قصة الفيل وشرف خدمة البيت

هلال الهاجري
1436/12/11 - 2015/09/24 14:16PM
الحمدُ للهِ الذي وفقَّ عبادَه الطَّائعينَ لأداءِ فريضةِ الحجِّ، ودعاهم فلبَّوا وأتوا من كلِّ بلدٍ وفجٍّ .. امتثالاً لأمرِه تعالى: (وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ * لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ) .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يُنعمُ على حُجَّاجِ بيتِه الحرامِ بالمغفرةِ والرِّضوانِ والإكرامِ .. وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصفيِّه من خلقِه وخليلِه، خيرَ من حجَّ واعتمرَ وصلَّى وصامَ، بيَّنَ لنا المناسكَ والأحكامَ، فقالَ عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأكملُ السَّلامِ: (خذوا عني مناسكَكم)، فيا ربِّ صلِّ على الهادي البشيرِ وعلى آلِه الطَّاهرينَ وصحابتِه الغُرِّ الأعلامِ ومن اقتدى واهتدى بهداهم على الدَّوامِ .. أما بعد:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)
جهَّزَ أَبرهةُ جيشًا، وخرجَ قاصدًا "البيتَ الحرامَ" ليهدمَه، وهزمَ في طريقِه جيشًا من أهلِ اليمنِ، وجيشًا آخرَ من قبيلةِ خثعمٍ، واستسلمْ له أهلُ الطائفِ، وبعثوا معه دليلاً يُسمَّى "أبو رِغالٍ"، كانت العربُ ترجمُ قبرَه كلَّما مرَّتْ به لخيانتِه .. ولمَّا وصلَ جيشُ أبرهةَ مكَّةَ المُكرَّمةِ، أصابَ مائتي بعيرٍ لعبدِ المُطَّلبِ بنِ هشامٍ سيِّدِ مكةَ، فلمَّا قابلَ عبدُ المطَّلبِ أبرهةَ طلبَ منه أن يَردَّ له بُعرانَه المائتينِ، فقالَ له أبرهةُ متعجِّبًا: كنتُ أنتظرُ منك أن تحدِّثني عن هدمِ البيتِ الذي تطوفونَ حولَه .. فقالَ له عبدُ المطَّلبِ: (أنا ربُّ الإبلِ، وللبيتِ ربٌّ يحميه) .. فأرجعَ أبرهةُ له الإبلَ التي أصابها جيشُه، فلمَّا انصرفوا عنه، ذهبَ عبدُ المطَّلبِ إلى قريشٍ وأخبرَهم بما جرى، وأمرهم بالخروجِ من مكَّةَ والتحرُّزِ في رؤوسِ الجبالِ خوفًا عليهم من معرَّةِ الجيشِ .. وقامَ عبدُ المطَّلبِ وأخذَ حلقةَ بابِ الكعبةِ المشرَّفةِ، ومعه نُفرٌ يَدعونَ اللهَ ويستنصرونَه على أبرهةَ وجندِه .. وقالَ عبدُ المطَّلبِ وهو آخذٌ بحلقةِ بابِ الكعبةِ:
اللهمَّ إنَّ العبدَ يمنعُ رحلَه، فامْنَع رِحالَك.
لا يَغلِبَّنَّ صليبُهم ومُحالهُم أَبداً مِحالَك.
إِنْ كنتَ تارِكَهُمْ وقِبلَتَنا فَأمُرْ ما بدَا لكْ.
ثمَّ أرسلَ عبدُ المطَّلبِ حلقةَ بابِ الكعبةِ، وانطلقَ هو ومَن معه مِن قريشٍ إلى شَعفِ الجبالِ يتحرَّزونَ فيها، ينتظرونَ ما أبرهةُ فاعلٌ .. فلمَّا أصبح أبرهة، تهيَّأ لدخولِ مكَّةَ، وهيَّأ فيلَه، وعبَّى جيشَه .. وكانَ اسمُ الفيلِ: "محمودٌ" .. فلمَّا وجَّهوا الفيلَ إلى مكَّةَ، أقبلَ نفيلُ بنُ حبيبٍ حتَّى قامَ إلى جَنبِ الفيلِ، ثمَّ أخذَ بأذنِه، فقالَ: اُبركْ محمودٌ، وارجعْ راشدًا من حيثُ أتيتَ، فإنَّك في بلدِ اللهِ الحرامِ، وأرسلَ أُذنَه، فبركَ الفيلُ.
وخرجَ نفيلُ بنُ حبيبٍ يشتدُّ حتى أُصعدَ في الجبلِ، وضربوا الفيلَ ليقومَ فأبى، فضربوا رأسَه ليقومَ، فأبى، فوجَّهوه راجعًا إلى اليمنِ، فقامَ يُهرولُ، ووجَّهوه إلى الشَّامِ ففعلَ مثلَ ذلك، ووجَّهوه إلى المشرقِ، ففعلَ مثلُ ذلك، ووجَّهوه إلى مكَّةَ فبركَ.
