قتل الأمل / د. عبد الله بن موسى الطاير
احمد ابوبكر
1436/11/07 - 2015/08/22 20:25PM
[align=justify] أخطر ما تتعرض له أمة من الأمم هو انسداد منافذ الأمل أمام الناس. حينها تتساوى الحياة والموت، ويصبح الإنسان مهيأً لأي احتمال مهما بدا لنا مستحيلاً في ظروف أخرى.
هناك دول تخصصت في قتل الأمل، فتحول العالم من حولها إلى كرة من جحيم تتدحرج لتفتك بالجميع بدون تمميز. يقول وليام بلو مؤلف كتاب "قتل الأمل" عن أميركا مثلاً التي تخصصت في قتل الأمل في غيرها من الدول، وفتحته على مصراعيه لمواطنيها: "إذا تصفحت وجه السياسة الخارجية الأميركية خلال القرن الماضي، فسوف يظهر لك فيه.. الغزوات.. التفجيرات.. الإطاحة بالحكومات.. الاستعمار.. قمع حركات التغيير الاجتماعي.. اغتيال القادة السياسيين.. إفساد الانتخابات.. التلاعب بالنقابات العمالية.. فبركة الأخبار.. فِرق الموت.. التعذيب.. الحرب.. اليورانيوم المنضب، الأسلحة البيولوجية.. تهريب المخدرات.. المرتزقة". فماذا أخرجت لنا هذه السياسة في قرن أميركا الجديد، القرن الواحد والعشرين؟ تأمل ماحدث في العالم بسبب سياسات أميركا الخارجية خلال 14 عاماً مضت يكشف بوضوح حجم الدمار الذي الحقته أميركا بالعالم.
قتل الأمل تجاوز فعل السياسة الخارجية الأميركية إلى تصرفات الدول المستهدفة التي تمادت في قتل الأمل عند شعوبها فانفجرت قنابل الصبر واليأس في وجه الأنظمة فخلفت دماراً يتوسع يوماً بعد آخر ليحصد ما بقي من أمل، ويحرق ما نسيه من حياة.
ويورد كاتب أميركي من أصل صيني اسمه يانغ منغ تشو فيقول: أتذكر صديقاً أثيراً إلى قلبي، نعمت شركته بالتميز والمنافسة لأنه أحسن إدارة دفتها بشخصه، ففتح الأمل على مصراعيه لموظفيها، وأدخلهم معه شركاء في نسبة من الأسهم، وبذلك لم يعد يعقب على حضورهم أو مستوى عملهم فقد أعطاهم الحق في شراكته في النجاح والربح، والثقة في إدارة شؤون الشركة، فأعطوه في المقابل الإخلاص، وزادوا وتيرة الإنجاز، وجودته فتحققت أرباح لا مثيل لها في تاريخ الشركة. ولما تنحى عن إدارتها لظروف خارجه عن إرادته، قلّب نظره في حالها، وكان يسيطر عليه هاجس الثقة والولاء، ويخشى الخيانة والغدر، فتردد بين أن يأتي بمن يستطيع قيادة دفة الشركة من المؤهلين سواء من العاملين فيها، أو بمن يثق به من خارجها، فاختار الثقة دون دراسة بقية البدائل، فجاء بمدير يثق به دون تمحيص في سابق خبرته، وأخلاقه، وقدرته على القيادة ناهيك عن الإدراة. وكان وصولياً، ومنحطاً أخلاقياً، وانتهازياً، ولكن لم يكن صاحبنا يعلم كل تلك التفاصيل، فمن باب لم يكن يظهر أمامه إلا النشاط والتفاني والفهلوة، ومن جانب آخر فإنه قربه منه منع الآخرين من إيصال رأيهم فيه له.
استخدم المدير المعين الدعم غير المحدود من رب الشركة، فأصبح يديرها بالحديد والنار من جانب، وجعل من جانب آخر التهاني تنهال على صاحبنا من داخل الشركة ومن خارجها، ولا يكاد يمر أسبوع إلا وشركته حاضرة في الإعلام، والاتصالات التلفونية تشيد بالمدير الجديد، والاتفاقيات توقع حتى خُيّل لمالك الشركة أنه أخطأ في أنه لم يأت به مبكراً. وفي الجانب المعتم كان الغليان هو سيد الموقف داخل الشركة، لا أمل ولا احترام ولا تقدير. تلاعب بأركان الإدراة، اليوم يقرب هذا، وغدا ينحره من أجل ذاك، وحاول أن يشيع الشك فيما بينهم، وقرارات متناقضة، ومركزية لاحدود لها. ويوماً بعد آخر كانت أسهمه تعلو خارج الشركة، والانهيار يتسارع داخلها، ومالكها يستمتع بمتابعة الإعلام وبعض الاتصالات المصنوعة. بل وصل الأمر به أن يعرض على بعض العملاء الكبار أن يُضمّن عروضهم ما يروق لمالك الشركة فهو يعرف حقاً ما يريد بغض النظر عن جدوى العروض المالية للشركة. فقد كان بمعنى الكلمة يستغفل صديقه.
