءَ جَعَلَ خَلْفَهُ)() وصلى اللهُ وسلمَ على المبعوثِ بأكملِ المِللِ وأزكاهَا، ورضِيَ اللهُ عنْأصحابِهِ أعلمِ الأمةِ وأتقاها، أما بعدُ:

فلقد منَّ اللهُ على أمَّتنا بعظماءَ صَحِبوا رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فآوَوْا ونَصَرُوْا.

ولِذا قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ().

فلْنَلْقَ ربَّنا بمعرِفةِ سيرةِ الصحابةِ وبمحبتهم والترضي عنهم كلهم،وبالدعاء لهم قائِلِيْنَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

• اللهم ارضَ عن الصحابةِ أجمعينَ، واجمعنا بهم وبنبيِنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-
• اللهم يا خيرَ من دُعيَ، وخيرَ من سئلَ، يا أهلَ التقوى، ويا أهلَ المغفرةِ: نيألك أن تغفر ذنوبنا، وتستر عيوبنا
• اللهم احفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وأعراضَنا، وزِدْنا تَبصُّرًا بكيدِ متبعِي الشهواتِ، الذين يُريدونَ أن نَميلَ ميلاً عظيمًا.
• اللهمَّ احمِ مقدساتِنا وحدودَنا، واحفظْ مجاهدِينا وجنودَنا، واشفِ مَرضانا، وارحمْ موتانا، وأحسِن منقلبنَا ومثوانا.
• اللهم احفظْ وليَ أمرِنا، ووليَ عهدِه، وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ، وكيدَ الفجارِ، والحاسدينَ والمتربصينَ.

المرفقات

1724913225_‎⁨قصة الليث عبد الله بن أنيس⁩.docx

1724913226_‎⁨قصة الليث عبد الله بن أنيس⁩.pdf

المشاهدات 869 | التعليقات 0