قدوم شهر رمضان المبارك

فهد عبدالله الصالح
1432/08/27 - 2011/07/28 21:54PM
عباد الله : تطوى الليالي والأيام وتنصرم الشهور والأعوام فمن الناس من قضى نحبه ومنهم من ينتظر , إن من يعش في هذه الحياة فسيرى اختلافاً كثيراً فلا السعادة تدوم ولا الشقاوة تبقى والله تعالى يقول وتلك الأيام نداولها بين الناس .
أيها الأخوة المؤمنون : لقد أظلتنا أيام لها في القلوب مكان ولها في النفوس مقام
أيام خلدها القرآن وباركها الله تبارك وتعالى , أيام يزداد فيها العطاء ويرفع فيها الدعاء وتضاعف فيها الحسنات وتغفر فيها الزلات إنها أيام شهر رمضان المبارك ، شهر الصيام والقيام شهر الخشية والاستغفار شهر الذكر والقرآن شهر المراقبة والإخلاص .
أيها المسلمون : إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى لا يعرف قدرها إلاَ الصالحون المشمرون , لقد كان بلوغ هذا الشهر أمنية ً كان يتمناها نبيكم محمد (ص) وكان يسأل ربه إياها .
أيها المسلمون : إن شهر رمضان المبارك مدرسة للنفس البشرية مدرسة ٌ عامرة ٌ بالتقوى { يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } مدرسة ٌ كبرى يتعلم فيها المسلم الصبر والثبات والمراقبة والإخلاص , يتعلم فيها المسلم تحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين .
في شهر الصوم والإمساك يعرف المسلم حاجته للزاد الإيماني والروحي كحاجة جسمه للطعام والشراب .
في شهر الصيام تقبل النفوس المؤمنة إلى مولاها راضية ً مرضية تترك الطعام والشراب والشهوة من أجل معبودها تترك محبوبات النفس وملذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته جاء في الحديث الصحيح عنه (ص) أنه قال { من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } .
ومع هذا الفضل العظيم للشهر الفضيل كان لزاما علينا تهيئة نفوسنا وبيوتنا استعداداً لاستقبال هذا الشهر، لكي تنال نفوسنا حظها من المغفرة في هذا الشهر، وتنال من ثمرة التقوى، وتخرج من مدرسة الصوم وهي رابحة فائزة مقبولة بإذن الله.
و ينبغي على المسلم أن
ولعل مما يهيئ النفس لاستقبال رمضان الفرح بقدوم الشهر والسعى لإدخال السرور على الأهل وكذا الدعاء ببلوغه وإن من خير ما يستقبل به هذا الشهر الفضيل التوبة لله عز وجل، وأن يحاسب الإنسان نفسه، و فضل الله واسع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنب الكبائر " أخرجه مسلم.
ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم،
ولنتذكر إخوة لنا كانوا معنا في رمضان مضى ولم يدركوه هذا العام، وإخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم في خوف وحصار، وأخرون يصومون في رمضان كما صاموا في رجب وشعبان ، ولنشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلينا ألا ننسى إخواننا من الدعاء في شهر الدعاء، وليس سراً أن تختم آيات الصيام بقول المولى عز وجل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ،
أيها المسلمون : إن الصوم الذي يحقق الهدف منه هو الصوم الكامل , فكما أمسك المسلم عن الأكل والشرب والشهوة أمسك جوارحه عما حرم الله وألزم عقله بما شرع الله لينطلق بعد ذلك في رحاب الله الواسعة يعمل في طرق البر والخير ونشر الهدى والفلاح تصوم عينه عما حرم الله ولا ينظر إلاَ للمباح , تصوم أذنه عن سماع اللغو والباطل لتسمع القرآن وما يباح , يصوم لسانه عن قول الزور والغيبة والهذيان ليلهث بذكر الله وما ولاه ,
تصوم اليد عن الأذى لتنشغل بالجود والعطاء والنجدة والمساعدة يصوم القلب عن الحسد وسوء الظن ليمتلئ إيماناً وصدقاً وخوفاً ورجاءً وهكذا سائر جوارح الإنسان وبهذا يكون الصوم جُنة أي وقاية ً ويكون الصوم وجاء أي مانعا ً .