تحولت الشركة إلى خرابة، فلا روح فيها ولا أمل في غدٍ أفضل، ولا كرامة ولا احترام، فكان الجميع يأتون ويخرجون ولاينجزون شيئاً. كان المدير يعلم أنه غير أهل لإدراة الشركة ومتيقن أنه سينكشف يوما، فبدأ يسخر إمكانات الشركة لتلميع سمعته، ويمكّن لنفسه، ويتقوى في وجه لحظة يقظة مفاجئة من صاحب الشركة. بنى سمعة كبيرة في أعمال الخير، فاطمأن إلى بقائه، وتمادى في غيه. كان يرسل التبرعات للجمعيات الخيرية باسمه، وعندما يلومه المقربون منه على عدم تدقيقه في هباته وتبرعاته، يرد عليهم أنتم لا تفهمون شيئاً، أنا أشتري صمت هؤلاء فيما لو تأخرت عن دفع الضرائب، عندها أكون فوق الشبهات. كان نهاراً يدعم أعمال الخير، والمعابد، وليلاً يلعب القمار حتى الصبح، ويدعم كل الموبقات.
عندما قُتل الأمل في كل القيادات التي كانت محل تقدير مالك الشركة، لم يجدوا بداً من الوصول إلى مالكها، ولكن بعد فوات الأوان، فقد انهارت الشركة من الداخل، واستخدم مديرها شعبيته للخروج بدون محاسبة. لقد هدم الشركة في بضعة شهور، وقدرت جهود إعادة البناء بعدة سنوات وأموال ضخمة دون ضمان النجاح.
الأمل أبدع وبنى الشركة، واليأس قتل الأمل ودمر الشركة، وكذلك تفعل الدول ضد بعضها، ويفعل المسؤولون في أوطانهم. يقتلون الأمل وهم غير قادرين على تحمل تبعاته.
السيد وليام بلو في كتابه آنف الذكر قدم لنا سرداً بالوثائق لأفعال أميركا في العالم في 260 صفحة. ولم يسلم بلد في هذا العالم من شر أجهزة السياسة الخارجية الأميركية.
قتل الأمل في العالم أو الدولة أو الشركة الخاصة هو أكبر مهدد للوجود، ومن يضحي بعشرات الآلاف من العاملين المخلصين في الولاء، من أجل الوثوق بمن لا يستحق الثقة إنما يغامر بمستقبل مؤسسته إن عاجلاً أو آجلاً. قهر الرجال الذين لم تجرب عليهم الخيانة يوغر الصدور، ويورث العداء، ومع مرور الزمن يموت الأمل، فيتحولون إلى عوامل هدم بدلاً من البناء.
المصدر: الرياض[/align]
هناك دول تخصصت في قتل الأمل، فتحول العالم من حولها إلى كرة من جحيم تتدحرج لتفتك بالجميع بدون تمميز. يقول وليام بلو مؤلف كتاب "قتل الأمل" عن أميركا مثلاً التي تخصصت في قتل الأمل في غيرها من الدول، وفتحته على مصراعيه لمواطنيها: "إذا تصفحت وجه السياسة الخارجية الأميركية خلال القرن الماضي، فسوف يظهر لك فيه.. الغزوات.. التفجيرات.. الإطاحة بالحكومات.. الاستعمار.. قمع حركات التغيير الاجتماعي.. اغتيال القادة السياسيين.. إفساد الانتخابات.. التلاعب بالنقابات العمالية.. فبركة الأخبار.. فِرق الموت.. التعذيب.. الحرب.. اليورانيوم المنضب، الأسلحة البيولوجية.. تهريب المخدرات.. المرتزقة". فماذا أخرجت لنا هذه السياسة في قرن أميركا الجديد، القرن الواحد والعشرين؟ تأمل ماحدث في العالم بسبب سياسات أميركا الخارجية خلال 14 عاماً مضت يكشف بوضوح حجم الدمار الذي الحقته أميركا بالعالم.
قتل الأمل تجاوز فعل السياسة الخارجية الأميركية إلى تصرفات الدول المستهدفة التي تمادت في قتل الأمل عند شعوبها فانفجرت قنابل الصبر واليأس في وجه الأنظمة فخلفت دماراً يتوسع يوماً بعد آخر ليحصد ما بقي من أمل، ويحرق ما نسيه من حياة.
