قتل رجال العلم .. جريمة

إبراهيم بن سلطان العريفان
1437/05/03 - 2016/02/12 08:06AM
الحمد لله العلي الأعلى ، خلق فسوى ، وقدر فهدى ، أحصى على العباد أفعالهم وأقوالهم ، في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ، أحمده وأتوب إليه ، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدس وتعالى ، جلت عظمته ، وعمت قدرته ، وتمت كلمته صدقاً وعدلاً ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله ، صفياً مجتباً ، بعثه ربه بالحق والهدى ، فما ضل وما غوى ، وما نطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأزواجه أهل الخير والتقى ، وعلى صحابته مصابيح الدجى ، ونجوم الهدى ، والتابعين لهم بإحسان في الآخرة والأولى . . . أما بعد :
أيها المسلمون : كانت البشرية ، قبل البعثة المحمدية ، تعيش حياة غير مستقرة ، بل حياة مستعرة ، يسودها الخلاف ، وينعدم فيها الائتلاف ، عمها الاستخفاف ، واكتنفها الإسفاف ، قتال وتناحر ، قطيعة وتداحر ، صراع من أجل البقاء ، غثاء وجفاء ، لا محبة ولا إخاء ، ولا إيثار ولا صفاء ، تلكم كانت مجمل الحياة الوثنية ، والرغبات الإنسانية ، في وقت غابت فيه الدساتير الإلهية ، والنصوص الربانية ، فرحم الله البشرية ، حيث أرسل لها أرحم البرية ، محمد بن عبد الله صلى الله وسلم عليه ، حيث أماط لثام الأنانية ، وخلع قناع الجاهلية ، فأنارت الدنيا بالرسالة ، وأشرقت بالبشارة ، فتحول الظلام نهاراً ، وأصبح العلم مناراً ، فاشرأبت النفوس لهذا الدين العظيم ، فدخل الناس فيه أفواجاً ، طاعة وإقراراً ، لأنه دين رب العالمين ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ).
أيها المسلمون ... الإسلام دين ليس فيه التباس ، صالح لكل الناس ، من آمن به سعد ، ومن دخل فيه رشد ، دين حفظ الأموال والأنفس والأعراض والدماء والعقول ، من الإزهاق والأفول ، إنه الإسلام يا أمة الإسلام ، الإسلام دين حب وسلام ، دين ألفة ووئام ، دين هدىً لا ضلال ، محفوظ من الزوال ، له البقاء إلى أمد ، وله الظهور إلى أبد ، دين حق لا باطل ، هو الدين الذي ارتضاه سبحانه للملأ الكرام ، ولا يُقبل من عبد ديناً غير الإسلام ، قال الملك العلام ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فاللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، يارب العالمين .
أيها المسلمون ... الإسلام دين التراحم ، وشريعة التلاحم ، كيف لا والله عز وجل هو أرحم الراحمين ، سبقت رحمته غضبه ، وغلبت مغفرته سطوته ، قال الحليم الرحيم ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِى ) وجاءت سنة الحبيب المصطفى ، والنبي المجتبى ، مليئة بصور الرحمة ، وقصص الرأفة ، ونهى عن تخويف الآمن ، وترويع المستأمن ، وحذر أسباب القتل والتهديد فقَالَ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ ، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ ، وإِنْ كانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمهِ ).
عباد الله .. فإنه يسوؤنا والله ما يحصل وما حصل ظهر أمس الخميس من دخول اقتحام معلم مكتب التعليم بجازان وإطلاق النار على المشرفين المتواجدين في المكتب من أحداث دامية ، نتائجها بين قتيل وجريح ، في تعد صريح ، وخروج عن تعاليم الشريعة ، وانتهاك لحدود الله فظيعة ، وقائعٌ قُتل فيها أبرياء مسالمين ، مؤمنين ومسلمين ، فأين يذهب القاتل من رب البرية ، وخالق البشرية ، تخويف وهمجية ، وترويع ووحشية ، أعمال مشينة ، وأفعال مهينة ، تغيرت فيها الأوضاع ، وتبدلت فيها الطباع ، ، فيا لها من مصائب عظيمة ، ومثالب وخيمة ، عمل إجرامي فظيع ، حوادث القتل التي تطالعنا بها الصحف اليومية ، التي راح ضحيتها أبرياء مسالمين ، من رجال العلم والإشراف على التعليم.
لقد فُجِع كلُّ ذي دينٍ ومروءَة ، وكلّ ذي عقلٍ وإنسانيّة ، بالتصرّف الهمجي ، لا يرتاب العقلاء ، ولا يتمارى الشّرفاء ، في تحريمها وإنكارها ، لا يُقِرّها دين ولا عقلٌ ، ولا يقبلها منطقٌ ولا إنسانية ، وهي بكلّ المقاييس أمرٌ محرَّم ، وفعلٌ مجرَّم ، إنه لأمر مؤلمٌ حقًّا ، ومؤسِفٌ صِدقًا ، يُعجز البيان ، ويُرجف الجنان ، ويهز البَنان ، فيالفظاعة القتل ، وياله من هول ، دماء تراق ، وأجساد للموت تساق، فأين يذهب القاتل من شهادة أن لا إله إلا الله ، إذا جاءت تحاجُّه يوم القيامة ؟! كيف القاتل بدم من قتلهم يوم القيامة ( يجيء المقتول متعلقاً بالقاتل ، يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ ) ظلم واضح ، وعدوان فاضح ، فاللهم سلم سلم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
عباد الله ... الأديانُ السماويةُ متفقةٌ على تحريم قتل النفس المعصومة ، فقتل المسلم عظيمة من العظائم ، وجريمة من الجرائم ، ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ مِنْ‏ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ ) .
ألا فاعلموا أيها الناس أن أمر الدماء عظيم في الإسلام ، مهيب عند رب الأنام، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ) ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ، اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ ) اللهم أصلح الأحوال ، والأفعال والأقوال ، واجعل لنا من الصالحات نصيباً ما له من زوال ، أنت خير عاصم ووال.
أقول ما تسمعون، ,استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لعظم حرمة الدماء قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المسلم بالكفر، فقال صلى الله عليه وسلم ( كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أن يغفره، إلا الرجل يقتلُ المؤمن متعمداً، أو الرجلُ يموتُ كافراً ).
ولجرمِ وقبحِ وشناعةِ وفحشِ قتل المسلم، وعظم حرمته وظلم من تعدَّى عليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تُقتلُ نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأوَّل كِفلٌ من دَمِها؛ وذلك أنه أوَّلُ مَنْ سنَّ القتْلَ ).
ولشناعة حرمة الدماء أنها أول ما يقضى فيه يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأوّلُ ما يقضى بين الناس في الدماء ) وفي رواية ( أول ما يقضى بين الناس في الدماء ).
والمسلم يحرم دمه، وماله، وعرضه، وبشرته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ( إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا ).
فيا عباد الله ... ابتعدوا عن الوقوع في هذه الجريمة العظيمة، والذنب الكبير، فإنها من السبع الموبقات المهلكات التي حذركم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( اجتنبوا السبع الموبقات) قيل يا رسول الله وما هنّ؟ قال ( الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).
فاتقوا الله تعالى، وابتعدوا عن كل وسيلة توصل إلى سفك الدماء المعصومة المحترمة، امتثالاً لأمر الله تعالى وانتهاءً عما نهاكم عنه؛ فإن من انتهك الدماء المعصومة فقد تعرض لغضب الله وسخطه، وعقابه، ولعنته، أسأل الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المشاهدات 1151 | التعليقات 0