أيها المسلمون : بالصوم يعتاد الصائم على الصبر , الصبر الذي لا يعنى الاستسلام واليأس وإنما يعنى الاستعلاء والنهوض , بالصوم يتخلق الإنسان بالمراقبة فلا يحتاج في عمله إلى رقابة من أحد ويتعلم خشية الله فلا يخشى أحداً سواه , يحس الصائم بالجوع فيتذكر الجائعين فتنقلب المصلحة الجماعية على المصلحة الشخصية وتسمو التضحيات وتتلاشى الأنانيات , يعرف الصائم من صومه أنه يتقرب إلى مولاه فيتلذذ بالعبودية الخالصة لخالقه ويشعر بذلته وضعفه أمام مولاه فيزداد شوقاً إلى الله ويلهث لسانه وقلبه دعاءً للع ويحس إنه في معية الله { فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .
هذه ـ معاشر الأحبة ـ بعض معنى الصيام ولئن تعارف بعض الغافلين عن هذا الشهر أنه فرصة للسهر وتقطيع الليل إلى الفجر ثم النوم في النهار إلى العصر
الشهر عندهم مرتبط بأكلاتٍ محددة ومسلسلاتٍ معينة , في أعمالهم يتبرمون ومن ضيق الصدر يشتكون فإن في مقابل هؤلاء قوماً عارفين , الشهر عندهم متنوع الطاعات والقربات فهم في النهار فرحون صائمون وعلى الصلاة محافظون وهم لكتاب الله مرتلون , ألسنتهم رطبة من ذكر الله والضراعة وقول المعروف , قلوبهم متعلقة بربهم وفي ليلهم تهجد ٌ وتراويح أوقاتهم مشغولة بعمل البر ونشر الخير وتفقد الأيتام والمساكين والأرامل والمحتاجين وطلب تعلم العلم والمعرفة وصلة الأرحام والأصدقاء إيثارٌ جميل وصبرٌ كريم وخلقٌ نبيل لا يقابلون الإساءة بالإساءة ولا يردون البذاء بالبذاء { وإن سابه أحد أو قاتله قال : إني صائم } .
فبالله عليكم يا عباد الله .. أي الفريقين عرف قيمة هذا الشهر وقيمة الزمن وقيمة العمر أيُ الفريقين قد صفدت شياطينه وتعرض لنفحات ربه .
فاتقوا الله يأمة الإسلام واحمدوا الله على بلوغ هذا الشهر إذ لم يجعلكم الله في عداد الأموات .
واحمده ـ جلا وعلا ـ على نعمة الصيام فلقد حٌر ِمَ فضل هذا الشهر شرار الخلق عند الله من الكفار والنافقين وعبَاد الشهوات وأصحاب الشبهات .
اتقوا الله جميعاَ ـ أيها المؤمنون ـ واعزموا العقد على الاستفادة من هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح ومراجعة النفس وتقويم الذات والنظر الجاد في كيفية قضاء ساعات الليل والنهار فما هي إلاَ أيام الحياة .
ليكن هذا الشهر انطلاقة ً صحية للإنسان في تعامله مع ربه ومع نفسه ومع زوجه ومع أولاده ومع أرحامه ومع سائر إخوانه .
ليكن هذا الشهر بداية ً جادة لتعويد النفس على طاعة الله ومنعها عن معصية الله
فإن النفس أمارة بالسوء إلاَ ما رحم ربي .
ليكن هذا الشهر مجالاً واسعاً لعمل الخير وبذل المال والدعوة إلى الله وتفقد الفقراء والمساكين وتفطير الصائمين والسعي في قضاء حوائج المسلمين .
بارك الله لكم شهركم ووفقنا جميعاً لمرضاته والعمل بكتابه , اللهم بلغنا رمضان
ووفقنا للصيام والقيام وسائر الأعمال وتقبله منا , اللهم زدنا ولا تنقصنا ,
وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا .
اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وكفَر عنا سيئاتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .. وأقول ....
المشاهدات 2522 | التعليقات 1

شيخ فهد جزاك الله خيرا على هذه الخطبة المبارك
نحب أن نصلى على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم فياليت لو أستبدلت حرف ( ص ) بصلى الله عليه وسلم لكن أحسن نفع الله بك الإسلام والمسلمين