قسوةُ القلبِ في رمضانَ*

محمد محمد
1446/09/13 - 2025/03/13 17:02PM

قسوةُ القلبِ في رمضانَ-14-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تـَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا أيها الكرام:

قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الـمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ".

سبحانَ اللهِ! قِطعةُ لحمٍ هي أساسُ الصَّلاحِ والفَسادِ، يُعرفُ بها مِقدارُ إيـمانِ العبادِ، هي محلُ نظرِ اللهِ-تعالى-لِلخَلائقِ، فماذا سيرى اللهُ فِيهَا مِنَ الحَقائقِ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ-تعالى-لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنّـَما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم".

إخواني: هل تجدونَ ما أجدُ في هذا الزَّمانِ من قسوةِ قلبِي؟! هل تُحسِّونَ بـما أُحسُّ بهِ من ضعفِ مراقبتي للهِ وخشيتي له؟! أينَ القلوبُ التي تخافُ من الذُّنوبِ؟! أينَ الدُّموعُ التي تنهمرُ مع الخشوعِ؟! أينَ السَّعادةُ التي كنَّا نجدُها في عبادةِ الرحمنِ؟! أينَ الاطمئنانُ في قِراءةِ القُرآنِ؟! أينَ قُرَّةُ العينِ في الصلاةِ عندَ إجابةِ الـمصلي لداعي الفلاحِ؟! أينَ ما يشعرُ بهِ أهلُ الصَّلاحِ من الرَّاحةِ والانشراحِ؟! وقد دخلَ رمضانُ فأينَ الجِدُّ والإحسانِ في العملِ بالتنزيلِ؟! أمْ قدْ أصابَنا داءُ بني إسرائيلَ؟! قالَ-تعالى-: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، فقد توعَّدَ اللهُ أصحابَ هذه القلوبِ فقالَ: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ).

فما الذي أصابَ قلوبَنا حتى قَستْ هذه القسوةَ، وأصبحَ بينَها وبينَ التَّلذُّذِ بالعباداتِ جَفوةٌ؟!

هل هو حبُّ الدُّنيا وحُطامُها؟

هل هو الانغماسُ في العاجلةِ ونعيمِها؟!

هل هو قِلةُ ذكرِ اللهِ-تعالى-واليومِ الآخِرِ؟!

هل هو احتقارُ النَّاسِ والكِبرُ والتَّفاخرُ؟!

أم هو ما نراهُ من استقبالِ رمضانَ بأنواعِ الطَّعامِ؟!

أم هو الاعلاناتُ عن شهرٍ مليءٍ بالـمسلسلاتِ والأفلامِ؟!

تعدَّدتْ الأسبابُ والنتيجةُ واحدةٌ: قسوةُ القُلوبِ، في شهرٍ خابَ فيه من لم يَغفرْ له علَّامُ الغيوبِ!

تريدُ الدواءَ والعِلاجَ؟! اسـمعْ إذًا:

يَقولُ ابنُ القَيِّمِ-رحمَه اللهُ تَعالى-: "دواءُ القلبِ خمسةُ أشياءٍ: قراءةُ القرآنِ بالتَّدَّبرِ، وخَلاءُ البطنِ، وقيامُ الليلِ، والتَّضَّرعُ بالأسحارِ، ومجالسةُ الصَّالحينَ".

وسبحانَ اللهِ! هذه الأشياءُ أكثرُ ما تـَجتمعُ في رمضانَ، شهرِ الخيرِ والبركاتِ والرَّحمةِ والغُفرانِ.

فأولها: تدَّبرُ القرآنِ باشتراكِ القلوبِ فيهِ مع دمعِ العيونِ، فإن لم يكن في شهرِ القرآنِ فمتى يكونُ؟! ولا يوجدُ أعظمُ شفاءً للقلوبِ، من تلاوةِ هذا الكتابِ وتدَّبرِهِ، قالَ-تعالى-: (قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ)، ثُمَّ إذا شفاهُ من أمراضِه، وألانَه من قسوتِه، ثبَّتَه على طريقِ الحقِّ، وأيقظَه من غفلتِه، (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، فاعتذرْ لكتابِ اللهِ-تعالى-من طولِ الهِجرانَ، وافتحْ معه صفحةً جديدةً في رمضانَ.

وثانيها: خَلاءُ البطنِ فإنَّه يتحقَّقُ بالصِّيامِ في النَّهارِ، ويـجتمعُ له دواءُ القلبِ وتكفيرُ الخطايا والأوزارِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، عبادةٌ عظيمةٌ تُداوي القلوبَ الـمُتحجِّرةَ، وينفعُ اللهُ-تعالى-بها في الدُّنيا والآخرةِ، فعَنْ أَبي أُمَامةَ البَاهِليِّ-رَضيَ اللهُ عَنهُ-قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ".

وثالثُها: قيامُ اللَّيلِ فيتحقَّقُ في رمضانَ الـمُباركِ، وهو دواءٌ لقلبٍ تشعَّبتْ به الـمسالكُ، وتُغْفَرُ به ذنوبٌ أَدَّتْ بصاحبِها إلى الـمَهالكِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، فهل يَستوي ليلُ من قضاهُ في السهرِ في الحرامِ غافلًا، وفي القِيلِ والقَالِ وضياعِ الوقتِ هائمًا، وليلُ من قضاهُ ساجدًا راكعًا قائمًا، يَدعو ربَّه-تعالى-ويبكي من خَشيةِ اللهِ وخوفهِ؟! (أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، لا واللهِ لا يستوونَ.

ورابعُها: يـختمُ ذاك القائمُ ليلَه، الخائفُ من ذنبِهِ، الراجي ربَـه، يـختم قيامَه بالاستغفارِ، والتَّضرعِ بالأسحارِ، قالَ-تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

أستغفرُ اللهُ لي ولكمْ وللمسلمينَ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فخامسُها: هو مـُجالسةُ الأخيارِ والصَّالحينَ، فقدْ أُمِرَ نبيُّنا-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-بـمجالستِهم والصَّبرِ مع الدَّاعينَ، (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، تجدُ الأخيارَ الصالحينَ في رمضانَ في الـمساجدِ، ما بينَ تالٍ للقرآنِ وراكعٍ وساجدٍ، حديثُهم يبعثُ الأملَ والسُّرورَ، ووجوهُهم قد زانتْ بالنَّضرةِ والنُّورِ، ومجالسُهم تحفُّهُا ملائكةُ الرَّحيمِ الغفورِ.

فَهَذهِ خَمسَةُ أَدويةٍ لِلقُلُوبِ القَاسيةِ قَد اجتَمَعَتْ فِي رَمَضَانَ، فَهَل سَنخرجُ مِنهُ بِقُلُوبٍ لَيَّنَةٍ مَليئةٍ بِالخَشيَةِ والإيـمانِ؟!

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالمسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1741874814_قسوةُ القلبِ في رمضانَ-14-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1741874814_قسوةُ القلبِ في رمضانَ-14-9-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 662 | التعليقات 0