قبل أن ينقضي رمضان
إبراهيم بن صالح العجلان
قبل أن ينقضي رمضان 25/8/1442هـ
أما بعد : فاتقوا الله أيها الصائمون حقَّ التقوى، فهي الملاذ والأمان ليوم البعث والنشور، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصَّل ما في الصدور، فالعمر مهما طال قصير، (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
صَدَقَ اللهُ ومن أصدق من الله قيلاً )أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ(
بِالأَمسِ أَقبَلَ مُشرقَ المِيلادِ ** شَهْرُ التُّقاةِ ومَوسِمُ العُبَّادِ
واليومَ شدَّ إلى الرَّحيلِ مَتَاعَهُ **قد زوَّد الدُّنيا بخيرِ الزَّادِ
ها هو رمضان يا من أحببتم رمضان قد دنى فراقُه، وحان وداعُه. اصفرَّتْ شمسُه، وأزِفَ رحيلُه، ولم يبق إلا قلُيله .
هلالٌ يَبْرُق، وهلالٌ يُشْرِق، وما بين هذا وذاك إلا كَطَيْفِ حُلُمٍ، أو لَمـْحِ بَصَرٍ .
وهذه هي حالك أيها الإنسان سائر بين إشراق وغروب، وليل ونهار، حتى تأتيك مَنِيَّتُك، ويَحْتَنَّ حِيْنُك، {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورا }.
وقبل أن ينقضي رمضان قف أيها الصائم وسل نفسك وكاشفها...
ماذا غنمت من رمضان؟
ماذا عن تزكية النفس والتقوى، وماذا عن الانكسار والنجوى.
ماذا عن الذكر والقرآن، وماذا عن بذل يمينك من البر والإحسان.
ماذا عن رقة قلبك، واستقامة جوارحك، وتشميرك لطاعة ربك.
كيف هي روعة الأخلاق، هل هي في ازدياد وانطلاق، أو لا زالت في فقر السلوك والشقاق.
إنها أسئلة كثيرة، حري بكل مسلم أن يحاسب ذاته فيها، ولا يزال العبد بخير ما دام يحمل نفساً لوامة.
أخي المبارك .. يا من عاش شهر القرآن والغفران... إن كنت ممن أحسن في هذا الشهر الكريم، وهذا الظن بك فزادك ربي حرصاً، واثبت أُخَيَ على عملك الصالح، فإنك على الصراط المستقيم، وسائر في الطريق القويم، لجنة ربِّك الكريم.
تذكر يا من وُفِّقَ للعمل الصالح أن من علامات القبول: المداومة على صالح العمل، والوجل من حبوط العمل، بعد العمل {والذين يؤتوون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون }.
وإن كنت أخي المبارك ممن قصر وتغافل، ونام عن أجره وتجاهل، فما أقبح الغفلة تتبعها الغفلة.
يا من أساء الاستقبال أحسن الوداع، تذكر أُخي أن الأعمال بالخواتيم، وأن البابَ مفتوح، والخيرَ مفسوح، وعتقَ الرقابِ ممنوح .
فأقبل يا رعاك الله إلى كرم ربك، واستشعر فضله وفيضه،
فقد بَقِيَ ليالٍ فاضلاتٌ، ومِنَحٌ وهِبَات، بقي أنك ترجوا رَباً رَحِيمٍ، وإلهاً كَرِيماً.
يا أهل الإحسان والتقصير، أحسنوا الظنَّ باللطيف الخبير، وأَلِحُّوا على اللهِ بالدعاء فلن يضيع منه فتيل ولا قطمير، تضرَّعُوا لله وارجُوه، وانيبوا بين يدَيه سبحانه واستغفِرُوه، اطلُبُوا خيرَي الدنيا والآخرةِ لأنفُسِكم ولأهلِيكم وقرابَتِكم، ولبلادِكم، وللمُسلمين.
مضى رمضانُ محموداً وأوفى *** علينا الفطرُ يَقْدُمُهُ السرورُ
وفي مَـرِّ الشـهـورِ لنا فنـاءٌ *** ونحن نحبُّ أن تفنى الشهورُ
يا أهل الصيام والقيام، اجعلوا مسك الختام، وودِّعوا ضيفكم الغالي بالإكثار من كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وباللهج من كلمة الاستغفار، فكلمة التوحيد كما قال ابن رجب :( تهدم الذنوب، وتمحوها محوا ، ولا تُبْقِ ذنباً ، ولا يَسْبِقُها عمل ، وهي تعدل عتق الرقاب ، الذي يوجب العتق من النار) ... ويشهد لقوله رحمه الله ويصدقه قول النبي صلى الله عليه وسلم {من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كمن أعتق أربعة انفس من ولد إسماعيل } رواه مسلم في صحيحه .
وأما كلمة الاستغفار فحسبك أنَّ الله نادى بها من أساءَ الادبَ معه فقال: إن الله ثالث ثلاثة، فناداهم الرحيم:{أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}.
وقد جمع الله بين كلمة التوحيد والاستغفار في قوله {فاعلم أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }.
كان الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز في ختامِ كلِّ رمضان يكتب إلى الأمصار يأمرهم بالاستغفار، وصدقة الفطر ، وكان يقول في رسالته: قولوا كما قال أبيكم:{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين }.
بارك الله لي ولكم في القرآن .....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أحباب المصطفى ، اعلموا رحمكم الله أن من سنة الحبيب التي سنها لأمته وأوجبها عليهم: اخراج زكاة الفطر، تعبداً لله، وطهرة للصائم من اللغو والرَفَثْ، وطعمة للمساكين ، تُخرج عن الصغير والكبير والذكر والأنثى .
لا يجوز اخراجها بعد العيد، ولا قبله بأكثر من يومين، ويستحب أن يخرج المسلم أطيب القوت وأنفسَه حتى ولو غلا ثمنُه.
ويستحب أن تُخرج عن الخدم المسلمين من الرجال والنساء، فعله الصحابة.
ويستحب إخراجها عن الجنين في البطن ولا يجب، استجب ذلك خليفة رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وأما مكان اخراجها فالأفضل لفقراء البلد، ويجوز اخراجها لغيرهم اذا عمت الحاجة، واستشرت المسغبة..
والأفضل عباد الله أن يتولى الانسان توزيع زكاة الفطرة، ولو وكَّل فيها جاز.
اما إخراج زكاة الفطر نقداً بدل الطعام، فالصحيح أنه لا يجزئ، وهذا قول عامة أهل العلم ، فقد زكى النبي زكاة الفطر تسع سنوات، وسار على دربه صحابته،ولم يثبت عنهم إخراج القيمة مع شدة حاجتهم للمال، ووجود الموسرين من الصحابة.
وبعد إكمال عدَّة الصيام ندبنا ربنا إلى شعيرة التكبير في ساعات معدودات، يبدأ وقتها من غروب شمس آخر يوم من رمضان، إلى صلاة العيد ، فكبروا الله تعالى على ما هداكم، وعظموه ومجِّدُوه على ما وفَّقكم وأعطاكم، ارفعوا أصواتكم بها ، وأعلنوها في بيوتكم ومساجدكم وطرقاتكم.
{ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .
المرفقات
1620339332_قبل أن ينقضي رمضان.docx