قسوة القلوب وعلاجها..!
HAMZAH HAMZAH
إن الحمد لله نحمده ونستعينه....
عباد الله: هل مر على بعضكم ، يقرأ القرآن ، ولا يجد أثره ، يتلوه فلا ينتفع به ، يردد ويحسن به صوته، ولكن لا طعم له وحلاوة ؟!!
نعم إنه شعور يعيشه بعضنا إلا من رحم الله ، وسببه أمر خطير، لا يكاد يهتم به إلا قلائل ، الأ وهو مرض القلب، وقسوته.
القلب يمرض كالجسد، والقلب يصدع كالرأس، والقلب يتأثر ويشتكي كالمتوجع!!
ولكن من يحيب شكايته إذا اشتكى ، ومن يصغي له إذا أنَّ وتألم ؟ ومن يراجعه إذا فتَر وتغير؟!!
أثبت الله تعالى قسوة القلب في القرآن فقال: (لَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الزمر: 22).
وقال عن بني إسرائيل (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74 ).
يالله.. الحجارة تذكر الله، وتسبحه ، وتهبط من خشية الله ، وبعض قلوب بني آدم لا تعي هذا القرآن ولا تنتفع به!!
فما الذي حرمها من حلاوة القرآن ، ومن الذي صدها عن أنواره ، وما الذي أعماها عن قصصه وبيانته. (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9).
(وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) (الإسراء: 82).
جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلُحت صلح الجسد كله ، وإذا فسَدت فسد القلب كله، ألا وهي القلب)
فهذا الحديث يؤكد أن القلب دائر بين الصلاح والفساد، وأن مصير الجسد معلق بمصير القلب...
فلا يستغرب حينئذ عصيان المرء، وطول غفلته، وتركة للصلاة ، وهجرة للقرآن ، ومعاداته للأخيار ، وعدم انتفاعه بالمواعظ المؤثرة ، والأحاديث البينة !! إن القلب في وادٍ ، والخير في واد آخر.
قال تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14).
نعم معاصيهم وكسبُهم من الخطايا، غطى على قلوبهم، فيا ترى ما هي تلك الأسباب التي تعمي القلب ، وتمرضه وتنزل به أسفل سافلين.؟
إن من أسباب قسوة القلب كما يذكر أهل العلم:
التخلف عن صلاة الجماعة أو تأخيرها ، والأطم تركها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
ومنها: أكل الربا والكسب الحرام مطلقا، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة: 275) ومنها: تبديد الأوقات وإهدارها في المعاصي والفضلات.
ومنها: نسيان الموت والدار الآخرة ، وأن الناس مجموعون وعائدون ليوم لا ريب فيه قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281).
ومنها: خلان الغفلة ، ومصاحبة أصدقاء المعصية ، حيث يزينون السيئة ، ويُضعفون عن عمل الخير ، وقد جاء عند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم:
(المرء على دين خليله ، فينظر أحدكم من يخالل).
ومنها: هذيان اللسان بما لا ينفع، وولوغه في ميادين الكذب والغيبة، والنميمة وقول الزور.
ومنها: التعلق بالدينا والحرص عليها، ومنها: تسريح النظر فيما حرم الله، كرؤية النساء في الفضائيات، ومجالات الانترنت، التي أُولع بها الشباب..!
وفي النهاية، إمراض القلب وقع مواد الخير فيه قال تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30).
ومنها: الإعراض عن أبواب العلم، وسماع الدروس والمحاضرات.
ومنها: ظلم الناس، وأكل حقوقهم، وبخس أموالهم والتسلط عليهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة).
ومما مرض القلب الكبر والغرور والتعالي على المسلمين ، واحتقارهم قال صلى الله عليه وسلم: (الكِبر بطَر الحقِ وغمطُ الناس) يعني احتقارهم.
فهذه جمله من أسباب قسوة القلوب ، فاحذروها يامسلمون، وحاذروها، وراقبوا الله وفي سائر شؤونكم ، فإنكم في دار المهل والابتلاء...
اللهم أصلح قلوبنا، وداوها من الأسقام والعلل والآفات، إنك عى كل شئ قدير....
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الثانية
الحمد الله حمداً كثيراً...
إخوة الإسلام: ان الذين يحيق بالقلب ، ويفسده ، ويورث له الأسقام والأدواء ، هو جريانه في بحار الخطايا ، وانغماسه في السيئات ، وعلاجه يبدأ بالكشف عن المعصية ، والبعد عن أسبابها.
ثم الإقبال على الطاعات المنوعة، التي تقذف في القلب روح الحياة ، وتطهره من الأقذار وتصونه من البليات، ومن ذلك:
إدامة قراءة القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) فهذا القرآن به شفاء كل شيء، وهو حياة كل قلب وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (الإسراء:82 ).
فاقرأ ليس مرةً أو مرتين ، -بل أدِم قراءته – وتأمل بيناته، وعش أسراره ، وتدبر مواعظه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (ص:29).
ومما يعين على علاج القلب: تلمس الطاعات المختلفة : كالإكثار من سائر النوافل قال في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحِبَّه) ومنها: قيام الليل ، ومنها: كثر الاستغفار
وصح عنه صلى الله عليه وسلم : (إنه ليُغانُ على قلبي فأستغفر الله أكثر من سبعين مرة).
ومما يعين على طهارة القلب واستقامته: تذكر الموت والدار الآخرة،..! وسل نفسك هل رأيت الموتى، وهل شيعتهم، هل زرت المقابر؟!!
كل ابن أنثى وإن طالت سلامتُه.
يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
ومما يعين على استقامة القلب : ذكر الله المطلق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب:42ا )
ومنها: الإقبال لى العلم ورياض الجنان، التي تهواها النفوس، وتنشرح لها الصدور قال صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقا إلى الجنة)
ومنها: التوبة من كل ذنب، قال في الحديث: (وأتبع السيئة الحسنةَ تمحها).
وصلوا وسلموا عباد الله على البشير النذير...