قرة عيون المؤمنين

محمد ابراهيم السبر
1444/02/03 - 2022/08/30 05:44AM

قرة عيون المؤمنين

الحمد لله؛ له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، وأتوب إليه وأستغفره يغفر كبائر الإثم وصغائره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، جمع الله به القلوب المتنافرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، النجوم السائرة والبدور السافرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله؛ واستعِدُّوا رحمكم الله ليومٍ بضاعتُه الأعمال، وشهودُه الجوارِحُ والأوصال يومٍ لا يُقالُ فيه من ندِم، ولا عاصِمَ فيه من أمرِ الله إلا من رحِم، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

معاشر المسلمين: خطبتنا هذه عن فريضة من فرائض الله، تؤدى في اليوم والليلة خمس مرات، مفروضة على كل مسلم مكلف، في كل حال؛ حضراً وسفراً، سِلماً وحرباً، صحة ومرضاً، لا يلغيها لاغ ولا يصد عنها صاد: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾.

أولُ ما فُرض من الأحكام، فرضت في أشرف مقام وأرفع مكان، في الإسراء والمعراج، وآخر ما أوصى به النبي ﷺ أمته وهو على فراش الموت:" الصلاة، الصلاة وما ملكت أيمانكم". وهي آخر ما يفقد العبد من دينه.

الصلاة ركن الدين وعموده، وأعظم شعائره، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

إنها قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، وراحة نفوسِ المؤمنين، وربيع قلوبِ المُخبِتين؛ بل هي قرة عين سيد المرسلين فقد كان يقول: «وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة»، وكان يقول: «أرِحنا بها يا بلال!»، «وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة».

هي الصلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة، نورٌ في الوجه والقلب، وصلاحٌ للبدن والروح، وتنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.

 كفارة للخطايا والذنوب كما قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾. وقال ﷺ: «الصَّلَواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ إلى رَمَضانَ؛ مُكَفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائِرَ». رواه مسلم.

بالصلاة افتتحت صفات المؤمنين المفلحين، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ﴾، وبها خُتمت ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَواتِهِمْ يُحَـافِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾.

وفي الحديث «الصلاة نور» فهي النور الذي يضيء الطريق أمام المسلم حتى لا يضل في متاهات الحياة، ونور في الآخرة تضيء طريقه إلى جنات النعيم.

أمر الله بالمحافظة عليها: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾. وإن من المحافظة عليها أمرَ الأهل بها وبخاصة البنين والبنات: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾. وقال ﷺ: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر».

والتكاسل والتهاون في الصلاة من صفات المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.

وما أحوجَنا معاشر المؤمنين إلى الصلاة القانتة الخاشعة في زمن الفتن وقسوة القلوب، فهي الزاد والعاصم: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقولُ قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة،" ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" و" أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها"، و «لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأول ثم لم يجِدوا إلا أن يستهِمُوا عليه لاستَهَمُوا عليه». هكذا قال نبيكم ﷺ.

وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمرَكم بذلك ربُّكم فقال في محكم تنزيله، وهو الصادق في قيله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك، محمد الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة، وأصحاب الشجرة، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفِّق وليَّ أمرنا ونائبه لما تحب وترضى، اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفِّسْ كروبنا، وعافِ مبتلانا، واشفِ مرضانا، وارحم موتانا.

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

المشاهدات 577 | التعليقات 0