وأرسلَ اللهُ على أبرهةَ وجيشِه أسرابًا من طُيورٍ من البَحرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ، معَ كلِّ طائرٍ منها ثلاثةُ أحجارٍ يحملُها، حجرٌ في منقارِه، وحجرانِ في رجليه، أمثالُ الحُمِّصِ والعَدسِ لا تُصيبُ منهم أحدًا إلا هلكَ، وليسَ كلَّهم أَصابتْ .. وولَّى من نجوا الأدبارَ هاربينَ، يبتدرونَ الطَّريقَ التي منها جاءوا .. فخرجوا يتساقطونَ بكلِّ طريقٍ ويهلكونَ بكلِّ مَهلكٍ على كلِّ منهلٍ.
وَجَعَلَ نفيلٌ يقولُ وهو فوقَ الجبلِ:
أين المفرُّ والإلهُ الطالبُ *** والأشرمُ المغلوبُ ليس الْغَالِبُ
وأُصيبَ أبرهةُ في جسدِه، وخرجوا به معهَم يسقطُ أُنملةً أُنملةً، كلَّما سقطتْ أُنملةٌ خرجَ مكانَها قيحٌ ودمٌ حتَّى قَدموا به صَنعاءَ، وهو مِثلُ فَرخِ الطَّائرِ .. فما ماتَ حتَّى انصدعَ صدرُه عن قلبِه.
يا أهلَ الإيمانِ ..
هذا موقفٌ من مواقفِ تعظيمِ اللهِ تعالى لبيتِه الحرامِ .. وأن له قَدْراً عظيماً عندَ اللهِ وعندَ النَّاسِ .. فإذا كانَ من نوى فيه المعصيةَ فإنَ له عذاباً أليماً .. (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .. قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه: (لو أنَّ رجلاً أرادَ بإلحادٍ فيه بظلمٍ وهو بِعَدَنٍ أَبْيَن لأذاقَه اللهُ من العذابِ الأليمِ) .. فكيفَ بمن يتعدى ويريدُ السُّوءَ ببيتِ اللهِ الحرامِ.
ومن مكانةِ البيتِ المُباركِ .. قولُه تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أن لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) .. فالآمرُ هو اللهُ تعالى .. والمأمورُ هو خليلُه ونبيُّه إبراهيمُ الكريمُ .. والأمرُ هو بتطهيرِ بيتِه العظيمِ .. من النجاساتِ الحِسيَّةِ كالرِّجسِ والأقذارِ .. ومن النجاساتِ المعنويَّةِ كالشِّركِ والأوزارِ .. ليكونَ جاهزاً ومُهيَّأً لأهلِ العبادةِ وضيوفِ الرَّحمنِ .. من الحجَّاجِ والمُعتمرينَ والمُصلِّينَ والمُعتكفينَ.
فهلْ رأيتُم يا عبادَ اللهِ .. شرفَ خدمةِ بيتِ اللهِ الحرامِ .. وأنَّه سنَّةُ أبي الأنبياءِ الكِرامِ .. عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ .. بل هو أمرُ اللهِ تعالى ذي الجلالِ والإكرامِ.
وهكذا كانَ نبيُّنا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في تعظيمِ الكعبةِ وتطهيرِها .. ففي فتحِ مكةَ مَرَّ الْأَنْصَارُ وَعَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟، قَالَ: (مَا قَالَ؟)، قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: (كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ).
قالَ ابنُ حجرَ رحمَه اللهُ في شرحِ الحديثِ: (فَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكْسُوهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ)
وأزالَ من البيتِ معالمَ الشركِ والجاهليَّةِ .. ليكونَ طاهراً لأهلِ التَّوحيدِ والعبوديَّةِ .. فَعَن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ).
وهكذا توالى الخلفاءُ والصَّحابةُ والملوكُ في المنافسةِ على العنايةِ ببيتِ اللهِ تعالى وكُسوتِه كلِّ عامٍ .. وشرفِ القيامِ على غسيلِه وطهارتِه في كلِّ الأزمانِ.