ويورد كاتب أميركي من أصل صيني اسمه يانغ منغ تشو فيقول: أتذكر صديقاً أثيراً إلى قلبي، نعمت شركته بالتميز والمنافسة لأنه أحسن إدارة دفتها بشخصه، ففتح الأمل على مصراعيه لموظفيها، وأدخلهم معه شركاء في نسبة من الأسهم، وبذلك لم يعد يعقب على حضورهم أو مستوى عملهم فقد أعطاهم الحق في شراكته في النجاح والربح، والثقة في إدارة شؤون الشركة، فأعطوه في المقابل الإخلاص، وزادوا وتيرة الإنجاز، وجودته فتحققت أرباح لا مثيل لها في تاريخ الشركة. ولما تنحى عن إدارتها لظروف خارجه عن إرادته، قلّب نظره في حالها، وكان يسيطر عليه هاجس الثقة والولاء، ويخشى الخيانة والغدر، فتردد بين أن يأتي بمن يستطيع قيادة دفة الشركة من المؤهلين سواء من العاملين فيها، أو بمن يثق به من خارجها، فاختار الثقة دون دراسة بقية البدائل، فجاء بمدير يثق به دون تمحيص في سابق خبرته، وأخلاقه، وقدرته على القيادة ناهيك عن الإدراة. وكان وصولياً، ومنحطاً أخلاقياً، وانتهازياً، ولكن لم يكن صاحبنا يعلم كل تلك التفاصيل، فمن باب لم يكن يظهر أمامه إلا النشاط والتفاني والفهلوة، ومن جانب آخر فإنه قربه منه منع الآخرين من إيصال رأيهم فيه له.
استخدم المدير المعين الدعم غير المحدود من رب الشركة، فأصبح يديرها بالحديد والنار من جانب، وجعل من جانب آخر التهاني تنهال على صاحبنا من داخل الشركة ومن خارجها، ولا يكاد يمر أسبوع إلا وشركته حاضرة في الإعلام، والاتصالات التلفونية تشيد بالمدير الجديد، والاتفاقيات توقع حتى خُيّل لمالك الشركة أنه أخطأ في أنه لم يأت به مبكراً. وفي الجانب المعتم كان الغليان هو سيد الموقف داخل الشركة، لا أمل ولا احترام ولا تقدير. تلاعب بأركان الإدراة، اليوم يقرب هذا، وغدا ينحره من أجل ذاك، وحاول أن يشيع الشك فيما بينهم، وقرارات متناقضة، ومركزية لاحدود لها. ويوماً بعد آخر كانت أسهمه تعلو خارج الشركة، والانهيار يتسارع داخلها، ومالكها يستمتع بمتابعة الإعلام وبعض الاتصالات المصنوعة. بل وصل الأمر به أن يعرض على بعض العملاء الكبار أن يُضمّن عروضهم ما يروق لمالك الشركة فهو يعرف حقاً ما يريد بغض النظر عن جدوى العروض المالية للشركة. فقد كان بمعنى الكلمة يستغفل صديقه.
تحولت الشركة إلى خرابة، فلا روح فيها ولا أمل في غدٍ أفضل، ولا كرامة ولا احترام، فكان الجميع يأتون ويخرجون ولاينجزون شيئاً. كان المدير يعلم أنه غير أهل لإدراة الشركة ومتيقن أنه سينكشف يوما، فبدأ يسخر إمكانات الشركة لتلميع سمعته، ويمكّن لنفسه، ويتقوى في وجه لحظة يقظة مفاجئة من صاحب الشركة. بنى سمعة كبيرة في أعمال الخير، فاطمأن إلى بقائه، وتمادى في غيه. كان يرسل التبرعات للجمعيات الخيرية باسمه، وعندما يلومه المقربون منه على عدم تدقيقه في هباته وتبرعاته، يرد عليهم أنتم لا تفهمون شيئاً، أنا أشتري صمت هؤلاء فيما لو تأخرت عن دفع الضرائب، عندها أكون فوق الشبهات. كان نهاراً يدعم أعمال الخير، والمعابد، وليلاً يلعب القمار حتى الصبح، ويدعم كل الموبقات.
عندما قُتل الأمل في كل القيادات التي كانت محل تقدير مالك الشركة، لم يجدوا بداً من الوصول إلى مالكها، ولكن بعد فوات الأوان، فقد انهارت الشركة من الداخل، واستخدم مديرها شعبيته للخروج بدون محاسبة. لقد هدم الشركة في بضعة شهور، وقدرت جهود إعادة البناء بعدة سنوات وأموال ضخمة دون ضمان النجاح.
الأمل أبدع وبنى الشركة، واليأس قتل الأمل ودمر الشركة، وكذلك تفعل الدول ضد بعضها، ويفعل المسؤولون في أوطانهم. يقتلون الأمل وهم غير قادرين على تحمل تبعاته.
السيد وليام بلو في كتابه آنف الذكر قدم لنا سرداً بالوثائق لأفعال أميركا في العالم في 260 صفحة. ولم يسلم بلد في هذا العالم من شر أجهزة السياسة الخارجية الأميركية.
قتل الأمل في العالم أو الدولة أو الشركة الخاصة هو أكبر مهدد للوجود، ومن يضحي بعشرات الآلاف من العاملين المخلصين في الولاء، من أجل الوثوق بمن لا يستحق الثقة إنما يغامر بمستقبل مؤسسته إن عاجلاً أو آجلاً. قهر الرجال الذين لم تجرب عليهم الخيانة يوغر الصدور، ويورث العداء، ومع مرور الزمن يموت الأمل، فيتحولون إلى عوامل هدم بدلاً من البناء.
المصدر: الرياض[/align]