ومن ذلكَ ما ذكرَه السِّنجاريُّ في كتابِه مَنائحِ الكَرمِ في حوادثِ سنَّةِ ألفٍ وتسعٍ وثلاثونَ للهجرةِ؛ حيثُ ذَكرَ أنه في يومِ الأربعاءِ التَّاسعَ عشرَ من شعبانَ وقعَ مطرٌ شديدٌ، ودخلَ المسجدَ الحرامَ، وغَرِقَ أُمَّةٌ من النَّاسِ، ودخلَ البُيوتَ، وأَخرجَ أمتعةَ العالمِ إلى أسفلِ مكةَ، وباتَ السَّيلُ بالمسجدِ إلى الصُّبحِ، ونَزلَ مع المطرِ بَردٌ كثيرٌ، وفي اليومِ التَّالي نزلَ شريفُ مكةَ مسعودٌ بنُ إدريسَ بنفسِه إلى المسجدِ الحرامِ، وأمرَ بفتحِ سِربِ بابِ إبراهيمَ، فخرجَ الماءُ إلى أسفلِ مكةَ، وقد سَقطَ الجانبُ الشَّاميُّ من الكعبةِ المشرفةِ، وسقطَ بعضٌ من الجدارينِ الشَّرقيِّ والغَربيِّ، وكانَ لذلك وقعةٌ مهيلةٌ، فنزلَ الشَّريفُ مسعودٌ بنفسِه، وأمرَ بتنظيفِ المسجدِ، وإفرازِ الحجارةِ، بعد أن رفعَ الميزابَ وما وجدوه من قناديلِ الذَّهبِ، ووُضعتْ في مخزنٍ عندَ حاجبِ البيتِ الحرامِ، بعد أن تمَّ تقييدُ ذلك كلِّه بحضرةِ شريفِ مكةَ، ثُمَّ في يومِ الجُمعةِ أمرَ بالنِّداءِ العامِ في البلدِ بالتَّنظيفِ، ونَزلَ بنفسِه فنظفَه العَامَّةُ والخاصةُ.
حتى أهلَ مكةَ عرفوا المسئوليَّةَ الواقعةَ على أعتاقِهم .. فلا زالوا يعرفونَ لضيوفِ الرَّحمنِ مكانتَهم .. ويبذلونَ الجُهدَ في مساعدتِهم وضيافتِهم .. ولا عجبَ في ذلكَ .. فإذا كانَ في الجاهليَّةِ يتفاخرونَ بضيافةِ النَّاسِ وإطعامِهم .. فكيفَ بأهلِّ الإسلامِ .. الذين يرجونَ ما عندَ اللهِ من الإكرامِ .. ويتمنونَ أن يُدخلَهم دارَ السَّلامِ.
قَالَ ابنُ بطوطةَ في رحلتِه يصفُّ أهلَ مكةَ: ولأهلِ مكةَ الأفعالُ الجميلةُ، والمكارمُ التَّامةُ، والأخلاقُ الحسنةُ، والإيثارُ إلى الضُّعفاءِ والمنقطعينَ، وحُسنُ الجِوارِ للغرباءِ؛ ومن مكارمِهم أنَّهم متى صنعَ أحدُهم وليمةً يبدأُ فيها بإطعامِ الفقراءِ المنقطعينَ المجاورينَ، ويستدعيهم بتلطُّفٍ ورفقٍ وحُسنِ خُلُقٍ، ثم يُطعمُهم .. وقالَ: وأكثرُ المساكينِ المنقطعينَ يكونونَ بالأفرانِ؛ حيثُ يطبخُ النَّاسُ خبزَهم، فإذا طَبخَ أحدُّهم خبزَه واحتملَه إلى منزلِه فيتبعُه المساكينُ؛ فيعطي لكلِّ واحدٍ منهم ما قَسمَ له، ولا يَردُّهم خائبينَ، ولو كانتْ له خُبزةٌ واحدةٌ فإنه يعطي ثُلُثَها أو نصفَها طَيِّبَ النَّفسِ بذلك من غَيرِ ضَجرٍ.
فهنيئاً لأهلِه ذلكَ الشَّرفُ والفضلِ .. كيفَ لا وهم في قبلةِ المسلمينَ .. وإلى بلادِهم تهفو القلوبُ بالحنينِ .. ومنذُ أن دعا إلى زيارتِه إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ .. كما قالَ تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) .. استجابَ عبادُ الرَّحمنِ للنِّداءِ الصَّادقِ .. وردَّدوا دعاءَ التَّوحيدِ: لبيكَ اللهمَّ لبيكَ .. لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ .. إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ والملكُ .. لا شريكَ لك .. فطوبى لوفدِ اللهِ تعالى .. دعاهم فأجابوه .. وسألوه فأعطاهم.
دعاهُم إلى البيتِ العتيقِ زيارةً *** فيَا مرحَبًا بالزائِرين وأكرمُ
فلِلهِ ما أبْهَى زيارتَهُمْ لهُ *** وقدْ حُصِّلتْ تلكَ الجَوائزُ تُقْسَمُ
وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ *** وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ
أقولُ ما تَسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدا طَيِّبا كَثيرا مُبارَكا فِيه كَمَا يُحبُّ رَبُّنا ويَرضى, نَحمَدُهُ سُبحانَهُ ونشكُرُه، ونتُوبُ إليه ونستَغفِرُهُ، ونشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ، شهادَةً نرجو بها النَّجاةَ يومَ نَقدُمُهُ .. ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ ومَنْ اقتفى أثَرُهُ .. أمَّا بعدُ:
فاعلموا أن ما يلقاهُ بيتُ اللهِ الحرامِ في هذه الأيامِ من العنايةِ والتَّعظيمِ لهو شيءٌ يفوقُ الوصفَ .. توسعةٌ عظيمةٌ تَسِعُ الملايينَ .. ومصنعٌ خاصٌ لكُسوةِ الكعبةِ بأفضلِ التَّقنياتِ والأيدي الحِرفيَّةِ .. نظافةٌ وصيانةٌ على مدارِ السَّاعةِ .. ماءُ زمزمٍ في كلِّ وقتٍ وحينٍ .. أمنٌ وأمانٌ .. عبادةٌ واطمئنانُ .. وأجواءٌ مليئةٌ بالسَّعادةِ والإيمانِ .. وصدقَ اللهُ تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).
وأما خِدمةُ الحُجَّاجِ فهو أغربُ من الخيالِ .. استنفارٌ للجميعِ .. حكومةً وشعباً وعلى رأسِهم المَلكُ .. أجهزةُ الأمنُ بجميعِ قطاعاتِها، والصِّحةُ وكلُّ أقسامِها، والدوائرُ الحكوميةُ وسائرُ خدماتِها، فأمنُ الحُجاجِ خطٌ أحمرُ .. وراحتُهم غايةٌ عظمى .. إرشادٌ وعِنايةٌ .. إطعامٌ وسِقايةٌ .. معالمُ التَّوحيدِ ظاهرةٌ .. ومظاهرُ الشِّركِ داحرةٌ .. معروفٌ به يُؤمرُ .. ومنكرٌ عنه يُنهى .. اجتماعُ الملايينَ من بلادٍ مُختلفةٍ .. وعاداتٍ مُختلفةٍ .. في مكانٍ واحدٍ .. وفي وقتٍ واحدٍ.. وتفويجُهم من مَنسكٍ إلى منسكٍ .. بانسيابيَّةٍ تامَّةٍ .. وعنايةٍ هامَّةٍ .. فحُقَّ لهذهِ البلدِ أن تفخرَ بشرفِ خدمةِ البيتِ .. وشرفِ ضيافةِ الحاجِّ .. حتى يَرجعَ إلى أهلِه سليماً مُعافاً، قد حازَ الأجرَ وأدَّى فريضةَ اللهِ تعالى، فلتُحافظوا يا أهلَ المسجدِ الحرامِ .. على هذه النِّعمةِ بشُكرِ ذي الفضلِ والإنعامِ.
وإن كانَ قد تقعُ بعضُ الحوادثِ .. ويموتُ بعضُ الحُجَّاجِ .. فإن كانَ من تَقصيرِ فالحسابُ .. وإن كانَ من تفريطٍ فالعقابُ .. ولو كانَ هذا الاجتماعُ في غيرِ طاعةِ اللهِ تعالى .. لرأيتَ الخِصامَ و الاختلافَ .. ولكانتْ الضَّحايا بمئاتِ الآلافِ .. والحمدُ للهِ على كلِّ حالٍ .. خَرَّ رَجُلٌ فِي الحَجِّ مِنْ بَعِيرِهِ فَوُقِصَ فَمَاتَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا).
اللهم يسِّر للحُجَّاجِ حجَّهم، اللهم يسِّر للحُجَّاج حجَّهم، واجعل حجَّهم مبرورًا، وسعيَهم مشكورًا، وذنبَهم مغفورًا، اللهم وأحسِن مُنقلبَهم، وأعِدهم إلى ديارِهم سالمينَ غانمينَ مقبولينَ، بمنِّك وجودِك يا أكرمَ الأكرمينَ .. اللهمَّ اغفرْ لمن ماتَ منهم وتقبَّله شهيداً .. وابعثه مُلبيَّاً .. ومُنَّ على أهلِه بالصبرِ والسُّلوانِ .. ياعزيزُ يا رحمنُ.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل اللهمَّ ولايتَنا فيمن خافَك واتَّقاكَ، واتَّبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ .. اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرِنا بتوفيقِك، وأعِزَّه بطاعتِك، وأعلِ به كلمتَك، واجعله نُصرةً للإسلامِ والمسلمينَ، وألبِسه لباسَ الصِّحةِ والعافيةِ، وأمِدَّ في عُمرِه على طاعتِك، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانَه وأعوانَه والقائمينَ على أمرِ البيتِ الحرامِ والحُجَّاجِ لما تحبُ وترضى، وخُذ بنواصيهم للبرِّ والتَّقوى .. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار).
المرفقات

قصة الفيل وشرف خدمة البيت.DOC

قصة الفيل وشرف خدمة البيت.DOC

المشاهدات 2504 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا